التعليم في العراق... بين ذكريات الأمس والواقع الحالي

 

شبكة النبأ: يقول الرسول ألأكرم (ص): من علمني حرفا ملكني عبدا، لهذا تقدم التعليم على كل المهن الأخرى لأنه يصنع أجيالا من المتعلمين الذين يطفئون بعلمهم كل منابع التخلف والخوف والأمية، اليوم وبعد أن دخل التعليم عوالم أخرى لم نعشها سابقا منها حضور التكنولوجيا بكل صورها في بيوت الطلبة ومدارسهم ومنها الحقوق التي يتمتع بها الطالب من رعاية ومعاملة إنسانية تبتعد كثيرا عما كان يحصل لجيلنا من الضرب المبرح بسبب غياب أو عدم إكمال واجب كلفنا به، ومع هذا نجد التدني الواضح في مستوى التعليم وغياب نسب النجاح الكبيرة على الرغم من إتاحة أكثر من ثلاثة ادوار للطالب لكي يحقق نصف النجاح إلا أن هذا لا يحصل.

أين تكمن المشكلة؟ ومن هو المسؤول عن هذا التدني الكبير في نسب النجاح؟ ولماذا هذا التراجع في مستوى التعليم على الرغم من توفر الكثير من مسببات النجاح التي لم تكن حاضرة في زمن مضى؟ البعض يعزو هذا التدني إلى الحروب والحصار وغياب الموجه الرئيسي للعائلة، الأب بسبب انشغاله في توفير قوت عائلته أو بقائه بعيدا عن البيت وهناك الكثير من الأسباب التي يطول شرحها والتي قد لا يتسع مجال صفحتنا لكل الآراء والتعليقات.

يتحدث ألأستاذ كاظم الأسدي عن هذا الموضوع قائلا: بعد عام 2003، وسقوط الديكتاتورية وسياستها المركزية في عسكره وتبعيث التعليم !! ومع عودة العديد من الكفاءات الوطنية التربوية التي تم إبعادها قسرا، أو باختيارها عن التعليم ... كان من المفترض انتشال التعليم من الهوة والانحدار الذي كان فيه خلال زمن الديكتاتورية، لكن الواقع التربوي الذي نشهده اليوم وبعد تسع سنوات من التغيير لم يكن بأحسن حال مما سبق !!

تسلق المنتفعين

لا بل أن هناك جوانب في العمل التربوي تكاد تكون أسوأ من المرحلة السابقة؟ وبالذات ما يتعلق بالحريات الشخصية و الفكرية وسوء الإدارات وتسنم مناصب تربوية حساسة أشخاص لا يمتلكون أية خبرة أو ممارسة تعليمية! مما جعل قراراتهم تخبطية وغير مهنية وسببت فوضى عارمة في النظام التربوي عموما، بدليل وجود فيض في كافة الاختصاصات في الوقت الذي توجد فيه مدارس تعاني من نقص حاد في تلك الاختصاصات، ناهيك عن النقصان في الأبنية والقرطاسيه، وتسلق المنتفعين والمشكوك في ذممهم المالية وسيرتهم الأخلاقية على إدارات المدارس .

وعزوف الكثير من التربويين الكفوئين والنزيهين عن الإدارات المدرسية لأسبابهم الموضوعية، أما مقدار التراجع في المنظومة الأخلاقية للمؤسسة التربوية فيعكسه حجم المعاناة والإساءات التي يتلقاها أعضاء الهيئة التدريسية من قبل طلبتهم أو ذويهم أو جهات حزبية أو طائفية، ومقدار التهديد وبمختلف الوسائل لابتزاز المعلم الجاد والحريص ، دون حصانة وظيفية أو دعم يذكر من قبل مؤسسات التربية، بل عليه أن يلوذ بالعشيرة والعائلة لدفع الإساءات أو الاعتداء عليه !! وإلا يكون مصيره كالعديد من المخلصين ممن دفع حياته ثمنا لإخلاصه وأمانته .

كل ذلك وغيره من الأسباب قادت إلى ما تشهده العملية التربوية اليوم من تراجع في الأداء الوظيفي والمعرفي للمعلم وتردٍ حد الجهل في معلومة الطالب، هو أقرب منه إلى أزمة تربوية خطيرة مستعصية الحل على المسؤولين الحاليين في الوزارة أو مديرياتها. وما نتائج الامتحانات الأخيرة ونسب النجاح المتدنية ، والمطالبات من لدن الطلبة وأولياء الأمور وبعض المنظمات الطلابية والبرلمانيين بالسماح للطلبة الراسبين ومنحهم دورا ثالثا، إلا صورة واقعية تثبت مصداقية ما ذهبنا إليه في عمق الأزمة والهوة التي تعاني منها العملية التربوية.

