سوريا وأمراء الحرب... دولة اسلامية ام صومال جديد؟

محمد حميد الصواف

شبكة النبأ: على الرغم من التعتيم الإعلامي الكبير الذي تنتهجه وسائل الاعلام الدولية عن طبيعة الجرائم التي ترتكبها الجماعات المسلحة في سوريا، فضلا عن اخفاءها حقيقة توجهاتها الراديكالية المتطرفة، باتت الكثير من الوقائع الدامغة تطفو على سطح المشهد الإعلامي حول الجرائم الشنيعة التي ترتكبها تلك الجماعات بحق الشعب السوري.

اذ رصدت بالوثائق الجلية العديد من الانتهاكات التي تقوم بها تلك الجماعات بحق المدنيين العزل، بغية التنكيل بهم ونشر الذعر في صفوفهم، الى جانب الانتقام ممن ينبذون عنف وإحرام الفلول المسلحة.

وتجهد دول الخليج ومن لف لفيفها من الدول الغربية الى تلميع صورة المجموعات المسلحة عبر طمس حقيقتها وسلوكياتها الشائنة، معلقة آمالها على الإطاحة بنظام الأسد مهما كانت النتائج، لتمرير أجندات سياسية مشبوهة لا تراعي المواثيق الدولية ومعاهدات حقوق الإنسان.

العفو الدولية تدين إعدام جنود

أدانت منظمة العفو الدولية ما يبدو أنه "إعدامات فورية" للجنود السوريين تنفذها المعارضة حسب شريط فديو بُث على الإنترنت. وقالت المنظمة إن أعمال القتل، في حال تأكيدها، تشكل "جريمة حرب". ويعتقد أن تلك الاعدامات قد نفذت بعد مهاجمة مسلحي المعارضة نقطة تفتيش بين دمشق وحلب.

وكانت وكالة رويترز للانباء قالت إن مسلحي المعارضة قتلوا ثمانية وعشرين جنديا في هجمات على ثلاث نقاط تفتيش حول بلدة سراقب على بعد اربعين كيلومترا جنوبي حلب وسط انباء عن سقوط البلدة في أيدي مسلحي المعارضة.

وقال روبرت كولفيل المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الانسان في بيان صحفي "على غرار تسجيلات الفيديو الأخرى من هذا النوع فإن من الصعب التحقق من صحة الأمر على الفور على صعيد الموقع ومن هم المتورطون. يجب أن نفحص هذا بعناية. سيتم فحص الأمر بعناية." واستطرد قائلا "لكن المزاعم تفيد بأن هؤلاء كانوا جنودا لم يعودوا مقاتلين. وبالتالي فإن في هذه المرحلة يرجح بشدة فيما يبدو أن تكون هذه جريمة حرب أخرى."

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن مقاتلي المعارضة سيطروا على ثلاثة مواقع عسكرية حول سراقب الواقعة على طريق سريع يربط بين شمال وجنوب سوريا وقتلوا 28 جنديا.

وأظهرت لقطات الفيديو ان البعض اطلق عليه الرصاص بعد ان استسلم. وعاملهم مقاتلو المعارضة بقسوة وقاموا بسبهم قبل ان يطلقوا عليهم الرصاص مرة تلو الاخرى وهم راقدون على الارض.

وافاد مراسل بي بي سي عربي في دمشق عساف عبود باصابة 8 اشخاص في انفجارين متلاحقين بعبوتين ناسفتين قرب بناء العيادات الشاملة التابعة لوزارة الصحة في حي الزاهرة الجديدة جنوبي دمشق. وادى الانفجارين إلى ايقاع أضرار مادية كبيرة في المبنى وقد هرعت سيارات الاسعاف الاطفاء الى المنطقة.

 أكراد سوريا يرون الثوار "إسلاميون بلاطجة"

من جهتها نشرت مجلة "تايم" تقريراً لـبيوتر زالفسكي تحت عنوان "أكراد سوريا.. حرب أهلية داخل حرب أهلية"، استهله بقوله إن المسؤولين الأميركيين لفتوا مؤخراً إلى ضرورة أن تكون المعارضة السورية أكثر تمثيلاً لمختلف فئات المعارضين. غير أن حقيقة التحدي في تشكيل معارضة تضم مختلف الأقليات الدينية والعرقية اتضحت في مصادمات الأسبوع الماضي في حلب بين وحدات الجيش السوري الحر وإحدى المليشيات الكردية.

