أمريكا وأفغانستان... واتفاقات ما قبل الانسحاب

 

شبكة النبأ: صعوبات جديدة وتحديات كبيرة تواجه الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان خصوصا مع اقتراب موعد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي، حيث تسعى القيادة الأمريكية التي تواجه العديد من الانتقادات بسبب إدارتها الفاشلة في هذا البلد إلى إيجاد بعض الصيغ والقرارات الخاصة التي تتيح لها حرية تنفيذ خططها العسكرية والحصول على حصانة قانونية لقواتها، ويرى بعض المراقبين ان مثل هكذا أمور ربما ستكون صعبة او مستحيلة خصوصا بعد الانتهاكات المتزايدة التي قام بها الجنود الأمريكان وراح بسببها العديد من الأبرياء، وفي هذا السياق تبدأ أفغانستان والولايات المتحدة محادثات صعبة للتوصل لاتفاق يحدد حجم القوات الأمريكية التي ستبقى في البلاد بعد انسحاب معظم القوات القتالية لحلف شمال الأطلسي بحلول نهاية عام 2014 وتحديد ملامح مهمتها ويمكن للمحادثات الخاصة بالاتفاق الأمني المشترك ان تستمر شهورا ومن المتوقع ان تكون صعبة. ومن اكثر القضايا الشائكة ما اذا كان الجنود الأمريكيون سيتمتعون بحصانة تمنع محاكمتهم أمام القضاء الأفغاني.

وطالب الرئيس الأفغاني حامد كرزاي منذ فترة بتطبيق القانون الأفغاني على الجنود الأمريكيين لكن الولايات المتحدة تصر على محاكمة اي جندي امريكي يتهم بارتكاب جرائم في أفغانستان أمام المحاكم الأمريكية. وفي ابراز لهذه المشكلة يحاكم الجندي الأمريكي روبرت بيلز المتهم بقتل 16 قرويا أفغانيا أمام القضاء العسكري الأمريكي ويطالب الادعاء العسكري بإعدامه. بحسب رويترز.

لكن الحكومة الأفغانية تريد محاكمة بيلز في افغانستان علنا. وقال ايمال فايزي كبير المتحدثين باسم كرزاي "أفغانستان تريد اتفاقا استراتيجيا مع الولايات المتحدة لكنها ستفكر بجدية في الخطوط الحمراء." وأضاف "ستبدأ المفاوضات بين البلدين اليوم وأهم قضية بالنسبة لافغانستان هي سيادتها الوطنية والمصالح الوطنية."

في السياق ذاته اتهم الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، الولايات المتحدة، بانتهاك اتفاق رئيسي حول نقل آلاف المعتقلين الى سجن مثير للجدل قرب كابول، ويطلق عليه أيضا اسم "غوانتانامو افغانستان". ورحبت الحكومة الأفغانية في ايلول الماضي، بنقل حوالي ثلاثة آلاف معتقل وخصوصا أعضاء مفترضين في حركة طالبان وتنظيم القاعدة سجنوا قبل العاشر من آذار الماضي، الى سجن باغرام الأميركي شمال كابول.

وكانت السلطات الأفغانية جعلت من تولي السيطرة على هذا السجن شرطا لتوقيع اتفاق شراكة إستراتيجية على المدى الطويل مع واشنطن يتناول وضع إطار للعلاقات بين البلدين بعد انتهاء المهمة القتالية لجنود الحلف الأطلسي في نهاية 2014. والسبب ان معتقلين لا يزالون مسجونين لدى الجنود الأميركيين الذين اسروا إضافة إليهم متمردين مفترضين آخرين وذلك في انتهاك للاتفاق بين البلدين، كما قالت الرئاسة الأفغانية في بيان.

وقال البيان ان حميد كرزاي يدين "إساءة خطيرة الى بروتوكول اتفاق" مع الولايات المتحدة. وأضاف البيان ان "الرئيس طلب من وزير الدفاع ووزير العدل وقائد سجن باغرام ان يتخذوا بصورة عاجلة كل الإجراءات الضرورية لضمان تولي الأفغان أدارة السجن ونقل سلطاته كاملة".

