كوريا الشمالية... سياسة متوارثة وصراعات خارجية مؤدلجة

 

شبكة النبأ: بعد تنصيب كيم جونج الزعيم الجديد خلفا لوالده الراحل كيم جونج ايل دخلت كوريا الشمالية حقبة سياسية جديدة نظرا لاعتماد زعيم الشاب سياسات الجديدة غير مسبوقة على اكثر من صعيد، من خلال سعيه لإنهاء الصراع العرقي الدائم مع كوريا الجنوبية ولتغيير جذري على المستوى اقتصادي لكن في الوقت نفسه اكد على الطموحات العسكرية للنظام الشيوعي، إذ يحاول طاقم الحكم الجديد من خلال التكنوقراط بالتغيرات الجذرية لسيطرة الكاملة على امور البلاد بحزم كما فعل الزعيم الراحل، لكن التجربة تقول ان الديكتاتوريات تكون في اضعف مراحلها عندما تحاول التخفيف من قبضتها. كما ان استمرار نظام الحكم في التحكم بحياة الناس بقبضة حديدية يمكن ان يؤدي الى نتائج عكسية، وعلى نحو غير معهود تسعى الكويتيين تحسين العلاقات على مختلف الأصعدة على الرغم من التوترات الحادة في الفترة الاخيرة، في حين يرى معظم المحللين أن غياب الحلول الوسطية ولغة الحوار بين طرفي النزاع، سيمنح الصراع فترة اطول، وقد تشكل تداعياتها الخطيرة عقبة كبيرة على الاقتصاد والأمن بالأخص للجانبين، بينما يرى محللون آخرون أن نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام قد تقف عائقا امام التطور الكوري على الأصعدة كافة.

هل اصبح لرجل الشمال القوي وريثا؟

فقد اهتمت وسائل الاعلام الكورية الجنوبية بزوجة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون موضحة ان لقطات عرضها التلفزيون الرسمي للنظام الشيوعي تثبت انها وضعت مولودا، وكانت وسائل اعلام توقعت ان تكون ري سول جو حاملا حفل تكريم لوالد زوجها كيم جونغ ايل الذي توفي قبل عام، وقد ارتدت السيدة التي لم يكشف عن وجودها اصلا الا في تموز/يوليو 2011، زيا تقليديا كوريا شماليا اخفى بالكاد بطنها المنتفخ جدا، ما اطلق شائعات عن حملها، لكن صورا التقطت مؤخرا لاحتفالات رأس السنة كشفت انها لا تبدو حاملا، وتساءلت صحيفة دونغ-آ ايلبو "اختفى البطن (...) هل وضعت ري سول جو مولودها؟". بحسب فرانس برس.

وقال مسؤول في حكومة كوريا الجنوبية لوكالة الانباء يونهاب ان ري "وضعت مولودها على ما يبدو"، ونقلت وسائل الاعلام الكورية الجنوبية معلومات استخبارية تفيد ان كيم جونغ اون وري سول جو تزوجا في 2009 ورزقا بطفل، ووالد ري استاذ جامعي على ما يبدو ووالدتها طبيبة، وقد زارت كوريا الجنوبية في 2005 بصفتها مشجعة للفريق الوطني في مباريات العاب القوى لكأس آسيا.

تحسين العلاقات

على الصعيد ذاته أظهرت بيانات حكومية أن كوريا الجنوبية زادت من ميزانيتها المخصصة لتمويل مشروعات لها علاقة بكوريا الشمالية هذا العام، ومازالت الكوريتان في حالة حرب من الناحية الفنية بعد الصراع الذي دار بينهما في الفترة بين عامي 1950 و1953 وانتهى بهدنة وليس معاهدة، وتنتهي رئاسة لي التي استمرت فترة واحدة في فبراير شباط حيث ستحل محله بارك جيون-هاي التي تعهدت بالتعامل مع كوريا الشمالية التي لمح زعيمها الجديد كيم جونج اون الى رغبته في تحسين العلاقات في كلمة ألقاها بمناسبة العام الجديد، وقالت وزارة الوحدة في كوريا الجنوبية إن البرلمان أقر زيادة بنسبة 9.1 في المئة في صندوق التعاون بين الكوريتين هذا العام الى 1.1 تريليون وون (1.03 مليار دولار)، وقالت المتحدثة باسم الوزارة بارك سو جين "آخر عرض باجراء محادثات قدمناه لكوريا الشمالية كان في الصيف الماضي عندما عانى الشمال من أضرار الفيضانات". بحسب رويترز.

