الصين... خطط جديدة لتجميل صورة الحزب الشيوعي

 

شبكة النبأ: تحركات جديدة يقوم بها قادة الحزب الشيوعي الحاكم في الصين في سبيل تحسين صورة الحزب التي اهتزت بعد ظهور وكشف العديد من فضائح الفساد التي ارتكبها كبار المسؤولين في الدولة، تلك الفضائح المتكررة التي أسهمت بثراء بعض أصحاب النفوذ كانت سببا مهما بزيادة معاناة الشعب وتسببت بخلق توتر داخلي، وهو ما اعتبره بعض المراقبين تحدي خطير ومشكلة جديدة تضاف الى مجمل المشاكل والتحديات الخارجية التي تواجهها الصين، و في هذا السياق فقد حذر الرئيس الصيني المنتهية ولايته هو جين تاو من أن الفساد يهدد الحزب الشيوعي الحاكم والدولة واعدا بإصلاح سياسي اثناء افتتاحه رسميا مؤتمر الحزب الذي سيدشن تغييرا دوريا في القيادة يحدث مرة كل عشر سنوات. وتجمع أكثر من 2000 مندوب في قاعة الشعب الكبرى في بكين لبدء المؤتمر الذي يستمر اسبوعا والذي يعقد على خلفية اضطرابات اجتماعية متنامية وغضب عام من الفساد وهوة متسعة بين الأغنياء والفقراء.

وقال هو في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر "إذا فشلنا في ان نتعامل بشكل جيد مع هذه المسألة (الفساد) فأنها قد توجه ضربة قاتلة إلى الحزب وربما تتسبب في انهيار الحزب وسقوط الدولة." "اصلاح البنيان السياسي جزء مهم من الاصلاح الشامل في الصين. يجب علينا ان نواصل القيام بجهود نشطة وحذرة في نفس الوقت لتنفيذ اصلاح البنيان السياسي وجعل ديمقراطية الشعب أكثر شمولا."

لكن لا أحد يتوقع تحركا نحو ديمقراطية كاملة وأوضح المتحدث باسم الحزب كاي مينغجاو انه لا مساس بنظام الحزب الواحد قائلا "الدور القيادي للحزب الشيوعي في الصين هو قرار اتخذه التاريخ والشعب اصلاح النظام السياسي يجب ان يتناسب مع الواقع الوطني للصين. علينا ان نتمسك بثبات بالمسار الصحيح الذي شقه الحزب." وعزل الحزب الشيوعي بو شي لاي العضو بمكتبه السياسي والقيادي الاقليمي واتهمه بإساءة استخدام سلطته وتلقي رشى ضخمة وجرائم اخرى في سقوط مثير لشخصية بارزة هز عملية انتقال القيادة.

وقال هو "يجب ألا ندع مطلقا الكلمات تقوم بعمل القانون أو ندع النفوذ (الشخصي) يحل محل القانون أو ان نسمح بتجاهل القانون من اجل منفعة شخصية." وسيتخلى هو عن دوره كرئيس للحزب لخليفته المنتظر نائب الرئيس شي جين بينغ. وستنتقل مهام ادارة الدولة إلى شي في الاجتماع السنوي للبرلمان في مارس آذار. وقال هو أيضا انه يجب على الصين ان تعزز قواتها المسلحة وان تحمي مصالحها البحرية وان تكون مستعدة "لحرب محلية" في عصر المعلومات.

ومتحدثا بعد احداث شغب مناهضة لليابان اجتاحت شوارع المدن في ارجاء الصين في اعقاب خلاف بين البلدين بشأن جزر متنازع عليها قال هو "ينبغي ان نعزز قدراتنا لاستغلال الموارد البحرية وان نصون بحزم حقوق الصين ومصالحها البحرية وان نبني الصين لتصبح قوة بحرية." وتوجد أيضا خلافات بين الصين وجيران في جنوب شرق آسيا حول مناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.

