سوريا والحل قسري... الطاولة أم الميدان؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بات من المؤكد ان القضية السورية في دائرة الحل، مهما كان نوعه، واقصد هنا، بالحوار السياسي او بالحل العسكري، خصوصا بعد فشل مشروع اسقاط الاسد عنوة، واقتناع اغلب داعمي هذا المشروع بان النظام الحاكم واقع حال لا يمكن تغييره بالسهولة التي راهنت عليها دول الخليج والغرب.

فتصريحات الابراهيمي الاخيرة كانت بمثابة اشارة واضحة للدول الممولة للمجاميع المسلحة بان عليها تقبل خسارة رهانها والقبول بما يملي عليهم الرئيس السوري بشار الاسد من شروط، وان قواعد الحوار تضعها دمشق وحسب الشروط التي ترتئيها، والا ان عليها ان تواجه قرارها على الارض في انتظار الحسم العسكري الذي كان مستبعدا حتى حين.

واللافت ان رسالة الابراهيمي كانت مدعمة ميدانيا بشكل مباشر وقوي، اذ انتفضت القطعات العسكرية السورية مجتاحة العشرات من المناطق التي سيطر عليها المسلحون، وبصورة كانت غير متوقعة داخل سوريا وخارجها، محققة جملة من الانتصارات القاصمة لجماعات العنف ومن يقف ورائها في الخارج.

العملية السياسية او "الجحيم"

اذ قال المبعوث الدولي للأزمة السورية الأخضر الإبراهيمي ان سوريا تواجه "جحيما" مالم يتم التوصل لاتفاق ينهي الصراع المستمر منذ 21 شهرا غير أن محادثاته في روسيا لم تثمر عن أي بوادر لحدوث انفراجة بعد أسبوع من الجهود الدبلوماسية المكثفة.

وقال الإبراهيمي ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنه لا تزال هناك فرصة للتوصل إلى حل عبر التفاوض للصراع الذي أودى بحياة 44 ألف شخص وأثار انقساما بين القوى العالمية.

غير أن لافروف أكد على موقف روسيا بأن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد يجب ألا يكون شرطا مسبقا لعملية سياسية قائلا إن مثل هذه المطالب "خاطئة" وإن رفض المعارضة الحديث مع الحكومة هو "موقف يعني طريقا مسدودا".

وقال الإبراهيمي "إذا كان البديل الوحيد حقا هو إما الجحيم أو العملية السياسية فينبغي علينا جميعا أن نعمل دون توقف تجاه العملة السياسية." وأضاف "إنها (عملية) صعبة ومعقدة للغاية ولكن ليس هناك خيار آخر."

وأطلق لافروف تحذيرا مماثلا في مؤتمر صحفي مشترك قائلا "لا تزال الفرصة قائمة للتوصل إلى تسوية سياسية ونحن ملتزمون بانتهاز هذه الفرصة إلى أقصى مدى." غير أن لافروف لم يشر إلى أن بلاده ستتراجع عن موقفها بعد استخدامها حق النقض (الفيتو) لعرقلة صدور ثلاثة قرارات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كانت تهدف إلى الضغط على الأسد.

وقال "عندما تقول المعارضة إن رحيل الأسد هو وحده الذي سيسمح لها ببدء حوار حول مستقبل بلدها فإننا نعتقد أن هذا خطأ بل ويؤدي الى نتائج عكسية... تكلفة هذا الشرط المسبق هو أرواح المزيد من المواطنين السوريين."

وتسعى روسيا منذ أشهر لأن تنأى بنفسها عن الأسد وكثفت دعواتها إلى حل سلمي على ما يبدو في الوقت الذي حقق فيه المعارضون مكاسب في مواجهة القوات الحكومية خلال الصراع الذي بدأ باحتجاجات سلمية في مارس آذار 2011 ولكنه ما لبث أن تحول إلى حرب أهلية.

ورغم ذلك أشار لافروف إلى أن الأسد قال سرا وعلنا إنه لن يرحل مضيفا أن روسيا "ليس لديها القدرة على تغيير ذلك."

ويسعى الإبراهيمي إلى البناء على اتفاق توصلت إليه قوى عالمية في جنيف في يونيو حزيران بما فيها الولايات المتحدة وروسيا يدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية ولكنه لم يوضح دور الأسد.

