الفساد... في صدارة العالم العربي

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يعد الفساد آفة اجتماعية غاية في الخطورة وأكبر العقبات أمام تطور وبناء أي مجتمع من المجتمعات العالمية، وبالتالي ينتج عنه الكثير من الآفات الأخرى أبرزها الفقر والبطالة، مما يعطي مؤشرا خطيرا قد يأكل الأخضر واليابس في مجالات التطور الإنساني مستقبلا، إذ يغذي انتشار الفساد اغلب المعضلات الاجتماعية من الإرهاب، الإفلاس الاقتصادي، البطالة، حيث تقف عدة اسباب وراء تنامي الفساد عربيا، أهمها هيمنة السياسيات الإستراتيجية الاقتصادية الاحتكارية، وفقدان السبل النافعة لمعالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة، خاصةً في بلدان الربيع العربي، فعلى الرغم من ان الفساد كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية، إلا أن آمال الحد منه مازالت بعيدة المنال في الوقت الحالي، بسبب التراخي في تطبيق القانون، وعلى الرغم من الجهود الجدية لمكافحة للفساد، مازالت هذه الظاهرة السلبية في الوطن العربي متدثرة تحت غطاء الإصلاح السياسي، فضلا عن غياب الحلول الجذرية الاكثر فعالية.

الدول العربية

فقد كشف مؤشر الفساد للعام 2012 والذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، عن ترتيب معدلات الفساد بين 174 دولة حول العالم، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على أبرز الدول التي التزمت بمعايير الشفافية الأمر الذي دفع بها إلى قائمة أقل الدول فساداً، اعتلى قائمة الدول العربية والعالمية من حيث انتشار الفساد، كل من الصومال والسودان، اللتان جاءتا في المركزين 174 و173 على التوالي، تلتهم العراق في المرتبة 169، ثم ليبيا في المركز الرابع عربياً و160 عالمياً، وجاء في القائمة، التي تم ترتيبها تنازليا من الدول الأكثر فساداً إلى الأقل فساداً، اليمن المركز الخامس عربياً، و158 عالمياً، وسوريا السادسة عربياً و144 عالمياً، بالإضافة الى لبنان السابع عربياً، و122 دولياً، ومصر الثامنة عربياً و118 عالميا، وجاءت كل من الجزائر في المرتبة التاسعة على مستوى الدول العربية والمرتبة 105 على مستوى العالم، ثم المغرب عاشراً وفي المرتبة 88 عالمياً، وتشاركت كل من المملكة العربية السعودية والكويت في المركز 11 عربياً و 66 عالمياً، أما أقل الدول العربية من ناحية انتشار الفساد، فتصدرتها كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر، إلا أنها لازالت بعيدة عن المراكز العشرة الأولى عالمياً، حيث جاءت في المركز 27 مناصفة، وبرزت كل من البحرين والأردن وعُمان كأفضل الدول من ناحية انتشار الفساد مقارنة مع باقي الدول في المنطقة، وجاء ترتيبها في المراكز 53 و 58 و 61 عالميا على التوالي. بحسب السي ان ان.

أما على صعيد الدولي، تشاطرت كل من الدنمرك وفنلندة ونيوزيلندا المركز الأول على قائمة دول العالم من ناحية محدودية الفساد فيها ومدى الشفافية التي تعتمدها السياسات الحكومية، تلتها في المركز الثاني، السويد وسنغافورة في المركز الثالث.

مصر

فيما قالت منظمة الشفافية الدولية إن مصر تراجعت في قائمة عالمية خاصة بالفساد في المؤسسات الرسمية في العام الماضي ولم تسفر انتفاضات "الربيع العربي" بعد عن عمل جاد لمكافحة الفساد بالمنطقة، وفي المؤشر السنوي للفساد قالت منظمة الشفافية الدولية التي تحارب الفساد إن مصر تراجعت ستة مراكز إلى المركز رقم 118 من بين 176 دولة فيما يتعلق بمستويات الرشى وإساءة استغلال السلطة والتعاملات السرية التي مازالت مستوياتها مرتفعة في أكبر دول العالم العربي سكانا، وقال كريستوف فيلكه مدير الشفافية الدولية للشرق الأوسط وشمال افريقيا "نعلم أن مشاعر الإحباط من الفساد جعلت الناس تخرج إلى الشوارع في العالم العربي"، وأضاف "لاحظنا أنه في الدول التي وقع فيها تغيير كبير مازالت تسعى جاهدة لوضع أنظمة حكم جديدة. هذا يتضح من هذه الأرقام. لم يتحول الأمل بعد إلى حقيقة في صورة برامج أكثر جدية لمكافحة الفساد."

