السودان... ربيع لا يتحقق

 

شبكة النبأ: لاتزال الاوضاع الامنية والاقتصادية المتقلبة التي يشهدها السودان محط اهتمام وترقب لدى الكثير من المراقبين والمحللين الذين أكدوا على ان تلك الاوضاع ازدادت سوء بعد تقسيم البلاد إلى دولتين وهو ما أسهم بأتساع رقعة الخلاف الذي انعكس سلبا على حياة المواطن السوداني الذي يعيش حالة لفقر والحرمان وهو مادفع البعض منهم الى كسر حاجز الصمت على غرار ثورات الربيع العربي والخروج بمظاهرات تهدف الى تغير رئس النظام الحاكم، الذي واجهها بقمع بحسب بعض المراقبين، وفي هذا الشأن فقد اعتقل السودان رئيس المخابرات السابق وعددا آخر من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين بعد إحباط ما قال مسؤولون انه "مخطط تخريبي" للتحريض على "الفوضى" والنيل من زعماء سياسيين. وأبلغ شهود عيان أنهم رأوا دبابات وعربات مدرعة تتحرك في شارع رئيسي بوسط العاصمة السودانية عند منتصف الليل لكن الحياة في المدينة كانت طبيعية خلال النهار حيث غصت متاجر وسط المدينة بالزبائن.

ويحتفظ الرئيس السوداني عمر حسن البشير بالسلطة منذ نحو 23 عاما رغم الانتفاضات التي شهدتها المناطق الحدودية الفقيرة في البلاد بما في ذلك إقليم دارفور. لكن السودان يعاني من أزمة اقتصادية منذ اعلن جنوب السودان الذي يضم معظم احتياطيات النفط المعروفة في البلاد استقلاله العام الماضي بموجب اتفاق السلام لعام 2005. وزاد ارتفاع أسعار السلع الغذائية حالة الغضب العام بشأن ضياع الجنوب وشجع نشطاء المعارضة على الدعوة لتنظيم احتجاجات. ويقول محللون إن الأزمة أدت أيضا إلى تفاقم الانقسامات في الحكومة وضيقت على نظام المحسوبية الذي يرون أن البشير يعتمد عليه. وفي السابق كانت الاضطرابات بشأن ارتفاع الأسعار ونقص امدادات الطعام والوقود تسبق وقوع انقلابات في السودان.

وقال وزير الاعلام السوداني أحمد بلال عثمان للصحفيين إن رئيس المخابرات السودانية السابق صلاح قوش اعتقل مع آخرين للاشتباه في تحريضهم على الفوضى واستهداف بعض القادة ونشر الشائعات عن صحة البشير. وأجريت للبشير (68 عاما) جراحتان في زوره منذ الصيف. ويصر المسؤولون على انه في صحة جيدة.

وقال وزير الاعلام "تجمعت كثير من الحيثيات والدلائل على ان هناك حراكا يقصد به احداث فوضى وينال بعض القيادات فى البلاد ويضرب استقرار البلد. تم اتخاذ اجراء احترازى وتم اعتقال الذين يريدون القيام بهذا العمل التخريبي وهم 13 شخصا من الجيش والمدنيين أبرزهم الفريق معاش صلاح قوش." وتابع عثمان "نؤكد ان الأوضاع فى البلد مستقرة وتركيبة الحكومة متماسكة جدا". وأشار الوزير الى أن شخصين آخرين اعتقلا مع قوش بينهما ود ابراهيم وهو شخصية إسلامية رفيعة في الجيش.

وقال بعض الإسلاميين داخل الجيش وحزب المؤتمر الوطني الحاكم ان البشير وقادة آخرين كبارا تخلوا عن القيم الدينية لانقلاب 1989 وركزوا عملية اتخاذ القرار في أيدي بضعة أشخاص. ويشعر البعض أيضا بأن البشير كان متساهلا للغاية مع جنوب السودان الذي سيطر لفترة على حقل نفطي رئيسي خلال قتال حدودي مع الجيش السوداني في ابريل نيسان مما صدم كثيرا من الضباط.

