السودان... دولة تستنزفها الصراعات الداخلية والخارجية

 

شبكة النبأ: لاتزال الأزمات والمشاكل الاقتصادية والسياسية تعصف بالسودان وبحسب بعض المراقبين فأن تلك الأوضاع ازدادت سوء بعد تقسيم البلاد وهو ما انعكس سلبا على حياة المواطن السوداني الذي يعيش حالة لفقر والحرمان وتقيد الحريات الأمر الذي دفع الشارع السوداني الى الخروج في مظاهرات يصفها البعض بأنها بوادر لثورة التغير المرتقبة، وفي هذا الشأن فقد قال شهود عيان ان الشرطة السودانية استخدمت الغاز المسيل للدموع لفض احتجاج لطلبة الجامعة في العاصمة بشأن وفاة أربعة طلبة من دارفور عُثر على جثثهم في قناة. والمظاهرات هي الأكثر استمرارا التي يشهدها السودان منذ موجة احتجاجات ضد إجراءات التقشف الحكومية في يونيو حزيران رغم انهم فشلوا حتى الان في حشد أكثر من بضع مئات في المرة الواحدة.

وتجنب السودان حتى الآن المظاهرات الحاشدة التي أطاحت بزعماء من السلطة في مصر وتونس واليمن وليبيا. وقال شهود ان طلبة من اقليم دارفور الغربي تجمعوا عند جامعة أم درمان الاسلامية في الخرطوم في احتجاج آخر عندما هاجمهم مؤيدون لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. وقال الشهود ان الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق المحتجين وأجبرتهم على التقهقر الى السكن الجامعي حيث نشب حريق.

وقال زعيم للطلبة "انسحبنا للسكن الجامعى ولحق بنا انصار الحزب الحاكم ومعهم آخرون يرتدون ملابس مدنية وبدأوا بحرق السكن الجامعى." وأثار الغضب من ارتفاع الأسعار وشكاوى أخرى احتجاجات أصغر في السودان خلال العامين الماضيين تزعم كثير منها الطلبة. وبدأت أحدث موجة من المظاهرات بعد ان عُثر على جثث أربعة طلبة في قناة قرب جامعة الجزيرة في منطقة زراعية جنوبي الخرطوم. وقال ناشطون انهم اختفوا عندما هاجم مؤيدون للحزب الحاكم طلبة من دارفور يتظاهرون للمطالبة بإعفائهم من الرسوم الدراسية وهو ما يحتاج الى مرسوم رئاسي.

ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش التي تعني بحقوق الانسان ومقرها نيويورك الحكومة بمحاسبة المسؤولين عن موتهم. ونقلت المنظمة عن شهود قولهم ان قوات الامن دفعت المحتجين نحو القناة في الجزيرة مما تسبب في سقوط البعض وان كان سبب وفاة الاربعة مازال غير واضح. وقالت ان اثنين من الطلبة مازالا في عداد المفقودين. بحسب رويترز.

وقال دانييل بيكلي مدير ادارة افريقيا بهيومن رايتس ووتش في بيان "الظروف الغامضة لهذه الوفيات تثير مزيدا من الاحتجاجات والعنف." وألقت السلطات القبض على عشرات الاشخاص بينهم محامون وشخصيات معارضة منذ بدء الاحتجاجات. وتراجعت المظاهرات في الخرطوم ومدن اخرى احتجاجا على خفض دعم الوقود في يونيو حزيرن ويوليو تموز الماضيين نتيجة لحملة أمنية صارمة. وقتل ثمانية اشخاص في احتجاج في أكبر مدن دارفور في ذلك الوقت

في السياق ذاته اعلن الرئيس السوداني عمر حسن البشير مضاعفة الحد الأدنى للأجور في السودان للموظفين لمواجهة الارتفاع الكبير في اسعار السلع الذي سجل خلال الاشهر القليلة الماضية. ونقلت وكالة الانباء السودانية (سونا) ان الرئيس السوداني "وجه بزيادة الحد الأدنى للأجور الى 425 جنيها سودانيا (61 دولارا في السوق السوداء) على ان يبدأ التطبيق ابتداء من شهر كانون الثاني/يناير". وتشمل هذه الزيادة الموظفين حصرا وهي ادت عمليا الى مضاعفة الحد الادنى لاجورهم.

