قبرص... اقتصاد يموت ومشاكل تتفاقم

 

شبكة النبأ: كغيرها من الدول الأخرى تواجه قبرص اليوم أزمة اقتصادية خطيرة بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أثرت بشكل سلبي على العديد من دول العالم، ويرى بعض المراقبين ان الحكومة القبرصية تواجه مشكلة كبيره ومعقدة ربما ستسهم بخلق مشاكل واضطرابات شعبية بسب قرار إعلان حالة التقشف وتسريح آلاف العمال وغيرها من القرارات الأخرى التي أضرت بالمواطن القبرصي الذي يعيش اليوم صعبة ستزداد سوء اذا تأخرت دول الاتحاد الأوربي بتقديم مساعداتها لقبرص. وفي هذا الشأن صادق البرلمان القبرصي على ميزانية 2013 التقشفية القاسية التي تعتبر "الاهم" في تاريخ الجزيرة المتوسطية نظرا لمساعي نيقوسيا الحصول على صفقة لإنقاذ مصارفها المتعثرة ولدفع الرواتب المترتبة عليها. وتشمل الميزانية خفضا شديدا في الإنفاق وزيادة في الضرائب وهي خطوات تم الاتفاق عليها في محادثات مع الجهات الدولية الثلاث الدائنة. وجرت المصادقة على الميزانية باغلبية 51 صوتا مقابل صوتين معارضين.

وتتوقع الميزانية ان يبلغ اجمالي الانفاق العام في 2013 نحو 9,5 مليار يورو (12,6 مليار دولار) فيما سينخفض اجمالي الناتج المحلي الى 17,49 مليار يورو اي بانخفاض نسبته 2 بالمئة عنه في 2012 حيث بلغ 17,85 مليار يورو. وتشتمل الميزانية على تحقيق هدف تعديل مالي بنسبة 7,25 بالمئة بناء على طلب الدائنين الدوليين. ودعا وزير المالية فاسوس شارلي النواب الى تمرير الميزانية لمساعدة قبرص على اعادة بناء اقتصادها المتداعي والمهدد بانكماش غير مسبوق. ووصف الميزانية بانها "الاهم" في تاريخ الجزيرة. ولم تتمكن قبرص من الاقتراض من الاسواق الدولية منذ تموز/يوليو 2011 بسبب انكشاف بنوكها على المصارف اليونانية وانخفاض تصنيفها بحسب وكالات التصنيف.

ويتوقع ان يتقلص الاقتصاد بنسبة 2,4 بالمئة في العام 2012، ما يعني دخوله في انكماش بنسبة 3,5 بالمئة في 2013، وان يتباطأ الى ناقص 1,3 بالمئة في 2014. وتبنت قبرص التي قد تحتاج الى مبلغ يتجاوز 17 مليار يورو، تدابير تقشف لخفض نفقاتها بناء لطلب الترويكا. وهذا البرنامج الذي يمتد على اربع سنوات يمثل 7,25 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي. ووافق البرلمان على خفض الرواتب في القطاع العام بنسب تصل الى 15,5 بالمئة. كما خفضت التقديمات الاجتماعية في حين زادت الضرائب على السجائر والكحول والبنزين.

في السياق ذاته علقت في شارع مكاريوس بوسط نيقوسيا زينة الميلاد المضاءة، لكن هذه الجادة التجارية الكبيرة فقدت بريقها، على غرار الاقتصاد القبرصي، مع اغلاق الكثير من المتاجر ابوابها ومعاناة الباقية من قلة الزبائن. ورغم ان المركز التجاري الكبير ومجمع الالعاب في ضواحي العاصمة يعج بالزائرين، الا ان عددا كبيرا من القبارصة يتخوف من ان تغرق هذه الجزيرة المتوسطية في الكساد جراء انكشاف مصارفها على الازمة اليونانية، بمثل سرعة غرق شارع مكاريوس.