واضافت "قدمنا هذا الطلب مرات لا حصر لها ويمكن القول ان العرض (باجراء محادثات) مازال مفتوحا"، ورغم زيادة المخصصات لكوريا الشمالية مازالت أقل من المستويات التي كانت عليها في عهد الرئيس الراحل روه مو هيون الذي واصل سياسة "الشمس المشرقة" التي انتهجها سلفه كيم داي جونج.

تحول جذري لاصلاح الاقتصاد

على صعيد ذو صلة اعلن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون عن "تحول جذري" لاصلاح الاقتصاد المنهك في البلاد واكد مجددا الطموحات العسكرية للنظام الشيوعي بعد اطلاقه صاروخا اكد انه لوضع قمر صناعي في المدار لكن الغرب اعتبره بالستيا، وفي رسالة بثها التلفزيون والاذاعة، عبر كيم جونغ اون الذي تولى السلطة خلفا لوالده كيم جونغ ايل في كانون الاول/ديسمبر 2011، عن امله في ان تكون 2013 سنة "الابتكارات الكبرى والتغييرات"، وقال "علينا ان نقوم بتحول جذري لبناء اقتصاد عملاق بالروح والشجاعة التي تحلينا بها لغزو الفضاء. هذا هو الشعار الذي يتبعه الحزب والشعب هذه السنة"، واضاف ان "الحزب باكمله والبلاد والسكان يجب ان يشاركوا" في هذا "التحول الكامل" الذي يهدف الى "تحسين مستوى معيشة السكان" الذين قال العام الماضي انهم لن يضطروا "لشد الاحزمة" في عهده، وقال يانغ مو جين الاستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول ان هذه التصريحات قد تكون "تمهيدا لاصلاحات اقتصادي محدودة" فعلا، وكانت الصين حليفة الشمال، دفعت في السنوات الاخيرة جارتها الفقيرى الى الافنتاح اقتصاديا بدون ان تحقق نتائج تذكر باستثناء فتح مناطق للنشاطات على طول الحدود المشتركة، وبدأت اصلاحات خجولة في 2002 لمحاولة الحد من آثار تراجع الدعم المالي والمساعدات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في التسعينات، لكن السلطات الكورية لشمالية المركزية جدا، تخوفت من ازدهار التجارة الصغيرة والغت معظم الاصلاحات بعد ثلاث سنوات، وتشهد كوريا الشمالية ازمات غذائية بسبب الادارة السيئة لقطاعها لزراعي والفيضانات والجفاف وتباطؤ المساعدة الدولية في السنوات الاخيرة، وفي منتصف التسعينات، سببت مجاعة موت اكثر من مئات الآلاف من الاشخاص حسب منظمات غير حكومية والامم المتحدة التي قدرت عدد الكوريين الشمالية المحتاجين الى مساعدات غذائية يبلغ ثلاثة ملايين من اصل 24 مليون نسمة. بحسب فرانس برس.

وتدين كوريا الجنوبية باستمرار النفقات العسكرية الكبيرة لجارتها الشمالية بينما لا تؤمن الغذاء لسكانها. لكن حول هذه النقطة بدا كيم مصرا على سياسة الشمال، وقال كيم جونغ اون ان "القوة العسكرية لبلد ما تمثل قوته الوطنية ولا يمكن ان تتطور الا ببناء قدرتها العسكرية في كل المجالات"، واخيرا اكد كيم في رسالته هذه بمناسبة رأس السنة ان "تاريخ العلاقات بين الكوريتين يظهر ان المواجهة بين مواطنينا لا تقود الى شىء سوى الى الحرب"، وتأتي هذه التصريحات بعد اسبوع على انتخاب المحافظة بارك غيون هي رئيسة لكوريا الجنوبية وبينما يفكر مجلس الامن الدولي في فرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ بعد اطلاقها صاروخا.

