نووي إيران... بين العناد والدهاء

 

شبكة النبأ: لايزال الملف النووي الإيراني احد أهم واخطر الملفات التي تثير مخاوف جميع الدول بما فيها أمريكا وإسرائيل والدول الغربية التي تخشى من امتلاك إيران لأسلحة نوويه، ويرى بعض المراقبين ان الخلاف القائم بشأن هذا الملف المعقد لابد ان يحل بطرق دبلوماسية مع اعتماد النتائج الحقيقة وإشراك جميع الإطراف والقوى المؤثرة الأخرى التي قد تسهم بتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة الابتعاد عن التصريحات الاستفزازية التي تطلق بين الحين والأخر لأنها وبحسب اعتقادهم ربما ستسهم بزعزعة الأمن والاستقرار العالمي، وفي هذا الشأن يقول دبلوماسيون وخبراء إن هناك زيادة مثيرة للقلق في مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب لكن هذا ربما يكون ناجما عن حدوث عنق زجاجة في تصنيع وقود المفاعلات وليس محاولة للإسراع بتجميع مادة يمكن استخدامها في صنع سلاح نووي. ومسألة متى يمكن لإيران أن تصنع قنبلة ذرية إن أرادت ذلك مسألة تخضع لمتابعة وثيقة في الغرب لأنها قد تحدد أي قرار من جانب إسرائيل لتوجيه ضربات وقائية.

وساعدت خطوة اتخذتها إيران هذا العام حين استخدمت قدرا كبيرا من هذه المادة لأغراض مدنية في تخفيف التكهنات الواسعة بقرب شن هجوم إسرائيلي. لكن التوتر قد يزداد مجددا إذا اقترب المخزون الإيراني سريعا من الكم الكافي لصنع سلاح نووي سواء من خلال زيادة إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب أو من خلال التوقف عن استخدام هذه المادة في إنتاج وقود المفاعلات أو للأمرين معا. وقال مصدر دبلوماسي كبير "السؤال هو: عند أي نقطة سيعبرون المرحلة الحساسة... متى ندخل منطقة الخطر؟... هل سيفضلون أن يختاروا طواعية البقاء بعيدا عن تلك النقطة؟"

وأظهر تقرير أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران توقفت فجأة في أواخر سبتمبر أيلول عن تحويل غاز اليورانيوم المخصب إلى درجة تركيز 20 في المئة إلى مسحوق أوكسيد لصنع وقود مفاعل أبحاث طبية في طهران. وحيث أن نشاط التخصيب الإيراني استمر في ذات الوقت بنفس القوة كان التوقف يعني أن مخزون طهران من اليورانيوم عالي التخصيب زاد بنحو 50 في المئة إلى 135 كيلوجراما في نوفمبر تشرين الثاني مقارنة بالمستوى الوارد في التقرير ربع السنوي السابق الصادر في أغسطس آب.

وعن التوقف الذي ورد في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية قال مسؤول بمخابرات دولة تشتبه في أن إيران تسعى لتطوير قدرة على صنع سلاح نووي "هذا أمر محير للغاية." وأضاف أن هذا ربما كان يرجع إلى خلل فني أو ربما كان "بالونة اختبار" لمعرفة رد فعل الغرب. ويقرب هذا إيران من الكمية التي تعتبر كافية لصنع قنبلة ذرية إذا ما تم التخصيب لدرجة أعلى -وهي 250 كيلوجراما- وهو ما أشارت إسرائيل إليه على أنه "خط أحمر" بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني والذي يمكن بلوغه بحلول منتصف عام 2013.

وقال إيمانويل أوتولنجي من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وهي مؤسسة أبحاث تقدم النصح للحكومة الأمريكية بشأن العقوبات على إيران "بحلول أواخر الربيع وبهذه الخطى ستكون لدى إيران كمية كافية وأكثر لصنع سلاحها الأول." لكن بعض الدبلوماسيين والمحللين الغربيين يعتقدون أن إيران ربما تركت مخزونها ينمو لأسباب متصلة بعملية تصنيع الوقود وإنها قد تستأنف في مرحلة ما تحويل غاز اليورانيوم لوقود. وقال مبعوث "أظن هذه مسألة فنية."

