قطر... دولة تتخمها الشعارات وتقودها المؤامرات

 

شبكة النبأ: ترغب قطر بأن ترسم لنفسها صورة على الصعيد الدولي بأنها دولة تنادي بحرية التعبير، لكن على ما يبدو أنها تنتهك هذه الحرية انتهاكا صارخا، والدليل الإجراءات التعسفية والقمعية التي انتهجها السلطة الحاكمة مؤخرا، ضد المعارضين من خلال فرض القوانين التعسفية المتمثلة قانون العقوبات وقانون الإعلام اللذان ينتهكان المعايير الدولية لحرية التعبير، فضلا عن محاكمة شاعر قطري بالسجن المؤبد بتهمة انتقاد الأمير، والتي أثارث غضب منظمات حقوق الانسان، حيث يقدم حكم سجن الشاعر دليلا إضافيا على ازدواجية معايير قطر فيما يخص الحريات الإنسانية العامة، إذ يرى المراقبون أن قطر حاولت مساعدة دول اخرى مثل ليبيا وتونس على أن تصبح أكثر ديمقراطية لكنها لا تريد أن تقبلها في الداخل، ويعد هذا أمر مخز وازدواج في المعايير الإنسانية على الأصعدة كافة.

ونظرا لما تشهده الساحة الإقليمية والدولية من متغيرات واحداث متسارعة على المستويين الاقليمي والدولي، التي تمثلت بالانتفاضات التي اطاحت بزعماء حكموا لعقود في دول عربية، تسعى قطر الى تحقيق طموحاتها السياسية الإقليمية خصوصا بعد نجحت بقدر كبير بالتعاون مع الحليف الغربي في تغير موجة الربيع العربي عن مسارها الصحيح، من خلال احتضانها للمجاميع السلفية المتطرفة ذات الفكر السلفي الجهادي التكفيري، وزجها في بعض البلدان مثل ليبيا وسوريا لتحقيق مآربها الوضيعة، ويرى معظم المحللين انه على الرغم من الثراء الفاحش في قطر يشتكي المواطنين من تراجع الاصلاحات السياسية ومن تباطؤ تطور وتبلور المفاهيم السياسية الحديثة، وهذا يبعث الرعب داخل  النخبة الحاكمة التي تقف اليوم على محك التغيير.

هل بوسع قطر تحقيق طموحاتها الإقليمية؟

كان الصعود الواضح لدور قطر السياسي من بين أبرز نتائج الربيع العربي، فقد بات للدوحة نفوذ كبير في العواصم التي برز فيها دور جماعة الإخوان المسلمين على حساب الأنظمة السابقة، أما صناديقها الاستثمارية فقد اندفعت في موجة عمليات الاستحواذ الواسعة لمعالم وشركات عالمية، فهل بوسع الدولة الخليجية الصغيرة لعب أدوار بهذا الحجم؟.

في محاولة للإجابة على هذا السؤال قامت أرين بايكر، مديرة مكتب الشرق الأوسط لدى مجلة "تايم" بالرد على بعض الأسئلة حول الأوضاع السياسية في قطر انطلاقا من معرفتها بهذا البلد.

كيف أثرت البنية السكانية في قطر على سياستها الداخلية؟، هناك في قطر عدد كبير من الأجانب الذين قصدوها للعمل بحثاً عن أجور مرتفعة مقارنة بدولهم، وتتوزع العمالة الوافدة بين قطاع البناء والمهن البسيطة وصولا إلى الأخصائيين الكبار والطبقات المتعلمة، ولا يرغب أحد منهم بالطبع في تهديد لقمة عيشه.

وقالت بايكر إن العديد من الأجانب الذين تحدثت إليهم طلبوا عدم ذكر أسمائهم خشية الإساءة إلى الحكومة القطرية أو إلى أرباب عملهم، وخلصت بالتالي إلى أن شريحة الأجانب في البلاد لا تريد خوض المعترك السياسي، وأضافت بايكر أن هناك قضية أخرى تتعلق بالسياسة الداخلية وهي ضعف التمثيل السياسي في البلاد، فالأسرة الحاكمة صغيرة الحجم، ورغم تقرير انتخابات تشريعية العام المقبل إلا أن قدرتها التمثيلية ليست واضحة، وأضافت: "حقيقة أن رئيس وزراء قطر يتولى في الوقت نفسه حقيبة الخارجية يظهر العجز عن إيجاد شخص يشغل منصبا أساسيا مثل هذا، ويدل على ضيق الدائرة القيادية"هل هناك معارضة واضحة في قطر؟.

على هذا الصعيد قالت بايكر: "بعض مدراء تحرير الصحف يتحدثون عن قضايا تشغل بالهم، كما يتناول عدد من الناس قضايا عامة ويسألون عن قضايا مثل تخصيص الحكومة الكثير من الأموال لبطولة كأس العالم 2022 رغم عدم وجود منتخب قوي، أو السعي لجذب جامعات عالمية في قطر في حين أن معظم الطلاب من الأجانب"، وأضافت: "هناك أيضاً بعض المتشددين من رجال الدين الذين ينتقدون قيام نساء أجنبيات بارتداء ملابس غير متناسبة مع التقاليد المحلية". بحسب لـCNN.

