الانتفاضة الفلسطينية... مفتاح بيد إسرائيل

 

شبكة النبأ: قتل محمد زياد عوض السلايمة في عيد ميلاده السابع عشر بعد أن ذهب ليشتري كعكا من أجل احتفال الأسرة حيث سقط برصاص مجندة إسرائيلية تكبره بعامين فقط. وصفته الشرطة الاسرائيلية بالإرهابي وقالت إنه أشهر مسدسا في وجه حراس عند نقطة تفتيش قريبة من منزله في مدينة الخليل المقسمة. واتضح أن المسدس لعبة أطفال ولم يحضر السلايمة الحفل قط.

وقال عادل السلايمة أحد أقاربه بينما كان يسير في جنازته "لم يكن إرهابيا. كان فتى لطيفا." وكان وجه السلايمة مكشوفا وسط العلم الأخضر لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي غطى جسده. وأضاف "الناس لا يريدون انتفاضة أخرى.. لكن إذا استمر الاسرائيليون على هذا النحو فسوف تندلع انتفاضة أخرى." وكانت قطرات المطر تتساقط من جبهته في الوقت الذي سار فيه حشد من نحو ألف شخص إلى المقبرة.

ومع حلول الشتاء في الضفة الغربية يتصاعد التوتر بعد سنوات من الهدوء النسبي مع ورود أنباء عن اشتباكات بشكل شبه يومي في أنحاء الضفة. وترشق مجموعات من الشبان الفلسطينيين يغطون وجوههم بالكوفية الفلسطينية الشهيرة الجنود بالحجارة والقنابل الحارقة فيردون بإطلاق الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت والطلقات المطاطية وأحيانا الحية.

وقال عامير ميزروخ رئيس تحرير موقع حايوم الالكتروني الإخباري والناطق باللغة الانجليزية "مداهمات في رام الله .. واعتقالات في جنين .. وإطلاق رصاص وأعمال شغب في الخليل. هل هي مشاهد لبداية الانتفاضة الثالثة؟"

ورغم الاحتكاكات يبدو اندلاع انتفاضة أخرى منظمة ضد الاحتلال الاسرائيلي غير مرجح في المستقبل القريب. وربما يحدد الاسرائيليون بأنفسهم إلى حد كبير أي كفة سترجح. ومن الممكن أن يؤدي نهج تصادمي بشأن المسائل الأمنية أو العنف من جانب المستوطنين اليهود أو رد فعل غير متكافيء على الخطوات الدبلوماسية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية إلى إشعال اضطرابات واسعة في الضفة. وقال تيسير خالد وهو عضو بارز في منظمة التحرير الفلسطينية إن الانتفاضات تندلع عندما يرى الناس أن مصالحهم وأرزاقهم تتعرض لضغط شديد مضيفا أن أي تفجر للوضع الأمني ليس في مصلحة الفلسطينيين على الإطلاق لكن الكرة في ملعب اسرائيل. بحسب رويترز.

وتأتي الاضطرابات التي تشهدها الضفة الغربية مع اقتراب الانتخابات العامة الاسرائيلية المقررة في 22 يناير كانون الثاني. ومع اتجاه المجتمع الاسرائيلي صوب اليمين يعلم الساسة أن بإمكانهم الفوز بأصوات من خلال اتخاذ مواقف صارمة وغير مهادنة. ويزيد هذا بدوره احتمالات اتخاذ خطوات غير محسوبة أو سوء الفهم.

وحتى قبل الدعوة للانتخابات كان يوفال ديسكين رئيس جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) والذي تقاعد في الآونة الأخيرة يدق ناقوس الخطر. وقال في مايو ايار "عندما ترتفع مستويات تركز أبخرة الغاز في الهواء بدرجة كبيرة يكون السؤال الوحيد هو متى ستأتي الشرارة لإشعاله."

كانت الشرارة التي أشعلت انتفاضة عام 1987 حادث طريق يبدو عاديا تماما قتلت خلاله ناقلة دبابات اسرائيلية أربعة فلسطينيين. وانتهت تلك الانتفاضة عام 1993 بعد أن فتحت الطريق أمام اتفاقات أوسلو للسلام بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي وعدت بإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي خلال خمس سنوات.

واندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000 بعدما فشلت حملة تفاوض قادتها الولايات المتحدة في التوصل إلى تسوية نهائية. وعلى مدى السنوات السبع التالية قتل أكثر من ألف اسرائيلي نصفهم في هجمات انتحارية استهدف أغلبها مدنيين كما قتلت القوات الاسرائيلية أكثر من 4500 فلسطيني.

وخسر الفلسطينيون بعضا من تعاطف الرأي العام العالمي نتيجة لذلك وقلت رغبتهم كثيرا في المقاومة. غير أن ثقة الفلسطينيين بأنفسهم زادت بصورة كبيرة في الشهر الماضي بدافع من عوامل مختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة المنقسمين جغرافيا وسياسيا.

وخلال مواجهة استمرت ثمانية أيام في غزة أطلقت حركة حماس صواريخ للمرة الأولى على تل أبيب والقدس وهي خطوة جعلت المسلحين الفلسطينيين يعلنون انتصارهم بمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار وهو ما ينازعهم فيه الاسرائيليون.

وبعد أيام من ذلك حصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تسيطر حركة فتح التي يتزعمها على الضفة الغربية على تأييد بأغلبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لرفع وضع الفلسطينيين في المنظمة الدولية ليحصلوا على اعتراف فعلي بدولتهم على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

وقال بركات أبو سنينة وهو صانع أحذية من الخليل "الوضع تغير خلال شهر واحد. أصبح الناس يشعرون بثقة أكبر." وتحمل مدينة الخليل مقومات الاضطراب نظرا لأنها تضم عربا ويهودا يعيشون جنبا إلى جنب ويتبادلون دائما الاستفزازات. ومضى يقول "لكني لا أعتقد أن الانتفاضة وشيكة. الوضع ليس كما كان سابقا. الساسة لا يريدونها. عباس لن يسمح بها."

ونما اقتصاد الضفة الغربية بنحو 40 في المئة منذ نهاية الانتفاضة الثانية. ويتضح هذا بشدة في رام الله العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية حيث ظهرت مبان من الحجارة والزجاج وتدفقت المساعدات الأجنبية وأصبح مستوى المعيشة مقاربا لنظيره في بعض المدن الأوروبية. لكن هذه الرفاهية تقوم على أساس هش.

وتسببت سهولة الحصول على المال في تضاعف الديون الشخصية للفلسطينيين خلال الفترة من 2008 إلى 2011 حيث قفزت 40 في المئة في العام الماضي وحده. ولا تستطيع الحكومة التي تعتمد على المساعدات معادلة ميزانيتها ويتوقع البنك الدولي أن يبلغ عجز الميزانية 12.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012.

وساعدت زخارف الثروة على استقرار المجتمع مما أتاح للناس مستقبلا يمكنهم البناء عليه. لكن التوقعات تبدو غامضة. فقد حجبت اسرائيل هذا الشهر مئة مليون دولار من رسوم الجمارك التي تحصلها بالنيابة عن السلطة الفلسطينية بعد الحملة الدبلوماسية التي قام بها عباس لرفع وضع الفلسطينيين في الأمم المتحدة والتي قالت إسرائيل إنها تنتهك اتفاقات السلام بين الجانبين. وقالت إنها ستحجب 300 مليون دولار أخرى على الأقل لتغطية التزامات مالية لم تسددها السلطة الفلسطينية لشركات مرافق اسرائيلية. وحث دبلوماسيون اسرائيل على العدول عن قرارها محذرين من أنه سيجعل الوضع الهش بالفعل أسوأ.

وتشتد الحاجة لهذه الأموال لدفع رواتب العاملين في القطاع العام بما في ذلك أجور أفراد قوات الأمن بالضفة الغربية التي تلقت تدريبات في دول غربية وتتعاون بشكل غير معلن مع اسرائيل خلال السنوات الخمس الماضية مما ساعد في الحد من الاحتكاكات.

وفي 14 ديسمبر كانون الأول تدخلت الشرطة المحلية بزيها الأزرق المميز في الخليل لمنع أنصار حماس من الاشتباك مع جنود اسرائيليين متمركزين في وسط المدينة مما أدى إلى رشقهم بالحجارة. وربما يتقلص استعدادهم للقيام بدور القوة العازلة مع حرمانهم من مستحقاتهم.

