قبل أن يسدل الستار

سهى بطرس قوجا

قبل أن يسدل الستار على عام 2012، لنْا وقفة وحديث وبضع كلمات نودّ أن نهمسها مع كل قارئ هذه السطور، أقول فيها قبل أن نودع آخر يوم من هذا العام لنستقبل عام آخر جديد 2013، يا ليت لو يُخصص كل واحدٍ البعض من الوقت لمراجعة الذات أثناء مشوارها، ومراجعة شريط الحياة لقطة لقطة، للوقوف عندها والتعرف إلى أي مدى أنتَ كنت مُحقق إنسانيتك فيها، وعلى أي أرض كنت ماشي بخطواتك، لتتعرف أكثر على نفسك وربما على أيام من عمرك انشغلت عنها بدون أن تعرف ما حدث وجرى فيها وهي ماضية!

فجأة أفاق على كابوس مزعج وهو الذي غفى على ابتسامة رقيقة وحلم أجمل بأشياء جميلة، واجدٍ نفسهُ يسير على شاطئ البحر والبرد يدغدغ جسدهِ الدافئ، مع فكر شارد ومشاعر وحيدة تتخبط في عالمهِ الداخلي باحثةٍ عن استقرار وهدوء! وحينها أحس وأدرك كم هو بحاجة إلى أن يستمع لصوت الحياة ويعيش لحظات مع ذاتهِ بعيدًا عن كل ما هو شارد في الدنيا!

جلس على شاطئ البحر، مُتأملا بناظره للأفق البعيد ليبصر أمام عينيهِ أحداث كثيرة تمرّ مُتلاحقة منذ ميلاده إلى لحظة تواجده، أشياء وأحداث كثيرة مُزدحمة ومُتشابكة ومُتلاحقة الواحدة للأخرى، بعضها يتذكرها وبعضها الآخر توه يتعرف عليها! من شدة الزحام وتراكم ترسبات الأيام في ذهنهِ فقدَ القدرة على التمييز بين الأشياء وبين الأصوات، بين الركام وبين ما هو ماضي في سلسلة الأيام، بين العواصف وبين النسمات العليلة! أحتارَ وجلس مُتأملاً وغارقًا في التفكير، وحينها عرف أن للحياة أنفاسًا حيةٍ وللبحر حديث غير المتعارف عليه وأمواجهِ تصدر أنغامًا غير التي تنبعث من الآلات الموسيقية ومنظرهُ غير المألوف للعين! وحينها أيضًا عرف لأول مرة أنهُ يتعرف على نفسهِ ويغوص في أعماقها ويكتشفها من جديد، ويعرف ما هو الجميل وما هو القبيح وكيف يكون الكلام وكيف يكون الصمت، وكيف تكون الأغنية وكيف يكون صوت الرصاص المُخترق الآذان؟!

وهنا كانت صدمتهِ وخيبتهِ وسبب فقدان ثقتهِ وأملهِ بنفسهِ وبمنْ حولهِ! لذلك تمنى بينهُ وبين نفسهِ أن يحصل على عزلة طويلة الأمدّ مع نفسهِ المرهقة جدًا، عزلة وسكون ذاتًا يتعلم فيها من جديد كيف يضبط نفسهُ وحياتهِ ويُجالسها ويُحادثها في هدوء، عزلة يتعلم فيها كيف يكون الصمت الطروب بعيدًا عن ضجيج الحياة والتخبط في محطاتها؟! عزلةٍ يرمي نفسهُ فيها ليتخلص من أعباء سنين مُتراكمة داخلهِ وهو لا يدري إلى أن شعر بثقلها على أكتافهِ وأتعبتهُ؟! عزلة يريد فيها القيام برحلة بعيدة عن زحام وضيقات الحياة، ويعيش تحت ظلال شجرة وجو هادئ تغردّ الطيور فيهِ ولا يسمع غير صوتها.

هكذا تكون حياة من ينسى ويتناسى في زحمة الحياة أن لذاتهِ حق عليه، يسعى في الأرض بدون توقف ويخطو بخطواتهِ بلا توقف وكأن كل ما في الحياة هو كرباج يطارده خلف ظهره ليخطو أسرع وأكثر ويجمع الكثير ويفقد الأكثر الأهم والذي لا يعوض؟!

كثيرين في الحياة بلا أمل وبلا أمنية وبلا فهم واستيعاب أكثر لها، يعيشون فيها بتخبط وبخصومة مع نفسهم ومعها وهم لا يعلمون! لذا في كل عام يمضي لنا وقفة تأمل معها وفي أخرى جديدة قادمة بما فيها من مجهول، نستودع عام ونقترب من آخر يكون ربما قريبًا من الأبدية أكثر من الحياة! عامًا لنْا فيهِ عبرة وعظةٍ للقادم الجديد ووقفةٍ لحظات ليس ألا، وهي وحدها كفيلة لمحاسبة النفس والضمير وغسل القلوب والأفكار من الحقد والبغض والأنانية والأفكار الشريرة والظنون البائسة التي لا تُجدي نفعًا ولا تحقق شيئًا سوى الهبوط إلى الهاوية والسكنى في دهاليز الظلام! وهذا طبعًا عكس الطبيعة الإنسانية المحبة للخير والمسامحة والمحبة.

عش ذاتك في حياتك ولا تفصلها عنها، لكي لا تضيع مُستقبلاً، وأجعلها ترافق خطواتك لكي تخلصك من كل ما من شأنهِ أن يبعدك عن طريق الربّ وطريق الإنسانية، وأستشعر الحياة لكي تعيش معناها الحقيقي بعيدًا عن الأمور الدنيوية الفانية لتسموّ بإنسانيتك وتغردّ في سماء الحياة لحنًا جميلاً يبقى بقاء الخلود.

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/كانون الأول/2012 - 17/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م