نون المذكر السالم... الرجولة في الزمن العربي الراهن

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: النساء يعادين الرجال، والرجال يعادون النساء، والاثنان يعادون انفسهم... في ما يتعلق بالنساء، لا تعرف المرأة الكثير من حقوقها، وان عرفت لا تطالب بها، وان طالبت وقف ضدها الرجال جميعا، اضافة الى بقية النساء.

في ما يتعلق بالرجل، هو السيد وهو المطاع، وهو صاحب الكلمة الاخيرة في اي شان يتعلق بالمرأة، دراسة او عملا او زواجا، وهو وضع وجد نفسه فيه، منذ فجر التاريخ، حين اعتمد على قواه العضلية في تدبير شؤون الحياة له ولرفيقته المرأة.

كانت المرأة الهة تعبد، وكانت التجمعات البشرية في اول تكونها مجتمعات امومية، فالمرأة هي مانحة الخصب والحياة، ولكنها في نفس الوقت هي الاضحية والقربان، لترضية قوى الطبيعة الغاضبة.

صفات الرجولة عديدة، هكذا تعلمنا من خلال اعرافنا الاجتماعية وقوانين الواقع الذي نعيشه.

الصوت الجهوري صفة من تلك الصفات، وقد حفلت ثقافات الامم صغيرها وكبيرها، بالعديد من اسماء الخطباء الرجال، حتى اقترنت الخطابة بالرجال، وقيل خطيب مفوه او بليغ.

وجود الشعر في الوجه والصدر، صفة رجولية اخرى، يعمد بعض الرجال، الى حلاقة اللحية، ويحتفظ بها اخرون، مرتبة او مهملة، ويقوم رجال اخرون بازالة شعر الصدر، فيما يستعرضه اخرون دلالة على الرجولة.

تلك الصفات هي فسيولوجية لا دخل للرجل في وجودها من عدمه. وينظر الى الرجال الذين يمتازون برقة الصوت وبانعدام الشعر في الوجه والصدر نظرة دونية، فهو يوصف بالمخنث استهزاءا وسخرية به.

المرأة لا تتوفر على تلك الصفات، وان وجدت فيها، فهي ايضا وجود فسيولوجي لادخل لها فيه، وتسمى المرأة في تلك الحالة بالمسترجلة.

قبل ايام ذهبت ابنتي لاكمال تسجيل اوراقها في احدى الجامعات العراقية، عادت مندهشة مما شاهدته من صور للرجولة او الانوثة لم تعتد عليها بعد، رغم انها تعيش في مجتمع تتواجد فيه تلك الصور في اكثر من مكان، في الاسواق والشوارع والحدائق العامة، الا ان ساحات الجامعات اكثر قدرة على الاستعراض، استعراض ما يعتقد انها الرجولة او الانوثة.

الطلاب الذكور، يفخرون بابراز تلك الميوعة التي تشابه رقة الاناث وغنجهن، الشعر مغطى بطبقات كثيفة من دهون التثبيت، الوجوه موردة بمراهم عديدة، الملابس استعارة من الوان الازياء النسائية وتفصيلاتها وخطوطها، السلوك متعجرف في التعامل مع الاخرين.

تشابهت في هذا الزمن صفات الرجولة والانوثة، وما عاد التفريق ممكنا الا في قواعد اللغة ونحوها، فجمع المذكر السالم غير جمع المؤنث، فذاك ينتهي بالنون وهذا ينتهي بالتاء، لكن ما بينهما اكبر من الحرفين.

تمتاز النسوة بالنون الشهيرة، في اسم الاشارة (هنّ) لكن هذا الزمن نقل النون الى الرجال حتى تساوت نون جمع المذكر السالم مع نون النسوة واختفت الفوارق.

غزة الان تتعرض للهجوم الاسرائيلي، وتحشد اسرائيل قواتها لاجتياح بري، العرب يحتجون كما تعودنا دائما، صراخ ومؤتمرات عاجلة وبيانات استنكار وشجب وتنديد.

ويقوم العرب بنفس الحركات التي يقوم بها البهلوان في السيرك، مجرد حركات لشد انتباه المتفرجين واضحاكهم.

الرئيس المصري الاخواني يسحب سفيره من اسرائيل، وهو الذي الذي اثار ضجة كبيرة في رسالة التكليف لهذا السفير في بداية عمله، وسحب السفير حدث ايضا في زمن حكومات قامت الثورة المصرية ضدها. لا جديد اذا.

وزير خارجية تونس، يهدد ويتوعد، فالواقع العربي ليس كما كان حاله قبل ثورات الربيع العربي، ماهي قدرات تونس التي تمتلكها ليكون التهديد على محمل الجد؟ اسالوا وزير الخارجية التونسي.

امير قطر، حكايته مختلفة، فهو كان قد زار غزة قبل بدء العدوان عليها، واطلق الكثير من الوعود السياسية والمالية، وهو ايضا يذكر بان الواقع العربي غيره قبل ثورات الربيع العربي.

وهي ثورات برعاية قطرية – سعودية – تركية، حصانها الرابح حتى الان هم الاخوان المسلمون.

ربما سؤال يطرح نفسه، وهو قد يكون افتراضا مستحيلا او قريبا من الواقع بمقدار معين، خاصة بعد اعترافات وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني، وممارستها للجنس مع سياسيين عرب وتصويرهم لغرضهم ابتزازهم وتقديم تنازلات سياسية.

سؤال يطرح نفسه: هل كانت زيارة امير قطر هي الضوء الاخضر لبدء قصف غزة لاعادة انتخاب نتنياهو مرة اخرى لفرض ترتيبات معينة تعيد حماس الى واجهة الاحداث وتوفير الدعم اللازم لها للدخول في هذه الترتيبات الجديدة، التي سيكون للاخوان حصة كبيرة فيها، وتكون الحكومات الاخوانية الجديدة هي سقف اسرائيل الجديد بعد ان كانت الحكومات الديكتاتورية هي سورها وجدرانها... مجرد سؤال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/تشرين الثاني/2012 - 5/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م