البحرين وفيديو الصفعة... يصفع جبروت السلطة ويلهب الثورة

 

شبكة النبأ: تزداد يوما بعد يوم الممارسات التعسفية بحق أبناء الشعب البحريني سوءا، فلا تزال مفرمة الانتهاكات الحقوقية تواصل عملها على نطاق واسع من خلال الممارسات الإجرامية بتوجيه الإهانات للمواطنين دون داعٍ والعنف غير المبرر والاعتقال والملاحقة وسوء المعاملة والقمع المتواصل لأسباب واهية، وقد أوجز مشهد الغطرسة في فيديو الصفعة كل هذه الانتهاكات الصارخة بحق الكرامة الإنسانية، وهو المشهد الذي لا يمكن أن يتعدى الـ 1 في المئة مما يجري على أرض الواقع فعلاً من حالات التعدّي على حقوق الإنسان في البحرين.

فلم تكتف سلطات الأنظمة الشمولية بوسائل الرقابة والقمع المتعارف عليها في بلدان الظلم، بل ابتدعت أساليب جديدة لتمويه شعوبها، بأن هناك عادلة وحقوق، من خلال تعبئة الرأي العام وتجنيدهم بواسطة قادة الرأي، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه رياء التطرف وخادع الإنسانية، حيث أثار الفيديو استنكار مئات المشاهدين العرب والأجانب الذين عبروا عن غضبهم الشديد لـ"انتهاك كرامة المواطن البحريني بهذه الطريقة المهينة"، في حين تقدم الحكومة وحلفاؤها من الغرب تعهدات لا تغني ولا تنفع الشعب البحريني، كونها وعود كاذبة جوفاء، تخفي حقيقة معرفة الوجه الاخر لحقوق الانسان وانتفاضة البحرين، التي اغفلها العالم ومع ذلك فانها تبقى شعلة تأبى الافول.

فيديو الصفعة يهز البحرين

فقد انتشرت منذ أكثر من سنة على النت فيديوهات عديدة تظهر الممارسات العنيفة للشرطة في البحرين ولم تعد تثير ردود فعل كثيرة. لكن هذه المشاهد أثارت ضجة في المملكة لأن الأمر لا يتعلق هنا بالاعتداء على محتجين، ولكن برجل يتعرض للإهانة أثناء ضبط هوية اعتيادي وأمام طفله، حدث ذلك في 23 ديسمبر في قرية عالي وسط البحرين. الكاميرا تصور من وراء زجاج مشهدا يفترض أنه عادي: شرطي يسأل رجلا عن اسمه ومسقط رأسه. يرد المواطن الذي كان يحمل ابنه على ذراعيه أن اسمه حيدر وأنه من قرية عالي. لكن عندما طلب الشرطي بطاقة هويته ورخصة السياقة أجاب أنه لا يحملهما. فثارت ثائرة الشرطي وطلب من الأب خفض صوته، ثم شتمه. وصفعه صفعتين كاد في الثانية أن يضرب الولد الصغير أيضا الذي بدأ يبكي. وحاول الأب حجب المنظر عن ابنه الصغير كي لا يرى هذه الإهانة، الفيديو أثار ضجة في البحرين حيث سماه مستخدمو الإنترنت "فيديو الصفعة". وردا على هذه الفضيحة التي أثارها الفيديو، أعلنت وزارة الداخلية أنها احتجزت الشرطي وأحالته على المحاكمة العسكرية. وحسب الناشطين المحليين، فهذه ليست أول مرة يتصرف هذا الشرطي مثل هذا التصرف، "لا أظن أنهم حاكموا الشرطي حقا"، كان حيدر في ذلك اليوم يزور خالته التي تسكن غير بعيد ولذلك لم يحمل أوراقه معه. الحي الذي تسكن فيه خالته حوله طوق أمني مثل العديد من الأماكن الأخرى في البحرين خلال الأيام الأخيرة لأن البحرين كانت تستضيف اجتماع قمة الخليج بين 24 و25 ديسمبر في العاصمة المنامة وكانت الحكومة تخشى المظاهرات. بحسب موقع مونت كارلو وفرانس 24.

ما لا نراه على الفيديو هو أن شرطيا آخر أوقف في البداية سيارة حيدر وطلب منه أن يتقدم عند زميله. حيدر نفذ الأمر لكنه رفض ترك ابنه وحده في السيارة. يسود التوتر وهذا ما دفع الشاهد العيان إلى تصوير ما سيحدث من نافذته المصور يبدأ في التصوير قبل دخول الأب إلى مجال التصوير كأنه يتوقع حدوث شيء بالفعل.

لقد أعلنت وزارة الداخلية أنها احتجزت الشرطي وحاكمته. أنا شخصيا لا أصدق ذلك. أرى أن هذه التصريحات ترمي إلى تهدئة الرأي العام. وإلا لماذا لا تعطي السلطات أي دليل مصوّر على هذا الاحتجاز؟ ولماذا تجرى المحاكمة سرا محاكمة عسكرية بدل أن تكون علانية؟.