هل تريد قطر وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في دول المنطقة؟، وعلقت بايكر على هذا الموضوع بالقول: "أظن أن قطر ترى بأن جماعة الإخوان المسلمين موجودة في المنطقة لتبقى، وهي بالتالي ترغب في أن تكون في الجانب المنتصر." وأضافت أن الدوحة لم تدعم الجماعة بهذا الشكل قبل الثورة المصرية"، وتابعت بايكر بالقول: "من خلال زيارتي إلى سوريا رأيت أن الناس - رغم الانتقادات الكثيرة للجماعات الإسلامية - إلا أنها ترى فيها تشكيلات أكثر تنظيما من الجماعات الأخرى التي تقوم أحيانا بأعمال سرقة وقتل لأنصار النظام، وقد قال لي عدد كبير من السوريين إنهم يفضلون القوى الإسلامية لهذا السبب، وأظن أن هذه الأسباب هي التي دفعت قطر إلى تفضيل التعاون مع هذه القوى المنظمة والمنضبطة"، ما مدى إمكانية أن تصبح قطر قطبا بارزا بالمنقطة سياسيا واقتصاديا مثل السعودية؟.

وأجابت بايكر على هذا السؤال بالقول: "النفوذ السعودي في تراجع وقطر تحاول الدخول لملء الفراغ، ولكن القوة لا تقتصر على الثروة فحسب، فرغم ارتفاع الدخل الفردي القطري إلا أن اقتصاد البلاد لا يقارن بالاقتصاد السعودي الضخم المستند إلى قدرات بشرية أكبر بكثير، وبالتالي فما زال لدى الرياض الكثير من القدرات السياسية."

قطر راعية الربيع العربي تحكم على شاعر بالسجن المؤبد

فقد حكمت محكمة في قطر التي دعمت الانتفاضات في العالم العربي بالسجن المؤبد على شاعر بتهمة انتقاد الأمير والدعوة إلى التمرد في حكم أثار الغضب واتهامات بالنفاق من جانب جماعات حقوق الانسان، وأشاد محمد بن الذيب العجمي في أبيات له بانتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بحكام مستبدين مدعومة في الغالب بمساعدات مالية وغير ذلك من أشكال الدعم من جانب قطر الغنية بمصادر الطاقة. لكنه انتقد أيضا الحاكم المطلق في قطر، وقال محاميه نجيب النعيمي الذي نقل الحكم وقرار المحكمة إلى رويترز بعد المحاكمة التي جرت في قاعة مغلقة إن هذا إجهاض صارخ للعدالة.

وفي وقت لاحق قال العجمي (36 عاما) في السجن المحتجز به بدون أي زيارات عائلية منذ حوالي عام إنه يعتقد أن الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رجل طيب ومن المؤكد أنه لا يعلم شيئا عن محنته. وقال النعيمي إن الدفاع سيطعن في الحكم. ومن بين الاحتمالات الواردة صدور عفو من قبل الأمير، ولم يسمح للعجمي نفسه بحضور المحاكمة وقال النعيمي إن الدفاع منع من تقديم مرافعات شفهية رغم انه طعن في اتهامات الادعاء بان العجمي دعا الى الثورة في قطر وهي تهمة عقوبتها الاعدام.

وافادت منظمة العفو ان اعتقال العجمي في نوفمبر تشرين الثاني 2011 جاء بعد ان نشر قصيدة تدعى الياسمين في اشارة الى رمز الثورة التونسية في يناير كانون الثاني من العام الماضي التي كانت انطلاقة للربيع العربي. وفي انتقاد عام لحكام الخليج كتب العجمي "كلنا تونس بوجه النخبة القمعية"، وقال النعيمي ان العجمي "لم يحرض على قلب اي نظام محدد" وذلك في معرض حديثه عن الاتهامات "بالتحريض على قلب نظام الحكم". وينص قانون العقوبات القطري على الحكم بالسجن لمدة خمس سنوات على من ينتقد حاكم البلاد في حين يعاقب بالاعدام على التحريض لقلب نظام الحكم، وقال النعيمي الذي احتجز في الحبس الانفرادي في الغالب متحدثا لرويترز في وجود حراس السجن وآخرين إن الامير رجل طيب وأعرب عن اعتقاده بأنه لا يعرف أنه مسجون منذ عام في غرفة بمفرده، وأضاف أنه لو علم الأمير بالأمر فسوف يفرج عنه مشيرا إلى تشجيع حكام قطر في السابق لمجتمع أكثر انفتاحا بما في ذلك استضافة قناة الجزيرة الرائدة، وقال ان هذا خطأ ولا يمكن ان تكون لديهم قناة الجزيرة في البلاد ويضعوه في السجن لانه شاعر. بحسب رويترز.