وأظهرت قائمة بمؤسسات القطاع العام من المنظمة التي تتخذ برلين مقرا صورة مختلطة لدول شهدت اضطرابات في العام الماضي. وكلما ارتفع مركز البلد في هذه القائمة كلما قل الفساد فيها، وتراجعت تونس مركزين إلى المركز 75 في حين أن المغرب الذي مر باضطرابات أقل تراجع ثماني نقاط إلى 88. لكن ليبيا تمكنت من إحداث تحسن فارتفعت من 168 إلى 160، وظلت مصر متساوية مع جمهورية الدومنيكان والاكوادور واندونيسيا ومدغشقر بحصولها على 32 نقط، وقد تحدث الرئيس المصري محمد مرسي عن القضاء على عناصر الفساد في الدولة ومن يتعاملون مع الدولة. لكن الكثير من المؤسسات التجارية هزتها تصريحاته خشية أن يعني هذا أن تكون نخبة قد حلت محل نخبة أخرى أو الطعن في الصفقات التي اتفق عليها المستثمرون مع حكومة مبارك، غير أن بعض المسؤولين يقولون أن هناك على الأقل مؤشرات محدودة على أن الفساد أصبح أقل ظهورا في بعض قطاعات الأعمال ومن أسباب ذلك شعور جيد بالمحاسبة رافق التحول الديمقراطي في مصر الذي لم يكتمل بعد. بحسب رويترز.

وقال فيلكه إن مرسي أدلى بعدد من الخطب قال فيها إن محاربة الفساد هي كبرى اولوياته "لكن حتى الآن لم يتحقق الكثير فعليا لجعل هذا واقعا فيما يتعلق بوضع أنظمة نعلم أنها تعمل على محاربة الفساد... تعزيز استقلال القضاء أحد هذه الأنظمة"، وأضاف فيلكه أن العمل الدؤوب في دول تحارب الفساد يمكن أن يؤدي إلى تراجع مركزها لأن المواطنين يصبحون أكثر وعيا بالفساد، ومضى يقول "يمكن أن أقول إن مصر قدمت وعودا كبيرة واتخذت بعض الخطوات الصغيرة المبدئية... أي شخص يشهد عملية التحول يوافق على أنها صعبة بشكل غير معتاد. ليس من الممكن تغيير الأوضاع بين عشية وضحاها."

الأردن

في سياق متصل حكمت محكمة جنايات عمان على مدير المخابرات الاسبق محمد الذهبي بالسجن 13 عاما وغرامة مالية مقدارها 21 مليون دينار اردني (نحو 30 مليون دولار) بعد ادانته بتهم غسيل اموال والاختلاس واستثمار الوظيفة، وحكمت المحكمة على الذهبي "بالسجن 13 عاما وثلاثة اشهر وغرامة مالية مقدارها 21 مليون دينار اردني (حوالى 29,6 مليون دولار) ومصادرة قيمة الاموال المغتلسة ومقدراها 24 مليون دينار (حوالى 33,8 مليون دولار)"، وقال مصدر في هيئة الدفاع انه سيتم الطعن بقرار المحكمة لدى محكمة التمييز، وكانت اولى جلسات محاكمة الذهبي بدأت في 14 حزيران/يونيو الماضي، وكان مدعي عام عمان وجه الى الذهبي في 9 شباط/فبراير الماضي ثلاث تهم هي "غسل الاموال والاستثمار الوظيفي والاختلاس"، واوقفه على ذمة القضية. بحسب فرانس برس.

وقرر المدعي العام في 25 كانون ثاني/يناير الماضي منع الذهبي من السفر والحجز التحفظي على امواله المنقولة وغير المنقولة اثر شكوى قدمها ضده البنك المركزي الاردني، وشغل الذهبي منصب مدير المخابرات العامة من اواخر عام 2005 حتى ديسمبر/ كانون اول من عام 2008.

