لبنان... بلد تسيره رصاصات الفتنة

 

شبكة النبأ: تطورات جديدة وخطيرة تشهده الساحة اللبنانية التي تعاني الكثير من الخلافات والانقسامات السياسية والطائفية المستمرة والتي اتسعت في الفترة الأخيرة بشكل مخيف بعد ظهور أعمال العنف والاغتيالات وغيرها من الأعمال الأخرى، هو ما قد يسهم بنشوب حرب أهلية جديدة قد تكون نتائجها كارثية على امن واستقرار هذه البلاد وباقي دول المنطقة بحسب بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان هنالك أطراف داخلية وخارجية تسعى الى الاستفادة من خلال نقل الصراع والأزمة في سوريا الى داخل الحدود اللبنانية بهدف إشعال نار الفتنة والاقتتال الطائفي من جديد، وهذا ما تؤكده الأحداث الأخيرة في لبنان التي شهدت بعض مدنها معارك دامية وبدوافع طائفية راح ضحيتها العديد من الأبرياء، وفي مشهد جديد ترفرف أعلام المسلحين السوريين بالألوان الأحمر والأخضر والأسود وسط رياح وأمطار ديسمبر كانون الأول في حين يدوي انفجار قذيفة مورتر قرب مبان سكنية عليها آثار الرصاص. لكن هذه ليست سوريا.. إنها مدينة طرابلس الساحلية في لبنان المجاور الذي مزقته الحرب الأهلية.

وقتل رجلان وأصيب عشرات آخرون بجروح فيما وصفها سكان ومصادر أمنية بأنها أعنف اشتباكات هذا العام بين مسلحين لبنانين مؤيدين لطرفي الصراع في سوريا. وتقطن طرابلس أغلبية سنية لكنها تضم أيضا أقلية علوية وأصبحت الاشتباكات في الشوارع بين السنة والعلويين أمرا معتادا في كل مرة ينجرف فيها لبنان نحو الأزمة السورية. وكان سبب الاشتباكات هذه المرة مقتل ما لا يقل عن 14 مسلحا فلسطينيا ولبنانيا سنيا من شمال لبنان على يد قوات السورية في بلدة سورية واقعة على الحدود. ويبدو أن هؤلاء القتلى كانوا قد انضموا إلى الجماعات للقتال في سوريا التي تشهد قتالا مستمرا منذ اكثر من 20 شهرا ويقول سكان في طرابلس إن العديد منهم جاءوا من حي باب التبانة السني في طرابلس.

وأظهر التلفزيون الرسمي السوري لقطة لجثث القتلى اللبنانيين عليها آثار جروح ناجمة عن إطلاق نار. وقال مصدر أمني في طرابلس طلب عدم ذكر اسمه "كان لابد وأن يدفع أحد ثمن الدماء التي أريقت." وأضاف "المسلحون السنة هاجموا بعض العلويين في السوق ثم تمركز القناصة في مواقعهم."

وقتل 12 شخصا في طرابلس وأصيب أكثر من مئة بسبب الاشتباكات التي استخدمت فيها القذائف الصاروخية والأسلحة الآلية وقذائف المورتر. وقال أحد السكان طالبا عدم ذكر اسمه "هناك قتال في عدد من الشوارع أكبر من أي وقت مضى." وطوق الجيش المنطقة بأكملها وصدرت أوامر للجيش بالرد على إطلاق النار لوقف العنف المتصاعد. غير أن سكانا قالوا إنه لا جدوى من ذلك وإن عدة جنود أصيبوا. وقال أبو عمار وهو سني يقيم في حي التبانة "الجيش موجود هنا لكنه وجود رمزي فقط." وأضاف أبو عمار وهو في منتصف العمر "أفضل شيء للجيش هو أن يتراجع ويدع الجانبين ينهيان الأمر بنفسيهما."

وكان أبو يزن وهو سوري من مدينة حمص في وسط سوريا يقاتل مع الجماعات المسلحة لكنه فر إلى طرابلس آملا في أن توفر الأغلبية السنية بالمدينة بعض الحماية لأسرته. وقال أبو يزن (26 عاما) "ثمة الكثير من السوريين هنا ونحن نتساءل لماذا يتقاتلون كانت أصوات الانفجارات الليلة الماضية لا تقل شدة عن تلك التي تقع في حمص". ويقول أبو يزن الذي يطلق لحيته إنه قاتل مع لبنانيين سنة في حمص ضد قوات الأسد لكن هذا القتال الطائفي في طرابلس لا معنى له. وأضاف "لا أريد أن يتصاعد القتال هنا." بحسب رويترز.

وامتلأت شوارع طرابلس بجنود في عربات مدرعة رغم أن معظم سكان المدينة واصلوا ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. وقال بعض السكان إنه بعد القتال الذي استمر طوال الليل تحت الأمطار الغزيرة بدأ معظم المسلحين في الاستراحة. لكنهم لن يستريحوا لفترة طويلة حيث يطالب محتجون باستعادة جثث المسلحين اللبنانيين الذين قتلوا في سوريا وتقول مصادر أمنية إن من المرجح تشييعهم غدا السبت وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من القتال.