يحطم ارقام المشاهدة

فيما تحول حادث صفعة شرطي بحريني للشاب حيدر عبد الرسول إلى قصة خبرية عالمية إذ فاق عدد الأشخاص الذين شاهدوه أكثر من مليون و600 ألف شخص، فقد تناقل مستخدمو المواقع الاجتماعية حول العالم شريط فيديو طوله دقيقة و13 ثانية لحيدر عبد الرسول وهو يتعرض للصفع بقوة على وجهه من قبل شرطي بحريني يدعى علي عارف، وقال حيدر في تصريحات صحافية إن دورية للشرطة كانت متوقفة بالقرب من منزل خالته في منطقة "عالي" غربي العاصمة المنامة، وطلب منه ضابط بطاقته الشخصية، وعندما أجاب حيدر بأنه نسيها في البيت انهال الشرطي بصفعة قوية على وجهه دون سبب واضح، قبل أن ينهره مجددا ويقترب منه ويصفعه مجددا على وجهه بقوة بينما كان يحمل طفله الرضيع ما أثار خوف الطفل الصغير وبكاءه.

وأوضح حيدر أن الشرطي طلب منه وضع طفله في السيارة والعودة للحديث إليه مجددا، بينما كان أحد الشباب يقوم بتصوير المشهد بالصوت والصورة، وأضاف حيدر أن الشرطي لم يوضح أسباب ضربه على وجهه ولا أسباب غضبه، وأفاد أن ردود الفعل الغاضبة التي أثارها نشر فيديو ضربه على موقع "يوتيوب" دفعت وزارة الداخلية لاستدعائه والتحقيق معه ومع الضابط الذي ضربه، والذي تم إيقافه عن العمل ويجري التحقيق معه حاليا، وسجل فيديو الاعتداء على حيدر نسبة مشاهدة قياسية على موقع "يوتوب"، إذ فاق عدد الأشخاص الذين شاهدوه حتى كتابة هذا التقرير أكثر من مليون و600 ألف شخص، وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية البحريني غانم البوعينين "إن وزير الداخلية البحريني مهتم بصفة شخصية بهذه القضية، وتقوم بالتحقيق في حيثيات القضية، لكن حيدر عبد الرسول قال في تصريحات صحافية إن وزارة الداخلية طلبت منه إحضار شهود على واقعة الضرب الذي تعرض له بعدما نفى الضابط واقعة اعتداءه عليه، وأضاف "قلت للمسؤولين: الفيديو بالصوت والصورة أليس شاهدا كافيا؟ لقد رأيتم الفيديو وشاهدتم كيف صفعني أمام طفلي واعتدى علي دون سبب".

وخصص مستخدمو موقع "تويتر" هاشتاغ خاص بفيديو الاعتداء على حيدر عبد الرسول أطلقوا عليه إسم فيديو_الصفعة عبروا من خلاله عن استنكارهم الشديد للإعتداء وطالب بعضهم بمحاكمة الضابط وكل من تسول له نفسه الاعتداء على كرامة البحرينيين، فيما ذهب بعضهم إلى مهاجمة ملك البحرين شخصيا والمطالبة بإسقاطه.

وفي السياق، قالت المحامية ميرفت جناحي إن ضغوط تجرى حالياً على الشاب المصفوع من قبل رجل أمن في منطقة عالي لتأثير عليه والتنازل عن القضية تحت "مسمى من عفا وأصلح فأجره على الله"، وأكدت المحامية أن حيدر عبد الرسول ما زال ثابتاً على موقفه بقوله "إن تنازلت عن حقي وعفيت، ماذا عن حق طفلي. لا أملك حق التنازل فالإهانه لم أتلقاها لوحدي"، وكانت جناحي أشارت في 27 ديسمبر الماضي إلى أنه تم أخذ أقوال حيدر في مركز الشرطى، الانتقال إلى مكان الحادث وتمثيله للواقعة وذلك بحضور ملازم من المحاكم العسكرية وتم عرض مجموعة من رجال الأمن عليه، وقد تعرف على الشرطي الذي قام بالاعتداء عليه بالصفع وقد تم توقيفه لاستكمال الإجراءات القانونية، وقالت جناحي: "أبدى محافظ الوسطى رغبته بلقاء الشاب حيدر في مبنى المحافظة، واجتمعنا معه بحضور المحافظ والنائب والملازم عبدالرحمن الجاسم، وأبدى الجميع اهتمامهم بالقضية وإن الذي تعرض له غير مقبول مع التأكيد على سير الإجراءات القانونية اللازمة".

مثل هذه الصفعة أشعلت الربيع العربي

وقد اوضح الكاتب جميل المحاري في مقاله بجريدة صحيفة الوسط البحرينية حدثان مهمان لا يمكن لهما إلا أن يضعا بصمة واضحة في حوادث هذا العام البغيض على المستوى المحلي قبل أن يطوي صفحاته دون رجعة. ليس لأنهما فريدان من نوعهما، ولكن ربما لأنهما اختزلا أهم ما دار في هذا العام "النحيس".