وتغطي الجزيرة بنشاط الثورات العربية إلا أنها قدمت تغطية مقتضبة لانتفاضة العام الماضي في البحرين، وتؤيد حكومة قطر الجماعات المسلحة في سوريا وأيدت الانتفاضة المسلحة التي أطاحت بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بدعم من حلف الأطلسي. وأيدت أيضا احتجاجات الشوارع التي أطاحت بحكام مصر وتونس واليمن. وكان علم قطر باللونين الكستنائي والابيض يرى على نحو معتاد في التجمعات الحاشدة المطالبة بالديمقراطية.

قانون الإعلام

فيما انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان مشروع قانون الإعلام الجديد في قطر وخصت بالذكر "أحكاما ذات صياغة فضفاضة" تعاقب على انتقاد قطر أو دول الجوار، وحثت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على عدم إقرار مشروع القانون بصيغته الراهنة التي وصفتها بأنها "التزام بالرقابة"، ولم يتسن على الفور الاتصال بمسؤولين قطريين للتعليق، ويدعو مشروع القانون إلى إلغاء العقوبات الجنائية في مخالفات قانون الإعلام لكنه يحتوي على بعض الأحكام الفضفاضة، وتحظر المادة 53 نشر أو بث معلومات من شأنها "إرباك العلاقات بين قطر والدول العربية والدول الصديقة" أو التي "من شأنها الإساءة للنظام أو إهانة الأسرة الحاكمة أو التسبب في ضرر جسيم بالمصالح الوطنية والعليا للدولة"، ويتعرض المخالفون للقانون لغرامات مالية تقرب من مليون ريال قطري (275000 دولار)، ووافق مجلس الشورى القطري على مشروع القانون الذي سيكون أول تعديل كبير لقانون الإعلام القطري منذ عام 2008 الذي أنشأت فيه الحكومة مركز الدوحة لحرية الاعلام. بحسب رويترز.

وقال جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش في بيان "يعد التزام قطر بحرية التعبير جيدا في حدود القوانين القطرية والتي لا تستوفي في هذه الحالة المعايير الدولية التي تعلن قطر أنها تدعمها" وتابع "يعتبر مشروع قانون الإعلام هذا التزاما بالرقابة وليس بدعم حرية الصحافة"، وقال ستورك "إذا كانت قطر جادة في كونها صوتا قياديا ورائدا على المستوى الإقليمي فيما يخص حماية حرية التعبير فلا بد من إلغاء تلك الأحكام المنطوية على إشكاليات من مشروع قانون الإعلام وإسقاط جميع الاتهامات المنسوبة إلى محمد بن الذيب العجمي المتصلة حصرا بممارسته لحقه في حرية التعبير."           

احتجاج العمال

الى ذلك سمحت قطر بتنظيم احتجاج نادر للمطالبة بحقوق عمالية وذلك خلال مظاهرة اقرتها الحكومة لنحو 300 ناشط يطالبون بالتحرك لمكافحة التغيرات المناخية، وهتف متظاهرون  معظمهم اجانب يشاركون في محادثات تضم 200 دولة تهدف لاحتواء ارتفاع درجة حرارة الارض مطالبين بالتحرك الفوري لمواجهة التغير المناخي وان يتزعم القادة العرب التحرك الآن، ودعت احدي المجموعات المشاركة في التظاهرة لمنح حريات اكبر لعمال مهاجرين يمثلون أكثر من 94 في المئة من قوة العمل في قطر التي تتوقع ازدهار اعمال التشييد قبل استضافتها نهائيات بطولة كأس العالم لعام 2022، وتشيع ظروف العمل السيئة في الخليج حيث يعمل رجال ونساء فقراء من جنوب شرق اسيا في مواقع بناء ومشروعات نفطية وفي المنازل، وقالت شاران بورو الامين العام للاتحاد العالمي للنقابات "العمال المهاجرون... ليس لهم حقوق ولا يسمع لهم صوت هنا في قطر"، وقالت عن كأس العالم "عدد العمال الذين سيموتون وهم يشيدون الاستادات اكبر من عدد اللاعبين الذين سيلعبون داخل الملاعب". بحسب رويترز.

ويحظر القانون على غير القطريين الانضمام إلى النقابات العمالية ولكن بورو نقلت عقب الاجتماع مع ناصر الحميدي القائم بأعمال وزير العمل بالإنابة قوله "انه إذا قمنا بتشكيل اتحاد فانه شخصيا يضمن عدم معاقبة اي من العمال الذين سينضمون اليه. سوف نختبره في هذا الشأن"، ولا تنشر قطر عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الامن الصناعي ولكن سفارة نيبال ذكرت ان 191 عاملا من رعاياها ماتوا في قطر في عام 2010 في حين ذكرت السفارة الهندية ان 98 من مواطنيها توفوا في نفس العام، وقال فهد بن محمد العطية رئيس الفريق المنظم لمحادثات المناخ في قطر ان ثمة اجراءات تتخذ حاليا لتحسين ظروف العمل، وصرح خلال المظاهرة انها مبعث قلق مشروع وينبغي العمل على علاج الوضع بشكل جاد وسريع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/كانون الأول/2012 - 17/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م