الى جانب ذلك اكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي من السراي الحكومي، بعد ان قطع زيارته الى ايطاليا، "ان الجيش اللبناني والقوى الأمنية يقومان بواجبهما في ضبط الوضع في طرابلس ومنع الإخلال بالأمن". وأشار بعد اجتماع حضره وزير الداخلية مروان شربل، وقائد قوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي، وعدة اتصالات أجراها مع قيادات طرابلسية سياسية وحزبية، ومع قائد الجيش العماد جان قهوجي الى "ان الحكومة ماضية في اتخاذ كل ما من شانه للمحافظة على السلم الأهلي وتفويت الفرصة على المصطادين في الماء العكر، معتبرا ان الحكمة الوطنية تحتاج الى تعاون جميع القيادات اللبنانية التي عليها ان تترفع عن الاعتبارات الذاتية وتقدم مصلحة الوطن".

كما اجرى ميقاتي اتصالا برئيس الجمهورية ميشال سليمان الموجود في اليونان في زيارة رسمية، وتقرر ان يقوم رئيس الحكومة بصفته نائب رئيس المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع للمجلس في قصر بعبدا. كما طلب ميقاتي من وزير الداخلية مروان شربل دعوة مجلس الأمن المركزي في الشمال الى اجتماع، وطلب من مدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الطلب الى السلطات السورية تسليم جميع جثامين اللبنانين الذي قتلوا في كمين للجيش السوري في تل كلخ دفعة واحدة وليس على دفعات، نزولا عند رغبة اهالي هؤلاء وهم من طرابلس، الذين هددوا بالتصعيد في حال لم يتم تسليم جميع الجثث دفعة واحدة.

وطالب النائب في البرلمان اللبناني عن مدينة طرابلس معين المرعبي، بانتشار الجيش في طرابلس والقيام بدوره كاملا، كما بانتشار قوات دولية على الحدود الشمالية، لافتا الى ان "هناك تخلياً من قبل رئيس الجمهورية ميشال سليمان وحكومة نجيب ميقاتي عن الشمال وهما يقومان بجولة سياحية (ميقاتي كان في ايطاليا وقطع زيارته، ورئيس الجمهورية لا يزال في اثينا)، في حين ان الناس تقتل في طرابلس"، مؤكدا ان "ما يحصل في المنطقة هو مشاهد حرب حقيقية تستعمل فيها القذائف وعمليات القنص".

ورأى "ان الجيش لا يقوم باي شيء ولا يمنع الحرب التي تحصل في طرابلس"، وقال: "اذا لم يكن باستطاعة الجيش ان يلعب دورا فلنطلب مساعدة قوات دولية". وأضاف: "فاما لدينا حسن نية وقوى امنية، واما فليذهبوا الى منازلهم"، مشددا على عدم القبول بالأمن بالتراضي، واتهم قائد الجيش "بإدارة معركة رئاسة الجمهورية من طرابلس".

وكان مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار، قد أعلن في وقت سابق، انه أرجأ عودته الى لبنان من فرنسا، بناء على طلب جهات أمنية رفيعة، لان هناك خطر على حياته من محاولة اغتيال. ولا يزال الوضع في طرابلس متوترا، ويسود المدينة هدوء حذر، بعد معارك استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وسجل سقوط قذائف ب7 وب10 وقذائق صاروخية وهاون على احياء عدة في المدينة، ادت الى احتراق عدد من المنازل، وبلغ عدد القتلى في هذه الجولة الرابعة عشر من جولات القتال في طرابلس هذا العام، 14 قتيلا وأكثر من مئة جريح. وتشير تقارير صحافية في بيروت الى ان هناك حوالي 8 آلاف مسلح في المدينة، موزعين في شوارع وازقة ضيقة، ما يجعل مهمة الجيش والقوى الامنية للسيطرة على الوضع هناك صعبة ومعقدة.

تورط أطراف لبنانية

في السياق ذاته أعربت مصادر وزارية لبنانية عن خشيتها من انزلاق لبنان في الحرب الدائرة في سوريا بعدما تأكد ضلوع لبنانيين في هذه الحرب واعتراف النائب اللبناني في تيار المستقبل عقاب صقر، بصحة التسجيلات التي بثتها محطة تلفزيون o.t.v.اللبنانية، ونشرتها صحيفة "الأخبار" اللبنانية، والتي تشير الى قيامه بتهريب الأسلحة الى الجماعات المسلحة في السوريا، بالتنسيق مع الرئيس سعد الحريري، إضافة الى اتهام المعارضة اللبنانية عناصر من حزب الله في القتال الى جانب الجيش السوري، وذلك استنادا الى اعلان الحزب عن مقتل عدد من عناصره، من دون ذكر اين ومتى وكيف قتل هؤلاء.

