الأزمة الدستورية المصرية وسياسة الولايات المتحدة

 

شبكة النبأ: تمثل مسودة الدستور المصري التي ستطرح للاستفتاء في 15 كانون الأول/ديسمبر خطوة هائلة إلى الوراء بالنسبة لآفاق الديمقراطية في البلاد. فقرار الرئيس محمد مرسي بالإسراع في إصدار الوثيقة من خلال جمعية لصياغة الدستور - التي انسحب منها غير الإسلاميين إلى جانب العديد من المواد التي يمكن للإسلاميين الممسكين بالسلطة في البلاد استغلالها بسهولة -  تكاد تضمن مستقبلاً ثيوقراطياً لمصر. كما تؤكد هذه الوثيقة على الصفقة التي تمت بين جماعة «الإخوان المسلمين» والقوات المسلحة، حيث منحت كبار الضباط في القوات المسلحة حكماً ذاتياً نسبياً مقابل الاستجابة لطموحات «الإخوان» السياسية.

الخلفية

فبحسب تحليل نشر مؤخرا في موقع واشنطن لدراسات الشرق الادنى، واجهت "الجمعية التأسيسية" في مصر تحديين رئيسيين منذ أن عينها "مجلس الشعب" - الذي تسيطر عليه جماعة «الإخوان» -  لصياغة دستور جديد في حزيران/يونيو. الأول، هيمنة الأعضاء المنتمين إلى تيارات إسلامية مما أزعج الأعضاء غير الإسلاميين، حتى أنه بحلول منتصف تشرين الثاني/نوفمبر انسحب تقريباً جميع الأعضاء غير المنتمين إلى تيارات إسلامية من الجمعية احتجاجاً على تلك الهيمنة. الثاني، بعد صدور حكم "المحكمة الدستورية العليا" في منتصف حزيران/يونيو حول عدم دستورية "مجلس الشعب" المنتخب، أصبحت الجمعية هدفاً للدعاوى القضائية. وبعد العديد من التأجيلات كان يتوقع صدور حكم حول قانونيتها هذا الأسبوع.

وما جاء في التحليل ايضا، مع ذلك، فلاستباق هذا الحكم أصدر مرسي إعلاناً دستورياً في 22 تشرين الثاني/نوفمبر يحصن الجمعية من حلها من قبل المحكمة ويقضي لنفسه سلطة مطلقة تقريباً. وعندما بدأ الأعضاء غير المنتمين إلى تيارات إسلامية باحتجاجات واسعة ضد القرار، رد مرسي بالدعوة إلى إنجاز مسودة الدستور في غضون أربع وعشرين ساعة، فقامت الجمعية بدورها باستبدال العديد من الأعضاء غير الإسلاميين الذين انسحبوا من الجمعية بأعضاء من التيارات الإسلامية. ويوم السبت وافق مرسي على المسودة النهائية التي أصدرتها الجمعية ودعا إلى إجراء استفتاء وطني في 15 كانون الأول/ديسمبر. ومن المتوقع أن تتم الموافقة على هذه المسودة على نطاق واسع بسبب: الدعم الذي تحصل عليه من قبل الإسلاميين (الذين ما زالوا أفضل القوى السياسية المعبأة في البلاد)، ولأن كل استفتاء حدث في تاريخ مصر المعاصر انتهى بـ "نعم".

ويشير تحليل موقع واشنطن الى، تحتوي المسودة على بعض المواد الواعدة؛ حيث تورد أن "السيادة للشعب وحده"، وليس لـ الله، وتتضمن بنوداً بشأن عدم التمييز والحرية الشخصية؛ وتتيح حقوقاً خاصة مثيرة للإعجاب، بما في ذلك في مجال الاتصالات الالكترونية؛ وتحدد الفترة الرئاسية بولايتين فقط. ولكنها تمنح أيضاً نظاماً سياسياً يهئ هيمنة التيار الإسلامي، وتوفر حماية دستورية للجيش لم يسبق لها مثيل، وذلك كجزء من صفقة واضحة لضمان إقرارها.

