القاتل ان حكى... مجرد تذكير!

شهادات القتلة والضحايا في الحرب الاهلية اللبنانية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كثير من الكتب تكتشفها متأخرا..وهناك عدة اسباب لهذا التاخير، زحمة المشاغل، عدم المعرفة بهذه الكتب، زحمة العناوين التي عليك متابعتها، اهتماماتك احيانا كثيرة تكون العائق امام مثل تلك الاكتشافات.

بعد الاكتشاف، تضع الكتاب جانبا، حتى تسنح لك الفرصة للشروع في القراءة والاستمرار فيها.

الكتاب الذي اتحدث عن اكتشافه متاخرا، هو كتاب اللبناني نصري الصايغ والذي حمل عنوان (القاتل ان حكى.. سيرة الاغتيالات الجماعية) وهو شهادة من الكاتب عن الحرب الاهلية اللبنانية التي عاش فصولها، واشترك في بعض مفاصلها، وهي شهادة ايضا عن شهادات داخلية في الكتاب لقتلة اعترفوا بجرائمهم وقدموا اعتذارهم للبنان وللضحايا.. منهم ريجينا صنيفر، وجوزف سعادة، واسعد الشفتري.

ريجينا صفير لها كتاب حمل عنوان (القيت السلاح) وجوزف سعادة له كتاب حمل عنوان (انا الضحية والجلاد انا) واسعد الشفتري قدم اعتذارا علنيا مكتوبا.

كتاب الصايغ قرع مستمر على الذاكرة اللبنانية، التي يراها قد نسيت او تحاول نسيان ماحدث في تلك السنوات المجنونة، لكنها في محاولة النسيان لم تتعلم الدرس بعد.. يقول نصري الصايغ: (من حقي ان اكون جبانا جدا عندما اسمع امراء الحرب وتلامذتهم ومحازبيهم واعلامييهم يتحدثون عن لبنان الجديد، الذي يشبه لبنان القديم، حذو النعل بالنعل لاجديد فيه، الا ما استجد من قديمه.. من حقي ان اكون جبانا حقيقيا، عندما ارى مليونا يتصدى لمليون، كل يرفع عقيرته باسم الحق والحرية وهلم جرا من شعارات، يحتاج كل واحد منها الى عناية الهية مستدامة كي تتحقق.

من حقي، ومن حق عائلات لبنانية كثيرة، ان نصطك هلعا عندما نرى دبيك السياسيين الجدي، فوق سطح بلد، تهاوت اعمدته مرارا، من كثرة الارتجاجات الاقليمية والدولية وعبث ابنائه بفضائل الانتماء، وتفضيلهم الدائم، الخسارة العامة، على الربح اليسير. يقامرون ويلعبون بالدماء، اخر لعبة دامت خمسة عشر عاما. تحسسوا جراحاتكم السابقة ودموعكم. هل تتذكرون؟).

لو حذفنا اسم لبنان من الكلام السابق ووضعنا بدلا منه العراق هل يمكن ان يكون هناك من اختلاف؟ لا اظن ذلك.

رغم هذا ورغم الخراب والماسي التي حلت بالعراقيين خلال تلك السنتين، 2006 – 2007 ، الا اننا وحسب متابعتي اليسيرة للنتاج الثقافي العراقي لم اقرأ عملا مشابها لعمل نصري الصايغ، شهادة توثيقية لتلك الحوادث ومحاولة التذكير بها كي لاننسى.

توجد بعض الكتابات الصحفية والتقارير، والتي تطرح وجهات نظر متعددة تبعا لتعدد اتجاهات كتابها المذهبية والقومية.. اما عمل متكامل كهذا العمل اللبناني فلايوجد في المكتبة الثقافية العراقية..وهو تقصير من جانب الكتاب العراقيين، وقصور في نفس الوقت، رغم وفرة الشهادات والشهود، وحتى القتلة الذين شاركوا في تلك الاحداث لازالوا احياءا يرزقون والكثيرين منهم اصحاب مناصب في الدولة العراقية، تحت شعارات المصالحة الوطنية او حكومة المشاركة او التوافق الوطني وغيرها من مسميات هي عكس الواقع السياسي الذي نشهد فصوله تباعا.

مسألة اخرى يثيرها الصايغ في كتابه، وهي مسالة الاعتراف والاعتذار، اعتراف القاتل بجرائمه، واعتذاره عن تلك الجرائم، بعد الحصول على العفو الحكومي للمشاركين في ارتكاب تلك الجرائم، ومشاركتهم في جبنة او كعكة الحكومة، كأن ذلك مكافأة لهم عن جميع ما ارتكبوه، وهو نفس مايحدث عندنا الان.

يكتب الصايغ: (وهكذا وصلت الى استنتاج اولي: الدولة اللبنانية لاتحمي احدا. انها تشبه الكمين. انها مجموعة فخاخ والغام، موزعة على زعماء وطوائف وامراء حرب، وقيادات زمنية وغير روحية برغم ماتوصم به من روحية. وهذه القوى تشكل مؤسسات تؤهل لبنان، بين حقبة واخرى، الى قيادة الموت المنظم).

وايضا كلامه في ما لو سحبنا كلمة لبنان منه، ووضعنا العراق بدلا من ذلك، لكاننا نقرأ توصيفا للعراق ولما يمكن ان يحدث فيه مجددا.

يتحدث الكاتب عن الخوف من الاخر الذي يسكن الثقافة اللبنانية، كما يسكن الان الثقافة العراقية الجمعية، (ففلسفة استعمال الخوف من الاخر، والتحريض عليه، من اجل الدفاع عن الخائف بالقوة وطلب الحماية، مآلها اعلان الحرب على الاخر).

يقول هيربرت ماركوز (العنف هو اختصاص اقليات) ويعرف المجتمع اللبناني المتعدد، بانه مجتمع اقليات. وقد مارست هذه الاقليات، في معظمها، العنف او ساعدت في توليده او في تربيته ورعايته.

يقول الكاتب: (الطائفية حمت القتلة الذين قتلونا، وامنت لهم المراتب السياسية العليا. امراء الشوارع والازقة والخراب والمجازر، صاروا امراء السياسة المطوبين بشفاعة الطوائف الروحية وغير الروحية).

القتلة بيننا. اعرف بعضهم، اطباء، اساتذة جامعة، خبراء تربويين، مرشدين اجتماعيين، مسؤولين في وزارات، مستشارين في اعادة المهجرين. انني اعرفهم في المقاهي، ويتحدثون بالاخلاق السياسية، كانهم من سلالة العدالة، وامراة قيصر.

قتلة ابائنا وابنائنا مازالوا بيننا. تقاعدوا من القتال بعدما امنت لهم الدولة عفوا عاما. افظع جريمة ترتكب بحق المقتولين واهاليهم... اننا نعرف من احتل البيوت. لقد كوفئوا.

نعرف من قتل ونكّل وزرع العبوات، وارسل السيارات المفخخة، ونعرف مقتنياته من السيارات والبيوت والفيلات والنساء كذلك. وقد كوفيء بالنسيان، واغدقت عليه القاب البطولة والشجاعة والإقدام وحمل الرسالة... هؤلاء هم قتلتنا في الماضي، وبيننا من يستعد للتشبه بهم قريبا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/كانون الثاني/2013 - 29/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م