كيف كان المعلم وكيف أصبح

لا شك أن مكانة المعلم في المجتمع العراقي تحظى بالاحترام والتقدير وهي مكانة اكتسبت احترامها بسبب دورها المؤثر والكبير في خلق جيل متعلم، وكما يقول الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وسلم)  :اطلب العلم من المهد الى اللحد ) مما لا شك فيه أن للمعلم أيدي بيضاء في بناء الإنسان وبناء الحضارة ، فالمعلم من يعد الطبيب الناجح، والمعلم من يصنع المهندس الباني، والمحاسب الماهر، والوزير اللامع، فالمعلمون بأيديهم صنعوا رجال الأمة، وعظماء التاريخ.

يقول أستاذ  اللغة العربية فاضل عبد الله: لا يمكن المقارنة بين المعلم في السابق والوقت الحالي من كل النواحي، فمن الناحية العلمية إمكانيات المعلم في السابق غيرها في الوقت الحالي، والسبب يعود لطريقة الانتقاء والتعليم .‏ والسبب الرئيسي لتدهور العملية التربوية أعزوه الى غياب الرقابة والمحاسبة للمقصرين، ورفع يد المعلم عن الطالب جعل الطالب يتمادى على معلمه خاصة وأن الفصل أو تقليل العلاقات السلوكية غير مجدية .‏ والجيل السابق من المعلمين يؤكد أهمية الضرب المفيد في التعليم، والتأسيس يجب أن يتم في المراحل الأولى لأن العملية التربوية باتجاه خط الصفر .‏

بينما يورد الأستاذ حيدر مهدي  أمثلة كثيرة على عدم قدرة المعلم أن يكون سبيلا لنجاح الطالب حيث يقول : هناك أسباب كثيرة أدت الى تباطؤ العملية التربوية وانحدارها أهمها ان شخصية المعلم في الصف لم تعد كما في السابق، فالمعلم اليوم الذي يوبخ الطالب يتعرض الى المساءلة إما من إدارة المدرسة او من أهل الطالب ، حيث صار الطالب بإمكانه التغيب او الخروج من الصف بدون استئذان ، وللأسف الشديد نجد أن التعليمات التي تردنا بخصوص معاملة الطلبة تقيدنا وتجعلنا في واجهة المسؤولية حيث صار للطالب الآن أكثر من جهة تدافع عنه حتى وان كان على خطأ، قد يكون هذا الطالب ابنا لأحدهم أو جزءا من منظومتهم، كما أن اغلب جيل المعلمين المتخرجين حديثا جاءوا من اجل التعيين ولا يملك اغلبهم الوسيلة الصحيحة او الأساليب الناجعة لتدريس الطلبة وربما أكون واحدا منهم. ما تعلمناه على يد أساتذتنا السابقين وحرصهم على إشراكنا في الدرس وإعطائنا دروسا لحلها في البيت كلها ساهمت في بناء جيل صحيح على عكس ما يحصل اليوم .

احد الأساتذة رفض الإفصاح عن اسمه قال إن تردي الوضع المادي للأستاذ في الماضـــــــــي والإهمال كان له بالغ الأثر في زيادة الفجوة بين الأستاذ والطالب، حيث لجأ الأستاذ إلى بعض الأعمال الحرة والدروس الخصوصية التي قللت من احترام الطالب له ورفعت الحواجز التي كانت قائمة بين الاثنين على أسس أهمها الاحترام.

غياب مجالس ألآباء والأمهات

يقول أحد المواطنين إن اغلب طلبتنا يسكنون مناطق ريفية بعيدة عن المدارس وهم يعانون في سبيل الوصول إلى مدارسهم لان اغلب الطرق غير معبدة . مواطن آخر يقول إن لديه ثلاثة أولاد اثنان منهم في الجامعة وواحد في المتوسطة وان راتبه لا يتجاوز الأربعمائة ألف دينار وهو يبدي حيرته عن الكيفية التي تمكنه من الصرف عليهم، وكذلك احتياجات البيت، ويقول: هم يتغيبون في أحيان كثيرة عن مدارسهم لغرض العمل ومساعدتي وهذا بدوره سوف يؤثر في تحصيلهم العلمي ولن يتمكنوا من تحقيق نسب نجاح جيدة، أضف الى هذا أنهم يحتاجون إلى الكتب والقرطاسية إذا ما علمنا أن الدولة لا توزع القرطاسية إلا بعد أن يفرغ التجار من بيع بضاعتهم من القرطاسية المدرسية. لا احد يسمع معاناتنا، الدولة ومجلس النواب يفكرون فقط في مصالحهم واغلب أولادهم يدرسون في مدارس أجنبية او مدارس خاصة ، فلماذا يهتم للعبد الفقير مثلي وما الذي أشكله انا بالنسبة له؟!!