وقال هاري فرهوفن وهو باحث في جامعة أوكسفورد متخصص في شؤون السودان إن توقيت الاعتقالات يشير إلى أنها مرتبطة بمؤتمر الحركة الإسلامية السودانية الذي عقد في مطلع الأسبوع وظهر خلاله هذا التوتر. والحركة الإسلامية في السودان جزء من المؤسسة الحاكمة التي تضم في عضويتها كثيرا من أقوى الساسة في البلاد.

ويقول محللون إن الأعضاء ذوي العقلية الإصلاحية في الحركة غير راضين عن الأمين العام الجديد الذي انتخب في المؤتمر. وقال فرهوفن إن اعتقال قوش الذي لم يكن ينظر اليه على أنه قريب للغاية من الإسلاميين قد يكون تحذيرا للإصلاحيين من أن السلطات لن تقبل أي معارضة جادة. وأضاف "اعتقد أن المسألة الأساسية هي ما سيفعله الإصلاحيون. هل سيشكلون حزبا جديدا؟ هل سيلزمون الهدوء."

وأشار المسؤولون إلى مؤامرة لكنهم لم يقولوا إنها تمثل محاولة انقلاب. وقال شهود عيان انهم رأوا مركبات عسكرية في شارع رئيسي في الخرطوم يمر بجوار المطار اثناء الليل. وقال شاهد طالبا عدم نشر اسمه "شاهدنا شيئا غير مألوف في الخرطوم.. اربع مدرعات ودبابتان في شارع عبيد ختم متوجهة ناحية وسط الخرطوم." وقال شاهد اخرإن الإجراءات الامنية عند وزارة الدفاع ومقر المخابرات ومبان أخرى مرتبطة بالجيش والسلطات الأمنية كانت عادية على ما يبدو.

وعاني السودان من صراعات وأزمات سياسية منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956. وبعد انتهاء الحرب الاهلية التي استمرت عشرات السنين انفصل جنوب السودان في يوليو تموز العام الماضي بموجب اتفاق للسلام وقع عام 2005. وظل التوتر شديدا منذ ذلك الحين. وتبادل البلدان الاتهام بالتوغل في مناطق حدودية متنازع عليها في انتكاسة لاتفاقات أمنية وحدودية تم التوصل إليها في الآونة الأخيرة.

وكان قوش من بين المسؤولين الأقوى نفوذا في السودان. وجهاز الامن والمخابرات الذي كان يرأسه من أقوى المؤسسات في البلاد إلى جانب الجيش. وعزل البشير قوش من رئاسة المخابرات في عام 2009 وعين مكانه رئيس المخابرات الحالي محمد عطا المولى. ولم يقدم المسؤولون تفسيرا لعزل قوش في ذلك الوقت ولكن دوائر سياسية في الخرطوم تكهنت بأنه حامت حوله شبهات بأنه يتآمر على البشير.

ونقلت برقية دبلوماسية أمريكية مسربة ترجع الى عام 2008 عن مسؤول سوداني قوله إن قوش فكر في احتمال أن تدفع مذكرة اعتقال البشير التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية البعض إلى السعي للحلول محله. وقالت البرقية "في السودان المؤامرات والتآمر كالتنفس." وعين قوش مستشارا للرئيس للشؤون الأمنية ولكنه عزل كذلك من هذا المنصب العام الماضي. بحسب رويترز.

وتتهم جماعات غربية مدافعة عن حقوق الإنسان قوش بالضلوع في الانتهاكات في إقليم دارفور لكن المحكمة الجنائية الدولية لم تتهمه بشيء. كذلك يصف مؤرخون ومحللون رئيس المخابرات السابق بأنه كان محاورا رئيسيا مع المسؤولين الأمريكيين عندما كان السودان يتعاون مع الولايات المتحدة بتقديم معلومات عن القاعدة في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر أيلول.