وشددت الحكومة اجراءات الامن اثناء فترة الاستعداد للمؤتمر حتى انها حظرت طيران الحمام في العاصمة وعمدت إلى احتجاز او طرد عشرات المعارضين الذين تخشى انهم قد يفسدون المناسبة. وجرى تشديد الأمن بشكل خاص حول قاعة الشعب الكبرى وميدان تيانانمين المجاور والذي كان مسرحا لاحتجاجات مطالبة بالديمقراطية في 1989 سحقها الجيش.

وفي الاعوام القليلة الماضية ربط الحزب الشيوعي -الذي جاء إلى السلطة في 1949 بعد حرب اهلية طويلة ودموية- شرعيته بالنمو الاقتصادي وانتشال مئات الملايين من براثن الفقر. وقال هو إن تنمية الصين ينبغي ان تكون "أكثر توازنا وتنسيقا واستمرارية" وانه يجب على البلاد ان تضاعف ناتجها المحلي الاجمالي ونصيب الفرد من الدخل المسجلين في 2010 بحلول 2020 . لكن خبراء في شؤون الصين يقولون انه ما لم تدفع القيادة الجديدة الاصلاحات المتعثرة قدما فإن البلاد ستواجه خطر ضعف اقتصادي وزيادة حدة الاضطرابات وربما أزمة قد تهز قبضة الحزب على السلطة. بحسب رويترز.

وسجل نمو الاقتصاد الصيني سابع تباطؤ فصلي على التوالي في الربع الثالث من هذا العام ولم يتمكن من تحقيق المعدل الذي استهدفته الحكومة وذلك للمرة الاولى منذ ذروة الازمة المالية العالمية لكن بيانات اخرى تشير إلى تعاف معتدل في نهاية العام.

رقابة تامة

على صعيد متصل تعرضت المعلومات المتصلة بالثروة الطائلة التي جمعتها عائلة رئيس الوزراء الصيني جين جياباو لتعتيم شامل في الصحافة الصينية، فيما تستمر اجهزة الدولة في فرض رقابة شديدة على الانترنت. واتى ذلك قبل ايام من عقد المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي يتم خلاله تجديد القيادات الكبيرة في السلطة، ونشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقا اكدت فيه ان عائلة وين جياباو جمعت ثروة تقدر ب2,7 مليار دولار على الأقل.

وحجبت السلطات الصينية الوصول الى موقع الصحيفة الاميركية المرموقة على شبكة الانترنت وفرضت رقابة مشددة على الانترنت لمنع قراءة هذا التحقيق. واستمرت السلطات في حجب اي عملية بحث تستخدم فيها كلمات "وين جياباو" او "نيويورك تايمز" على موقع "سينا ويبو" الذي يعادل تويتر في الصين.

وتعمد اعداد كبيرة من المراقبين الذين يعملون في خدمة السلطات الى محو كل التعليقات المتعلقة بتحقيق نيويورك تايمز على الفور. واكد الخبير في الشؤون الصينية ويلي لام المتخصص في السياسة الصينية وكواليس الحزب الواحد، ان "نسبة قليلة من مستخدمي الانترنت الصينيين ستطلع على هذا التحقيق". وقدر هذه النسبة من "5 الى 10 بالمئة" من مستخدمي الانترنت الذين يبلغ عددهم اكثر من نصف مليار نسمة في الصين. بحسب فرانس برس.

وفي تحقيقها المؤلف من بضع صفحات، كشفت نيويورك تايمز بالتفصيل قصة نجاح المقربين من وين جياباو الذي يرغب مع ذلك في ترسيخ صورته على انه "رجل من الشعب". واضافت ان عائلة وين جياباو تملك استثمارات متنوعة في مصارف ومحلات مجوهرات ومنتجعات سياحية وشركات اتصالات ومشاريع بنى تحتية عبر اللجوء في بعض الاحيان الى شركات اوفشور. وتابعت انه في الكثير من هذه الاستثمارات تلعب بعض الشركات النافذة التابعة للدولة الصينية دورا اساسيا. وقراراتها تعتمد في غالب الاحيان على وكالات حكومية يشرف عليها وين جياباو.

