البحرين... ثورة متألقة ونظام خائب

 

شبكة النبأ: يستقبل الشعب البحريني شهر محرم الحرام وخاصةً مناسبة عاشوراء بحفاوة كبرى باعتبارها أكبر موسم ديني ثقافي توعوي إرشادي في البحرين، الا ان السلطة الحاكمة تسعى لتكميم الأفواه والتضييق التام على حرية الرأي والمعتقد في هذا الشهر العظيم، لأن عاشوراء صرخة الحرية والحق بوجه الظالم.

فمازلت الثورة التي اغفلها العالم متقدة منذ نحو عامين على اشتعالها، على الرغم من تعرض  أبناء الانتفاضة البحرينية للعديد من الانتهاكات الحقوقية الصارخة، من خلال الإجراءات والحملات التعسفية والإجرامية بحق الشعب، كالقتل والتعذيب والملاحقة واعتقال آلاف المحتجين وعقد المحاكم العسكرية بحق المتظاهرين، والاستهداف بشكل مباشر ومتعمد بالسلاح وبكل وسائل العنف الاخرى، فضلا عن القرارات غير المبرر بحرمان ابناء الشعب حق المواطنة بسحب الجنسية كما حدث مؤخرا، ومع ذلك لاتزال الاحتجاجات مستمرة بديناميكية تفصح عن ديمومة الصراع الشعب المطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة السياسية والاجتماعية، وإسقاط النظام الشمولي الحاكم، بينما تقف المنظمات الحقوقية والبلدان العربية والعالمية، مكتوفة الأيدي أمام العنف والاضطهاد غير المبرر ضد ابناء البحرين، لتخفي الوجه الحقيقي لانتفاضة البحرين التي تأبى الافول، وعليه فان ازدواجية وانتقائية بعض البلدان العربية والغريبة في موقفها من بلدان الربيع العربي يضع أحلام الشعوب المحتجة وحقوقها على حافة الهاوية.

مراسم عاشوراء

فقد اعلنت السلطات البحرينية انها احالت امام النيابة العامة شخصيات شيعية بتهمة ارتكابهم "مخالفات" اثناء احياء مراسم عاشوراء، واعلنت وزارة الداخلية البحرينية في بيان احالة عدد من الشخصيات الشيعية للتحقيق في النيابة العامة البحرينية على اثر "مخالفات في اقامة مراسم عاشوراء"، وصرح الوكيل المساعد للشؤون القانونية بوزارة الداخلية انه "على أثر التجاوزات التي تمت اثناء تنظيم فعاليات موسم عاشوراء، فقد تم استدعاء عدد من القائمين على بعض المآتم التي وقعت بها هذه التجاوزات حيث تم تنبيههم بعدم تكرار مثل تلك الافعال التي تسيء الى هذه المناسبة الدينية"، واوضح انه "قد تم اتخاذ الاجراءات القانونية تجاه عدد من الخطباء والرواديد الذين وقعت منهم تجاوزات ومخالفات قانونية وتمت احالتهم الى النيابة العامة"، وشددت وزارة الداخلية البحرينية ايضا "على ضرورة عدم السماح باستغلال تلك المناسبات الدينية بما يخرجها عن روحانيتها"، واكدت ان "حرية ممارسة الشعائر الدينية مكفولة بما لا يخالف القانون والنظام العام والتقاليد المرعية بالبلاد".

ويحيي الشيعة مناسبة عاشوراء بمسيرات في الشوارع وتجمعات في اماكن العبادة، وكانت وزارة الداخلية اعلنت في 30 تشرين الاول/اكتوبر حظر التظاهرات في الشارع من اجل "الحفاظ على السلم الاهلي" اثر سلسلة من الاحتجاجات للمعارضة الشيعية التي تتخللها اعمال عنف احيانا ضد السلطة، واتهمت جمعية الوفاق (اكبر تيار شيعي معارض في البحرين) النظام البحريني ب"استهداف العقائد والشعائر الدينية والسعي لتكميم الأفواه والتضييق التام على حرية الرأي والمعتقد في موسم عاشوراء الذي يعتبر أكبر موسم ثقافي توعوي إرشادي في البحرين"، واضافت ان "صدر النظام كان ضيقا ولا يستوعب الرأي الآخر، لكن يبدو ان هناك تضييقا اشد على ممارسة الشعائر الدينية والعمل على ضرب حرية المعتقد بشكل كامل"، وتدخلت قوات الامن في قرى شيعية عدة لازالة صور واعلانات تتحدث عن احياء ذكرى عاشوراء، بحسب شهود، وعاشوراء تعيد احياء ذكرى واقعة الطف حيث قتل جيش الخليفة الاموي يزيد بن معاوية الامام الحسين حفيد النبي محمد وثالث ائمة الشيعة، مع عدد من افراد عائلته العام 680 ميلادية في كربلاء في العراق. بحسب فرانس برس.

