غياب الشخصية الواثقة في المجتمع العربي

 

شبكة النبأ: لم يبذل المسلمون والعرب ما يكفي من جهد ومراس ربة وتعليم، لبناء الشخصية المستقلة الواثقة، والقادرة على ابداء راي متماسك وسليم، يُسهم في البناء الصحيح للمجتمع، هذا الاهمال يقود بطبيعة الحال الى انتشار الشخصية المترددة المنكفئة، التي لا دور لها في الحياة بسبب ضعف بنائها اساسا من لدين المحيط العائلي والمجتمعي عموما.

وهنا لابد أن يتساءل المعنيون في بناء المجتمع، هل يتم بناء الشخصية العربية الاسلامية للفرد بصورة سليمة، تنطبق عليها الخطوات المذكورة في أعلاه؟، وهل تتوافر الظروف الملائمة لخلق شخصية واثقة مستقلة، قادرة على النأي بنفسها عن الانخراط في ثقافة القطيع؟، إن الاجابة تؤشرها كثير من ردود الافعال والوقائع التي تظهرها الشخصية العربية الاسلامية، تجاه كثير من المواقف والاحداث، سواءً كانت خارجية أم داخلية، وسواءً كانت فردية او جماعية، لقد أثبتت الوقائع التاريخية المتتابعة، أننا لم نستطع أن نبني الفرد بالطريقة التي يجب أن تكون عليها شخصيته، كي تصمد أمام الاستفزازات التي تصدر من هنا او هناك، ولعل الخطأ الاكثر وضوحا أن النسق التربوي في المجتمع العربي الاسلامي، ألغى شخصية الفرد وذوّبها في شخصية الجماعة العائلة/ المجتمع، فظهرت لنا هذه الشخصية تابعة مهزوزة متسرعة، تتأثر بسرعة، وتُستفَز بسرعة، بالكلام والصورة والتصريح والموقف، وتندمج مع رأي الجماعة قبل التفكير باتخاذ رأي فردي مناقض أو مستقل حتى لو كان هو الصحيح.

لذلك فإن كثيرا من الاحداث تؤكد ما ذهبنا إليه، لأن الانسان لدينا يبدأ طفلا في احضان امه، ترعاه وتحميه، وكذلك يفعل الاب، ولكن المشكلة ان هذه الحماية والرعاية تستمر الى عمر متقدم مع إلغاء متواصل لشخصية الابن او البنت، لذا تبقى او يبقى الطفل حتى بعد أن يشتدّ عوده تابعا الى غيره، مع فقدان متواصل للرأي المستقل، لذا تنشأ شخصيته وتبقى تابعة لا رأي لها، تفضل رأي الجماعة، وتندمج مع القطيع، بل تخشى الخروج عليه، من هنا نشأت الحكومات المستبدة، والحكام النمور، إذ تجده نمر من ورق، يتنمّر على شعبه، ويذبحه ويسرق حقوقه ويستهين به، ولكن حين تهبّ عليه قوة بسيطة تطيح به من علياء عرشه لتؤكد انه ليس اكثر من نمر ورقي، كما اثبتت الوقائع القريبة مع كثير من الحكام العرب.

لذلك فإن الشخصية العربية الاسلامية الحاكمة أو المحكومة تفتقد لنزعة الاستقلال، والقناعة الفردية، مع اندماج آلي بالجماعة، وخوف أزلي من قول الرأي المعاكس للجماعة، أو إبداء الفعل المخالف، والسبب كما يتضح دائما، هو النهج التربوي السقيم الذي تبديه العائلة ثم المدرسة ثم المحيط الجماعي صعودا الى المجتمع العام الذي يجهد نفسه لكي يقتل الفردية وقدراتها ويذيبها في بوتقة الجماعة التي تلغي الرأي والفعل الفردي، وبالنتيجة ينحسر أفق العقل للانسان، ويبدو ذا مسار واحد تابع لا ابداع فيه ولا تجديد، ولا جرأة على الطرح الآخر الذي يختلف مع رأي الجماعة أو فعلهم.

وهكذا سنحصل في آخر المطاف على مجتمع ذي عقل ضيق الافق، تحكمه ثقافة القطيع، ويكون مستعدا للاستفزاز دائما، بل يستقبل الاستفزاز ويتعامل معه بسرعة لا تخطر على بال كما هو الحال مع المجتمع العربي الاسلامي، لذا تتحمل النخب المتصدرة الجزء الاكبر لضيق أفق العقل العربي الاسلامي، وخضوعه شبه الدائم لثقافة القطيع، ونعني بالنخب، كل من يتصدر الثقافة والدين والسياسة والتعليم وسواه، أما الفرد فهو يأتي الى الحياة ويدخل الساحة ليجد نفسه مكبلا بالجماعة وثقلها وأحاديتها وضيق آفاقها، وهناك دلائل واضحة عن هذه الشخصية العربية الاسلامية المهزوزة التي تقع غاليا تحت رحمة ثقافة القطيع، فهي كثيرة ومتتابعة، وغالبا ما تكون نتائجها مؤلمة ومؤسفة بل ومثيرة للهزء، كما حدث مؤخرا في التعامل مع الفلم الغربي المسيء للمقدس الاسلامي، إذ هناك عشرات الافلام ومئات الاساءات ضد الاسلام تمر مرور الكرام، ولكن حين يكون الاستفزاز والاعداد له حاضرا بفعل الصراعات والحسابات الدولية وهو موضوع آخر سيحين الحديث عنه لاحقا، فإن ثقافة القطيع تكون حاضرة ايضا، مع غياب للافق الواسع للعقل، وضمور للرأي المتأني المستقل والتفكير الفردي المنطقي، الذي يكون دوره فاعلا في توجيه مسارات الرأي والفعل قي وقت واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/كانون الأول/2012 - 24/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م