عبودية حتى النفس الاخير

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: اوجاع الانسانية لا تنتهي ابدا، انها مستمرة منذ اللحظة الاولى التي فارق فيها آدم جنة الخلد ليؤسس ويضطلع بخلافة الله على الارض ويمارس اعمارها بالكد والبناء. تلك الاوجاع مستمرة، منها ما ياخذ الطابع الفردي والشخصي، ومنها ما ياخذ الطابع الجماعي.

الكدح والعمل المتواصل ولحظات الحزن وايام الشقاء ولحظات الانكسار تلك اوجاع فردية تساهم في صقل وتهذيب شخصية الانسان، الحروب والاوبئة والكوارث الطبيعية تصيب المجموع وتترك اثارا مدمرة على حياة المجتمعات وطرق معاشهم.

الحروب يصنعها الانسان ويسعى اليها، منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، ويكاد التمييز يختفي في ايامنا هذه لضياع العقل والحكمة وذهاب الانسان بعيدا خلف رغباته ونزواته المجنونة.

الاوبئة والكوارث نتيجة لما آل اليه عبث الانسان بهذه الارض وغلافها الجوي، وهي نتيجة لافعالهم غير المسؤولة... لا تنقضي اوجاع الانسانية وآلامها بل هي متجددة ودائمة الوقوع بسبب غياب البصيرة وضياع السبيل.

من منا لا يتذكر رواية كوخ العم توم لهيريت ستاو التي قال عنها الرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن: إذاً فهذه هي السيدة الصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة... رسمت هذه الروائية بريشتها الخلاقة معاناة إنسانية جديرة بالخلود والبقاء في عالم الأدب العالمي. حاولت هاريت ان تسير عكس التيار السائد في مجتمعها وأن تنظر إلى الاسترقاق والارقاء بعين الرحمة والرأفة فما كان منها إلا أن جعلت من العم توم العبد الأسود مثال يحتذى حيث تجد نفسك قد أنسبت في حبه كالبلسم، وبرغم من أن مجتمعها كان شديد الشكيمة ويرفض فكرة العتق للعبيد إلا أن اصرارها وعملها كمحررة للعبيد جعلها أكثر ملامسة لآلام ومعايشة لأحوال من عاشوا في قعر المجتمع... لقد هزت روايتها الولايات المتحدة الأمريكية هزا وتركت من خلفها بصمة كبيرة وعلامة لم تستطع الايادي محوها لذلك بقيت هيريت ستاو أشهر من نار على علم.

مشكلة الرواية لم تنته رغم مرور ازمان عديدة عليها، انها اخذت تظهر باشكال وانواع اخرى تساهم في بقاء هذه المشكلة وعدم الخلاص منها... وقد أقرت الأمم المتحدة الثاني من ديسمبر/كانون الأول من كل عام. اليوم العالمي لمكافحة الرق بكل أنواعه القديمة والجديدة وذلك منذ عشرين عام تقريبا.

وتأتي هذه الذكرى المهمة تتويجًا للثورة التي اندلعت في الثالث والعشرين من أغسطس عام 1791، عندما قام العبيد في جزيرة (سانت دومينغو) عاصمة (هاييتي) في البحر الكاريبي، بعصيان مسلّح أدّى إلى الثورة ممّا تسبّب في إثارة هذه القضية التي تتعلّق بحقوق الإنسان، حتّى أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) وتم الاحتفال بهذا اليوم كذكرى مهمة للقضاء على ظاهرة الاتجار بالرقيق الأسود. وتعتبر هذه الاحتفاليّة التذكاريّة فرصة للتفكير فيمن عانوا وماتوا تحت وطأة العبوديّة.

يعني مصطلح (الرق) كما هو معرف في الاتفاقية الخاصة بالرق المعقودة عام 1926 وصفا لحال أو وضع أي شخص تمارس عليه السلطات الناجمة عن حق الملكية، ويعني (الرقيق) أي شخص يكون في هذه الحالة أو يكون في هذا الوضع.

ويشمل التعريف، جميع الأفعال التي ينطوي عليها أسر شخص ما أو احتجازه أو التخلي عنه للغير علي قصد تحويله إلي رقيق، وجميع الأفعال التي ينطوي عليها احتياز رقيق ما بغية بيعه أو مبادلته وجميع أفعال التخلي، بيعا أو مبادلة، عن رقيق تم احتيازه علي قصد بيعه أو مبادلته، وكذلك، عموما، أي اتجار بالأرقاء أو نقل لهم أيا كانت وسيلة النقل المستخدمة.....(الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق 30 نيسان/أبريل 1956...). وهناك عدة أنواع من الرق الحديث كالدعارة والزواج القسري للبنات الصغيرات تحت طائل الفقر أو العادات كما في اليمن وموريتانيا.

