نووي العرب... طاقة بديلة أم سلاح؟

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تحتل الطاقة النووية في القرن الحادي والعشرين نفس المكانة التي احتلها النفط في القرن العشرين وتصبح السلعة الضرورية التي يعتمد عليها العالم، حيث تعتمد معظم البلدان المتقدمة على الطاقة النووية في عدة مجالات أبرزها الطاقة وصناعة الأسلحة، إذ ان الحاجة العالمية الملحة في مجال لتنمية الاقتصادية مع توسع السكان الى سبعة مليارات نسمة وغيرها من الضروريات الحياتية الأخرى، يدفع الطلب على الطاقة النووية الى معدلات لم يعرفها العالم قط من قبل وخاصة منطقة الشرق الاوسط، حيث تسعى بلدان هذه منطقة لدخول في عصر الطاقة النووية للأغراض السلمية، غير ان خطورة هذه النوع من الطاقة يثير الكثير من الشكوك في كيفية استخدمته، ويكمن الخطر في الأنظمة الحاكمة خاصة حكام منطقة الشرق الاوسط، التي تعيش حالة من الاضطراب الشديد على المستويات كافة، وخصوصا برنامج إيران النووي المثير للجدل، وترسانة النووية الإسرائيلية غير المعلنة، إذ تعتبر اسرائيل والولايات المتحدة ايران الخطر الرئيسي على حظر الانتشار النووي في العالم. وتقول ايران والدول العربية ان القدرات النووية الاسرائيلية تهدد السلام والامن الاقليمي.

في حين تم تأجيل مؤتمر حظر الانتشار النووي بالشرق الأوسط، ومن المحتمل ان يثير غضب الدول العربية والغربية ولكن سيسعد اسرائيل، وعليه حتى في حال إجراء المؤتمر في النهاية يتوقع دبلوماسيون وخبراء غربيون عدم إحراز تقدم يذكر في أي وقت قريب بسبب العداوات المترسخة في المنطقة خاصة الصراع العربي الإسرائيلي والمخاوف الإسرائيلية بشأن البرنامج النووي الإيراني، فعلى الرغم من أن الطاقة النووية مصدر مثالي في الموارد الطبيعية، لكنها في نفسه الوقت تشكل مصدر توتر رئيسي للصراعات العالمية وخطر كبير يهــــدّد العالم في المستقبل.

إيران ودول عربية

فقد انتقدت إيران ودول عربية قرارا بتأجيل محادثات حول حظر الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وحملت طهران الولايات المتحدة مسؤولية التسبب في "انتكاسة خطيرة" لمعاهدة حظر الانتشار النووي، وكانت الولايات المتحدة قالت إن المؤتمر المزمع في منتصف ديسمبر كانون الثاني حول إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل لن يعقد دون أن تحدد موعدا جديدا له أو توضح ما إذا كان سيتم عقده أم لا. وتشارك الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا في رعاية المؤتمر، وقال الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في بيان إنه نظرا لأن هذا القرار سينعكس سلبا على الأمن الاقليمي وعلى النظام الدولي لمنع الانتشار النووى كله فقد تمت دعوة كبار المسؤولين فى الدول العربية لاجتماع لدراسة هذا التطور واتخاذ القرارات المناسبة، وقالت إيران - التي يتهمها الغرب بالسعي وراء اكتساب قدرة على تصنيع الأسلحة النووية - في الشهر الجاري إنها ستشارك في المحادثات التي كان من المفترض إجراؤها في هلسنكي عاصمة فنلندا، ولدى سؤاله حول الإعلان الأمريكي قال سفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أصغر سلطانيه لقناة برس تي.في الحكومية من فيينا "إنها انتكاسة خطيرة لمعاهدة حظر الانتشار النووي وهذه علامة واضحة على أن الولايات المتحدة ليست متقيدة بالالتزام بشأن إقامة عالم خال من الأسلحة النووية"، وقال العربي إن كل دول المنطقة ما عدا إسرائيل - التي يعتقد على نطاق واسع أنها الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في الشرق الأوسط - قد أبدت استعدادها للمشاركة في المؤتمر.

وتخشى واشنطن من أن يستخدم المؤتمر منبرا لانتقاد حليفتها إسرائيل وربما زاد قلقها بعد القتال العنيف الذي استمر ثمانية أيام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وانتهى بالتوصل إلى اتفاق تهدئة، ولم تعلن إسرائيل ما إذا كانت ستحضر المؤتمر أم لا. وتقول إسرائيل إن طهران تشكل التهديد الرئيسي لانتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وكثيرا ما تقول إيران والدول العربية إن الترسانة النووية التي يفترض أن إسرائيل تمتلكها تشكل تهديدا على السلام والأمن في الشرق الأوسط.