وتساءل الاقتصادي في جامعة الخرطوم محمد الجك احمد عن كيفية تمكن الحكومة من تمويل هذه الزيادة، معتبرا انها "ضرورية لكنها صعبة التحقيق". واعتبر ان الحد الادنى الجديد لاجور الموظفين "يمثل ربع الحد الادنى الفعلي الضروري" لتمكين الموظفين من العيش الكريم. ويتزامن اعلان البشير هذا مع ازمة اقتصادية خانقة يمر بها السودان خصوصا بعد فقدانه غالبية عائداته النفطية اثر انفصال جنوب السودان في تموز/يوليو 2011. بحسب فرانس برس.

وبلغت نسبة التخضم 46% في تشرين الثاني/نوفمبر كما سجل الجنيه السوداني تراجعا كبيرا امام الدولار الاميركي في السوق السوداء. وتفيد الامم المتحدة ان 47% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر. وامام اجراءات التقشف التي اتخذها الرئيس السوداني وارتفاع سعر المحروقات بنسبة 50% جرت تظاهرات في حزيران/يونيو الماضي في البلاد احتجاجا على غلاء المعيشة. وكانت الخرطوم وقعت مع جوبا اتفاقا في ايلول/سبتمبر الماضي قضى بدفع جنوب السودان مبلغ ثلاثة مليارات دولار الى الخرطوم كتعويض عن خسارة الشمال لحقوله النفطية. الا ان هذا الاتفاق لم ينفذ بسبب تواصل التوتر بين الدولتين.

جيش الجنوب

على صعيد متصل قال مسؤلون في جنوب السودن ان دورية للجيش يحتمل أن تكون قد قتلت 11 مدنيا رميا بالرصاص وهو ما يأتي بعد أيام من قول الأمم المتحدة إن الجيش قتل عشرة محتجين في حادث آخر. واختلفت الروايات بشأن الحادث الذي وقع قرب بلدة جوموروك بمنطقة بيبور في ولاية جونقلي. وقال حاكم جونقلي كول مانيانج إن معلوماته الأولية تفيد بأن " الجيش الشعبي لتحرير السودان يقوم بدوريات على الطريق من جوموروك. وقرب الجبل تعرضوا لكمين وقاتلوا. وجرح جندي وقتل 11 متمردا وصودرت بندقيتان." واضاف "أما المعلومات التي لدي الان من الحكومة الاتحادية في (العاصمة) جوبا فهي أنهم كانوا مدنيين. تحدثت الى قائد القوة وقال انهم كانوا متمردين."

وقال بيتر جازولو المفوض السابق لحقوق الإنسان في بيبور إن القتلى مدنيون عزل ولم يكونوا أعضاء في حركة تمرد محلية يقودها ديفيد ياو ياو طالب اللاهوت السابق. وأضاف "قتل صهري هناك وقتل فتى من أقارب زوجتي أيضا." وكان مفوض مقاطعة ببيور جوزيف كوني قال إن عدد القتلى 13.

وقال كوني "قال الجيش إن المتمردين نصبوا كمينا له لكن سكانا قالوا إن (القتلى) مدنيون. لا نعلم أيهم على حق." واتهمت منظمات حقوقية مرارا جيش جنوب السودان الذي يتألف من رجال ميليشيا سابقين غير مدربين جيدا بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان. وانفصل جنوب السودان عن شماله العام الماضي لكن حكومته تكافح لبسط سيطرتها على أراض شاسعة تعج بالسلاح بعد عقود من الحرب الأهلية مع الخرطوم انتهت في عام 2005 .