وقال كريستوس ستيليو الذي يملك متجرين في وسط المدينة، الاول للأدوات الرياضية والثاني للألعاب، "قبل سنوات، كان يتعين دفع حتى نصف مليون يورو مثابة خلو رجل للحصول على متجر في شارع مكاريوس. الان، لا شيء". وتراجع رقم اعمال ستيليو 60% خلال سنة، وصرف معظم موظفيه، واصبح يتولى بنفسه تأمين البيع وتسلم البضائع كما يكدس مخزوناته في منزله حتى لا يدفع ايجار مستودع.

ويؤكد جورجيوس غاكوس الطبيب البيطري في شارع مهم في المدينة "كثير من زبائننا فقدوا وظائفهم والبعض منهم تراجعت رواتبه الى النصف". وقال "الذي كان يأتي مرة في الشهر لتنظيف كلبه لم يعد يأتي إلا للقاح السنوي". واوضح دين ميلار الذي يمتلك متجرا للأغراض المستعملة "يأتي الناس ليبيعوا أثاث بيوتهم". واضاف هذا البريطاني المقيم في قبرص منذ 26 عاما "لدى القبارصة عزة نفس كبيرة تمنعهم من القول انهم يبيعون اغراضهم بسبب حاجتهم الى المال، لكني اعرف ان هذا هو السبب. ولا استطيع ان اساعدهم: وحدها الادوات الكهربائية تباع

وأصبحت المشاغل نادرة بحيث اضطر الى صرف موظفيه وبالكاد يؤمن المتجر مصاريفه. وفي هذا الاطار، حاول ان يجري مفاوضات حول اعادة جدول قرضه. لكن المصرف عرض نسبة فائدة تبلغ 10,5%، عندئذ تدبر امره "على الطريقة القبرصية" اي الاقتراض من عائلته.

واكدت مديرة مصرف طلبت عدم الكشف عن هويتها "لم يعد الناس قادرين على تسديد الاقساط. انهم يأتون بأعداد كبيرة جدا ليطلبوا اعادة جدولة قروضهم. ولا نستطيع دائما ان نلبي مطالبهم" لأن قيمة الممتلكات العقارية التي كانت تستخدم ضمانة قد تراجعت. واضافت ان "الشقة التي كانت تساوي 100 الف يورو قبل فترة باتت تساوي اليوم 70 الفا".

وقال اليكوس تريفونيدس المسؤول عن نقابة موظفي القطاع العام والمسؤول في حزب ذيكو الوسطي ان خمسة الاف مؤسسة صغيرة ومتوسطة قد أقفلت منذ ثلاث سنوات. وارتفعت نسبة البطالة وباتت تشمل كثر من 12% من القوى العاملة. ووضعت شبكة اورفانيدس، اكبر شبكة للسوبرماركات في الجزيرة، تحت الحراسة القضائية بعد ان سحقتها الديون، مما اثار قلق المئات من موظفيها والتجار الذين تتعامل معهم.

وبعد القطاع الخاص، جاء الدور على 72 الف موظف لتخفض رواتبهم بنسبة 15% في 2013 بعد تجميدها هذه السنة. واضطرت قبرص الى استخدام اموال التقاعد في المؤسسات العامة لدفع رواتب شهر كانون الاول/ديسمبر، بانتظار الحصول على مساعدة دولية حاسمة لانقاذ مصارفها واموالها العامة. وقالت المحللة فيونا مولن "تعيش الحكومة كل يوم بيومه وستستمر على هذه الحالة حتى تتلقى الاموال من الجهات الدولية لكن خطر انهيار كل شيء لا يزال قائما".

وقبرص التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي حتى نهاية كانون الاول/ديسمبر، طلبت مساعدة اوروبية في حزيران/يونيو بعد ان طلب اكبر مصرفين في الجزيرة، بعد تضررهما كثيرا من جراء ازمة الديون اليونانية، مساعدة الحكومة لعجزهما عن تلبية معايير السيولة الاوروبية. وعلى الترويكا التي تضم الاتحاد الاوروبي والبنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، ان تقدم في 21 كانون الثاني/يناير خلال اجتماع مجموعة يوروغروب توصياتها حول طلب قبرص للحصول على مساعدة.