ويقول ويلي لام ان تحقيق نيويورك تايمز يكشف ارقاما جديدة ويقدم عناصر ادلة غير مسبوقة حتى لو ان ثراء زوجة وين جياباو وابنه الوحيد كانت معروفة في الصين.

وذكرت نيويورك تايمز أن والدة وين واخوته وابناءه جمعوا معظم هذه الثروة منذ تعيين وين نائبا لرئيس الوزراء عام 1998. وتولى وين رئاسة الوزراء عام 2003. وعلى سبيل المثال قالت الصحيفة إن شركات مشتركة يسيطر عليها أقارب وين وأصدقاء وزملاء لهم استحوذت على أسهم بقيمة 2.2 مليار دولار في مجموعة بينغ آن للتأمين عام 2007 وهو آخر عام تم الكشف فيه عن حيازات الأسهم هذه في سجلات عامة. وأضافت أن والدة وين البالغة من العمر 90 عاما كان لديها منذ خمس سنوات استثمار في مجموعة بينغ آن قيمته 120 مليون دولار.

وقالت الصحيفة إنها قدمت النتائج التي توصلت إليها للحكومة الصينية للتعليق عليها لكن وزارة الخارجية أحجمت عن الرد. وقالت نيويورك تايمز إن أفراد أسرة وين لم يعلقوا أيضا أو لم يردوا على طلبات التعليق. وتحاط حياة زعماء الصين الخاصة وممتلكاتهم بجو من الكتمان وتعتبر التفاصيل الخاصة بهم من أسرار الدولة.

وذكرت نيويورك تايمز أن اسماء أقارب وين "تختفي تحت طبقات من الشراكات والاستثمارات تضم أصدقاء وزملاء في العمل وشركاء في التجارة." وقالت إن من بين ممتلكات أسرة وين مشروع فيلات في بكين ومصنع إطارات بشمال الصين وشركة اشتركت في بناء بعض المنشآت الخاصة بدورة الألعاب الأولمبية في بكين لعام 2008 بما فيها استاد "عش الطائر" الرئيسي إضافة إلى بينغ آن للتأمين وهي واحدة من أكبر شركات الخدمات المالية في العالم.

وقالت إن اخا وين الأصغر يمتلك شركة حصلت على عقود حكومية ودعم بما يزيد عن 30 مليون دولار مقابل معالجة المياه المستهلكة والتخلص من النفايات الطبية في بعض أكبر مدن الصين كما أنها تسيطر على أصول بقيمة 200 مليون دولار في عدد من الشركات. وذكرت الصحيفة أنها تستند في تقديرها على سجلات حكومية. ويحظى وين بشعبية هائلة في الصين ويشار إليه عادة بلقب "الجد وين" لتواصله مع رجل الشارع وهرولته لمواساة ضحايا الكوارث كالزلازل والحوادث.

الى جانب ذلك رفض محامون يمثلون عائلة رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو ادعاءات نشرتها صحيفة نيويورك تايمز بان العائلة جمعت ما لا يقل عن 2.7 مليار دولار في "ثروات سرية." وفي بيان وبثه تلفزيون هونج كونج بالإضافة الى صحيفة ساوث تشاينا مورننج بوست وسينج تاو ديلي قال باي تاو من مكتب جيونخه للقانون ووانج ويدونج من شركة جراندال للقانون ان هذه الثروة "غير موجودة."

ونفيا ايضا تصرف ون بشكل غير ملائم او مشاركته في انشطة تجارية هو نفسه وقالا ان اقاربه لم يتربحوا بأي شكل من منصبه كرئيس للوزراء ولم يكن لهم تأثير على "صياغة (ون) للسياسات وتنفيذها." وقال البيان ان والدة ون لم تحصل قط على اي دخل او املاك باستثناء راتبها ومعاشها..