ويقود الشيعة الذين يشكلون غالبية سكان مملكة البحرين الخليجية منذ منتصف شباط/فبراير 2011 حركة احتجاجية ضد الحكومة، وقمعت السلطات في منتصف اذار/مارس 2011 حركة احتجاجية في الشارع استمرت شهرا، الا ان الاحتجاجات المتفرقة استمرت، خصوصا في القرى الشيعية التي غالبا ما تشهد مواجهات مع قوات الامن، ووفقا للاتحاد الدولي لحقوق الانسان، قتل نحو 80 شخصا في البحرين منذ اندلاع الاحتجاجات في 14 شباط/فبراير 2011.           

تظاهرة غزة

كما أعلنت وزارة الداخلية في البحرين رفضها السماح لعدد من الجمعيات السياسية بتنظيم تظاهرة تاييد لغزة، وذلك بموجب قرار منع المسيرات منذ 30 تشرين الاول/اكتوبر الماضي، واعلن مدير شرطة محافظة المنامة في بيان ان "عددا من الجمعيات السياسية قد تقدمت باخطار لتنظيم مسيرة بمنطقة المنامة وصولا الى مبنى الامم المتحدة تحت شعار +انقذوا غزة+"، واضاف "مع تقدير وزارة الداخلية لموقف تلك الجمعيات السياسية (...) الا انه تنفيذا لقرار وقف المسيرات والتجمعات فقد تم ابلاغ المنظمين برفض السماح حفاظا على استتباب الحالة الامنية"، واشار الى "اقتراح ان تقوم تلك الجمعيات بتنظيم وقفة تضامنية في مقرات جمعياتهم كبديل عن تنظيم المسيرة". بحسب فرانس برس.

واستمرت التظاهرات والاحتجاجات التي قادها الشيعة بشكل اساسي، لاسيما التي تنظمها جمعية الوفاق التي تطالب بملكية دستورية، كانت تحظى في معظم الاحيان برخصة من السلطات على عكس الاحتجاجات التي تشهدها القرى الشيعية وتنظم بدعوة من ائتلاف 14 فبراير الذي يرفع شعارات اكثر تشددا مثل "اسقاط النظام"، الا ان بعض المشاركين في تظاهرات الوفاق كانوا يرفعون بدورهم شعارات "الشعب يريد اسقاط النظام" و"يسقط حمد" في اشارة الى ملك البحرين حمد بن عيسى ال خليفة، وتحكم اسرة آل خليفة وهم من العرب السنة المملكة الخليجية الصغيرة منذ اكثر من 250 عام.

الحرمان من الجنسية

في سياق تصل ما الذي ستحس به إذا ما علمت، دون سابق إنذار أو توضيح، أن البلد الذي ولدت فيه وأنجبت فيه أبناءك قد حرمك حق المواطنة؟، ففي الاونة الاخيرة، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية تطبيقها قانونا، صدر العام 1963، بنزع الجنسية عن 31 من المعارضين ليصبحوا بلا وطن، وورد تصريح من الوزارة يؤكد أن قانون المواطنة يجيز "إعادة تقييم الجنسية"، وأن القرار قد صدر "بموجب التزامات المملكة إتجاه القانون الدولي"، إلا أن تلك الخطوة تسببت في الارتباك حتى لأحد المسؤولين الحكوميين، حيث قال إنه كان يعمل على الحصول على إجابات من الوزارة، وقد التقيت في لندن بجواد فيروز وجلال فيروز، وهما اثنان ممن جردوا من جنسيتهم البحرينية أخيرا، حيث كان الأخوان نائبين سابقين عن حركة الوفاق الوطنية السياسية المعارضة. وقد بدت عليهما حالة من الذهول واليأس، وقال جلال، وكان ضمن العديد من النواب ممن استقالوا من البرلمان البحريني خلال الانتفاضة التي شهدتها مملكة البحرين العام الماضي "ماذا ينبغي لي أن أفعل؟ أين سأعيش؟، وما الدولة التي ستقبلني لأقيم فيها؟"، فهو وأخوه جواد يخبرانني أنهما قد ولدا في البحرين وعاشا فيها مع أسرتيهما، كما حدث مع والدهما. أما والدتهما، وهي من إيران، فقد منحت حق المواطنة والجنسية البحرينية.