وبعد الموافقة على المساعدة، ستضطر قبرص للانتظار عدة اسابيع قبل تلقي اولى الدفعات، وعليها ايجاد اموال من مصادر اخرى حتى ذلك الوقت. وحذر مسؤول في وزارة المال امام البرلمان من ان الدولة لن تتمكن من دفع رواتب شهر كانون الاول/ديسمبر اذا لم تحصل بسرعة على قرض بقيمة 250 مليون يورو من المؤسسات العامة. واثار الاعلان احتجاج موظفي هذه المؤسسات الذين يخشون من انه اذا ما استخدمت رواتب التقاعد لشراء سندات خزينة فلن تعيد الدولة ابدا الاموال التي اقترضتها.

ونجحت الحكومة في الحصول على 250 مليون يورو من شركتي الهاتف والكهرباء وهيئة الموانىء، واكدت وزارة المال انه "لن يكون هناك عجز في التسديد". ويرى خبير الاقتصاد كوستاس ابوستوليدس انه لم يكن امام موظفي القطاع العام من خيار سوى قبول طلب الحكومة خصوصا بعد ان رفضت مقترحات الترويكا لتخصيص عدد من المؤسسات العامة والتي تملك "اموالا ضخمة". وصرح ابوستوليدس ان "الموظفين يرفضون الخصخصة وبالتالي دعموا الحكومة التي ايدت وجهات نظرهم وتم التوصل الى اتفاق". بحسب فرنس برس.

وقالت مولن "ان الحكومة ارغمت على اللجوء الى اساليب غير تقليدية لتسديد نفقاتها اليومية". اضافت انه اذا وجدت نيقوسيا نفسها اليوم في وضع صعب فلان الحكومة ترددت في طلب المساعدة في وقت مبكر واجلت طلب المساعدة الدولية املا منها في الاقتراض من جهات اخرى. وتبنت قبرص التي قد تحتاج الى مبلغ يتجاوز 17 مليار يورو، تدابير تقشف لخفض نفقاتها بناء لطلب الترويكا. وهذا البرنامج الذي يمتد على اربع سنوات يمثل 7,25% من اجمالي الناتج الداخلي.

شطب الديون

على صعيد متصل استبعد رئيس مجلس وزراء مالية منطقة اليورو (يوروغروب) جان كلود يونكر (لوكسمبورغ) اللجوء الى شطب ديون لمساعدة قبرص، معتبرا ان هذه الالية "ليست اولوية"، وذلك في مقابلة مع شبكة اذاعية المانية. وقال يونكر لاذاعة "دويتشلاندفونك" انه "اتفقناعلى عدم اللجوء الى شطب ديون يطال الجهات الدائنة في القطاع الخاص الا بطريقة استثنائية في حالة اليونان". واضاف يونكر "اعتبر ان شطب ديون لا يشكل الية اولوية. من جهتي استبعد هذا الأمر". اما بالنسبة الى المباحثات حول خطة مساعدة لهذا البلد، اعرب يونكر عن امله في انها ستتقدم بشكل كبير بحلول نهاية كانون الثاني/يناير. وقال "سنكون عمليا انتهينا على ما آمل من الاهتمام من مسالة قبرص داخل يوروغروب في 21 كانون الثاني/يناير". بحسب فرنس برس.

من جهته، استبعد يورغ اسموسن عضو الهيئة الادارية في البنك المركزي الاوروبي امكانية شطب ديون قبرصية، وذلك في مقابلة مع شبكة تلفزيون "آ ار دي" الالمانية. وقال ان "المسالة غير مطروحة"، مضيفا ان الاحتياجات المالية لقبرص لم يجر تقييمها بعد. واضاف اسموسن "لكن من المتوقع ان يصبح مستوى مديونية قبرص لا يحتمل" و"سننظر في كل الإجراءات لجعله قابلا للتحمل". واعتبر اسموسن ايضا ان هذه المسائل ستجد حلا لها ودعا قبرص الى اجراء اصلاحات مثل تلك التي اجرتها اليونان ودول اخرى للنهوض بماليتها. وفي حال حصلت قبرص على مساعدة، فانها ستصبح الدولة الرابعة في منطقة اليورو (من اصل 17 دولة) التي تستفيد من مساعدة مالية دولية بعد اليونان وايرلندا والبرتغال.

