الأردن... أزمة تطلق رياح "الربيع العربي"

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: وصلت موجة الاحتجاجات في الأردن مستوى غير مسبوق في الاونة الأخيرة، بعدما أذكتها الأزمات السياسية والاقتصادية المتتالية، على الرغم من تجنب الاردن بدرجة كبيرة الاضطرابات الشعبية التي اجتاحت منطقة الشرق الاوسط خلال العامين المنصرمين، إلا ان قرارا برفع أسعار الوقود في البلاد أدى الى تعميق الازمة الحالية بصورة خطيرة وغير مسبوقة، حيث وصلت المظاهرات الشعبية الأردنية اليوم حد الذروة، خصوصا عندما ردد آلاف المحتجين هتاف الربيع العربي "الشعب يريد إسقاط النظام" لأول مرة، مما ادخل ملك الأردن عبد الله الثاني في مأزق الربيع العربي، على الرغم مما يتمتع به من خبرة سياسية في التعامل مع الازمات باعتماد السياسة البراغماتية، إلا أنه يواجه تحديات بالغة الخطورة حاليا، نتيجة توالي الأزمات في المدة الأخيرة، وعليه فقد تضع تلك الامور آنفة الذكر هذه الدولة الملكية على حافة مواجهة سياسية شرسة، خاصة مع استمرار لهيب الاحتجاجات والإضرابات الشعبية، وقد تؤدي هذه المظاهرات العنيفة الى ربيع عربي ادرني جديد، ويرى محللون سياسيون أن العلاقة بين النخبة الحاكمة والمحكومة في الاردن وصلت مرحلة حساسة مع تمسك كل جهة بموقفها والسير في طريق المواجهة حتى النهاية، مما يمهد لمعركة سياسية عنيفة ومكلفة الخسائر.

في حين يرى بعض المراقبين بانه لا يمكن توقع نتائج هذه الاضطرابات التي تعصف بالأردن والعائلة المالكة خلال المدة المقبلة، لكنها مع ذلك تشير الى وجود خلل سياسي واقتصادي كبير في البلاد قد يكون نذير لان تأخذ الأحداث مسارا آخر، إذ لم يتم معالجة الأمر فوراً.

رحيل الملك

فقد تظاهر آلاف الاردنيين، وسط عمان مرددين شعارات غير مسبوقة تطالب الملك عبد الله الثاني بالرحيل، فيما منعهم رجال الامن من التوجه الى الديوان الملكي للاحتجاج على رفع اسعار المحروقات، وتظاهر اكثر من 10 آلاف شخص امام المسجد الحسيني الكبير وسط عمان، بينهم اسلاميون ويساريون ومجموعات شبابية، هاتفين "الشعب يريد اصلاح النظام" و"الحرية من الله يسقط يسقط عبدالله"، كما هتفوا "الشعب يريد اسقاط النظام" اضافة الى "لا اصلاح ولا تصليح ارحل بالعربي الفصيح"، على ما افاد مراسل (فرانس برس)، ولطالما كانت الاساءة الى الملك او المطالبة برحيله علنا امرا نادرا لانه غير قانوني ويمكن ان يؤدي الى حبس مرتكبه، ورفع متظاهرون لافتات كتب عليها "اللعب بالاسعار يعني اللعب بالنار" و"لا اصلاح الا بتغيير النهج السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد" و"ثورة الحرية، تعيش انتفاضة الشعب الاردني".

