أحسن السيناريوهات وأسوءها

عريب الرنتاوي

لا نميل لمحاكاة "العرّافين" الذين تنشط مواسمهم عادة، في مُفتتح العام ومُختتمه.. لكن السياسة بلا رؤية واستشراف، تتحول إلى ضرب من "المياومة" المقيتة.. والتحليل السياسي اللاحق لوقوع الحدث، يتقمص الحكمة بأثر رجعي، ويكف عن أن يكون استرشادياً وتنويريا.. وبهذا المعنى، سنعرض لما نعتقده السيناريو الأفضل والسيناريو الأسوأ لأهم أزمتين في المنطقة: إيران وسوريا.. وعذراً إن لم ندرج القضية الفلسطينية في عداد الأزمات الأهم، لكن ما العمل إن كانت هذه هي الحقيقة المؤسفة.

الأزمة الإيرانية (البرنامج النووي والدور الإقليمي لطهران)، استنفذ كثيرٍ من المواعيد والاستحقاقات في السنوات الأخيرة، بلغ لحظة حرجة، لحظة اتخاذ القرارات النهائية.. عام 2013 هو عام القرار الأمريكي - الإسرائيلي (الدولي) بشأن كيفية التعامل مع طموحات طهران النووية والإقليمية.. هي سنة الحوار الأمريكي - الإيراني الحاسمة.. واشنطن تستقبل ولاية جديدة لرئيسها باراك أوباما.. وطهران ستستقبل رئيساً جديداً بعد أشهر معدودات.. فإن أمكن الوصول إلى "صفقة شاملة" حول مختلف قضايا الخلاف والصراع الإيراني - الأمريكي (الإسرائيلي - الغربي - الخليجي)، فإن المنطقة بأسرها ستنجو من أخطر هاوية يمكن أن تنزلق إليها.. وإن ذهب المعسكران إلى الصدام المسلح، دخلنا في الصراع الأعنف والأوسع نطاقاً، والذي قد يأكل يابس المنطقة وأخضرها.

المؤشرات ترجح كفة السيناريو الأفضل.. الرئيس الأمريكي ليس من صنف جورج بوش الأب والإبن ولا محافظيهم الجدد.. وطاقم الإدارة الجديد، يتكون في الأساس من شخصيات تؤمن بالدبلوماسية والحوار (وزير الخارجية الجديد) ولها سجل في "التصويت" ضد المغامرات والحروب (وزير الدفاع الجديد).. وفي طهران ثمة مؤشرات دالّة على ثقل وطأة الحصار والعقوبات، ورغبة إيرانية المتزايدة في إغلاق الملف مع وكالة الطاقة النووية، توطئةً لتفكيك قضايا الخلاف مع واشنطن، وإن حصل أن توصلت واشنطن وطهران إلى "الصفقة"، فإن من المعتقد أن قوى التوتير والتصعيد والتجييش في المنطقة (إسرائيل وبعض دول الخليج)، ستضطر إلى كظم غيظها وابتلاع شهوتها لتسوية الحسابات بطريقة تدميرية.

في الأزمة السورية، الثانية على جدول أعمال المجتمع الدولي بعد إيران، يتمثل السيناريو الأفضل في نجاح الحوار الأمريكي الروسي في اجتراح صيغة للحل السياسي للأزمة, صيغة تنهي القتل والخراب، وتعيد الفريقين المُحتربين خطوة واحدة على الأقل، بعيداً عن حافة الهاوية التي يقفون عندها، وتكاد أرجلهم تنزلق إلى قعرها.. هذا السيناريو يُقابَل بموقف متعنتة من النظام لا تساعد على إنجاح الحوار وبناء التفاهمات بين موسكو وواشنطن، ومعارضة مسلحة وسياسية (الخارج أساساً) تفقد يوماً إثر آخر، القدرة على اتخاذ القرار المستقل، فضلا عن عواصم خليجية تتعامل كما قال الإبراهيمي نفسه، مع الأزمة السورية، بصورة ثأرية وانتقامية، مشبعة بالحسابات والحساسيات الشخصية، وبما يعيدنا إلى حروب القبائل العربية ومنطقها الغرائزي.

مهمة الإبراهيمي هي المؤشر على نجاح هذا الحوار أو إخفاقه.. وربما تكون آخر مؤشر وآخر مهمة دولية من نوعها.. إن تحقق النجاح، أمكن الرهان على إدراك سوريا قبل فوات الأوان.. وإن تحقق الفشل، لأي سبب من الأسباب، لن نجد أفضل من كلمات الإبراهيمي في توصيف مسار الأحداث السورية: الجحيم، والجحيم هنا لا يعني تقسيم سوريا إلى كانتونات ودوليات فحسب، بل وانزلاقها في أتون "الصوملة" وفقاً للإبراهيمي (مُحقاً).. وفي الحالة السورية، فإن "الصوملة" لن تقف عند حدود سوريا الجغرافية والسكانية فحسب، بل ستمتد بنيرانها وخرابها، إلى دول جوار سوريا، بمن فيها تركيا والعراق، وليس الأردن ولبنان وحدهما.

إذن، نحن بإزاء حوارين، يمكن لنجاحها أن يحفظ الأمل لشعوب هذه المنطقة، ولفشلهما أن يتسبب في كارثة نعرف كيف تبدأ ومن أين، بيد أن أياً منا، لا يعرف كيف ستنتهي ومتى وأية أثمان ستدفع في سياقها.. الحوار الأمريكي - الإيراني حول إيران، والحوار الأمريكي الروسي حول سوريا.. ولأن واشنطن هي القاسم المشترك بين الحوارين، فإن كل حديث عن انهيار دورها في المنطقة، يبدو متعجلاً، فقد دللت أحداث السنوات الأخيرة، أن الدور الأمريكي، وإن تراجع نسبياً، إلا أنه ما زال عاملاً مقرراً في مختلف أزمات المنطقة وملفاتها.. حقيقة يُقر بها خصوم واشنطن قبل حلفائها.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/كانون الثاني/2013 - 22/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م