روسيا وقبرص

الى جانب ذلك اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان على الاوروبيين ان يحددوا القواعد المتعلقة بالمساعدة المفترض تقديمها لقبرص التي يواجه اقتصادها صعوبات بسبب انكشاف مصارفها في ازمة الديون اليونانية. وقال بوتين في مؤتمر صحافي في ختام قمة الاتحاد الاوروبي-روسيا في بروكسل "اننا نجري محادثات مع شركائنا القبارصة، ونبحث في هذه المسائل".

واضاف ان "حالة الاقتصاد الروسي جيدة جدا"، مذكرا بان البلد يملك "الاموال واحتياطات الذهب والعملات". لكنه قال "الامر لا يتعلق بالاموال هنا، وانما باجراءات منهجية ينبغي اتخاذها". وشدد بوتين على ان "قبرص عضو في الاتحاد الاوروبي واعتقد ان على شركائها الاوروبيين صياغة قواعد تتعلق بالعمل داخل هذه المجموعة بالذات. نحن لا يتعين علينا التدخل"، لكنه لم يستبعد تدخل روسيا اذا لم يتم التوصل الى اي حل. بحسب فرنس برس.

من جهته، اعلن رئيس المفوضية الاوروبيية جوزيه مانويل باروزو ان "على قبرص وروسيا اولا ان تقررا الالتزام المحتمل لروسيا" في مساعدة الجزيرة. ومنحت روسيا التي تقيم علاقات اقتصادية وثقافية وثيقة مع قبرص، نيقوسيا قرضا بقيمة 2,5 مليار يورو العام الماضي. وطلبت الجزيرة في اب/اغسطس خمسة مليارات يورو اضافية لكن موسكو اعتبرت على اثر ذلك انها قد لا تحتاج اليه ربما.

توحيد قبرص

من جهته اعتبر وزير خارجية "جمهورية شمال قبرص التركية" التي لا تعترف بها سوى انقرة، حسين اوزغورغون اثناء زيارة الى العاصمة التركية ان الازمة الاقتصادية والمالية التي تهز قبرص تجعل من المستحيل استئناف المفاوضات حول اعادة توحيد محتملة لشطري الجزيرة المتوسطية. وقال اوزغورغون للصحافيين ان "المحادثات متوقفة الان"، مضيفا "اذا تحدثنا حقا بالسياسة، فانه لا يوجد اي سبب في الوقت الراهن لاستئناف المحادثات". واضاف ان "الجنوب يشهد صعوبات مالية والشمال يحاول النهوض من مشاكله لاقتصادية. فهل يمكن ان يكون هناك سببا واحدا لاحراز تقدم في المسالة القبرصية؟ هذا امر مشكوك فيه".

وقبرص مقسمة الى شطرين منذ 1974 بعد غزو الجيش التركي لشمال الجزيرة على اثر انقلاب نفذه قبارصة يونانيون قوميون بهدف الحاق الجزيرة باليونان. ولا تعترف انقرة منذ ذلك الوقت الا ب"جمهورية شمال قبرص التركية" خلافا لبقية المجتمع الدولي الذي يعترف بجمهورية قبرص عضو الاتحاد الاوروبي منذ 2004. بحسب فرنس برس.

ورعت الامم المتحدة سلسلة من المحادثات الرامية الى تشجيع اعادة توحيد الجزيرة لكن الامين العام للمنظمة الدولية بان كي مون رفض في نيسان/ابريل الماضي تنظيم مؤتمر دولي حول هذه المسالة معتبرا ان الطرفين لم ينجزا ما يكفي من تقدم يؤمل معه التوصل الى مخرج ايجابي للمفاوضات. ويشهد الشطر الشمالي من الجزيرة ايضا صعوبات اقتصادية، كما اكد الوزير اوزغورغان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/كانون الأول/2012 - 13/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م