وعلقت الخارجية الأميركية بان الجانبين لديهما "التزامات متبادلة" في هذا البروتوكول. وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند ان على الحكومتين الافغانية والاميركية "توفير الأمن للمواطنين الافغان وقوات الائتلاف، مع الابقاء على سجن الجنود الأعداء بهدف منعهم من العودة الى ارض المعركة".

وأضافت "لا نزال نعمل على بعض الحالات مع الحكومة الأفغانية لنتأكد من ان الجانبين يحترمان التزاماتهما"، من دون تحديد عدد المعتقلين المعنيين ولا عن أسباب الخلافات. ووفقا للاتفاق بين كابول وواشنطن، نقلت الولايات المتحدة في العاشر من ايلول السيطرة على سجن باغرام الى السلطات الأفغانية على الرغم من الخلافات التي لا تزال قائمة خصوصا حول مصير مئات المعتقلين المسجونين في باغرام بعد التاسع من اذار. بحسب فرنس برس.

والخلاف الأخر القائم بحسب السلطات الافغانية، يتمثل في ان القوات الأجنبية لم يعد لها حق استجواب واحتجاز مواطنين افغان. واعتبرت الولايات المتحدة في ايلول انها لا تزال تتمتع بهذا الحق "وفقا للقوانين الدولية والاعراف الحربية". وبحسب الاتفاق، يتعين على السلطات الافغانية ان تبلغ الولايات المتحدة بنيتها الافراج عن سجناء باغرام وان "تنظر بايجابية" الى اعتراضات واشنطن التي تريد التاكد من ان الاشخاص المفرج عنهم لا ينخرطون في "انشطة ارهابية".

اتصالات مشبوهة

من جانب اخر قال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الامريكية شريطة عدم الكشف عن اسمه ان أعلى قائد امريكي في افغانستان الجنرال جون الين يخضع للتحقيق في مزاعم عن اتصالات مشبوهة مع امرأة في قلب الفضيحة التي تلاحق ديفيد بتريوس المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الامريكية. ويهدد الاكتشاف الصادم بسقوط احد الأسماء الأخرى البارزة في الجيش الامريكي ويلمح إلى ان الفضيحة التي تورط فيها بتريوس الجنرال السابق الذي شغل منصب الين الحالي في افغانستان قبل الانتقال لوكالة المخابرات المركزية العام الماضي قد يتسع نطاقها كثيرا عما كان متصورا من قبل.

وقال المسؤول الامريكي إن مكتب التحقيقات الاتحادي اكتشف بين 20 و30 الف صفحة من المراسلات معظمها رسائل بريد الكتروني بين عامي 2010 و2012 بين الين وجيل كيلي التي وصفت بانها صديقة قديمة لاسرة بتريوس والمتطوعة لمساعدة اسر عسكريين في قاعدة ماكديل الجوية بفلوريدا. وكانت شكاوي كيلي من مضايقات عبر الانترنت من بولا برودويل التي أقامت علاقة مع بتريوس هي التي قادت لتحقيق مكتب التحقيقات ونبهت السلطات لعلاقة بتريوس ببرودويل. واستقال بتريوس من منصبه.

وسئل عما إذا كانت ثمة مخاوف من الكشف عن معلومات سرية فاجاب المسؤول "نحن قلقون بشأن اتصالات غير لائقة. لن نتكهن بشأن ما تحتويه الوثائق." وقال وزير الدفاع ليون بانيتا في بيان وزع على صحفيين يرافقونه إلى استراليا انه طلب تأجيل ترشيح الين كقائد للقيادة الامريكية الاوروبية وكقائد أعلى لقوات التحالف في أوروبا وإن الرئيس الامريكي باراك أوباما وافق على ذلك.

وأحال مكتب التحقيقات القضية إلى وزارة الدفاع (البنتاجون) واصدر بانيتا تعليمات للمفتش العام للوزارة بتولي التحقيق. واطلع بانيتا الاعضاء الديمقراطيين والجمهوريين البارزين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ على الامر خلال رحلته الجوية لاستراليا. كما تم ابلاغ لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب. وقال مسؤول بوزارة الدفاع ان الين نفى ارتكابه اي خطأ وان بانيتا فضل ان يبقى في منصبه لحين اتضاح الامر والموافقة على ترشيح دنفورد وهي عملية اضحت ملحة في ظل عملية المراجعة التي يمكن أن تستمر لفترة والظلال التي يمكن ان تلقيها على المهمة في افغانستان. وقال بانيتا "فيما يجري التحقيق في الامر ولحين توضيح الحقائق سيظل الجنرال الين قائدا" لقوات المعاونة الامنية الدولية في افغانستان (إيساف). بحسب رويترز.