أول هذين الحادثين هو زيارة وفد برلمان الإتحاد الأوروبي للبحرين، فيما تتمثل الحادثة الثانية في الصفعة التي وجهها أحد أفراد الأمن لمواطن بريء وهو يحمل طفله الصغير على كتفه دون أي مبرر، زيارة وفد البرلمان الأوروبي، لم تكن الوحيدة من نوعها فيما يتصل بزيارة وفود المنظمات والمؤسسات الدولية والحقوقية للبحرين، فحسب وزير العدل، قامت هذه المنظمات بأكثر من 80 زيارة للإطلاع على الأوضاع في البحرين، ولكن تكمن أهمية هذه الزيارة بالذات لأنها أولا تمثل ضمير الشعب الأوروبي بأكمله، وموقفه مما يدور من انتهاكات لحقوق الإنسان هنا. كما لا يمكن الطعن في مصداقية الوفد وحرفيته ونزاهته أمام العالم، فهذا الوفد لا تأخذه في الحق لومة لائم على عكس برلماناتنا العربية التي يمكن أن تأخذها في الله لومة أكثر من 20 مليون لائم، بداية لم تكن هذه الزيارة مرحباً بها من الجانب الرسمي بدليل منع أحد أعضاء الوفد من زيارة البحرين، وهي عضو البرلمان الأوروبي الهولندية ماريتي شاك، عن طريق عدم منحها تأشيرة للزيارة بحجة تقديم الطلب في وقت متأخر، حيث أصدرت سفارة البحرين في بروكسل بياناً تقول فيه أن البرلمان الأوروبي تقدّم بطلبٍ إضافي لإصدار تأشيرة لزيارة ماريتي شاك للبحرين، وأن السفارة لم تتمكن من إصدار التأشيرة لضيق الوقت!، في حين أن مثل هذه التأشيرة يمكن أن تُمنح لمعظم مواطني دول العالم بما فيها الدول الأوروبية خلال خمس دقائق فقط وفي مطار البحرين!.

ما يهم في هذا الموضوع نقطتان، الأولى هي ما قاله الوفد في مؤتمره الصحافي في ختام زيارته، وتأكيده على أهمية إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وعدم جواز تعرض الطاقم الطبي للاعتقال والتشهير، والتأكيد على أهمية الحوار الذي يمكن أن يخرج البحرين من أزمتها، النقطة الثانية المهمة هي ما أورده عضو الوفد ريتشارد هويت على «التويتر»، والتي كشف فيها خبايا اللقاءات التي أجراها الوفد سواء مع الجهات الرسمية أو الجهات الأهلية، والتي لا يمكن البوح بها بشكل رسمي في أي مؤتمر صحافي، ومن بين أهم هذه التغريدات حديثه عن لقائه بالمعتقلين السياسيين، وكيف تحدّثوا له عن تعرضهم للتعذيب، وما اعترف به أحد كبار المسئولين في البحرين من أن هناك سجناء رأي.

الأهم من كل ذلك أن السواد الأعظم من المنظمات الدولية والحقوقية التي زارت البحرين في الفترة الأخيرة كان لها نفس الاستنتاجات ونفس الآراء!، والآن يمكن الحديث عن الحادثة الأخرى، والتي تتصل مباشرة وتدعم ما تتوصل إليه هذه المنظمات من مواقف تجاه الأزمة في البحرين، وهي حادثة صفع أحد رجال الأمن لمواطن على وجهه دون أدنى سبب، سوى أن يثبت رجل الأمن هذا أنه ليس للمواطن البحريني "وخصوصاً من طائفة معينة" أي صفة إنسانية، وأنه يمكن أن يمارس ضده كل أنواع الممارسات الحاطة بكرامة الإنسان، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه التطرف في فرض الحل الأمني بدلاً من الحوار، هذه الحالة لم تكن الأولى من نوعها أيضاً، والتي يتم فيها توثيق ما يمارسه رجال الأمن من عنف غير مبرر، وتوجيه الإهانات للمواطنين دون داعٍ، فلقد شاهدنا كيف يتم الاعتداء بشكل وحشي على مجموعة من الشباب على أحد سطوح المباني في قرية الشاخورة؛ كما شاهدنا كيف يقوم أكثر من تسعة من رجال الشرطة بضرب أحد الشبان وجره في مقبرة بني جمرة؛ وشاهدنا أيضاً كيف يقوم رجال الأمن بكسر أبواب البيوت ودخولها عنوةً في جزيرة سترة؛ وكيف يتم تعذيب أحد الأطفال في قرية الدراز، أحد المغردين كتب على موقعه في التويتر "لقد أحسست بهذه الصفعة على وجهي"، في حين ردّ عليه مغردٌ آخر إنها صفعة على وجه جميع المواطنين، وأن الجميع شعر بها توجّه إلى وجهه، ألم تكن مثل هذه الصفعة التي وجهتها إحدى منتسبات قوات الأمن في تونس للمواطن البسيط محمد البوعزيزي تمثل جميع الإهانات والتجاوزات التي يتلقاها المواطن العربي على مر سنوات طويلة، لتصبح بعد ذلك عود الثقاب الذي أشعل الربيع العربي؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/كانون الثاني/2013 - 27/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م