وتم الاتفاق على عقد اجتماع لوضع الأساس لاحتمال إقامة شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل خلال مؤتمر عقد في عام 2010 وشارك فيه 189 طرفا في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية المبرمة عام 1970، ولم توقع إسرائيل على المعاهدة كما لم تؤكد أو تنف امتلاكها أسلحة نووية، وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط أمر لا يمكن تحقيقه حتى يكون هناك سلام عربي إسرائيلي شامل وتحد إيران من برنامجها النووي الذي تقول طهران إنه مخصص لأغراض سلمية مثل الطاقة والأبحاث، وقال سلطانيه "لقد اختطفت الولايات المتحدة مؤتمر هلسنكي هذا من أجل إسرائيل... تريد دعم قدرة الإسرائيليين على تصنيع أسلحة نووية"، وأعربت روسيا وبريطانيا في بيانين منفصلين عن أملهما في أن يكون التأجيل لأقصر فترة ممكنة وأن تجرى المحادثات في العام المقبل، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها ستواصل العمل سعيا وراء عقد اجتماع مضيفة أن مثل هذا الاجتماع يجب أن يأخذ في الاعتبار أمن جميع الدول في المنطقة ويعمل على أساس التوافق.

معاهدة حظر الانتشار النووي

في سياق متصل قال مسؤول ايراني كبير إن اي هجوم عسكري على منشآت طهران النووية قد يؤدي الى انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي، وقال مبعوث ايران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي اصغر سلطانية في بيان لمجلس محافظي الوكالة المكون من 35 دولة إنه في حالة شن هجوم فإن الحكومة قد تضطر حينئذ لطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووضع أجهزة الطرد المركزي في أماكن "أكثر أمنا"، وألقت تصريحات سلطانية الضوء على مخاوف خبراء نوويين غربيين عدة يخشون من أن الهجمات العسكرية على إيران بهدف منعها من تطوير أسلحة نووية قد تأتي بنتائج عكسية وقد تدفعها إلى نقل برنامجها النووي بأكمله الى أماكن سرية، وتزيد التكهنات باحتمال إقدام اسرائيل على قصف ايران التي تهمتها بالسعي لامتلاك قدرات نووية بينما تنفي طهران التهمة وتقول ان الترسانة النووية الاسرائيلية المفترضة تمثل تهديدا للامن الإقليمي.

وقال سلطانية في تصريحات أمام مجلس المحافظين إنه إذا تعرضت إيران لهجوم "فهناك احتمال أن يجبر البرلمان (الايراني) الحكومة على وقف عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة أو حتى مع أسوأ سيناريو أن تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي"، وردا على تصريحات سلطانية قال ايهود ازولاي سفير اسرائيل لدى الوكالة الدولية "اعتقد انهم سيقومون بذلك على اية حال في المستقبل القريب لذا أنا لست مندهشا"، ومضى يقول "عندما يقومون باول تفجير نووي سينسحبون على ما اعتقد" مضيفا بانه يرى ان ايران "تحذو حذو" كوريا الشمالية.

وكانت كوريا الشمالية اول بلد ينسحب من المعاهدة في عام 2003 ورفضت ايضا دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمواقعها النووية. واجرت بيونجيانج تجارب نووية في 2006 و2009، وقالت ايران وهي احدى اكبر الدول المنتجة للنفط ان برنامجها النووي سلمي ويهدف لتوليد الكهرباء، ومثل باكستان والهند لم توقع اسرائيل على المعاهدة كما لم تنف او تؤكد امتلاكها لاسلحة نووية رغم اعتقاد خبراء في الامن وحظر الانتشار النووي بانها تملك بضع مئات من الاسلحة النووية. بحسب رويترز.

وقالت إسرائيل انها ستوقع على المعاهدة وتنبذ التسلح النووي بشرط إبرام اتفاقية سلام موسعة مع الدول العربية وايران تنص على ضمان امنها، وفي بيان من 11 صفحة تغلب عليه لهجة التحدي -مما دفع دبلوماسيا غربيا للقول بانه "شديد التشاؤم" عن جولة جديدة من المحادثات بين ايران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في منتصف ديسمبر- قال سلطانية ان الملف النووي الايراني "ينبغي غلقه على الفور" وان تعود عمليات التفتيش التي تجريها الامم المتحدة فيما يخص بلاده الى "طبيعتها"، وقال "هذا هو السبيل الوحيد الذي يشجع ايران على اظهار المزيد من المرونة باتخاذ خطوات طوعية"، وتسعى الوكالة الدولية لاستئناف تحقيق متوقف منذ فترة طويلة بشأن شكوك باحتمال قيام ايران بابحاث تخص صنع قنبلة ذرية ويتهم مسؤولون غربيون طهران بعرقلته"، وقال سلطانية ان الاسلحة النووية لا جدوى منها ولا تؤدي إلا إلى إثارة التوتر وان اي عمل عسكري ضد بلاده لن يثنيها عن تخصيب اليورانيوم، واليورانيوم المخصب له استخدامات مدنية وعسكرية وطالبت سلسلة من القرارات الصادرة في مجلس الأمن الدولي منذ عام 2006 بأن توقف إيران نشاطها النووي وهو ما ترفضه الجمهورية الاسلامية.