وفي جونقلي قوضت دائرة من أعمال القتل الانتقامي بين قبيلتي مورلي ولو نوير وحملة حكومية صارمة لنزع السلاح الآمال في أن يجلب الانفصال السلام. كما تهدد خططا حكومية لاستكشاف النفط في حقل نفطي شاسع في جونقلي بمساعدة شركة توتال الفرنسية وشركات نفط أجنبية أخرى. وقللت حكومة جنوب السودان من شأن اتهامات جماعات معنية بالحقوق بأن قواتها الأمنية ارتكبت انتهاكات بحق مدنيين خلال حملة لنزع سلاح المدنيين وإنهاء سرقة الماشية.

وتتهم جماعات معنية بحقوق الإنسان الجيش بتأجيج المعارضة عن طريق ارتكاب انتهاكات من بينها الاغتصاب والتعذيب عندما شن حملة نزع سلاح قبيلتي مورلي ولو نوير في وقت سابق من هذا العام بهدف وقف إراقة الدماء بين القبيلتين. وينفي الجيش الاتهامات. ويقول سكان في جونقلي إن العديد من أبناء قبيلة مورلي قاوموا نزع السلاح وهربوا إلى الغابات حيث انضموا إلى تمرد يقوده طالب اللاهوت السابق ديفيد ياو ياو . بحسب رويترز.

وذكرت إذاعة تربطها صلات بتمرد ياو ياو أن الجماعة تقاتل الحكومة ردا على انتهاكات ارتكبت خلال برنامج نزع السلاح. وقالت الأمم المتحدة إن قرابة 900 شخص قتلوا عندما هاجم نحو سبعة آلاف من شبان لو نوير قرى مورلي في منطقة بيبور نهاية العام الماضي.

جنوب كردفان

من جانب اخر اعلنت الحكومة السودانية انها ستقسم ولاية جنوب كردفان المضطربة الى ولايتين بحيث يشكل الجزء الغربي من الولاية الذي تسكنه قبيلة المسيرية العربية الرعوية، ولاية منفصلة. وقالت وكالة الانباء السودانية الرسمية (سونا) في خبر قصير ان "النائب الاول لرئيس الجمهورية (علي عثمان طه) اعلن انشاء ولاية غرب كردفان". وتعيد هذه الخطوة انشاء ولاية غرب كردفان التي اختفت عقب توقيع اتفاق السلام 2005 والذي انهى الحرب الاهلية التي امتدت الي 22 عاما بين شمال السودان وجنوبه من خلال الحركة الشعبية لتحرير السودان. وفي ذلك الوقت وافقت الخرطوم على توحيد غرب كردفان وجنوب كردفان استجابة لطلب الحركة الشعبية التي كان يساندها في قتالها ضد حكومة الخرطوم مجموعات النوبه الافريقية التي هي السكان الاصليين لمنطقة جنوب كردفان (جبال النوبة). وتشهد جنوب كردفان معارك بين الحكومة ومتمردي الحركة الشعبية شمال السودان منذ 2011.

وستقسم بشكل يجعل الجزء الغربي منها الذي تسكنه قبيلة المسيرية العربية الرعوية ولاية منفصلة، وستكون حدود الولاية الجديدة الى الغرب من كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان. ويتركز متمردو الحركة الشعبية لشمال السودان الذين تتهم الخرطوم جنوب السودان بدعمهم في وسط وشرق جنوب كردفان. وغرب كردفان مناطق حقول النفط السوداني وتقع على جزء من حدودها منطقة ابيي والتي هي اكثر القضايا حساسية بين السودان وجنوب السودان منذ ان اصبح الجنوب دولة مستقلة. بحسب فرانس برس .