مزيد من الاحتجاجات

في السياق ذاته ألقى نشطاء سودانيون باللوم على السلطات في مقتل أربعة محتجين من الطلبة عثر على جثثهم في قناة بالقرب من جامعة إقليمية ووجهوا الدعوة لمزيد من المظاهرات ضد الحكومة. وقالت وكالة السودان للأنباء انه تقرر إيقاف كل الأنشطة في جامعة الجزيرة التي تقع في منطقة زراعية إلى الجنوب من العاصمة الخرطوم بعد "غرق" أربعة من الطلبة.

ولم يشهد السودان احتجاجات حاشدة اجتاحت معظم بلدان الشرق الأوسط لكن رفع اسعار الغذاء وشكاوى اخرى أدت الى قيام مظاهرات أصغر خلال العامين الأخيرين. وقال متحدث باسم رابطة أبناء دارفور ان طلبة من دارفور بغرب السودان نظموا اعتصاما بجامعة الجزيرة للمطالبة بإعفائهم من الرسوم الدراسية ويقولون ان هناك حاجة لمرسوم رئاسي. وأضاف المتحدث الذي طلب ألا ينشر اسمه انه تم فض الاعتصام بواسطة أنصار حزب المؤتمر الوطني. وقال ان عددا من الطلبة اختفوا وعثر على ثلاثة قتلى في قناة بالقرب من الجامعة. وقال المتحدث " نحمل إدارة الجامعة واتحاد الطلاب التابع لحزب المؤتمر الوطني مسؤولية مقتل هؤلاء الطلاب."

وقالت المجموعة في وقت لاحق ان طالبا رابعا عثر عليه ميتا. وأكدت الشرطة في ولاية الجزيرة ان طالبين اثنين عثر عليهما ميتين في قناة وان ثالثا مفقودا لكنها قالت إنه لا توجد علامات على حدوث عنف.

وأصدرت منظمات نشطاء شبان سودانيين من بينها (التغيير الآن) و(قرفنا) بيانات تلقي باللوم على قوات الأمن في وفاة الطلبة ودعت الى الاحتجاج. وقال شهود عيان ان نحو 50 شخصا شاركوا في احتجاج نظمته منظمة التغيير الآن بوسط الخرطوم ولوحوا بلافتات ورددوا هتافات. واستخدمت الشرطة الهراوات لتفريق المحتجين والقت القبض على عدد منهم. وقال ناشط بحركة التغيير الآن ان تسعة اشخاص من أعضاء الحركة قد اعتقلوا. بحسب رويترز.

وقال جبريل آدم المتحدث باسم حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور ان قوات الأمن القت القبض ايضا على 25 شخصا من جامعة النيلين بالخرطوم كانوا يحتجون على مقتل زملائهم. واضاف ان من بين المقبوض عليهم ابنة خليل ابراهيم الزعيم السابق لحركة العدل والمساواة التي يعتقد على نطاق واسع انها الحركة المتمردة الاقوى عسكريا في دارفور. واصدرت الحركة ايضا بيانا يلقي باللوم على السلطات في وفاة الطلبة.

العدو رقم واحد

من جهة أخرى توعد الرئيس السوداني عمر حسن البشير بأن ترد بلاده بقوة على ما يعتقد انه هجوم جوي شنته اسرائيل على مصنع للسلاح في الخرطوم. وقال البشير في كلمة من السفارة السودانية في السعودية أذاعها تلفزيون النيل الازرق السوداني انه بصحة جيدة بعد جراحة اجريت له في السعودية. واتهم السودان اسرائيل بشن هجوم جوي على مصنع اليرموك للاسلحة في جنوب الخرطوم مما تسبب في انفجار اسفر عن مقتل اربعة اشخاص.