ومنعت قوات الأمن المتظاهرين من التوجه الى الديوان الملكي الذي يبعد حوالي ثمانية كيلومترات من موقع التظاهرة، لكن لم تقع أي صدامات، وقدر منظمو التظاهرة عدد المشاركين بها بنحو 25 الفا، بينما قدرت الشرطة عددهم بقرابة 3 آلاف شخص فقط، وقالت وزارة الخارجية البريطانية ان العاهل الاردني الغى زيارة كانت مقررة الى لندن بسبب تصاعد الاحتجاجات في بلده، وقال زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام للاخوان المسلمين في الاردن، لوكالة (فرانس برس) ان "الرأي الذي يطالب باسقاط النظام بدأ بالتوسع بسبب سياسات خاطئة وقرارات رفع الاسعار وعدم الاستجابة الى مطالب الاصلاح"، واضاف "هناك تيار مؤسسي وحزبي يطالب باصلاح النظام وهناك تيار شعبي غير منظم يطالب باسقاط النظام والاستعجال بالمعالجة هو الذي يمكن ان يخرج الاردن من أزمته الحالية التي صنعها النظام نفسه"، واعلن المشاركون في التظاهرة انهم يعتزمون التظاهر مجددا قرب ميدان جمال عبد الناصر المعروف بدوار الداخلية، الذي كانت الشرطة فضت بالقوة تظاهرات سابقة قربه، الا ان نحو 100 متظاهر فقط ظهروا قرب الموقع الذي اغلقه حوالي 2000 رجل امن، وما ان حاول هؤلاء الهتاف "الله اكبر" حتى ركض باتجاههم نحو 200 شخص من الموالين للنظام واصطدموا مع مجموعة منهم، ما دفعهم الى الهروب من المكان الذي تجمع فيه موالون لاحقا حاملين صورا للعاهل الاردني واعلاما اردنية، وشهد كل من مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين (شمال) والكرك والطفيلة ومعان (جنوب المملكة) واربد وجرش (شمال) تظاهرات احتجاجية، وفي الاونة الاخيرة اندلعت احتجاجات في الاردن بعد رفع اسعار المشتقات النفطية بنسب تراوحت بين 10في المئة و53 في المئة لمواجهة عجز موازنة العام الحالي الذي قارب 5 مليارات دولار في بلد يستورد معظم احتياجاته النفطية ويعتمد اقتصاده على المساعدات الخارجية، وقالت الحكومة انها ستقوم بتعويض الاسر التي لا يتجاوز دخلها السنوي عشرة الاف دينار (حوالي 14 الف دولار) بمبلغ 420 دينارا على مدار السنة (حوالي 592 دولارا)، وأدت اعمال شغب رافقت الاحتجاجات مؤخرا الى مقتل شخص واصابة 71 آخرين بينهم رجال امن، فيما تم اعتقال 158 شخصا وتسجيل 100 حادث شغب وسرقة وتكسير لممتلكات عامة وخاصة، وطالبت جماعة الاخوان المسلمين الملك بالغاء قرار رفع الاسعار وتأجيل الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في 23 كانون ثاني (يناير) المقبل، والتي تقاطعها المعارضة وخصوصا الحركة الاسلامية. بحسب فرانس برس.

من جهتها، اشادت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في اتصال هاتفي مع العاهل الاردني بـ "خارطة الاصلاح السياسي التي يقودها الملك، ومساعي الحكومة في مجال الاصلاح الاقتصادي"، على ما افاد بيان للديوان الملكي، واكدت كلينتون "اهمية الشراكة الاردنية – الاميركية"، من جانبها، دعت السعودية مواطنيها في الاردن الى تجنب اماكن التظاهرات، لا سيما دوار الداخلية وسط العاصمة، وحذرت سفارة المملكة في عمان في بيان "الموظفين والطلاب السعوديين في الأردن من الذهاب لميادين عامة والوقوف عند مناطق تجمعات وتظاهرات والابتعاد كليا عن منطقة العبدلي في العاصمة عمان وخصوصا دوار الداخلية وتهيب بهم عدم الذهاب للدراسة"، وكانت السفارة الأميركية في عمان حذرت مواطنيها من التواجد في اماكن التظاهرات وقالت انها "تراقب بحذر الوضع الامني في عمان وباقي مناطق المملكة".

لا بديل عنه

من جهته دافع رئيس الوزراء الاردني عبدالله النسور السبت عن قرار الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي ادى الى موجة احتجاجات غير مسبوقة، وقال النسور خلال لقائه بعدد من الصحافيين «اجزم بصفتي كمختص وبحكم خلفيتي الاقتصادية بان هذا القرار لابديل منه وكان لابد منه من اجل مصلحة البلاد وللحيلولة دون تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة عجز الموازنة»، واضاف ان «هذا القرار كان لابد ان يتخذ قبل سنتين لكن الربيع العربي لم يسمح للحكومات السابقة باتخاذه»، مشيرا الى ان الاجراءات الجديدة «ستوفر للدولة 30 مليون دينار (حوالى 42 مليون دولار) حتى نهاية العام الحالي»، واوضح النسور الذي شكل حكومته قبل 38 يوما «ادركت منذ توليت مسؤولياتي بان هذا القرار لا يمكن ان يؤجل ابدا»، مشيرا الى ان «الوضع المالي لا يمكن ان ينتظر ابدا»، وبحسب النسور فإن «عجز الموازنة وصل الى 5.5 مليار دينار (حوالى 7.7 مليار دولار) من اجمالي الموازنة البالغة قيمتها 9 مليار دينار (حوالى 12.7 مليار دولار)»، واكد النسور ان بلاده لم تتلق اية مساعدات خليجية العام الحالي.

