الدولة المدنية والاستبداد نقيضان

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من الاهداف الجوهرية التي يسعى لها دعاة التحرر، هو القضاء كليا على الاستبداد وكل ما يمت له من صلة، لأن الاستبداد والمستبدين هم أساس التردّي السياسي الذي يطيح بآمال الشعوب، ويقضي على تطلعاتها باقامة دولة مدنية متطورة مستقلة.

وقد اكدت التجارب والاحداث التاريخية والراهنة، أن الاستبداد لا يزدهر ولا يبقى قويا إلا في الدول والشعوب المتخلفة من حيث الثقافة والوعي، لآن الثقافة هي الطريق الاصوب لزيادة المعرفة بالحقوق السياسية والحريات وغريها، واذا عرف الانسان حقوقه سيعرف وسيسعى الى الحفاظ عليها، حتى لو كانت مع سلطة الدولة المستبدة هي التي تريد أن تتجاوز عليها.

مساوئ الحكام المستبدين

إن الحاكم المستبد لا يرضى بغير القمع والتكميم وفرض الرأي الأوحد، لأن هذا الاسلوب هو الوحيد الذي يضمن له منافعه ومصالحه ومعاونيه على حساب الشعب، لذلك غاليا ما يضع مثل هؤلاء الحكام حواجز بينهم وبين الشعوب ويبنون الاجهزة الامنية التي تحميهم من جهة وتضيّق على المواطنين وتتجاوز على حرياتهم وحقوقهم من جهة اخرى.

لذا فإن ظاهرة الاستبداد تشكل جانبا واضحا من المشهد السياسي الحكومي العربي الاسلامي، يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (فلسفة التأخر) في هذا المجال: (إنّ جملة من حكّام المسلمين اعتادوا الاستبداد، والاثرة وهضم حقوق الآخرين، وسجن الناس, وتسفيرهم وتعذيبهم، والتكلم مع الناس باستعلاء وغرور، والفساد والإفساد، كما أن جملة من حكام غير المسلمين أيضاً كذلك).

لذلك أينما وجد الاستبداد غابت الدولة المدنية ومؤسساتها الدستورية الحامية للحريات والحقوق، وهكذا ينشأ الصراع المزمن بين الطغاة من جهة والثوار من جهة اخرى، فتبدأ مرحلة كفاح مستمر وربما طويل يؤدي بالنتيجة الى سقوط المستبدين قطعا، وقضية الكفاح ضد الاستبدا معروفة في تاريخ الامم والشعوب، بل واجب على كل انسان ذي ضمير حي يرفض الظلم ويطمح لخلق حياة افضل له ولشعبه.

يقول الامام الشيرازي في هذا الخصوص: (الإنسان الذي له إنسانية، والذي يخاف الله واليوم الآخر، يجد في قرارة نفسه، وفي شرع الله سبحانه، لزوم إنقاذ المستضعفين، كما في القرآن الحكيم: والإنسان أخ الإنسان. كذلك هو نظير له في الخلق/والمشاركة الوجدانية تقتضي ـ فطرياً الإنقاذ والحيلولة دون الظلم).

وهكذا لابد للضمائر الحية من مكافحة الاستبداد على نحو مستمر ودائم لتحقيق حلم اقامة الدولة المدنية، علما أن رد فعل الحكام المتجبرين سيكون حاضرا ابدا، حيث يقوم الحاكم بسلسلة من الإجراءات بمساعدة المقربين والحاشية تؤدي كلها الى القمع والتضييق على الحريات واستلاب حقوقهم.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في هذا الخصوص بكتابه نفسه على: (أنّ عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم الـذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف أنحـاء التهم، ابتداءاً مـن ضد الثورة أو ضد الحاكم أو عملاء للاستعمار والأجنبي وانتهاءاً بأنهم رجعيون خرافيون، وانهم كسالى عاطلون، إلى غير ذلك من التُهم والافتراءات).

دور الوعي السياسي

إن النضال من اجل بناء الدولة المدنية طريقه طويل وشاق ومتعدد المراحل، ولابد للسياسيين أن يعرفوا دورهم ويفهموه، وأن يتحركوا بقوة لانجازه، لأن العمل السياسي يتطلب من الاحزاب السياسية ان تدخل في اللعبة الديمقراطية التي تمنع الاستبداد من الاستمرار والهيمنة، ولذلك غالبا ما تقوم الحكومات الاستبدادية بمحاصرة الاحزاب ومطاردة اعضائها ومؤسساتها وملاحقتها بشتى الوسائل والاسباب، لذا في مل هذه الظروف يتراجع الناس عن الكثير من حقوقهم وربما يميلون الى الخمول والكسل واللامبالاة وهذا بالضبط ما يريد ان يحققه الحاكم الطاغية.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه المذكور نفسه: (في المجتمعات التي يفتقد الناس فيها النفسية والتجربة والممارسة الحزبية، فيما الحكومات الحزبية لا ترغب في توزيع السلطة بين الأحزاب الصحيحة والسليمة، فانّ الأحزاب تصبح على شكل منظماتٍ لا تشعر الحكومة أمامها بالمسؤولية، كما أن الناس لا ترى فيها ما يُجسّد ويعكس خياراتها الاجتماعية ومتطلباتها الاقتصادية).

وهذا يتطلب وعيا شعبيا متصاعدا لمقارعة الاستبداد، إذ من دون الثقافة السليمة والوعي السليم لن يكون بمقدور الشعب الحفاظ على حقوقه وحرياته، وهو ما يريده الحاكم الدكتاتوري بالضبط ويخطط له بإحكام بمساعدة المتعاونين معه بحثا عن منافعهم واستئثارا بالسلطة والمال والمناصب، ولعل ظاهرة ضعف الوعي السياسي كان لها الدور الاساس في فشل المسلمين ببناء الدولة المدنية المستقرة، حيث نجد الاستبداد السياسي والحكومي منتشرا بين المسلمين على نحو كبير جدا.

لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع بكتابه المذكور نفسه: إن (جسم المسلمين الذي تعشعش فيه الاستبداد قروناً لا يعالج إلاّ بنشر الوعي العام بكل الوسائل الممكنة الإعلامية وغيرها، لكن هول المشكلة لا يحول دون الشروع في العلاج كلٌ بحسب قدرته العلمية والمادية).

لذلك لا ينبغي الاستسلام للقمع وفرض الرأي الواحد وسلب الحقوق المدنية والحريات، لأن مثل هذه الاوضاع لن تسمح بقيام دولة المؤسسات ابدا، كما أن الظلم الحكومي والسياسي الذي يتعرض له الشعب سيبقى قائما الى الابد، الامر الذي يتطلب تحركا قويا ومستمرا ومدروسا ومنظما من لدن النخب وقادتها، من اجل ضخ الوعي اللازم لعموم الشعب ومن ثم الشروع بمقارعة المستبد تمهيدا لبناء الدولة المدنية.

لهذا يؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال على: (أن مهمة الوعاة رَفعُ مرض الاستبداد عن الأمة حتى لا تستعد لتقبُّل المستبد، وحينذاك لا تجد أثراً منه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/كانون الأول/2012 - 18/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م