وقال مارك فيتزباتريك خبير الانتشار النووي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إنه يعتقد أن الأمر يتصل بحدوث "عنق زجاجة" مضيفا "الأمر مثير للقلق لأنه يقرب المخزون المخصب لدرجة 20 في المئة من الكمية المطلوبة لصنع أسلحة. لكنه أيضا غير مقلق بمعنى أن هذا كان قرارا استراتيجيا من جانب إيران."

في السياق ذاته نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي دواني قوله إن إيران ستواصل تخصيب اليورانيوم "بكثافة" حيث سيزيد عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة بشكل كبير في العام الحالي. وأشارت تصريحات عباسي دواني إلى استمرار تحدي إيران للمطالب الدولية بوقف التخصيب لدرجة نقاء 20 في المئة وإغلاق منشأة فوردو للتخصيب وشحن مخزونها من اليورانيوم المُخصب إلى الخارج.

لكن عباسي دواني قال أيضا ان ايران ستواصل وربما تزيد من انتاجها من وقود المفاعلات النووية باستخدام اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء 20 في المئة وهو ما من شأنه ان يهدئ المخاوف من ان تتحول المخزونات المتزايدة من اليورانيوم المخصب إلى درجة مرتفعة إلى تصنيع أسلحة نووية.

لكن عباسي دواني لم يذكر إن كانت إيران ستزيد النشاط الذي يقلق الغرب بشكل أكبر وهو تخصيب اليورانيوم لدرجة نقاء 20 في المئة أو درجة 3.5 في المئة اللازمة لتشغيل محطات الطاقة النووية. وتقول إيران إنها بحاجة إلى اليورانيوم المخصب لدرجة 20 في المئة لصنع وقود لمفاعل للأبحاث الطبية وإن برنامجها النووي مخصص فقط لأغراض سلمية.

وقال تقرير للأمم المتحدة صدر في وقت سابق إن الجمهورية الإسلامية ركبت أجهزة الطرد المركزي التي صمم فوردو لاستيعابها وهي قرابة 2800 جهاز وإنها تتجه إلى مضاعفة عدد الأجهزة العاملة هناك من 700 إلى زهاء 1400 جهاز. وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة يوكيا أمانو إن إيران تخصب اليورانيوم بوتيرة ثابتة وإن العقوبات الدولية ليس لها أثر ملموس. بحسب رويترز.

وذكر موقع التلفزيون الايراني أن عباسي دواني إن مفاعل اراك البحثي الذي يقول خبراء غربيون إنه يمكن أن يتيح لايران طريقا ثانيا لصنع مواد لانتاج قنبلة نووية لا يواجه أي مشاكل ويعمل بشكل طبيعي. وأظهر تقرير للأمم المتحدة أن إيران أجلت بدء تشغيل مفاعل اراك للابحاث حتى عام 2014 ويقول محللون إن المفاعل يمكن أن ينتج بلوتونيوم يستخدم في صنع أسلحة نووية إذا أعيدت معالجة الوقود المستنفد.

محطة للطاقة الذرية

في السياق ذاته نقل عن وزير الطاقة الإيراني قوله إن أول محطة كهرباء إيرانية تعمل بالطاقة النووية سيتم تشغيلها بشكل كامل في أوائل عام 2013 وجاء هذا التصريح بعد أكثر من شهرين من إعلان روسيا أن المحطة تعمل بشكل عادي بعد تأجيل لعدة عقود. والمحطة التي تقع بالقرب من بلدة بوشهر على ساحل الخليج رمز على ما تقول طهران إنها طموحات نووية سلمية. غير أن المفتشين النوويين لا يعتبرون مفاعل بوشهر مصدر خطر للانتشار النووي. وقلقهم الرئيسي مركز على مواقع تقوم إيران فيها بتخصيب الوقود النووي في تحدي لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تطالب بوقفه.