نهج غير تعددي ينتج وثيقة غير تعددية

ويؤكد المقال التحليلي على ان مواد مسودة الدستور حول العلاقة بين الإسلام والسياسة، تعكس الغياب الفعلي للأعضاء غير المنتمين إلى تيارات إسلامية وللأقليات الدينية، من الجمعية التي قامت بصياغتها. وفي حين يعتمد الكثير على الكيفية التي ستفسّر فيها الحكومات المصرية المستقبلية الدستور، إلا أن هناك عدد من الفقرات الرئيسية التي توفر للإسلاميين موطئ قدم كبير لإقامة سلطتهم وتعزيز أجندتهم.

والأسلوب الذي تعاملت به المسودة مع الشريعة هو أحد الأمثلة على ذلك. فعلى الرغم من أنها تحافظ على المادة الثانية من دستور 1971، والتي بموجبها يعتبر "الإسلام هو دين الدولة" و "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، إلا أن الدستور الجديد هو أكثر صرامة بكثير في تحديد كيفية قيام المشرِّعين ببحث الشريعة. وبالتالي، تحدد المادة 219 بأن "مبادئ الشريعة الإسلامية" تشمل "أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة"، وبذلك تؤدي إلى تضييق نطاق التفسيرات التي يمكن أن يعتمد عليها المشرعون من خلال استبعاد المذاهب الشيعية، التي كانت تستخدم في التشريع وفقاً لدستور عام 1971. وفي حين أن المسودة لا تستبعد بالضرورة إقرار القوانين التي ليس لها أساس في الشريعة، إلا أن الأثر المشترك للمواد 2 و 219 يرجح ميزان العقائد الدينية في النقاش السياسي، وبالتالي الاسلاميين. وتعزز المادة 6 هذه الأفضلية بصورة أكثر بنصها أن النظام السياسي يقوم على "مبادئ الديمقراطية والشورى"، وهذه الأخيرة تعني أن التشاور يقتصر على العلماء المسلمين المؤهلين.

وجاء في التحليل ايضا، كما يمنح الدستور دوراً كبيراً محتملاً للدولة في فرض العقيدة الدينية. وفي هذا السياق، تخول المادة 11 الدولة  بأن "ترعى الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية". وفي الوقت نفسه، تحظر المادة 44 "الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة" وبالتالي تعمل على تمكين الحكومة من استخدام المبررات الدينية لتحجيم حرية التعبير.

وأخيراً، يقدم الدستور نظرة محدودة عن حقوق الأقليات. ففي حين تسمح المادة 3 بأن تكون مبادئ شرائع المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم، إلا أن النص لا يذكر شيئاً عن حقوق الأقليات الأخرى مثل البهائيين والشيعة، الذين يعانون من التمييز في كثير من الأحيان. ووفقاً لزعيم  في جماعة«الإخوان» حلمي الجزار، كان ذلك مقصوداً لأن "البهائيين هي مجموعة غريبة الأطوار إلى حد كبير وهي أبعد ما تكون عن الإسلام"، بينما الشيعة "يعبدون الله بطريقة غريبة للغاية." وبالمثل تتجاهل المادة 43 هذه الجماعات عندما تنص على "حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية"، والتي عادة ما يتم تفسيرها بأنها تشمل فقط السنة والمسيحيين واليهود. وحتى أن الحرية الدينية مُضمنة لهذه المجموعات الثلاث فقط "كما ينظمها القانون"، مما يمكّن من استمرار القوانين التمييزية التي تعقّد من محاولات المسيحيين بناء أو تجديد الكنائس. وفي كثير من الأحيان تستخدم مثل هذه الأحكام لتبرير العنف الطائفي.

صفقة «الإخوان» مع القوات المسلحة

وابرز ما اكد عليه التحليل، لا يعطي الدستور الأفضلية للعقيدة والطموحات الإسلامية على وجه الحصر. كما أنه يلبي مطلبين رئيسيين من مطالب الجيش، وبالتالي يكسب تعاون كبار الضباط في القوات المسلحة في تسهيل مرور المسودة. وفي الواقع، كانت المواد الأولى التي وافقت عليها الجمعية عندما سارعت على إكمال المسودة يوم الخميس هي تلك التي تتعلق بالقوات المسلحة.