الجزائر

من جهة أخرى رفضت السلطات الجزائرية الترخيص لجمعية قال أصحابها إنها تنشط في مكافحة الفساد في الجزائر. وعلق رئيس الجمعية مصطفى عطوي على هذا المنع قائلا: "منذ تولي الرئيس (عبد العزيز) بوتفليقة في 1999 تم التأكيد في كل مناسبة أن مكافحة الفساد يمثل أولوية"، وقال ناشطون في مجال مكافحة الفساد في الجزائر رفضت السلطات الترخيص لجمعيتهم لعدم تطابقها مع القوانين، ان مكافحة الفساد ليس اولوية في الجزائر بالرغم من تاكيدات قادة الدولة، واوضح مصطفى عطوي رئيس "الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد" اثناء لقاء صحافي "لقد رفضت السلطات منحنا ترخيصا".

واعتبر عطوي الذي تم ابلاغه عبر البريد رفض السلطات نشاط جمعيته، "ان النظام لا يرغب في قيام جمعية مستقلة"، ووزعت الجمعية على الصحافيين صورة من رسالة رفض وزارة الداخلية الترخيص بداعي عدم تطابق الجمعية مع القوانين، دون المزيد من التوضيح، وقال عطوي "منذ تولي الرئيس (عبد العزيز) بوتفليقة في 1999 تم التاكيد في كل مناسبة ان مكافحة الفساد يمثل اولوية"، من جانبه قال حليم فضال العضو الاخر في مكتب الجمعية "ان الفساد مشكلة ترتبط بامن الدولة. فالفساد يمكن ان يؤدي بالبلاد الى الافلاس"، والاعضاء المؤسسون للجمعية الوطنية لمكافحة الفساد وهي اول جمعية يرفض الترخيص لها منذ صدور قانون جديد للجمعيات في 2011 منبثق عن الاصلاحات التي قررها الرئيس الجزائري في خضم احداث الربيع العربي، معظمهم من الاشخاص الذين عرفوا بالتنديد بالفساد بشكل شخصي. بحسب فرانس برس.

وقال عبد المؤمن خليل الامين العام للجمعية والناشط الحقوقي "تحت غطاء الاصلاح السياسي الذي اريد تسويقه دوليا، تم الضغط علينا بعد رفع حالة الطوارىء"، وقرر اعضاء الجمعية رفع شكوى امام القضاء الدولي، وفي آب/اغسطس عبر تقرير رسمي للهيئة الوطنية الاستشارية للنهوض بحقوق الانسان وحمايتها عن الاسف لتفشي الفساد بشكل واسع في الجزائر، ووقعت الجزائر اتفاقية الامم المتحدة بشان مكافحة الفساد التي تم ادخالها في التشريع في العام 2000، وفي 2011 حلت الجزائر في المرتبة 112 من بين 183 دولة رتبتها منظمة الشفافية الدولية من اقلها الى اكثرها فسادا.

لبنان

من جانب آخر توعد وزير العدل اللبناني، شكيب قرطباوي، بمعاقبة جميع المتورطين في قضية الأدوية الفاسدة، التي تشير أنباء إلى أنها ربما تطال اثنين من الوزراء في حكومة نجيب ميقاتي، في الوقت الذي بدأت النيابة العامة التمييزية تحقيقات واسعة في شكوى جديدة، تلقتها من وزارة الصحة العامة، ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام عن الوزير قرطباوي قوله إن "التحقيق سيذهب إلى النهاية، ولن يكون هناك أي تهاون في هذه القضية"، فيما قرر النائب العام التمييزي، القاضي حاتم ماضي، إلغاء المؤتمر الصحفي بسبب "إقدام إحدى المرئيات، ببث تصريح كاذب منسوب إليه"، وقال ماضي، إن "ما ذكر في بعض وسائل الإعلام، عن أن شكوى ملف تزوير معاملات بعض الأصناف من الأدوية، أحيلت إلى القضاء حديثاً، هو أمر ملتبس، سببه الخلط بين الشكوى الجديدة، التي أحيلت من وزارة الصحة، وملف التزوير الموجود في عهدة المباحث الجنائية منذ شهر"، وأكد مدعي عام التمييز اللبناني أن ملف القضية موجود في قلم هيئة القضايا منذ 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث يقوم القضاة بالتحقيق فيه، لافتاً إلى أنه "يتعلق بجرم الغش بالأدوية، والتزوير، والاحتيال، ومخالفة قانون مهنة الصيدلة"، وأضاف ماضي أنه تسلم صورة القرار الصادر عن وزير الصحة العامة، علي حسن خليل، أي قبل كشف القضية بيوم، ويتعلق بـ"صحة أصناف أدوية غير مرخصة"، مشيراً إلى أنه قام بتحويل صورة القرار إلى المباحث الجنائية لضمه إلى ملف القضية. بحسب السي ان ان.