وقبل ساعات فقط كان بانيتا قد صرح بانه يستعرض توصيات الين بشأن الوجود المستقبلي للولايات المتحدة في أفغانستان بعد سحب معظم القوات في اواخر عام 2014. وأشاد بانيتا بقيادة الين في افغانستان وقال في بيان "من حقه ان تتوافر له عملية مناسبة في هذه المسألة." وفي ذات الوقت أشار إلى أن الامر يستلزم تحركا "فوريا" من مجلس الشيوخ إزاء ترشيح دنفورد.

وقال المسؤول الامريكي ان بانيتا ابلغ بالتطورات الخاصة بالين يوم الأحد وهو في طريقه لهاواي ثم جرى ابلاغ البيت الابيض بعد ذلك.

طالبان تدعو

على صعيد متصل دعت حركة طالبان كل الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الى ان تحذو حذو فرنسا وتسرع انسحابها من أفغانستان وذلك بعد ساعات على مغادرة القوات الفرنسية كابيسا، أخر ولاية أفغانية كانت تجرى فيها بعمليات قتالية. وقال الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد "نطالب الدول الأخرى (الأعضاء في قوة الأطلسي في أفغانستان) بان تحذو حذو فرنسا وتنهي احتلالها لأفغانستان وتغادر البلاد وتترك مصيرها بين أيدي الأفغان".

واعتبر ان انتهاء المهمة القتالية الفرنسية "مبادرة جيدة للشعب الأفغاني كما للشعب الفرنسي"، موضحا ان المتمردين سيدلون بمزيد من المواقف بعد توافر "مزيد من المعلومات" عن الموضوع.

وقد أنهى الجيش الفرنسي مهمته القتالية في أفغانستان بمغادرته كابيسا حيث فقد العدد الأكبر من جنوده في 2011، طبقا لجدول الانسحاب الذي تقرر العام الماضي. وبعد مغادرة آخر القوات القتالية الفرنسية في نهاية السنة، قبل سنتين من الموعد الذي حددته قوة الحلف الاطلسي (اواخر 2014)، لن يبقى لفرنسا سوى 1500 جندي في البلاد هم خصوصا مدربون ولوجستيون يتمركزون في كابول.

والمهمة التي بدأت عام 2008 في كابيسا، الولاية التي يخترقها بقوة متمردو طالبان والحزب الاسلامي، كانت تعتبر الاصعب للفرنسيين في افغانستان منذ وصولهم الى هذا البلد في نهاية 2001. وقد تكثفت فيها المواجهات مع المتمردين. واكثر من 60% (54 من اصل 88) من الجنود الفرنسيين الذين قتلوا في البلاد منذ 2001 سقطوا في هذه المنطقة. بحسب فرنس برس.

ورغم 11 عاما من المعارك الى جانب حوالى 350 الف جندي وشرطي افغاني، لم يتمكن التحالف الدولي من هزم التمرد الذي تقوده حركة طالبان التي اطيح بها من السلطة عام 2001 ما يثير مخاوف لدى البعض من اندلاع حرب اهلية بعد رحيل قوات حلف شمال الاطلسي في 2014 فيما اثار اخرون احتمال عودة طالبان الى السلطة.

الى جانب ذلك قال قائد كبير في شبكة حقاني التي تعتبر أخطر فصيل للمسلحين في أفغانستان إن الشبكة ستشارك في محادثات سلام مع الولايات المتحدة ولكن فقط بتوجيهات زعمائها في حركة طالبان الأفغانية. وأضاف إن الشبكة ستواصل الضغط على القوات الغربية من خلال شن هجمات كبيرة وستواصل السعي لتحقيق هدفها بإقامة دولة إسلامية.