أولاً، يمنح الدستور الجديد استقلالاً ذاتياً نسبياً للجيش حول شؤونه الخاصة. فالمادة 195 تنص بأن وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، "ويعين من بين ضباطها"، وبالتالي يُجنِّب القوات المسلحة الرقابة المدنية. وبالمثل تنص المادة 197 على إنشاء "مجلس الدفاع الوطني" لمناقشة موازنة القوات المسلحة؛ كما أن ثمانية على الأقل من مقاعد المجلس الخمسة عشر يجب أن تُشغل من قبل كبار المسؤولين العسكريين، وبذلك يتم تجنب الرقابة البرلمانية التي يخشى منها الجنرالات. وفي الوقت نفسه، تنص المادة 198 بأن القضاء العسكري هو "جهة قضائية مستقلة"، وتسمح بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري  عن "الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة."

ثانياً، يمنح الدستور القوات المسلحة تأثيراً كبيراً - وربما حتى حق النقض - على مجرى الحرب. فالمادة 146 تنص على أن الرئيس لا "يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة إلي خارج الدولة، إلا بعد أخذ رأي «مجلس الدفاع الوطني»، وموافقة «مجلس النواب» بأغلبية عدد الأعضاء". ويبدو أيضاً أن النص يساوي بين وزير الدفاع ورئيس الجمهورية في زمن الحرب: فالمادة 146 تعرّف الرئيس بأنه "القائد الأعلى للقوات المسلحة"، في حين المادة 195 تعلن بأن وزير الدفاع هو "القائد العام للقوات المسلحة."

وعلى الرغم من أن «الإخوان» رفضوا سابقاً تقديم مثل هذه التنازلات إلى القوات المسلحة، إلا أن مسودة الدستور الجديد توضح إدراك «الجماعة» بأنها في حاجة إلى القوات المسلحة لتحقيق أجندتها في البيئة الحالية. فبالنظر إلى أن القضاة المصريين يحتجون على إجراءات مرسي - مع رفض العديد منهم مراقبة الاستفتاء في 15 كانون الأول/ديسمبر - فعلى «الإخوان» أن يعتمدوا على السلطات العسكرية لفتح مراكز الاقتراع وإدارة عملية التصويت، كما فعلوا بنجاح خمس مرات منذ ثورة العام الماضي.

توصيات سياسية

وخلص التحليل الى الموقف الامريكي، حيث لفت الى ان،  إدارة أوباما تقف حتى الآن بشكل فعال مع مرسي ضد معارضيه من الأعضاء الغير منتمين إلى التيارات الإسلامية. فمنذ اندلاع الأزمة الحالية بعد يومين من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة - الذي نال الكثير من ثناء الولايات المتحدة لمصر - أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانين رئيسيين - الأول بعد إصدار مرسي قراره بالسيطرة على مقاليد السلطة والثاني بعد الموافقة المتسرعة على مسودة الدستور والإعلان عن الاستفتاء. وكلا القرارين أخرسا أي انتقاد ورددا تصريح مرسي بأن المعارضين ينبغي أن يعبروا عن وجهة نظرهم في التصويت بـ "لا".

والآن، وحيث انقسمت مؤسسة القضاء في مصر حول الإشراف على الاستفتاء من عدمه، تقدمت جماعات أخرى مثل "نقابة الدعاة" بعروض للقيام بهذه المهمة، وهنا تواجه واشنطن اختباراً آخر عما إذا كان شهر العسل السياسي الذي تقضية مع مرسي يفوق دعمها للمبادئ الدستورية العالمية. وسوف يكون لموقف إدارة أوباما هذا تداعيات قوية على محتوى العلاقات الأمريكية المصرية واتجاه التطور الدستوري في الديمقراطيات الانتقالية العربية الأخرى.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الأول/2012 - 3/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م