صاروخ قادر على التحليق عشرة آلاف كيلومتر

من جهة أخرى اكد الجيش الكوري الجنوبي ان اطلاق كوريا الشمالية لصاروخ نؤخرا يعادل تجربة صاروخ بالستي مزود بشحنة تزن نصف طن ومداه حوالى عشرة آلاف كيلومتر، واطلقت بيونغ يانغ في 12 كانون الاول/ديسمبر صاروخ اونها-3 وضع قمر اصطناعي مدني في المدار بنجاح في مهمة محض علمية، كما يؤكد الشمال، وفي تقديراته هذه، اعتمد الجيش الكوري الجنوبي على تحليل خزان يحوي مادة تولد بتفاعلها مع مادة اخرى المحروقات اللازمة للصاروخ، وسقط عند اطلاق الصاروخ في البحر. وقد تمكنت البحرية الكورية الجنوبية من الحصول عليه، وقال ناطق باسم وزراة الدفاع للصحافيين "على اساس تحليلاتنا ومحاكاة لعملية الاطلاق، يبدو ان الصاروخ قادر على التحليق اكثر من عشرة آلاف كيلومتر بشحنة تزن بين 500 و600 كلغ"، وكان الخزان مثبت على الطبقة الاولى من الصاروخ، وفي غياب اي قطع من الطبقتين الثانية والثالثة للصاروخ اونها-3، لم يتمكن العلماء الكوريون الجنوبيون من تحديد ما اذا كان الصاروخ قادرا على العودة الى طبقة الجو، وهو عامل اساسي في تقنيات الصواريخ البالستية العابرة للقارات، وقال المسؤول نفسه ان البقايا التي تمكن الجنوب من جمعها تتألف من ثمانية الواح من الالمنيوم والمغنزيوم لحمت ببعضها يدويا، واضاف ان "اللحام مصنوع يدويا وغير متقن"، موضحا ان هذا النوع من الخزانات لتخزين مواد كيميائية سامة لا تستهخدمه الدول التي تملك تكنولوجيا فضائية متقدمة الا في ما ندر. بحسب فرانس برس.

وتؤكد كوريا الشمالية ان عملية الاطلاق وضعت في المدار قمرا للابحاث السلمية لكن اصواتا معارضة اكدت انها كانت تجربة صاروخ بالستي سجلت تقدما كبيرا في برنامج الاسلحة النووية للدولة الشيوعية، واثارت التجربة ادانة دولية حتى من الامم المتحدة رغم ان دبلوماسيين اكدوا ان الصين حليفة كوريا الشمالية تحاول عرقلة الجهود الاميركية لفرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ في مجلس الامن الدولين وتخضع بيونغ يانغ لعقوبات دولية لقيامها بتجربتين نوويتين في 2006 و2009 واللتين اجريتا بعد اطلاق صواريخ بعيد المدى.