محاكم واحتجاجات

الى جانب ذلك قالت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) ان البرلمان الصيني طرد السياسي المعزول بو شي لاي من عضويته ممهدا بذلك الطريق امام توجيه إتهامات جنائية رسمية اليه. ويرفع الطرد عن بو الحصانة من المحاكمة التي يتمتع بها كعضو في البرلمان. وقالت شينخوا ان اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي الوطني (البرلمان الصيني) "أعلنت إنهاء منصب بو شي لاي" كنائب بالبرلمان.

وكانت زوجة بو -قو كاي لاي- ومسؤول كبير بالشرطة قد اودعا السجن بشان فضيحة احاطت بمقتل رجل الاعمال البريطاني نيل هيوود بينما كان بو رئيسا للحزب الشيوعي في مدينة تشونغ تشينغ في جنوب غرب الصين. واتهمت الحكومة بو بالفساد واساءة استخدام القانون للتستر على جريمة القتل.

وقبل توجيه الاتهامات الي بو ومحاكمته فانه يتعين ان ينتهي المحققون اولا من تحقيقاتهم ويوجهون اليه اتهامات بالتورط لكن ممثلي الادعاء والمحاكم في الصين تخضع لسيطرة الحزب ومن غير المرجح ان يطعنوا في الاتهامات. وقال محام استأجرته اسرة بو للدفاع عنه انه لا يمكنه ان يقول هل ستسمح له الحكومة بتمثيل بو عندما تصل القضية الي المحاكمة.

من جهة أخرى قضت محكمة في الصين بسجن رجل ثماني سنوات لمحاولته تشكيل حزب معارض وبثه رسائل على الانترنت تنتقد الحزب الشيوعي الحاكم. وقال محامي كاو هايبو إن المحكمة في مدينة كونمينغ بجنوب غرب البلاد حكمت على موكله (27 عاما) بالسجن بتهمة "تقويض سلطة الدولة". وكان كاو قد دعا إلى الديمقراطية وحاول تشكيل حزب باسم الحزب الصيني الجمهوري.

وهذا الاتهام أخطر من تهمة التحريض على تقويض سلطة الدولة والتي عادة ما تستخدم ضد منتقدي الحزب الشيوعي الحاكم. ويشير الحكم إلى عزم الحزب على قمع المعارضة بشدة. وقال المحامي ما شياو بينغ إنه يعتقد أن الحكم قاس جدا. وكاو الذي كان يدير مقهى للانترنت ليس سياسيا بارزا. وقال المحامي إن الشرطة استندت إلى الرسائل النصية التي كان يبثها كاو لأصدقائه باستخدام نظام رسائل منتشر. بحسب رويترز.

وتابع المحامي أنه تم إبلاغه بالحكم الذي صدر عبر الهاتف بدلا من عن طريق المحكمة. وقال إن هذا غير قانوني. وأكدت تشانغ يان زوجة كاو سجن زوجها لثماني سنوات. وقالت تشانغ (23 عاما) إنها فوجئت بشدة الحكم. وذكرت أن الشرطة ألقت القبض على زوجها في أكتوبر تشرين الأول 2011 .

على صعيد متصل تجمع اكثر من الف شخص في مدينة نينجبو بشرق الصين للاحتجاج على خطط لتوسيع مصنع للبتروكيماويات مما يسلط الضوء على تحد كبير للقيادة الصينية مع استعدادها لعملية نقل السلطة التي تحدث مرة كل عشر سنوات.وقام المحتجون بقلب سيارة للشرطة ومهاجمة الشرطة.

وشهدت السنوات القليلة الماضية زيادة في الاحتجاجات بشأن القضايا البيئية. وفي يوليو تموز الغى مسؤولون صينيون مشروعا لمد خط انابيب للنفايات الصناعية بعد ان احتل متظاهرون مناهضون للتلوث مكتبا حكوميا في شرق الصين. وتمثل هذه الاحتجاجات التي يتم التغاضي عنها بشكل أكبر من الاحتجاجات التي تحركها دوافع سياسية مشكلة للسلطات التي تريد الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ولكنها تمثل ايضا صورة للاصغاء لاحتياجات الناس العاديين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/كانون الأول/2012 - 16/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م