وفي تسجيل نشرته صحيفة "الاخبار" على موقعها الالكتروني، يؤكد صقر لمحدثه الذي عرفت عنه الصحيفة بكونه "صديقا شخصيا" لصقر وناطقا باسم المجلس الأعلى لما يسمى الجيش السوري الحر، ان "الرئيس الحريري (جن جنونه)، وبدو (يريد) ان يحسمها باي طريقة". واضاف: "ما عم ينام، ساعة بساعة لحظة بلحظة وثانية بثانية، يتابع الموضوع وبدو يحسمها ويقول لي ما في اي مجال للفشل في الموضوع".

وفي حين لم يعلق حزب الله أبرز حلفاء دمشق، مباشرة على الموضوع، وقالت قناة "المنار" التلفزيونية التابعة له ان التسجيلات "تؤكد وبالجرم المشهود تورط حزب المستقبل عبر اقرب المقربين من رئيسه"، وان صقر "يعتبر الذراع اليمنى للحريري". من جهته، قال التلفزيون الرسمي السوري في نشرته الإخبارية ان التسجيلات تظهر "تفاصيل الدور الذي يؤديه احد وكلاء تمويل الإرهاب في سوريا بتكليف من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري".

وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري انه قلق من ارتفاع منسوب تورط بعض الإطراف اللبنانية في الإحداث السورية، واعتبر ان ما جرى يؤكد مرة أخرى "وجوب المضي في سياسة النأي بالنفس، لان اي خيار اخر سيكون مكلفا جدا، والوقائع على الارض تثبت ذلك". و تخوف بري من ان يطول عمر الفتنة في سوريا، حذر من تداعيات الزلزال السوري على لبنان اذا استمر البعض باستسهال اللعب فوق فالقه، مضيفا: "لقد فرطنا بفرصة ثمينة كي نثبت شخصيتنا".

اما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فقالت مصادره تعليقا على مقتل الشبان اللبنانيين ان جوهر سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة كانت تهدف الى تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية وتحصينه من المخاطر الخارجية وعدم إقحام اللبنانيين في هذه الصراعات. وأضاف: "حرام استمرار الرهان على الوضع السوري لتحصيل مكاسب سياسية داخلية وهذا رهان خاطئ".

في المقابل حمل خطباء مهرجان ذكرى أربعين اللواء وسام الحسن ورفيقه احمد صهيوني، والذي أقامه تيار المستقبل وقوى 14 اذار في معرض رشيد كرامي، في طرابلس على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحزب الله وحليفه العماد ميشال عون وانتظام السوري، مجددين الدعوة الى إسقاط الحكومة، كما اعلن عدد من الخطباء انهم يمدون الثورة السورية بالسلاح والرجال.

وقال الامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري: "حبيبكم سعد الحريري يؤكد لكم ان الثورة السورية ستنتصر، وان نظام بشار الاسد آيل الى السقوط. لن تستطيع اي قوة في الكون ان تحمي هذا النظام، لا روسيا، ولا ايران ولا المرتزقة من هنا وهناك،. وفي صيدا اتهم الشيخ احمد الاسير خلال مسيرة نظمها تحت عنوان "كفى استخفافا بكرامتنا"، شارك فيها الالاف من انصاره، حزب الله بكل الاغتيالات من اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى اليوم، وبالتآمر على سعد الحريري، ووجه كلامه الى الطائفة الشيعية قائلا: "عدونا يعيش بينكم وهو نصرالله ونبيه بري، نريد ان نعيش مع الجميع بأمان رغم محاولات جماعة نصرالله تشويه صورتنا، ان نصرالله لن ينال من ارادتنا لو وصل رأسه الى السماء".

دمشق توافق

على صعيد متصل وافقت السلطات السورية على طلب لبنان تسليمه جثامين مقاتلين لبنانيين اسلاميين قتلوا في سوريا على ايدي القوات النظامية، بحسب ما أفاد مصدر دبلوماسي لبناني وقال المصدر ان "السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم على اتصال بوزير الخارجية عدنان منصور، وابلغه بموافقة السلطات السورية" على تسليم جثث اللبنانيين الذين قضوا في كمين للقوات النظامية في منطقة تلكلخ وسط سوريا. بحسب فرانس برس.

وأشار الى ان اجتماعا بين الطرفين سيعقد للاتفاق على الخطوات العملية للقيام بذلك. وكان منصور طلب من السفير السوري اعادة جثث هؤلاء "لدواع إنسانية"، ورد السفير السوري ان بلاده "تدرس لأسباب إنسانية معالجة هذه القضية". ووردت أخبار من سوريا عن مقتل 21 شابا لبنانيا من مدينة طرابلس، كبرى مدن شمال لبنان، في كمين نصبته القوات النظامية في تلكلخ المجاورة للحدود مع شمال لبنان. وأوضح قيادي إسلامي محلي ان "الشبان ينتمون الى التيار الإسلامي"، فيما قال مصدر امني أنهم كانوا في طريقهم للقتال الى جانب الجماعات المسلحة في سوريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/كانون الأول/2012 - 24/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م