وقال الإبراهيمي "جوهر هذه العملية السياسية.. هو اتفاق جنيف ويجب أن يكون كذلك". وتولى الإبراهيمي منصب المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية بعد استقالة سلفه كوفي عنان لشعوره بخيبة الأمل تجاه الانقسامات بين القوى العالمية خاصة الولايات المتحدة وروسيا وفشل اتفاق جنيف في حل الأزمة. وأضاف دون توضيح "ربما يكون هناك تعديل بسيط أو تعديلين ولكنه أساس معقول لعملية سياسية من شأنها أن تساعد الشعب السوري."

وقال الابراهيمي ان خطة لحل الصراع من الممكن ان تعرض في النهاية على مجلس الامن الدولي لتحصل على دعمه لكن بعد التأكد اولا من أنها ستكون فعالة. وقال "ما نحتاج اليه هو قرار يمكن أن يكون فعالا واعتقد ان من الممكن الوصول إلى هذه المرحلة اذا واصلنا المحادثات."

وكان الإبراهيمي التقى مع الأسد ومسؤولين آخرين خلال زيارة لسوريا استغرقت خمسة أيام. ومن المقرر أن يلتقي المبعوث الدولي مع دبلوماسيين بارزين من الولايات المتحدة وروسيا في الأسابيع المقبلة بعد اجتماعين مماثلين عقدهما الشهر الجاري ولكنهما لم يثمرا عن أي بوادر لحدوث انفراجة.

ودعا الإبراهيمي أثناء زيارته لدمشق إلى تشكيل حكومة انتقالية تتولى الحكم لحين إجراء انتخابات في سوريا قائلا إنه لن يلبي مطالب الشعب السوري سوى إحداث تغيير جوهري ولكنه لم يحدد المشاركين في هذه الحكومة.

وقال متحدث باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض إن الائتلاف لن يتفاوض مع نظام الأسد في حين رفض زعيم الائتلاف معاذ الخطيب أول دعوة من روسيا لإجراء محادثات مطالبا لافروف بالاعتذار عن دعم موسكو للأسد وأن توجه روسيا دعوة واضحة إلى الأسد بالتنحي.

وسارع لافروف إلى رفض هذه المطالب قائلا ان المعارضة يجب أن "تتوقف عن التفكير في طموحاتها وان تفكر في الشعب السوري" لكنه اكد على استعداد روسيا لاجراء الاجتماع في مكان اخر خارج اراضيها. وقال لافروف "اذا كانوا يعتقدون ان روسيا يمكن ان تلعب اي دور في هذه المأساة فعليهم ان يجتمعوا معنا."

وسوريا واحدة من أكبر مستوردي السلاح الروسي كما انها تستضيف قاعدة صيانة بحرية روسية على ساحل البحر المتوسط هي القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة خارج الاتحاد السوفيتي السابق. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان استخدام روسيا لحق النقض على قرارات الامم المتحدة بفرض عقوبات على سوريا يحركها مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول ذات السيادة. واتهم بوتين واشنطن باستغلال المخاوف الخاصة بحقوق الانسان لتبرير محاولاتها لفرض ارادتها على العالم.

واكد بوتين على ان موسكو لن تسمح بأن يتكرر في سوريا ما حدث في ليبيا العام الماضي عندما ساهم تدخل قام به حلف شمال الاطلسي وسمح به مجلس الامن الدولي بعد امتناع روسيا عن التصويت في الاطاحة بحكم معمر القذافي.

وعشية وصول موفد الجامعة العربية والامم المتحدة الى موسكو الاخضر الابراهيمي، حثت روسيا النظام السوري على تنفيذ دعوته الى الحوار مع المعارضة ودعت رئيس الائتلاف المعارض احمد معاذ الخطيب لزيارتها. بحسب رويترز.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للصحافيين في مؤتمر صحافي بعد لقاء مع نظيره المصري محمد عمرو "شجعنا فعليا كما نفعل منذ اشهر (...) القيادة السورية على تنفيذ ما اعلنته عن استعدادها للحوار مع المعارضة". وكان الوزير الروسي يرد على سؤال عن اجتماعه مع نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد. وقال لافروف ان موسكو ما زالت ترفض دعم الدعوات التي تطلقها بعض الدول الى استقالة الاسد، مؤكدا انها مسألة تعود الى الشعب السوري.