وقال غسان الخطيب وهو متحدث سابق باسم رئيس الوزراء سلام فياض ويعمل حاليا محاضرا في الدراسات العربية المعاصرة بجامعة بيرزيت "يشكل غياب مشروعات (السلام) السياسية مع القيود المالية مزيجا قابلا للانفجار." وأضاف "الاتجاه العام في استطلاعات الرأي هو ان الناس لا يرغبون في العنف لكن صراع غزة ومشكلة المستوطنين يزيدان التشدد."

وأظهر استطلاع للرأي أجراه باحثون فلسطينيون في مركز القدس للإعلام والاتصال في فبراير شباط أن 29.3 في المئة من الفلسطينيين يؤيدون "العمليات العسكرية" ضد اسرائيل بعد أن كانت النسبة 84.6 في المئة عام 2001.

وقال نحو 72 في المئة ممن شملهم الاستطلاع السنوي إن الاعتبارات الاقتصادية والوضع السياسي هما أهم عاملين في تحديد ما إذا كانوا يؤيدون مثل هذه العمليات.

وانهارت محادثات سلام مباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين في 2010 بسبب استمرار البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ويعيش نحو 500 ألف اسرائيلي على أرض احتلتها اسرائيل عام 1967 ويزيد العدد كل عام.

وفي رد آخر على الحملة الدبلوماسية للفلسطينيين في الأمم المتحدة أعلنت اسرائيل أنها ستبني نحو ثلاثة آلاف منزل جديد للمستوطنين بينما مضى مسؤولون في القدس هذا الأسبوع قدما في خطط لبناء أكثر من 6800 منزل للمستوطنين. ورغم أن أغلب الدول تعتبر المستوطنات غير شرعية ترفض اسرائيل هذا وتزعم أن لها حقوقا تاريخية في الأرض.

ويرفض الفلسطينيون العودة إلى المفاوضات ما لم يتوقف البناء الاستيطاني. ويرفض رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا مطالبا بعدم وضع شروط مسبقة للمحادثات.

ويتهم البعض في اسرائيل نتنياهو بالتلكؤ ويقولون إن التراخي سيؤدي إلى كارثة. وقال شاؤول موفاز زعيم حزب كديما المعارض "إذا لم نتوصل إلى اتفاق (سلام) خلال الفترة المقبلة.. فسنشهد انتفاضة ثالثة."

ويقول الفلسطينيون الذين تعزز موقفهم بالادانة الدولية للمستوطنات إن الوقت قد حان لزيادة الضغط. وقال محمد اشتية عضو اللجنة المركزية في حركة فتح "ما لم نزد تكلفة الاحتلال لا أعتقد أن اسرائيل ستكون في وضع يجعلها تنسحب من الأراضي الفلسطينية." وأضاف "ينبغي أن يشارك الفلسطينيون في مقاومة شعبية سلمية واسعة."

لكن كيفية زيادة تكلفة الاحتلال تمثل محور النزاع بين حركة فتح التي تسيطر على الضفة الغربية وحماس التي تسيطر على غزة. وتقول الحركتان إنهما ملتزمتان بالوحدة لكن خلافات كبيرة ما زالت قائمة بينهما.

وفي حين تتبنى حماس المقاومة المسلحة وترفض التخلي عن شبر من الأراضي الفلسطينية قبل عام 1948 رغم أنها تقول إنها مستعدة لدراسة هدنة طويلة الأجل مع اسرائيل تقول حركة فتح إنها مستعدة لقبول قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وتعتقد أن الضغط الدبلوماسي والمواجهة غير العنيفة يمكن أن تحقق النصر.

وفي هذا الصدد تبحث الانضمام إلى مجموعة من الهيئات العالمية بعد رفع وضع الفلسطينيين بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي والتي يمكن أن تستعين بها في ملاحقة اسرائيل بسبب جرائم حرب مزعومة مرتبطة بالاستيطان.

ومن الممكن أن تمثل هذه الخطوة تحديا لاسرائيل أصعب من تجدد الانتفاضة نظرا لأن الجيش الاسرائيلي الذي يمتلك أحدث الابتكارات العسكرية له خبرة في التعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة. لكن مسؤولين كبارا يقولون إنهم لا يعتبرون أي شيء قضية مسلما بها.

وقال الميجر جنرال نيتسان ألون قائد القيادة العسكرية المركزية التي تشرف على العمليات بالضفة الغربية لقواته يوم 11 ديسمبر كانون الأول "على قواتنا أن تزيد درجة تأهبها وتحافظ على استعدادها للعمليات على كل المستويات."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/كانون الثاني/2013 - 23/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م