المرجع الشيرازي ومشروع إعادة إعمار العراق

المهندس فؤاد الصادق

إعادة إعمار العراق مسـؤولية منْ؟

هل مسؤولية إعادة إعمار العراق هي مسؤولية العراقيين؟

أم هي مسؤولية العرب أيضاً، أم هي مسؤولية المسلمين كذلك.

في مثل هذه الأيام، قبل حوالي العقد، وتحديداً بتاريخ 26/ محرّم/ 1424للهجرة: في كلمة تاريخية أعلن المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي مدّ ظله، بأن إعادة إعمار العراق مسؤولية دينية وأخلاقية لجميع المسلمين، وذلك بالمفهوم الشامل للإعمار، إي الإعمار العمراني، والاقتصادي، والإعلامي، والفكري، والثقافي، والمعرفي، والسياسي، والدبلوماسي، والإجتماعي، والصناعي، والزراعي، والتعليمي، والتكنولوجي، والمعلوماتي، والأخلاقي، وغيره.

لماذا إعمار العراق مسؤولية للأمة المسلمة؟

هل لأن العراق بلد فقير مالياً؟

أم فقير من ناحية رأس المال البشري، أم فقير من الناحية العلمية والفنية والتقنية، أم ؟؟؟

لاشكّ ان العراق يعاني من مشكلات بالفعل لا بالقوة في المجالات المتقدّمة لكن تلك المشكلات طبيعية ويمكن إختزال تجاوزها زمنياً إلى حدّ كبير.

في تصورنا ان الخطاب ينظر إلى ما هو أبعد، وأعمق من الإعمار الشامل نفسه بالرغم من أهميته ومحوريته بمعنى انه يؤسّس للإعمار الشامل المستدام للأمة في كل مكان.

أن تهب الأمة كلها لإعمار العراق يعني فيما يعني:

- إصلاح، وتطوير، وتمتين العلاقات بين المجتمع العراقي ومجتمعات دول الجوار وغيرها، تلك العلاقات التي تضرّرت كثيراً بالحروب والسياسات التي زجّ بها النظامُ السابق وغيره العراقَ، وذلك كمدخل لعلاقات وثيقة تقوم على أساس الاحترام المتبادل والثقة والتعايش فالتعاون والتكافل.

- وذلك من شأنه إرساء البنى التحتية الواقعية المصداقية العملية المتنوّعة لعودة العراق إلى عمقه الستراتيجي الإسلامي والعربي الذي لابدّ منه لنفسه، ولأنه مدخل لإستعادة العراق لمكانته ودوره العالمي والدولي.

إنّ عودة العراق إلى عمقه الستراتيجي الإسلامي والعربي شعار مرفوع لكن دون خارطة طريق تطبيقية عملية، ومشاركة المسلمين جميعاً في الإعمار الشامل للعراق يعتبر مدخلاً محورياً لها.

- أن تهب الأمة كلّها لإعمار العراق كان يعني اختزال الزمن في إنجاز الإعمار الشامل ليتحوّل العراق بسرعة إلى مثل ونموذج للتغيير الذي كان مرتقباً وبدأ يتحول إلى واقع فيما شاهدناه ونشاهده تحت مسمّيات النهضة العربية، والصحوة الإسلامية، والثورات العربية، والإنتفاضات الإسلامية، والربيع العربي، لأن المرجع الشيرازي كان يتوقّع ذلك ويشير إليه في كلماته مثل (الحرية آتية لا محالة)، وكان، ومايزال متفائلاً بشأن المستقبل.

يُضاف إلى ذلك ان الإعمار بهذه الرسالة، والرؤية، والستراتيجية يمثّل بحقّ خطّة هجومية استباقية وقائية ضد مشاريع الإرهاب التي كانت تـُحاك وقتئذ - والحديث عن العقد السابق - ضد العراق فالأمة، فلا يعقل أن تحصل المجموعات الإرهابية على حواضن بين أمة تتسابق في المشروع المذكور من منطلق ديني أخلاقي.

- وكان يعني تحشيد الطاقات وتحويلها من الصراع إلى التكامل، ومن الهدم إلى البناء، ومن تناول الأعراض إلى المرض، ومن المرض إلى العلاج، ومن التنظير إلى التطبيق، ومن منطق الفكرة إلى منطق العمل، ومن الدفاع إلى الهجوم.