ورفض القاضي اللبناني "استباق التحقيق"، مشدداً على أن "الإجراءات ستتوزع بحسب الجرم، فإما التوقيف، وإما إقفال بالشمع الأحمر، أو مصادرة أدوية وغيرها"، كما لفت إلى أنه "وبصرف النظر عن تضخيم الموضوع في الإعلام، فإنه سيتصدى لكل ما يتعلق بصحة المواطن وسلامته، دون تهاون"، وأشارت الوكالة الوطنية إلى أن النيابة العامة التمييزية كانت قد تلقت شكوى من "جامعة بيروت العربية"، بموضوع تزوير مستندات متعلقة ببعض الأدوية، أحالتها النيابة في اليوم نفسه، إلى قسم المباحث الجنائية المركزية للتحقيق فيها، وتقوم بمتابعتها، كما أفادت بأن القاضي ماضي تسلم، خلال الساعات القليلة الماضية، من هيئة القضايا في وزارة العدل، شكوى على مجهول في جرم الغش بالأدوية والتزوير والاحتيال ومخالفة قانون مهنة الصيدلة، وأمر بإحالة الشكوى إلى المباحث الجنائية المركزية، لإجراء التحقيقات اللازمة، وأشارت تقارير لبنانية إلى تورط شقيق وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، محمد فنيش، في فضيحة الأدوية الفاسدة، التي دخلت إلى البلاد بعد حصولها على موافقة الجهات الرسمية، وبتوقيع وزير الصحة، علي حسن خليل، إلا أن الأخير دفع بأن توقيعاته على تلك المستندات، تم تزويرها.

الأموال المنهوبة

على صعيد مختلف قالت السلطات المصرية إنها تمكنت حتى الآن من استعادة 11 مليار جنيه (نحو 1.8 مليار دولار) من "الأموال المنهوبة،" منذ اندلاع ثورة شعبية في يناير/كانون ثاني من العام الماضي، أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، ونقلت وسائل إعلام رسمية عن متحدث باسم النيابة العامة المصرية قوله إنه في إطار تصدى النيابة العامة لجرائم الفساد ونهب أموال الدولة التي وقعت في ظل النظام السابق فقد أسفرت التحقيقات المتعلقة بقضايا المال العام عن إعادة مبالغ مالية إلى الدولة، وقالت النيابة إنها تمكنت من إعادة مبالغ وأراض منهوبة إلى جهات الدولة منها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وهيئة التنمية السياحية والهيئة العامة للبترول وعدد من المحافظات والبنوك وغيرها قيمتها تزيد على 8.69 مليا جنيه، وأضافت النيابة، أن "إجمالي المبالغ المالية الجاري تحصيلها تنفيذا للأحكام الصادرة بالإدانة خلال الفترة من 1 فبراير/شباط 2011 حتى 31 أكتوبر/تشرين أول الماضي 25.56 مليار جنيه مصري، بالإضافة إلى نحو 4.6 مليارات دولار. بحسب السي ان ان.

وأشار المتحدث الرسمي إلى "أنه يتم تنفيذ الأحكام الصادرة بالعقوبات المقيدة للحرية على المتهمين المقبوض عليهم في السجون المصرية، كما أمر النائب العام بمتابعة إجراءات القبض على المتهمين الهاربين في الخارج وملاحقتهم قضائيا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/كانون الأول/2012 - 25/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م