تجربة نووية جديدة

الى ذلك اعلن مركز دراسات اميركي استنادا الى صور التقطتها اقمار اصطناعية ان كوريا الشمالية تمكنت من تدارك الخسائر الناجمة على الفيضانات في مركزها النووي وقد تقوم قريبا بثالث تجاربها النووية، واكد المعهد الاميركي الكوري لجامعة جونز هوبكينس ان الصور التي التقطت الاخيرة منها في 13 كانون الاول/ديسمبر، غداة اطلاق صاروخ قالت واشنطن انه بالستي، تدل على ان النظام يحرص على يكون موقع بونجي-ري في حالة جهوزية دائمة، وتوقع المعهد في بيان نشر على موقعه تجربة نووية في ظرف اسبوعين اثر قرار في هذا الصدد اذا لم يشكل تسرب كمية قليلة من الماء مانعا، واضاف "لا يمكن القول بدقة اذا كانت تلك المشكلة تحت السيطرة او اذا قد تمت تسويتها" بعد ذلك، وقد اجرت كوريا الشمالية تجربتيها النوويتين في تشرين الاول/اكتوبر 2006 وايار/مايو 2009 بعد بضعة اشهر من عمليتي اطلاق صاروخ فاشلتين، ونجحت كوريا الشمالية في الثاني عشر من كانون الاول/ديسمبر في اطلاق صاروخ يونها-3 المكلف وضع قمر اصطناعي في المدار، في مهمة محض علمية على حد قولها. بحسب فرانس برس.

لكن منتدقيها وفي مقدمتهم واشنطن يقولون انها في الحقيقة تجربة صاروخ عابر للقارة، وهي مرحلة اساسية في البرنامج النووي العسكري، ويتهم الغربيون وحلفاؤهم الاسيويون نظام بيونغ يانغ بحيازة عدة قنابل نووية والقيام بتجارب ذرية من اجل التوصل الى الحد من حجمها لتركيبها على الصواريخ، غير ان الخبراء يرون ان تطوير قدرة نووية عبر صاروخ عابر للقارات سياخذ وقتا طويلا.

وضع حقوق الانسان

من جانب آخر اعلن المقرر الخاص للامم المتحدة حول ملف كوريا الشمالية ان وضع حقوق الانسان في هذا البلد لم يسجل تحسنا منذ وصول كيم جونغ اون الى الحكم خلفا لوالده الراحل كيم جونغ ايل في كانون الاول/ديسمبر 2011، وقال مرزوقي داروسمان ان نحو 16 مليونا من الكوريين الشماليين من اصل 25 مليونا "لا يزالون يعانون انعدام الامن الغذائي وسوء التغذية بدرجات متفاوتة"، واضاف "ليس هناك اي مؤشر الى تحسن حقوق الانسان في كوريا الشمالية"، موضحا انه لفت خصوصا في تقريره الى تعرض لحرية التعبير ومواد في قانون العقوبات "لا تنسجم مع القوانين الدولية" والوضع الاقتصادي البالغ الهشاشة للكوريين الشماليين، وسيقدم داروسمان تقريره الى الجمعية العامة للامم المتحدة، ودعا بيونغ يانغ الى "اعادة النظر في الاولوية" المطلقة المعطاة للجيش على حساب السكان المدنيين و"تحسين المستوى المعيشي"، وابدى المقرر الخاص تشاؤمه بازاء احراز تقدم على المدى القصير، مع اقراره بافتقار اي جهة الى معلومات ذات صدقية عن النظام. بحسب فرانس برس.

وقال ايضا ان "الازمات الغذائية مشكلة مزمنة لا تاثير لها على النظام (السياسي الكوري الشمالي) بمجمله (...) واي تكهن بانهيار وشيك للنظام هو غير واقعي"، واعتبر داروسمان الذي عين في اب/اغسطس 2010 ولم يسمح له بزيارة كوريا الشمالية انه بعد عشرين تقريرا للامم المتحدة "فان كل ما يمكن قوله عن كوريا الشمالية قيل من دون شك"، واقترح ان تعد هيئات الامم المتحدة "حصيلة" وتستحدث "الية تحقيق اكثر تفصيلا" حول وضع حقوق الانسان في كوريا الشمالية، واشار ايضا الى "عدم حصول اي تطور جديد" في ما يتصل باليابانيين والكوريين الجنوبيين المخطوفين لدى كوريا الشمالية، وحول معلومات عن نية كيم جونغ اون لتوسيع نطاق استخدام الانترنت والهاتف النقال، قال ان هذا الامر في حال حصوله "سيظل محدودا".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/كانون الثاني/2013 - 29/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م