- أن تهب الأمة كلّها لإعمار العراق، كان وما يزال، يعني أن العالم بمشاهدته ذلك يراجع كل حساباته وليس في شأن العراق فحسب بل في شأن الأمة وقضاياها المركزية.

المُنجز من إعادة الإعمار قليل ومتعثّر، وهو أقلّ من القليل في دائرة الإعمار الشامل.

إذن المشروع كان ومايزال يستحقّ ممثلية عالمية تتحمّل بنفسها مسؤولية أعمالها وأفعالها لتنطلق في إتصالات مكثّفة مركزة شاملة لضمان وتعجييل إعادة الإعمار الشامل وصب الرصيد الخبروي والعلاقاتي المترتب في قضايا الأمة الحيوية المركزية المصيرية، فالعراق قوة بالفعل وبالقوة، وكان، وسيبقى، وهو كذلك... يجب أن نتأمّل كثيراً في نقل الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام العاصمة إليها، كما يجب أن لا ننسى التراكمية، ولا نستصغر أصغر صغائر الجهود.

هناك رواية مشهورة جاء فيها ان النار التي أُلقي فيها النبي إبراهيم عليه السلام كان يصل شعاع حرارتها من كل جانب إلى فرسخ واحد، ومع ذلك كان التمساح يأتي من بعيد وينفخ لإطفاء النار، وهكذا كانت الضفدعة تحمل بفيها ماءً وتحاول أن ترميه على النار، والعصفور كان يسعى بقدر طاقته، والبلبل كان يحمل الماء بمنقاره ويطير في الأعالي ويرميه على النار وإن كان لا ينفع عمل التمساح ولا عمل العصفور ولا فعل الضفدعة ولا فعل البلبل ولا أثر لأي فعل من فعاله في إطفاء هذه النار اللاهبة الجبّارة ولكن كان المهم هو أن يؤدّي كل واحد منها واجبه ودوره تجاه إبراهيم عليه السلام وإنقاذه من النار ولو بمقدار وسعه وطاقته، وفي الرواية انه بسبب سعي البلبل في إطفاء النار أعطاه الله هذا الصوت الجميل، إذن كل واحد من هذه الحيوانات سعى بقدر طاقته واستطاعته.

إذن علينا استفراغ القدرة، والحذر من التخدّر، أو التخدير بالمستقبل، فمنْ يربح الحاضر لا يربح المستقبلَ - كما هو مشهور - فحسب بل يربح الماضي أيضاً.

علينا الإنطلاق فلا مستحيل تحت الشمس، لأن المستحيل ممكن غير عادي... ممكن متميز... انه ممكن كبير، وتحقيقه يحتاج إلى:

إيمان أكبر، وثقة أكبر بالله، وحسن ظن أكبر بالله، وأمل أكبر، وثقة أكبر بالذات، وتفاءول أكبر، وإيجابية أكبر، وحماس أكبر، وتقبّل أكبر للفشل، وتركيز أكبر، وإبداع أكبر، وإتقان أكبر، واجتهاد أكبر، وجهاد أكبر، وصمود أكبر، وحبّ أكبر، وشجاعة أكبر، وبساطة أكبر، ومخاطرة مدروسة أكبر، ومرونة أكبر، ومعرفة أكبر، وانفتاح أكبر على الخبرات، وتبسيط أكبر، وتهوين أكبر، وصبر أكبر، وتوكّل أكبر، وتفويض أكبر، ورضى أكبر، وتسليم أكبر، وشكر أكبر لله سبحانه، واستمتاع أكبر.

حقّاً، لا مستحيل تحت الشمس، لأن الإيمان مكتسب، ويمكن تنميته ليكون أكبر فأكبر، وهكذا هو حال بقيّة الأشياء المذكورة: التفاؤل، والإيجابية، والحماس، وغيره.

إذن لا مستحيل تحت الشمس لأن المستحيل ممكن، ومتميّز، وكبير، بل هناك جديد تحت الشمس تصنعه أنت، أوأنا، أو... في عالم التفاهمات هذا، بإذنه سبحانه تعالى وببركة التوسّل بمحمّد وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام.

إنه مشروع عظيم يستحقّ الثناء والتقدير والمباشرة والتنفيذ.

www.s-alshirazi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/كانون الأول/2012 - 25/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م