وأوضح التقرير أن قادة الأكراد ادعوا أن انتشار المقاتلين الثوار في منطقتهم يُعد اختراقاً للاتفاق الضمني بأن يظل الثوار خارج المناطق الكردية، لذا خرج أهالي حي الأشرفية في مظاهرة اعتراض ضد الثوار الذين قابلوهم بوابل من طلقات الرصاص، حسب ما قاله عضو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. ومن ثم لم يجد رجال المليشيات الكردستانية أمامهم سوى الرد على الثوار بإطلاق نار مماثل أسفر عن مقتل 30 شخصاً من الجانبين.

وأشار التقرير إلى أنه بالرغم من الهجمات الانتقامية بين الجانبين وعمليات الاختطاف المتبادل، حاول القادة من الجانبين نزع فتيل الأزمة. وقد اتفق الجانبان مؤخراً على وقف الأعمال العدائية واستبدال الأسرى، وبينهم ديريك التي لم تُقتل كما أُشيع. ورغم ذلك هناك مخاوف من انفجار التوتر الكامن بين الثوار والأكراد في أعمال عنف جديدة قد تثير الانقسام الطائفي وتُضعف الثورة وتؤثر بالسلب على جهود الثوار في استعادة السيطرة على حلب، ومن ثم تصب في صالح بقاء نظام الأسد في السلطة.

ولفت التقرير إلى أنه حتى إذا كان الأكراد يعارضون الأسد، فإن العديد منهم، لاسيما أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، يرون أن الثوار ما هم إلا إسلاميون بلاطجة يعملون لصالح تركيا للسيطرة على سوريا ما بعد الأسد. في الوقت نفسه، يحتقر العديد من الثوار حزب الاتحاد الديمقراطي ومؤيديه المسلحين لبقائهم خارج الحرب ضد الأسد، ويتهمونهم بأنهم أحد مخالب النظام، كما أن حزب الاتحاد الديمقراطي متهم بكونه واجهة لحزب العمال الكردستاني الذي يشن حرباً دموية ضد تركيا منذ زمن.

في السياق ذاته، وقعت مواجهات مسلحة بين مقاتلين معارضين وآخرين اكراد في مدينة رأس العين الحدودية مع تركيا التي استولى عليها المعارضون اخيرا في محافظة الحسكة (شمال شرق). وقال المرصد في بيان ان تسعة مقاتلين اصيبوا بجروح في الاشتباكات بينهم اربعة من وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وان الاشتباكات اندلعت اثر "هجوم على حاجز لمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي".

واوضح مدير المرصد ان تظاهرة سبقت الاشتباكات وطالبت بخروج المقاتلين غير المتحدرين من راس العين من المدينة. وقال ناشط كردي يقدم نفسه باسم هفيدار في بريد الكتروني ان هناك "احتقانا منذ أيام بين الطرفين في المدينة"، وان "أحد عناصر الجيش الحر أحرق علما تابعا لحزب الاتحاد الديمقراطي ما ادى الى ردة فعل من الجهة الأخرى التي قامت بحرق علم للجيش الحر". وافاد المرصد في بيان لاحق ان "قناصا من مسلحي الكتائب المقاتلة اطلق النار على رئيس مجلس الشعب المحلي الكردي في راس العين عابد خليل"، ما ادى الى مقتله.

وانشأ الاكراد في عدد كبير من مناطقهم خلال الاشهر الاخيرة مجالس محلية لادارة هذه المناطق في ظل الفراغ الذي تركه انسحاب قوات النظام منها، انتخبوا على راسها مسؤولا في كل مدينة.

وفي ريف دمشق، اغتال مسلحون معارضون مدير منطقة النبك العميد عبدالله الدرعاوي واربعة من عناصر الشرطة عندما اطلقوا الرصاص عليهم في شارع المجمع الحكومي في مدينة النبك الذي يضم مقار الادارات الحكومية، بحسب ما ذكر المرصد السوري.