وكان الناطق باسم الدبلوماسية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش اعتبر انه من الضروري "القيام بمبادرات نشطة وحازمة من اجل وقف حمام الدم" في سوريا. كما نفى بشكل قاطع وجود اتفاق بين الروس والاميركيين حول تشكيل حكومة انتقالية مع بقاء الرئيس السوري بشار الاسد الى حين انتهاء ولايته في 2014، كما كانت اوردت بعض الصحف.

ابرز النقاط الواردة في اتفاق جنيف حول سوريا

واعلن الموفد الدولي الخاص الاخضر الابرهيمي في دمشق ان المقترحات التي حملها الى سوريا تقضي بتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، من دون ان يأتي على ذكر مصير الرئيس بشار الاسد، في طرح مطابق تقريبا لاتفاق جنيف الذي وضعته "مجموعة العمل حول سوريا".

وقال الابراهيمي اليوم "نحن واثقون ان مؤتمر جنيف الذي عقد في الشهر السادس فيه ما يكفي من العناصر لوضع مخطط يمكن ان ينهي هذه الازمة خلال الاشهر القليلة المقبلة". واضاف "مضت ستة اشهر على جنيف، لا شك ان هناك بعض التعديلات يجب ان تدخل على النقاط التي اتت فيه، لكن هذه النقاط (...) صالحة في كل مكان وزمان".

ونصت الخطة الانتقالية لمعالجة الازمة السورية التي اقرتها مجموعة العمل حول سوريا (الدول الخمس الكبرى وتركيا ودول من الجامعة العربية) في جنيف برعاية المبعوث الدولي السابق كوفي انان على تشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذية، تقوم بتسمية محاور فعلي عندما يطلب المبعوث الدولي ذلك، للعمل على تنفيذ الخطة الانتقالية.

واشارت الى ان الحكومة الانتقالية ستضم اعضاء في الحكومة الحالية وآخرين من المعارضة. ودعت الى حوار وطني تشارك فيه جميع مجموعات واطياف المجتمع السوري. كما لحظت الخطة امكانية البدء بمراجعة للدستور اضافة الى اصلاحات قانونية، على ان تخضع هذه المراجعة لموافقة الشعب، وتتبعها انتخابات حرة ومفتوحة امام جميع الاحزاب.

وقال الابراهيمي ان "الانتخابات اما ان تكون رئاسية اذا تم الاتفاق على ان يبقى النظام رئاسيا (..)، واما برلمانية ان تم الاتفاق على ان يتغير النظام في سوريا الى نظام برلماني". وشدد على ان "المرحلة الانتقالية لا يجوز ان تؤدي الى انهيار الدولة وانهيار مؤسسات الدولة". وقال "على الجميع ان يتعاون، السوريين ومن سيعمل على مساعدتهم، على المحافظة على المؤسسات، على اعادة المؤسسات وتقويتها وبنائها".

ولم تتطرق خطة جنيف بدورها الى مسالة تنحي الاسد، مشددة على وجوب "تأمين استمرارية المرفق العام او ترميمه" خلال المرحلة الانتقالية، وموضحة ان "هذا يشمل الجيش والاجهزة الامنية".

كما نصت الخطة على وجوب التمكن من ايصال المساعدات الانسانية الى المناطق الاكثر تضررا واطلاق المعتقلين ووضع حد لاراقة الدماء، بالاضافة الى تخصيص امكانات مادية لاعادة اعمار البلاد.

ورحبت سوريا في حينه ب"النقاط الجوهرية" في خطة جنيف، مشيرة الى "وجود نقاط غامضة تحتاج الى ايضاح"، وداعية الى حوار حولها والى حل من صنع سوري. اما المعارضة فتحفظت على الخطة وكررت مرارا رفضها لاي حل لا يتضمن رحيل الاسد. كما رفضت اي حوار في ظل بقاء الاسد على راس السلطة. بحسب فرانس برس.

ودعت روسيا مرارا الى تبني مجلس الامن الدولي اتفاق جنيف، في حين اصرت واشنطن على ارفاق اي قرار يصدر عن مجلس الامن بعقوبات على النظام السوري، الامر الذي ترفضه موسكو التي اتهمت الغرب ب"التخريب" على خطة جنيف. واعتبرت ان خطة جنيف "تفتح الباب لمرحلة ما بعد الاسد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/كانون الثاني/2013 - 18/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م