ولم تتضح في تصريحات وزير الطاقة مجيد نامجو التي نشرتها صحيفة إيران ديلي التي تصدر باللغة الإنجليزية ما بدا أنه تفاوت في حالة محطة بوشهر أو ما إذا كانت تعني أي تأجيل جديد لتشغيل المجمع الذي شيده الروس. وكانت الشركة الروسية التي شيدت محطة بوشهر وهي جزء من الشركة النووية المملوكة للدولة روساتوم قالت إن مجمع بوشهر "سيسلم رسميا" لإيران لاستخدامها في مارس آذار 2013 بينما قال مسؤولون في وقت سابق إن التسليم قد يحدث في نهاية العام.  وجرى ربط محطة بوشهر بشبكة الكهرباء الإيرانية في سبتمبر أيلول 2011 لينتهي على ما يبدو تأجيل طال أمده وشكوك بأن موسكو تستخدم المشروع كورقة مساومة دبلوماسية. وفي أغسطس آب هذا العام قالت شركة روساتوم إن المحطة تعمل بشكل كامل. بحسب رويترز.

الى جانب ذلك قال الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد إن عهد الردع النووي قد ولى منذ زمن وان اي بلد لا يزال يخزن اسلحة نووية هو "متخلف عقليا". ونفى أحمدي نجاد مجددا سعي بلاده لتطوير اسلحة نوية. وقال الرئيس الإيراني "ان عصر استخدام اسلحة نووية قد ولى...لم تعد القنابل النووية مفيدة بعد الآن وان من يقومون بتخزين اسلحة نووية متخلفون سياسيا ومتخلفون عقليا." ومضى يقول "الأمة الإيرانية لا تسعى لامتلاك قنبلة ذرية ولا تحتاج لصنع قنبلة ذرية...لا نحتاج لسلاح نووي لكي نحمي أنفسنا." واضاف انه يمكن لممثلي اي حكومة او وكالة زيارة الجمهورية الاسلامية للتحقق من انها لا تقوم بتطوير أسلحة نووية. وقال الرئيس الايراني انه مستعد للحديث مع الرئيس الامريكي باراك اوباما بشأن السلام حول العالم كما دعا الى تفكيك كل القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج.

تفكيك موقع بارتشين

على صعيد متصل نفى وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي وجود انشطة تفكيك في قاعدة بارتشين العسكرية المثيرة للجدل كما اكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو. وصرح للصحافيين ان "القيام بعمليات تنظيف في مثل هذه المواقع غير ممكن". واكد امانو، ان ايران تواصل انشطة التفكيك في موقع بارتشين القريب من طهران. واضاف ردا على سؤال صحافي "نعم هذه الانشطة جارية في بارشين لكنني عاجز عن اعطاء تفاصيل اليوم".

ورفض صالحي هذه التصريحات. وتابع "هذه التصريحات ليس لديها اي اساس تقني اذا كان (امانو) بالفعل قد ادلى بتصريحات من هذا النوع". وموقع بارتشين قاعدة عسكرية ضخمة في شرق طهران وعملية التفكيك التي اطلقت في الربيع تتعلق ببعض المباني اشتبهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بان الايرانيين يجرون فيها تجارب ويقيسون متفجرات تقليدية قادرة على إحداث انفجار نووي. وبحسب الوكالة بدأ الايرانيون بالعمل في هذه الابنية في نيسان/ابريل بعد ان طلبت الوكالة عبثا زيارتها. ومنذ الصيف الماضي غطيت المباني المشبوهة باقمشة عملاقة تمنع مواصلة عمليات التجسس التي تقوم بها الأقمار الاصطناعية الغربية. بحسب فرنس برس.

وخلال المحادثات المقبلة ترغب الوكالة في ان تحصل من ايران على تعاون اكبر للرد على اسئلتها حول وجود بعد عسكري محتمل لبرنامجها النووي المثير للجدل. وقبل عام وضع امانو تقريرا انتقد فيه عدة عناصر تفيد بان ايران عملت على تطوير القنبلة الذرية قبل 2003 وحتى بعد هذا التاريخ. والاشتباه بالقيام بتجارب في حاوية في بارتشين ضمن هذه الشبهات. ورفضت ايران هذا التقرير الذي ساهم في زيادة الضغوط والعقوبات عليها من قبل الغربيين الذين يشتبهون بسعي طهران الى امتلاك السلاح النووي.

إيران ستشارك

من جهة أخرى قالت إيران إنها ستشارك في مؤتمر دولي مقترح عقده في ديسمبر كانون الأول لإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط لكن الأمل ضئيل في إحراز تقدم إذا عقد المؤتمر بالنظر الي عداوات إقليمية مترسخة في المنطقة. ولم يتحدد بعد موعد للاجتماع الذي سيعقد في العاصمة الفنلندية في وقت لاحق هذا العام بشأن إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط وتحيط الشكوك بعقده أصلا.