وكما هو الحال مع غالبية الواحد وثلاثين ممن حرموا حقهم في الجنسية، فإن الأخوين لا يحملان جنسيات أخرى، وقد أعلنت وزارة الداخلية أنهما قد حرما من جنسيتهما لدواعي تتعلق "بالأمن القومي"، دون الكشف عن تفاصيل أخرى سوى تأكيدها على حقهم في استئناف القرار، وتابع جلال قائلا "لقد انهارت ابنتي عندما سمعت بالخبر، ولم تتمكن من حضور امتحاناتها التي كانت ستخضع لها في اليوم التالي، وكانت زوجتي تبكي. لا يمكنني تخيل وسيلة أساند بها عائلتي في الوقت الحالي، ولم أواجه أي تهمة من أي نوع قبل ذلك."

أما أخوه جواد، الذي حكم عليه في الوقت نفسه غيابيا بالسجن لمدة 13 شهرا لمشاركته العام الماضي في تجمعات غير قانونية، فقال "ما زلت غير مدرك لما استندوا إليه للوصول إلى هذا القرار، كما أن الفرصة لم تتح لي لأدافع عن نفسي. ماذا سأفعل الآن؟ فمن المؤكد أنني إذا ما عدت الآن، سيسحبون مني وثيقة سفري ويعتقلونني."

وصرحت وزارة الخارجية البريطانية، الجمعة، أنها لا تزال قلقة حيال التوترات التي ما زالت تعصف بالبحرين من منع للمظاهرات وحرمان للمواطنين من جنسيتهم، إضافة إلى الحادث المأساوي الذي أودى بحياة أحد المتظاهرين، وجاء في تصريح الوزارة "لقد أكدنا للحكومة البحرينية أهمية ضبط النفس والتعامل وفق مقتضيات القانون الدولي. كما أننا ندين المحاولات لإثارة أعمال العنف في الشارع البحريني، وهو الأمر الذي يعيق محاولات المصالحة وتجب إدانته من جميع الأطراف."

كما أعربت الخارجية الأمريكية عن قلقها أيضا من القرار، بينما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه "قرار مخيف" تنتظر المنظمة أن يجري إبطاله قريبا، مؤكدة أن القانون الدولي يمنع حرمان أحد من العيش في وطنه، يذكر أن الأخوين جلال وجواد ينتميان إلى الطائفة الشيعية في البحرين، وهما قياديان من حركة الوفاق، وشاركا في الدعوات السلمية لأن يكون هناك توزيع عادل للسلطة والثروات في المملكة التي يحكمها نظام آل خليفة السني، إلا أن آراءهم قد لا تكون منتشرة مع وجود أقلية سنية كبيرة في البلاد، كما أن العديد منهم يرون أنه يمكن لهم أن يحافظوا على الوضع الحالي، أما جلال وجواد فيمثلان الجناح الأكثر اعتدالا في المعارضة، فهما بعيدان تماما عما قام به بعض الناشطين ممن كانوا يرتدون الأقنعة ليخفوا ملامحهم ويستخدمون القنابل الحارقة ليرهبوا بها الأحياء، كما كانوا يشتبكون مع قوات الشرطة بشكل يومي كل ليلة في القرى الواقعة غرب العاصمة البحرينية المنامة، وأكد الأخوان بشكل واضح أنهما لا يريدان إطاحة الأسرة المالكة في البحرين، بل يريدان أن يكون هناك نظام حكم ملكي دستوري بسلطة تنفيذية منتخبة. بحسب البي بي سي.

من جانبهم، فإن المتشددين من سنة البحرين غالبا ما يصفون أعضاء جمعية الوفاق على أنهم "خائنون مدعومون من قبل إيران" يعملون على تحويل البحرين إلى جمهورية إسلامية تابعة لإيران، إلا أن الأخوين أكدا لي أنه ليست لهما أي صلة بطهران، وأضافا "نريد للبحرين أن تكون دولة عربية مستقلة، إلا أننا نريدها ديمقراطية. فنحن نسعى الى نظام ديمقراطي لا نظام ثيوقراطي قائم على أساس الدين"، لذا، ما الذي سيحدث الآن لهذين الأخوين بعد أن أصبحا من دون جنسية؟ ،فهما يقيمان في بريطانيا حاليا بتأشيرات زيارة مؤقتة، ستنتهي إحداها خلال الشهر المقبل. كما أن أحدهما يقيم عند أصدقائه والآخر يقيم في أحد الفنادق، وقال جلال "كان من المقرر أن آخذ طريق العودة غدا إلى البحرين. إلا أنني إذا ما وصلت إلى هناك، فإنهم سيحتجزونني لأبقى دون هوية، ولن أكون قادرا حتى على أن أفتح حسابا مصرفيا. وليست لدي أدنى فكرة عما يمكنني عمله."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/تشرين الثاني/2012 - 5/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م