وفشلت الدولتان في التوصل لحل حول الوضع النهائي لابيي الي ان انتهت المهلة التي منحهها لهما الاتحاد الافريقي الذي يتوسط بينهما لحل الامر. ووفقا لمقترح قدمه وسطاء الاتحاد الافريقي يفترض ان يجري استفتاء يقرر سكان ابيي بموجبه الى اي من الدولتين يريدون ان تنتمي منطقتهم. ووفقا للمقترحات فان الدينكا اكبر القبائل في جنوب السودان والذين يقيمون في ابيي لديهم حق التصويت اضافة للسودانيين الاخرين الذين يقيمون في المنطقة. ورفض المسيرية الذين يتحركون بمواشيهم في ابيي المقترح المقدم من وسطاء الاتحاد الافريقي.

تقييد حرية التعبير

الى جانب ذلك أكدت جمعيات حقوقية وثقافية سودانية ان الحكومة تقيد حرية التعبير وتشن حملة ضد المنظمات غير الحكومية في البلاد بعدما علقت أنشطة عدد منها، في اتهامات سارع الحزب الحاكم الى نفيها مؤكدا دعم المنظمات "التي تساعد الناس ولا تتبع أجندة خاصة". وقال تحالف منظمات غير حكومية يطلق على نفسه اسم "كونفدرالية منظمات المجتمع المدني السوداني" في بيان ان "منظمات المجتمع المدني والمراكز الثقافية وحرية التعبير تتعرض لهجمة". واضاف البيان ان الحكومة "علقت انشطة مراكز لحقوق الانسان واخرى تعمل في مجال التنمية البشرية اضافة لمركز ينشط في المجال الثقافي".

واضافت الكونفدرالية ان "جهاز الامن تدخل عندما حاول الناشطون اقامة وقفة احتجاجية ضد تعليق الحكومة لأنشطة مركز الدراسات السودانية"، مؤكدة انه تم ضرب عدد من الصحافيين الذين كانوا يغطون الوقفة الاحتجاجية. كما اغلقت السلطات بحسب البيان مقر "مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية"، وهو احد المراكز المشاركة في الكونفدرالية والذي ينشط في مجال التدريب على حقوق الانسان، وتمت "مصادرة ممتلكات مركز الخاتم بعد ان حضر لمقره افراد مسلحون".

وقال مدير مركز الخاتم عدلان الباقر العفيف للصحافيين ان "السلطات تتهمنا بتلقي دعم خارجي دون اذن من الوزير المختص". واضاف ان "الحكومة تعلم ان منظمات المجتمع المدني السودانية تتلقى الدعم الخارجي لانها غير قادرة على تمويل انشطتها وحتى المنظمات القريبة من الحكومة تتلقى دعما خارجيا".

وقالت الكونفدرالية ايضا "ان منظمة اري التي تعمل في مجال حقوق الانسان في منطقة جبال النوبة (حيث يدور قتال بين الحكومة ومتمردي الحركة الشعبية-شمال منذ 2011) اغلقت وان اعضاءها اعتقلوا وحقق معهم الامن". واضافت ان "بيت الفنون (الناشط في المجال الثقافي) علق نشاطه". واكد التحالف مناهضته لهذا الامر الذي اعتبره "حملة" ضده، مضيفا "سنناضل ضد هذه الحملة المركزة التي تستهدف منظمات المجتمع المدني وحرية التعبير وسنناضل من اجل حقوقنا". واعلن المحامي معز حضره انه شكل مع عدد من المحامين مجموعة قانونية للدفاع عن حرية التعبير. بحسب فرانس برس.

ولكن مسؤولا كبيرا في حزب المؤتمر الوطني الحاكم نفى هذه الاتهامات، مؤكدا ان الحكومة "تهتم بالمنظمات التي تساعد الناس ولا تتبع اجندة خاصة". وقال ربيع عبد العاطي القيادي في حزب المؤتمر الوطني "في الحقيقة، الحكومة تهتم بمنظمات المجتمع المدني التي تساعد الناس وتعمل في المجال الاجتماعي". واضاف "هناك فرق بين المنظمات التي تعمل وفق تفويضها وتلك التي تتبع اجندة خاصة"، في اشارة الى 13 منظمة انسانية دولية طردتها الحكومة السودانية من البلاد في 2009.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/كانون الثاني/2013 - 23/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م