كما أن تشغيل الأطفال والنساء في المصانع الكبرى ولساعات طويلة بأجور زهيدة تحت ظروف قاسية كما في البنغلادش الهند وباكستان وأفغانستان وحتى بعض الدول العربية. يجعلنا أمام تغير وتكيف لمفهوم الرق على حسب العصر الذي نعيشه، فلم يعد هناك تجارة رقيق مباشرة أي أن تجد أسواق خاصة ببيع المماليك والعبيد بل أصبح الرق غير مباشر وأقسى مما كان عليه

 إن استعباد المدين، والقنانة والسخرة؛ والاتجار بالبشر والاتجار لغرض نزع الأعضاء؛ والاستغلال الجنسي، وأسوأ أشكال عمل الأطفال، والزواج القسري، وبيع الزوجات، ووراثة الأرامل، والتجنيد القسري للأطفال لاستخدامهم في النزاع المسلّح - هذه كلها بين مظاهر الرق اليوم. وكلها جرائم وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.

وفي هذا الصدد، أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أنّ تجارة الرقيق مستمرّة حتّى الآن في مناطقَ عديدةٍ من العالم، وأن نحو 700 ألف شخص يتم الاتجّار بهم سنويًّا من الرجال والنساء والفتيات والأطفال عبر الحدود بعيدًا عن بلدانهم وأسرهم.

وذكر التقرير أنّ هناك نحو 7.5 مليون طفل في العالم هم ضحايا العمل القسري والرق، كما يشير التقرير إلى أن نحو 191 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاما يقومون بأعمالٍ حقيقيّةٍ بمختلف مناطق العالم باعتبارهم عناصر اقتصاديّة فعّالة.

​ويصل عدد الرقيق في مختلف أنحاء العالم إلى نحو 30 مليون إنسان، ينتشرون في مختلف الدول، وتختلف أشكال الرق لديهم، ويُستخدمون في أداء مهام عديدة... كما تشير التقديرات إلى أنّه تمّ ترحيل ما بين 15 و20 مليون شخص من الرجال والنساء والأطفال من منازلهم في مناطقَ مختلفةٍ من العالم، وتمّ بيعهم كرقيق.

الاتفاقية الاوربية المؤسسة للوكالة المركزية للشرطة الجنائية الاوربية تعرف الاتجار بالبشر على أنه اخضاع شخص للسيطرة الفعلية وغير القانونية لأشخاص اخرين باستخدام العنف أو التهديد أو التعسف باستعمال السلطة، بغية استغلال الشخص في الدعارة، والاستغلال والاعتداء الجنسي على القصر أو الاتجار بالاطفال المتخلي عنهم.

أما منظمه الامن والتعاون الأوربي فقد عرفت الاتجار بالبشر على أنه جميع الاعمال المدرجة في التوظيف، والاختطاف، والنقل وبيع وايواء أو استقبال أشخاص، عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو الخداع أو القسر لأغراض الاستغلال أو يجبرون على العمل لدائن، في مجتمع أخر غير الذي عاش فيه الشخص من قبل.

أما المنظمة الدولية للهجرة فترى أن الاتجار بالبشر يتم في الحالات التالية:

- مهاجر يستخدم بصوره شرعية بالخطف، البيع أو مجرد التوظيف أو النقل، سواء داخل الحدود الوطنية او خارجها.

- استغلال المهاجرين اقتصادياً أو بشكل آخر، بواسطة الخداع أو الاكراه عن طريق وسطاء تجار يجنون فائدة. فحين ساهمت بعض المنظمات الدولية غير الحكومية ذات صلة بالموضوع منها التحالف العالمي لمكافحة الاتجار بالنساء والمجموعة الدولية لحقوق الانسان، ومؤسسة مكافحة الاتجار بالنساء، في وضع أسس خبرتها الميدانية تعريف الاتجار بالبشر فاعتبرت كل فعل أو انتهاك يرتب النقل داخل أو خارج الحدود الوطنية، وتبادل وبيع ونقل وايواء أو استلام أي شخص عن طريق الخداع والاكراه بما في ذلك استخدام القوة أو التعسف في استعمال السلطة أو من خلال تسخير شخص جنسياً أو بالاعمال الشاقة أو بالممارسات المماثلة للرق.

ومن هذا المنطلق جاء أول تعريف دولي للاتجار بالبشر الذي تبناه المجلس الخاص بالامم المتحدة في 6/10/2000 المكلف إعداد البروتوكول المكمل للاتفاقية الخاصة بالجريمة المنظمة المتعلقة بالاتجار بالبشر اذ تنص المادة 3 منه على:

أ ــ تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو ايوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو اساءة استعمال السلطة أو اساءة استغلال حالة استضعاف، أو باعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال ويشمل الاستغلال كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو وسائل أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستبعاد أو نزع الأعضاء.

ب ــ لا تكون موافقه ضحية الاتجار بالأشخاص على الاستغلال المقصود والمبين في فقره أ محل اعتبار في الحالات التي يكون قد استخدم فيها أي من الوسائل المبينة في الفقرة أ.

ج ــ يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقيله أو ايواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال اتجار الاشخاص حتى لو لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبينة في الفقرة أ. ويقصد بتعبير طفل أي شخص دون الثامنة عشرة من العمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/كانون الأول/2012 - 19/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م