تحول سورية لصومال جديد يعج بأمراء حرب

الى ذلك أعرب المبعوث الدولي الى سورية الاخضر الإبراهيمي عن خشيته من انهيار سورية وتحولها الى صومال جديد يعج بأمراء حرب وميليشيات مقاتلة. وقال الابراهيمي في مقابلة مع صحيفة "الحياة" الصادرة في لندن:"لا أريد الذهاب بعيدا في التشاؤم لكن الوضع في سورية خطر جدا.. الشعب السوري يعاني معاناة كبيرة جدا.. الناس تتحدث عن خطر تقسيم سورية.. وأعتقد انه اذا لم تعالج هذه القضية معالجة صحيحة فالخطر هو الصوملة وليس التقسيم ، أي انهيار الدولة وظهور أمراء حرب وميليشيات وتشكيلات مقاتلة".

وعبر عن رأيه ان الحل يكمن في اساس اتفاقية جينيف، مذكرا أن "مبادئ جنيف تقول انه في البداية يجب وضع حد للعنف وتشكيل حكومة انتقالية لها صلاحيات كاملة، وفي النهاية انتخابات تنظمها الأمم المتحدة وتضمن شفافيتها ونزاهتها، وهذه الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة تشكل بالتوافق بين جميع الأطراف السورية".

وفي معرض رده على سؤال إن كانت هناك مشكلة اسمها "عقدة مصير الأسد"  قال الابراهيمي ان "لدى السوريين هناك فريق يصر على بقائه وفريق يعتبر رحيله شرطا مسبقا". وأشار الى أنه لم يبحث هذا الموضوع في لقاءاته في الدول التي زارها، وأنها لم تقترح عليه شيئا حول الموضوع.

وشدد الإبراهيمي على أن الحلول "التجميلية" لن تجدي وأن المطلوب "عملية سياسية تؤدي الى تغيير شامل يرضي تطلعات الشعب السوري"، مؤكدا أن "سورية بعد الحل يجب أن تكون مختلفة عما كانت عليه عشية اندلاع شرارة الأحداث في درعا".

وردا على سؤال عن احتمال امتداد الأزمة في سوريا سنة أو سنتين قال الابراهيمي: "ان شاء الله لا.. على الجميع مواجهة الحقيقة الصعبة المرة المخيفة وهي ان مثل هذه الازمات إذا لم تعالج معالجة صحيحة يوميا نعم يمكن ان تمتد سنة وسنتين وأكثر". وأضاف "أتمنى ألا تمتد لهذه المدة.. يمكن ألا تمتد اذا كان كل واحد في الداخل والخارج قام بما يجب ان يقوم به ، لكن اذا كان الوضع غير ذلك فالازمة يمكن ان تطول".

واذ أكد الابراهيمي ان ما يجري في سورية "حرب أهلية"، لفت الانتباه الى ان امرأة قالت له في سورية أن ابنا لها يقاتل في صفوف الجيش النظامي وآخر في صفوف الجيش الحر.

وردا على سؤال حول وصفه لما يحدث في سورية، قال الإبراهيمي : "لا أعتقد أننا نظلم الدولة في اختزال وصفها للوضع بأنه ارهاب وانها تحاربه (...) وهناك في المعارضة من يعتبر أنها ثورة شعبية شاملة ضد هذا النظام ترمي الى إسقاطه، وهذا يعني أن الطرفين يتحدثان عن موضوعين مختلفين، وبالتالي لابد من إيصالهما إلى تعريف واحد للمشكلة".

كما نفى الإبراهيمي خلال اللقاء أن يكون نادما على قبول مهمته هذه، معربا عن الأمل ألا تحتاج الأزمة السورية الى وسيط ثالث بعدما كان كوفي عنان أول الوسطاء وهو الثاني.

كلنتون تحذر المعارضة من المتطرفين

من ناحية أخرى حثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون المعارضة على عدم السماح "لمجموعات متطرفة باختطاف الثورة". وخلال رحلة عمل إلى كرواتيا، قالت كلينتون إن إدارة الرئيس باراك أوباما اقترحت تشكيلة قيادة المعارضة، وقالت "إن الذين يقاتلون في الصفوف الأمامية ويموتون يجب أن يكونوا ممثلين في القيادة". واضافت "يجب أن لا تطغى على القيادة شخصيات ذات نوايا حسنة لكنها لم تدخل سوريا منذ 20 او 30 أو 40 سنة".

وقالت كلينتون"إن تقارير ترددت عن دخول متطرفين إسلاميين من بلدان أخرى إلى سوريا والقتال في صفوف المعارضة" وإن على المعارضة عدم السماح لهم "بخطف الثورة".