وقال البشير في كلمته ان اسرائيل ستبقى العدو رقم واحد وأنه لن يطلق عليها أي وصف غير "العدو الصهيوني". وعبر البشير عن أسفه على ما وصفه بتفوق اسرائيل في التكنولوجيا التي تزود بها طائراتها للتهرب من أجهزة الرادار لكنه استبعد تطبيع العلاقات معها. ونقلت الاذاعة السودانية عن البشير (68 عاما) قوله في رسائل نصية أرسلت الى الهواتف المحمولة انه بصحة جيدة وان رد السودان على اسرائيل سيكون موجعا.

واتهم السودان اسرائيل باطلاق مزاعم "مُضللة" عن إمدادات أسلحة لحركة حماس في قطاع غزة وقال انه لا يوجد تدخل أجنبي في مصنع ذخيرة تقول الخرطوم ان اسرائيل قصفته. وتعتبر اسرائيل منذ وقت طويل السودان ممرا لتهريب الأسلحة الى قطاع غزة عبر شبه جزيرة سيناء المصرية. وقُتل أربعة أشخاص بعد اندلاع حريق في مصنع اليرموك للاسلحة في جنوب الخرطوم وقال السودان ان طائرات اسرائيلية قصفت المصنع.

ولم يصدر تعليق من اسرائيل. لكن عاموس جلعاد المسؤول الكبير بوزارة الدفاع الاسرائيلية اوضح ان السودان يجب ان يعتبر هدفا مشروعا للهجمات كعدو مثل حماس وايران وان مصالح القاهرة مهددة ايضا. واضاف لراديو الجيش الاسرائيلي "من الواضح انه (السودان) يدعم تهريب الذخائر او يساعد غزة. في الواقع تمر هذه الذخائر عبر مصر وبالتالي فهي تهدد مصر الجارة الكبيرة له."

وقال بيان لوزارة الخارجية السودانية انها "تؤكد ما يعرفه الجميع من ان ايران ليست بحاجة لسلاح تصنعه في السودان سواء لها او لحلفائها." واضاف ان "دولة الكيان الاسرائيلي تحاول جاهدة ان تسرب معلومات مضللة عبر مصادر مختلفة ذات ارتباط معروف بها تحاول من خلالها ايجاد مبررات وذرائع لفعلتها الشنيعة. من بينها الحديث عن علاقة مزعومة بين انتاج مجمع اليرموك وكل من دولتي ايران وسوريا وحركة المقاومة الاسلامية في فلسطين (حماس) وحزب الله في لبنان." بحسب رويترز.

وقال وزير الخارجية علي كرتي ان الفرقاطتين الايرانيتين اللتين رستا في ميناء بورسودان تقومان بزيارة عادية ونفى ان يكون لوصول السفينتين اي علاقة بمصنع اليرموك. واضاف للصحفيين في الخرطوم ان تحرك السفينتين الايرانيتين عادي وان دخولهما الى ميناء بورسودان معروف جيدا وليس سرا. وذكرت وكالة انباء الجمهورية الاسلامية الايرانية ان حاملة الطائرات الهليكوبتر "خارق" والمدمرة "شهيد نقدي" رستا في السودان وانهما تحملان "رسالة سلام وصداقة".

في السياق ذاته اعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ان الولايات المتحدة تابعت زيارة سفينتين حربيتين ايرانيتين الى مرفا سوداني لكنها تجهل الدافع من الزيارة. وصرح مارك تونر "لقد اطلعنا على المعلومات بان السفينتين الحربيتين الايرانيتين رستا في مرفا بورتسودان. واضاف "نحن نراقب نشاطات ايران في المنطقة بانتباه شديد". واشار تونر الى ان الولايات المتحدة "على علم" بالانفجار، موضحا في المقابل، ان واشنطن تجهل مصدره. وختم تونر بالقول "من الصعب علينا معرفة التفاصيل المحيطة بالزيارة (السفن الايرانية) الان. ليس لدي معلومات اكثر. ربما نكون قلقين، هذا واضح لكن ليس لدينا تفاصيل اكثر في هذه المرحلة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/كانون الأول/2012 - 27/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م