وقال سلطانية "إيران تتقن تكنولوجيا التخصيب.. يمكنها ببساطة استبدال المنشآت المتضررة"، وأضاف في بيان مطول للمجلس أن إيران "مستعدة تماما لايجاد حل لحفظ ماء الوجه وعبر التفاوض يحقق انفراجة من الجمود الحالي"، وانتقد دبلوماسي غربي بيان سلطانية للمجلس وقال إنه احتوى على "مزاعم سخيفة للغاية"، ووصلت المحادثات بين ايران والقوى العالمية الست -الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمانيا وبريطانيا- التي تهدف لايجاد حل سلمي للنزاع القائم منذ عقد من الزمن الى طريق مسدود في يونيو حزيران حين انفض اجتماع دون التوصل لنتيجة، ويقول كلا الطرفين في الوقت الراهن انهما يرغبان في استئناف الحوار في اقرب وقت بعد اعادة انتخاب الرئيس الامريكي باراك اوباما لفترة رئاسية ثانية ويتوقع دبلوماسيون ان تستضيف اسطنبول اجتماعا جديدا في ديسمبر كانون الاول او يناير كانون الثاني.

الاردن

من جانب آخر قال الاردن انه الغى اتفاقا لتعدين اليورانيوم وسط المملكة مع ائتلاف يضم مجموعة "اريفا" النووية الفرنسية، الا ان المجموعة اكدت ان الاتفاق يتعلق فقط بالتنقيب، وقالت هيئة الطاقة الذرية الاردنية في بيان ان الرخصة الممنوحة للشركة الاردنية الفرنسية لتعدين اليورانيوم، وهو ائتلاف مشترك بين الشركة الاردنية لموارد الطاقة وشركة اريفا الفرنسية، في منطقة وسط الاردن "قد الغيت"، واضافت ان "انهاء اتفاقية التعدين تم بموافقة جميع الاطراف ودون ان تترتب اية مسؤولية مالية او قانونية على اي طرف فيها"، واوضحت ان الشركة لم تقدم تقريرها الفني وفق المدة الزمنية المحددة بالعقد وهي 36 شهرا و "حيث انها لم تقدم التقرير في الوقت المحدد تم انهاء اتفاقية التعدين"، الا ان ناطقا باسم مجموعة اريفا قال ان "الاتفاق متعلق فقط بالاستكشاف ولا يتضمن الانتاج"، واضاف ان "الاتفاق الموقع كجزء من عملية استكشاف اليورانيوم في الاردن كان ينتهي بطبيعة الحال في كانون الثاني/يناير 2012"، واشار الى انه "تم تمديد الاتفاق لعدة اشهر قبل ان نتفق مع شركائنا على انهائه بعد ان اعتبرنا اننا انهينا عملنا"، وبحسب البيان فان "الشركة اعلنت في نهاية ايار/مايو الماضي ان احتياطي خامات اليورانيوم فى وسط الاردن يزيد عن 20 الف طن"، واضاف انه "بعد التدقيق بالاستعانة بشركات عالمية تبين ان كميات اليورانيوم وتركيزه في منطقة الدراسة تتجاوز ضعف الكمية والتركيز التي اعلنتها الشركة".

وقالت الهيئة انها قررت "الاستمرار في عمليات استكشاف اليورانيوم بالاعتماد على الكفاءات الاردنية"، واشارت الى ان "تكاليف اعمال الاستكشاف وسط الاردن والتي تقدر بعشرين مليون دينار تحملتها الشركة الاردنية الفرنسية لتعدين اليورانيوم كاملة دون ان تتحمل الحكومة الاردنية او هيئة الطاقة الذرية الاردنية اية نفقات"، ووقع الاردن وفرنسا في 21 شباط/فبراير 2010 اتفاق "للتنقيب عن اليورانيوم واستغلاله" ينص على ترخيص للتنقيب الحصري عن اليورانيوم وسط المملكة من قبل "اريفا". بحسب فرانس برس.

ويسعى الاردن الى انشاء اول مفاعل نووي للاغراض السلمية خصوصا توليد الكهرباء وتحلية المياه بحلول عام 2019. وقد اقترح موقعا يبعد 47 كلم شمال شرق عمان في منطقة المجدل بالقرب من خربة السمرا لبناء هذا المفاعل، وستختار المملكة نهاية العام الحالي العرض الافضل من بين عرضين فرنسي ياباني وآخر روسي لبناء اول مفاعل نووي في المملكة، وقد اعلنت هيئة الطاقة الذرية في 29 نيسان/ابريل اختيار عرضي اتوم ستروي اكسبورت الروسية وائتلاف شركتي اريفا الفرنسية وميتسوبيشي اليابانية كأفضل عرضين للتنافس على بناء اول مفاعل نووي في المملكة، والمملكة التي تستورد 98 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة، واحدة من افقر عشر دول في العالم بالمياه حيث يتجاوز العجز المائي 500 مليون متر مكعب سنويا بحسب تقديرات المسؤولين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/كانون الأول/2012 - 21/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م