وحتى لو انعقد المؤتمر فلا يتوقع دبلوماسيون تحقيق تقدم كبير في وقت قريب إذ ان إسرائيل -التي من المعتقد أنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لديها ترسانة نووية- لم تعلن بعد هل ستشارك في المؤتمر. واستغلت إيران مشاركتها في ندوة في بروكسل يحضرها أيضا مسؤولون من إسرائيل -عدوها اللدود- لتعلن أنها ستشارك في اجتماع هلسنكي. وقال سفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أصغر سلطانية للصحفيين في بروكسل "قررت الجمهورية الإسلامية الايرانية الآن أخيرا أن تشارك في مؤتمر في هلسنكي بفنلندا في ديسمبر حول منطقة خالية (من الأسلحة النووية) في الشرق الأوسط." وتابع قائلا إن إيران "مصممة على المشاركة بنشاط" في مؤتمر هلسنكي الذي قال إنه قد يمهد الطريق الي عالم خال من الأسلحة النووية.

وكثيرا ما تقول إيران والدول العربية إن الترسانة النووية المفترضة لدى إسرائيل تشكل تهديدا للسلام والأمن في الشرق الأوسط. وترى إسرائيل والقوى الغربية أن إيران هي التي تشكل المصدر الرئيسي لخطر الانتشار النووي في المنطقة. وقال سلطانية "لدينا اقتناع قوي بأنه يتعين على جميع الدول أن تحشد نفسها للتأكد من تحقيق هذا الهدف النبيل لجعل الشرق الأوسط خاليا من جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل."

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية إيجال بالمور إن نائب المدير العام لإدارة الشؤون الاستراتيجية بالوزارة جيرمي إيساخاروف يشارك أيضا في الندوة في بروكسل لكن لم تجر أي اتصالات بين الوفدين الإسرائيلي والإيراني. وقال بالمور "هذه ندوة مهنية من الطبيعي أن تضم وفودا من بلدان مختلفة بما في ذلك إسرائيل. الوفد الذي يمثلنا مؤلف من متخصصين في مكافحة الانتشار النووي لكنه لا يضم أي مسؤول كبير لديه صلاحية سياسية."

وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لم تنضم الي معاهدة حظر الانتشار النووي وقالت إنها لن توقع المعاهدة ولن تنبذ الأسلحة الذرية إلا في إطار اتفاق أوسع للسلام مع الدول العربية وإيران يضمن أمنها. ولم تؤكد إسرائيل قط أو تنفي امتلاكها أسلحة نووية وذلك في اطار سياسة للغموض تستهدف الردع. ولم تستبعد -مثلها مثل الولايات المتحدة- أي إجراء عسكري لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية.

وأوضح سلطانية أن بلاده ستثير مسألة قدرات إسرائيل النووية في مؤتمر هلسنكي. وقال "لا يمكننا التغاضي عن وضع... تكون فيه إسرائيل خارج معاهدة حظر الانتشار النووي ويكون لديها قدرة على انتاج أسلحة نووية." وقال على فايز خبير الشؤون الإيرانية في مركز أبحاث المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات إن قرار إيران المشاركة في مرتمر هلسنكي له هدفان. "إيران تريد أن تضرب عصفورين بحجر واحد: رفض فكرة أنها قوة نووية مارقة وتصوير إسرائيل على انها الدولة النووية الوحيدة في المنطقة." بحسب رويترز.

وقال داريل كيمبل من رابطة الحد من التسلح وهي جماعة للأبحاث مقرها واشنطن إن إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل هدف شاق وبعيد لكن حان الوقت لبدء العمل من اجل تحقيقه. واضاف أنه في وسع الزعماء الإسرائيليين استغلال اجتماع هلسنكي "لتسليط الضوء على الحاجة إلى نهج متوازن واتخاذ إجراء بشأن خطوات طال انتظارها لتقليص يمكن التحقق منه لقدرات أسلحة الدمار الشامل لدى جيرانها بما في ذلك التهديدات التي تشكلها ترسانة الأسلحة الكيماوية في سوريا وبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني وغيرهما."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/كانون الأول/2012 - 17/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م