المواطن حامد محمد يقول : اغلب الطلاب لا يواظبون على الدوام في مدارسهم، هناك تسيب وعدم رقابة من الأهل، إضافة الى تغيير المناهج الذي يؤثر بشكل كامل في ديمومة المعلومات واستمرارية القراءة. في السابق كنا نلجأ الى من هم اكبر منا ليحلوا لنا بعض المسائل أو شرح بعض الدروس، الآن الطالب حينما يذهب إلى الأكبر منه سنا فان الذي يلجأ إليه يشعر بالحرج بسبب عدم معرفته بهذه المواد. المناهج تتغير من عام الى عام، وكل وزير يأتي يضع منهاجا على ما يراه هو، وليس على ما يراه خبراء التربية ، أما عن لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب فلم نشاهد أي مناقشة او مقترحات تخص الواقع التروي وكل ما لديهم هو

مواطن آخر أبدى استغرابه الشديد من غياب مجلس الآباء والأمهات الذي كان قائما قبل السقوط، والذي كانت من خلاله العائلة تقف وجها لوجه مع أبنائهم ومعلميهم والاستماع إلى كل الملاحظات، ويؤكد بالقول انه لم يتم استدعاؤه منذ سقوط النظام وحتى اليوم إلى مثل هذه المجالس وانه يبادر بنفسه لزيارة ابنه والإطلاع على مستواه التعليمي.

المدارس الأهلية

هناك زيادة ملحوظة في المدارس الأهلية في العراق مع اتجاه كبير للأسر لإلحاق أبنائها بمدارس خاصة يقولون إنها تقدم خدمة تعليمية أفضل من المدارس الحكومية، وتشير تقارير وزارة التربية إلى ان عدد المدارس الأهلية وصل الى أكثر من 300 مدرسة ، في إحدى المدارس ألأهلية كانت الصفوف فسيحة ومكيفة وتضم المدرسة معامل للعلوم وقاعات للكومبيوتر، يقول المعلم ماجد حسين (50) سنة: ان المدرسة هي مشروع تجاري ومن حقها أن تستخدم كل وسائلها لتقديم أفضل بضاعة لكسب اكبر جمهور، الناس حينما ترى أن البنية التحتية متقدمة وان الكادر التدريسي جيد والنسب كبيرة في النجاح فانه أمر واقعي وأكيد أنهم يفضلون المدرسة الأهلية، فلو توفرت تلك الأشياء في أي مدرسة حكومية فأنهم سوف يسعون إليها .

والدة احد طلاب المدارس الأهلية تقول : النظام هنا في المدارس الأهلية جيد ومحكم وهنا عدد كبير من الأساتذة المحترمين ممن لهم تاريخ طويل في مجال التدريس، فهم يعطون أمثلة وأسئلة مهمة للطلبة يتدربون عليها، وأنا هنا ادفع المبلغ وأنا في غاية السعادة لأني تعبت من القفز هنا وهناك من اجل مدرسين خصوصيين، في حال المدارس الحكومية أصبحت مثالا لرداءة التعليم، وعدم الجدية في التعليم من قبل المعلمين أو المدرسين فيها، فغالبيتهم يطلبون من طلابهم مراجعتهم لغرض التدريس الخصوصي بعد الدوام ، أضف الى هذا أن المدارس الخاصة تمتلك كل مقومات المدرسة الصحيحة فهنا توجد كافتريا جميلة وكذلك مرافق صحية وغسل وأدوات تعقيم وتهوية وتبريد لا ينقطع وهذا كله غير موجود في المدارس الحكومية.

ربما أنها الأفضل، وهي في الحقيقة تمثل الوجهة الصحيحة لنظام يساعد الطالب على قبول المدرسة وعدم التسيب منها إلا أن الأرقام التي تطلبها تلك المدارس للسنة الواحدة تتجاوز أكثر من مليون وسبعمائة ألف دينار للسنة الواحدة وهذا الأمر لا يقوى عليه غير أبناء المسؤولين والتجار وأعضاء البرلمان في زمن الديمقراطية الجديد الذي منح الفقير الخبز لكنه منح المسؤول الكعكة كلها!!

الظروف الصعبة التي يعيشها الوطن، والأزمات التي تلحق بالمواطن كل يوم والكثير من المآسي والويلات، لا يمكننا ان نغفلها ونتحدث عن عصر ذهبي من الدراسة والتعليم عشناه في زمن سابق حينما كانت الدروس الخصوصية تعد من الكبائر، ويحاسب عليها المدرس أو المعلم اشد حساب، هناك سؤال يطرح هل اختصت الدراسة على أولاد ألأغنياء دون غيرهم من الذين لايملكون قوت يوم واحد؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تشرين الثاني/2012 - 12/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م