تجاهل (رفحاء) جريمة لا تغتفر

نزار حيدر

ان مختلف مؤسسات الدولة العراقية مدعوة اليوم الى عدم تجاهل التضحيات الجسام التي قدمها (معتقلو مخيم رفحاء) والذين قضوا شطرا كبيرا من حياتهم تحت ظل حصار ميليشيات آل سعود وقهرهم وعنفهم وحربهم الطائفية البغيضة، وكل ما لاقوه بسبب رفضهم الظلم والاستبداد وتمسكهم بقيمهم ومبادئهم.

 هل يعقل ان يحصل اليوم الكثير جدا من ايتام نظام الطاغية الذليل صدام حسين على كامل حقوقهم، وباثر رجعي، على الرغم من عدم اعتراف جلهم بعملية التغيير والنظام السياسي الجديد، ولا تحصل هذه الشريحة المضحية من ابناء العراق الغيارى ممن تصدت لديكتاتورية النظام البائد وتقبلت الهجرة القسرية اثر انتفاضة الشعب العراقي في شعبان (آذار) 1991 وقضت فترات زمنية طويلة من عمرها في ظل حراب نظام آل سعود القبلي المتخلف وميليشيات حزبه (الوهابي) على ابسط حقوقها، فلا يعير لها احد، ممن تسلم زمام الامور بعد التغيير، اية اهمية، فلا يحصلون على شئ من حقوقهم؟ هل ان ذلك من الانصاف في شيء؟ وهل ان ذلك ما كان ينتظره العراقيون بعد التغيير؟.

 هل يعقل ان يحصل (الارهابيون) والقتلة والمجرمون على حقوقهم، ولا يحصل هؤلاء على اي حق؟ اهذا الذي ناضل من اجله العراقيون وضحوا بسببه بكل ما يملكون؟.

 لماذا كل هذا التغافل عن هذه الشريحة المظلومة والمضحية والتي يصل عددها الى اكثر من نيف وعشرين الفا تتوزع على دول العالم في الاتجاهات الاربعة؟.

 هل نسي السياسيون دور هذه الشريحة، في عملية التغيير وفي عملية تسويقهم كذلك، والذي لولاه لما شهدنا التغيير الكبير الذي مر على العراق في التاسع من نيسان عام 2003؟ هل نسوا تضحياتها ومواقفها المشرفة وبطولاتها التي هزت اركان النظام البائد من خلال ايصال صرخة العراقيين وحقيقة الظروف التي كان يمر بها العراق، الى مسامع المجتمع الدولي، ما ساهم، بشكل او بآخر، في التعجيل باسقاط النظام وانجاز التغيير المرجو؟.

 ان من غير الانصاف ابدا ان تظل هذه الشريحة المضحية والمظلومة محرومة من ابسط حقوقها الدستورية والقانونية، كما ان من غير الانصاف ابدا ان تظل عيون هذه الشريحة متسمرة على العراق من دون ان تتمكن من العودة اليه لأسباب كثيرة، اهمها حرمانها من حقوقها، وكذلك حرمان الجيل الجديد من حق المواطنة.

 لماذا يسارع المسؤولون الخطى في اي تشريع اذا كان يخص مصالحهم الشخصية او الحزبية او مصالح الكتل السياسية، ولكنهم لا يبدون اي اكتراث اذا ما كان يخص التشريع الشرائح المظلومة والمهضوم حقها، ومنها شريحة ضحايا (معتقل رفحاء)؟.

 لو كانت مؤسسات الدولة العراقية قد اعارت مثل هذه الشرائح الاهتمام الكافي لما سمعنا بكل هذا النهب والسلب في المال العام، لانه كان قد وصل الى اصحابه والى من يستحق فلا يبقى مالا سائبا يسرقه اللصوص من المسؤولين وغير المسؤولين.

 ان لضحايا (رفحاء) حق على الدولة العراقية، وحق على الوطن الذي ضحوا من اجله، فلماذا يجب عليهم ان يستجيبون لنداء الوطن يوم ان يحتاجهم الوطن دفاعا عنه بالغالي والنفيس، ولكنهم يواجهون آذانا صماء وعيونا عمياء والسنا خرساء عندما ينادون الوطن من اجل انصافهم، ومن اجل نيل حقوقهم؟ الا يكفيهم ما عانوه في ظل النظام البائد ليعانون اليوم؟.

 اليس في مثل هذا ظلم آخر يتعرض له هؤلاء؟ اليس في مثل هذا سحق من نوع جديد لكرامتهم وعزتهم والشرف الوطني الذين ظلوا يحلمون به عقودا طويلة من الزمن؟.

 لقد اتسعت مساحة هذه الشريحة في مختلف بلاد المهجر، فبالاضافة الى انها لم تحصل على حقوقها، فان ابناءها والجيل الجديد هو الاخر بدا يعاني من الحرمان من ابسط حقوقه من وطنه الام، واقصد به حق المواطنة، فماذا ينتظر المسؤولون في مؤسسات الدولة العراقية؟ هل ينتظرون ان يكفر الجيل الجديد ببلاده فلم يعد يؤمن بشيء اسمه (وطنه العراق)؟.

 ان تجاهل ضحايا (مخيم رفحاء) جريمة لا تغتفر وسيحاسب عليها المسؤولون، خاصة من يعرقل صدور التشريعات الخاصة بهذه الشريحة، التشريعات التي اذا ما صدرت فستهئ الارضية القانونية المناسبة واللازمة لها لتحصل على حقوقها، اسوة ببقية الشرائح المظلومة والتي تعرضت لقهر وتعسف النظام البائد.

 ان من المعيب حقا ان يتحجج المسؤولون لتبرير مساعيهم الرامية الى عرقلة اصدار التشريعات اللازمة لإنصاف هذه الشريحة، كقولهم، مثلا، عدم وجود المبالغ اللازمة لصرفها على هذه الشريحة اذا ما صدر اي تشريع بهذا الشأن، ناسين او متناسين ان معشار ما يسرقونه من المال العام يكفي لتغطية حقوق هذه الشريحة فقط.

 ان على مجلس النواب العراقي ان يبادر فورا الى اصدار كل ما من شانه ان يساعد هذه الشريحة على نيل حقوقها كاملة غير منقوصة، كما ان على الحكومة العراقية ان تتعاون مع مجلس النواب للتسريع في اصدار مثل هذه التشريعات اللازمة، وان عليها ان لا تعرقلها ابدا.

 اننا سنكشف لاحقا عن الجهود الوطنية التي يبذلها بعض المسؤولين من اجل خدمة هذه الشريحة، وفي المقابل سنكشف عن كل الجهود السلبية المعرقلة والتي تضع العصي في عجلة مثل هذه التشريعات والتي يبذلها البعض الاخر من المسؤولين.

 لا نريد ان تكون القضية مادة دسمة يسخرها البعض لأغراض الدعاية الانتخابية والمزايدات السياسية والمهاترات الاعلامية، كما اننا لا نريدها ان تتحول الى كرة تتلاقفها ارجل المسؤولين، كل يتنصل عنها فيرمي بها في مرمى الاخر، فليتحلى الجميع بالشجاعة وبروح المسؤولية، ليتحدثوا بشكل واضح وصريح عن هذا الملف بلا لف او دوران.

* محاضرة القيت في مركز الامام علي (ع) في ولاية ميشيغن

** مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الأول/2012 - 3/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م