وتقول شبكة حقاني التي تنشط في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان إنها جزء من حركة طالبان الأفغانية ويجب أن يكون العمل منسقا فيما يتعلق بأي عملية سلام. واتهم القائد الذي طلب عدم نشر اسمه الولايات المتحدة بأنها غير مخلصة في جهود السلام وتحاول التفرقة بين المنظمتين. وأضاف مشيرا إلى مجلس قيادة المتشددين "إلا أنه إذا قرر مجلس الشورى المركزي الذي يرأسه الزعيم الأعلى في حركة طالبان الملا محمد عمر إجراء محادثات مع الولايات المتحدة فسنرحب بذلك."

وفي سبتمبر ايلول وصفت الولايات المتحدة شبكة حقاني بانها منظمة إرهابية في خطوة يقول قادتها انها تثبت عدم اخلاص واشنطن تجاه جهود السلام في افغانستان. وقد تصبح شبكة حقاني أكبر تحد امني للرئيس الامريكي باراك أوباما في مسعاه لإشاعة الاستقرار في أفغانستان قبل انسحاب معظم القوات القتالية لحلف شمال الاطلسي من البلاد في 2014 .

وتمرس الشبكة على حرب العصابات الذي يرجع إلى فترة الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينات وشبكة التمويل الواسعة قد تجعل منها المفسد الاكبر لجهود السلام التي لم تحقق تقدما يذكر. وقال القائد إن شبكة حقاني سعيدة بإعادة انتخاب اوباما متوقعة أن تكون الخسائر في القتال أضعفت معنوياته ما قد يدفعه لسحب القوات الامريكية قبل الموعد المتوقع. بحسب رويترز.

وأضاف "مما نراه على ارض الواقع لن ينتظر اوباما حتى عام 2014 لسحب قواته. منيت (القوات) بخسائر بشرية ومالية فادحة لا يمكنها تحمل المزيد." وتابع أنه ورجاله يتطلعون للفوز مضيفا "سنشكل حكومة إسلامية محضة ستكون مقبولة لكل الشعب نحن موجودون في كل مكان في أفغانستان الآن ويمكننا شن هجمات في أي مكان وفي أي وقت نريده. نقترب جدا من تحقيق الفوز." وفى مارس آذار اعلنت طالبان تعليق محادثات السلام الوليدة مع الولايات المتحدة. وفي وقت سابق قال مسؤول افغاني بارز يشارك في جهود المصالحة عن قرب ان الحكومة اخفقت في ترتيب محادثات مباشرة مع طالبان واستبعد احراز اي تقدم مهم قبل عام 2014 .

هجمات اخرى

من جانب اخر هاجم جنديان افغانيان مجموعة من الجنود الامريكيين في اقليم بادغيس غربي البلاد فأصابا واحدا منهم بجروح. وقال ناطق باسم قوة (ايساف) التابعة لحلف شمال الاطلسي في العاصمة الافغانية كابول إن الهجوم وقع في منطقة (مقور) باقليم بادغيس وانه اسفر عن اصابة احد المهاجمين اضافة الى الجندي الامريكي.

وقال الناطق للصحفيين "صوب جنديان من جنود الجيش الوطني الافغاني سلاحيهما على افراد قوة تابعة لـ(ايساف) في اقليم بادغيس. لم يسفر الهجوم عن سقوط قتلى، ولكن جنديا غربيا واحدا اصيب بجروح كما اصيب احد المهاجمين عندما رد جنود ايساف على اطلاق النار بالمثل. وقد القى جنود ايساف والجنود الافغان القبض على المهاجمين."

وأكد ناطق باسم الادارة المحلية في بادغيس الحادث، ولكنه قال إن جنديا افغانيا واحدا "كان يعاني من مشاكل عقلية" كان مسؤولا عنه. ونقلت وكالة فرانس برس عن الناطق شرف الدين مجيدي قوله "كان الجندي الذي اطلق النار يعاني من مشاكل عقلية، وقد اصيب بجروح عندما ردت قوات ايساف بالمثل وتم اعتقاله لاحقا." يذكر ان هذا النوع من الحوادث يتكرر بشكل متزايد في افغانستان مما يقوض الشعور بالثقة بين القوات الغربية والافغانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/تشرين الثاني/2012 - 13/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م