وقالت إدارة اوباما إنها تسعى الى الضغط من أجل تغيير تركيبة قيادة المعارضة السورية حتى تمثل بشكل أفضل الذين يموتون في الصفوف الأمامية . ويعكس هذا التغير في السياسة الأمريكية تجاه المعارضة السورية فشل المجلس الوطني السوري في الحصول على نفوذ سياسي واسع النطاق.

 تركيا ودول الخليج

حمّلت الحكومة السورية تركيا ودول الخليج مسؤولية استمرار نزيف الدم السوري وتقويض مهمة الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي، بحسب بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي. واعتبر مقدسي ان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو يستمر في تبني منهج الهروب للأمام ورفض إجراء أي مراجعة نقدية لسياسات هدامة أثبتت فشلها،على حد تعبيره.

وكشف مؤخرا عن اغتيال اللواء الطيار عبد الله محمود الخالدي في حي ركن الدين في شمال العاصمة السورية وهو احد "افضل الخبرات في مجال الطيران" حسب التلفزيون الرسمي السوري الذي اذاع النبأ في شريط عاجل. وابلغ مصدر امني في دمشق ان اللواء الخالدي "عضو في قيادة الاركان الجوية" وتعرض لاطلاق نار بعيد خروجه من منزل احد اصدقائه. واتهم التلفزيون الحكومي "مجموعة ارهابية مسلحة" باغتيال الخالدي "في اطار استهدافها للكوادر الوطنية والعلمية".

من جهتها تبنت العملية "كتيبة شهداء ركن الدين" وهي جزء من اللواء الاول بدمشق في "الجيش السوري الحر" في بيان على صفحتها على موقع "فيسبوك". وقالت الكتيبة انها تمكنت من اغتيال الخالدي "المسؤول عن التدريب الجوي بأمرية الطيران والرقيب الاول احمد عبد الحق من فرع المخابرات الجوية".

دولة اسلامية

الى ذلك اعلنت مجموعة كتائب والوية اسلامية معارضة للنظام السوري في منطقة حلب رفضها الائتلاف الوطني السوري المعارض. وورد في البيان الذي تلاه في الفيديو احد ممثلي المجموعات ونشر على موقع "يوتيوب" الالكتروني وعلى صفحة "فيسبوك" الخاصة بلواء التوحيد، "نعلن نحن التشكيلات المقاتلة على ارض حلب وريفها (...) رفضنا المشروع التآمري لما سمي الائتلاف الوطني، وتم الاجماع والتوافق على تأسيس دولة اسلامية عادلة". كما رفض البيان "اي مشروع خارجي من ائتلافات ومن مجالس تفرض علينا في الداخل من اي جهة كانت".

وعدد القارىء التشكيلات الموافقة على البيان وهي بالاضافة الى النصرة والتوحيد، كتائب احرار الشام، احرار سوريا، لواء حلب الشهباء الاسلامي، حركة الفجر الاسلامية، درع الامة، لواء عندان، كتائب الاسلام، لواء جيش محمد، لواء النصر، كتيبة الباز، كتيبة السلطان محمد، لواء درع الاسلام.

وجلس حوالى ثلاثين رجلا حول طاولة مستطيلة، بينما جلس قارىء البيان الملتحي على رأس الطاولة مع علم اسود وراءه كتب عليه "لا اله الا الله"، ونسخة من كتاب القرآن امامه على الطاولة.

وبعد الانتهاء من تلاوة البيان، رفع رجل آخر واقفا وراء نسخة اخرى من القرآن، وقال "اجعلوا القرآن دستورا لكم، تفرحوا والرب يأتيكم في حين". ثم صرخ "الله اكبر"، وردد الجميع وراءه "الله اكبر".

وردا على سؤال حول البيان، قال رئيس المجلس العسكري في محافظة حلب العقيد عبد الجبار العكيدي ان "هذه التشكيلات تشكل جزءا من القوة العسكرية الموجودة على الارض في حلب وتعبر عن رايها الخاص". واضاف "هذه ليست كل القوة العسكرية"، مشيرا الى ان "المجلس العسكري الثوري اعلن تأييده للائتلاف الوطني، وهو سيتعاون معه".

واعلن الائتلاف بعد تشكيله انه سيعمل على توحيد المجموعات العسكرية على الارض، مطالبا الدول الصديقة للمعارضة السورية بتسليح هذه المجموعات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تشرين الثاني/2012 - 12/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م