الصوت الثقافي المعارض

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الصوت المعارض بمفهومه الواضح والبسيط، يعني الصوت المصحح للاخطاء المقصودة أو التي تحدث دونما قصد، في عموم المجالات كـ السياسة والاجتماع والثقافة والاقتصاد وسواه، ولا يمكن أن يشكل الصوت المعارض في المجتمعات المتطورة أو غيرها، خطرا على الدولة او المجتمع او الفرد، بل يشكل خطرا على الاخطاء، وهذا هو المطلوب تحديدا كي يتحقق حلم بناء الدولة المدنية للمجتمع الذي يحلم بها ويسعى الى تحقيقها.

في الثقافة أيضا لا يُلغى الصوت المعارض، ولا ينبغي أن يسعى احد او جهة ثقافية ما لإلغاء هذا الصوت، لأن الثقافة هي العمود الأهم والمرتكز الأقوى للمجتمع، بمعنى اوضح، إذا صحَّ مرتكز الثقافة صحَّ المجتمع والفرد والدولة برمتها، والعكس يصح تماما، وطالما أن الوسط الثقافي وما يجري فيه من ادارة للانشطة الثقافية المختلفة يشكل صورة مصغّرة نموذجية لادارة الدولة (أو ينبغي أن يكون الامر كذلك)، لذا يجب أن يبقى الصوت الثقافي المعارض مصانا ومدعوما من لدن المعنيين، كونه يأتي كاشفا للاخطاء ومصححا لها في الوقت نفسه، أما حين يسعى أحدهم (من قادة الثقافة العراقية) لقمع الصوت المعارض له، فإنه بذلك يدمر الصورة النموذجية المعطاة لقادة الدولة السياسيين، وهو يُسهم، عرف أم لم يعرف وشاء أم لا، في تدمير الثقافة وتحويلها من مسارها المعرفي التثقيفي الانساني الرصين، الى فرصة لتحقيق المنافع والمصالح والامتيازات الشخصية او الشللية، وبهذا تعطي الثقافة وقادتها صورة أكثر بؤسا، من صور الصراع الذي يحدث بين السياسيين اللاهين عن مصالح الشعب بتحقيق مصالحهم ومنافعهم الذاتية.

هكذا تتضح بجلاء خطورة قمع الصوت الثقافي المعارض، حيث تسعى بعض القيادات الثقافية الى محاربة أي رأي مضاد، أو أي صوت يحاول أن يشير الى هذا الخلل أو ذاك في ادارة الانشطة الثقافية، ولا احد من هؤلاء يفهم بأن الصوت المعارض مهم ليس للثقافة وحدها بل للدولة والمجتمع، لأنه سيتحول الى سلوك وتفكير تنتظم تحت مفهومه جميع انشطة الحياة، وأولها الأنشطة السياسية التي يُدار بها السلوك والتفكير المجتمعي ككل.

ومن أمثلة قمع الصوت الثقافي المعارض، حتى لا يكون الرأي والكلام جزافا، أنني شخصيا أشرت في مقالات وأقوال مسموعة ومقروءة، الى سلوكيات مرفوضة قامت بها القيادة العليا التي تدير اتحاد الادباء والكتاب العراقيين منذ سنوات وحتى الآن، وذكرت أن رئيس الاتحاد بقي متشبثا بمنصبه سنوات طويلة (بحجة الانتخاب)، يسانده في ذلك نائبه والناطق الاعلامي ونائب النائب !!، وقد استفاد الرئيس المذكور في منصبه بالحصول على ايفادات كثيرة الى مختلف دول العالم، وعندما يحاججه احد ويقول له لماذا هذا الاستئثار بالامتيازات والايفاد يجيب (إن الدعوات تأتيني بشكل شخصي)، في حين كان بإمكانه أن يكون أكثر عدالة ولا يستأثر بالامتيازات، بل يُشرك غيره فيها، وهذا ينطبق على معظم الايفادات الاخرى، علما أننا كنا نعاني من هذه المشكلة نفسها قبل عام 2003 عندما كان قادة الاتحاد يمنحون أنفسهم كل الامتيازات ويحرمون المثقفين الآخرين منها، والمشكلة لا تقف عند هذا الحد، بل تتعداه الى محاولة قادة الثقافة في قمع الصوت الذي يعارضهم ويشير الى اخطائهم، وهم بذلك يقدمون نموذجا خاطئا لقادة الدولة السياسيين، ويؤكدون فشل قادة الثقافة في تقديم النموذج الافضل، من خلال ميلهم الى المنافع الذاتية أكثر من خدمة الثقافة والمجتمع العراقي الذي يمر راهنا بأخطر المراحل والتحولات في تاريخه.

وبهذا القمع للصوت الثقافي المعارض يتأكد نقص خطير يعتور الثقافة العراقية التي يفترض بها أن تكون مثالا جيدا للساسة وللمجتمع ككل، لذا لابد أن تفهم القيادات الثقافية وتؤمن بأن الصوت الذي يشير الى الخطأ، يهدف الى التصحيح لا أكثر، ولا يصح التعامل معه كعدو، ويتم قمعه ومحاصرته وعزله كما تقوم قيادة اتحاد الادباء العراقيين الحالية مع أي صوت معارض لها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/كانون الأول/2012 - 4/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م