وقالت الحكومة انها ستقوم بتعويض الاسر التي لا يتجاوز دخلها السنوي عشرة الاف دينار (حوالى 14 الف دولار) بمبلغ 420 دينارا على مدار السنة (حوالى 592 دولارا)، وبحسب النسور فان «كلفة هذا الدعم ستبلغ حوالى 300 مليون دينار (حوالى 424 مليون دولار)»، مشيرا الى ان «هذا الدعم لن يتوقف ما دام سعر برميل النفط فوق الـ100 دولار».

التعطش للتغيير

فيما اعتبرت الخارجية الامريكية ان التظاهرات التي شهدها الاردن خلال الايام الماضية احتجاجا على رفع اسعار المحروقات في المملكة والتي تخللهتها اعمال عنف متفرقة، تعبر عن 'التعطش للتغيير' على غرار ما شهدته دول عربية اخرى خلال الربيع العربي، وقال مساعد المتحدثة باسم الخارجية الامريكية مارك تونر ان 'الشعب الاردني لديه مخاوف اقتصادية وسياسية ولديه تطلعات. نعتقد ان خارطة الطريق التي قدمها الملك عبد الله الثاني للاصلاحات تستجيب لذلك. لكن، كما رأينا في مناطق اخرى، ثمة تعطش للتغيير، واقرت الخارجية الامريكية بان 'الوضع الاقتصادي صعب' في الاردن مشيرة الى ان واشنطن 'تحترم حقوق المتظاهرين، اينما كانوا، في التظاهر بشكل سلمي'، وفي حمأة الربيع العربي الذي انطلق من تونس في كانون الاول (ديسمبر) 2010، لم يشهد الاردن سوى تظاهرات محدودة لكن متكررة تدعو الى اصلاحات اقتصادية وسياسية.، ودعا مساعد المتحدثة باسم الخارجية الامريكية الى 'عملية سياسية موسعة من شأنها تعزيز الامن، الاستقرار والتنمية الاقتصادية' في الاردن. بحسب فرانس برس.

يقول محللون إن جماعة الاخوان المسلمين تسعى لاذكاء شعلة المعارضة لرفع اسهمها بين الأردنيين قبيل الانتخابات، لعل عبد الله الثاني ملك الاردن يواجه اصعب التحديات أمام حكمه المستمر منذ 13 عاما، مع تواصل الاحتجاجات التي تهز انحاء متفرقة من البلاد على خلفية الغاء الحكومة لدعم الوقود ومشتقاته، ويقول محللون إن جماعة الاخوان المسلمين وجناحها السياسي، جبهة العمل الاسلامية، قد يسعيا إلى اذكاء شعلة المعارضة في محاولة لرفع اسهمهما بين الأردنيين قبيل الانتخابات العامة المقررة في يناير/كانون الثاني التي تعهدت الجماعة في وقت سابق بمقاطعتها.

كان الملك عبدالله استطاع مواجهة عاصفة الربيع العربي التي اطاحت برؤساء وزعماء الدول المحيطة مثل تونس ومصر وليبيا واليمن عن طريق اجراء بعض الاصلاحات من بينها اعطاء البرلمان حق تعيين رئيس الوزراء، وقال مراقبون إن جماعة الإخوان المسلمين قوضت الخطوة الاصلاحية الاساسية في خطة عبدالله الثاني وهي الانتخابات العامة المقررة في يناير/كانون الثاني عن طريق الاعلان عن مقاطعتها لها، وتوقع المرشد العام للجماعة في الاردن زكي بني ارشيد ان المواطن الأردني "سوف ينفجر جراء رفع سعر الوقود" بحسب قوله، وقالت الحكومة إن الجماعة، التي تعد أكثر فصائل المعارضة تنظيما في البلاد، "تسيئ استغلال الازمة التي تمر بها البلاد" عن طريق حث الجماهير للخروج في مظاهرات ضد قرارات الحكومة.

وتابع المحلل الأردني اسامه الشريف قائلا "يبدو أن الجماعة الاسلامية تضع اجندتها الخاصه في مرتبة اعلى من استقرار البلاد وهو امر خطير ويجب ان يدركوا انهم يلعبون بالنار لإنه في حالة اندلاع الفوضى لن يتمكن احد من السيطرة عليها" على حد تعبيره.

من جانبه اعرب بيت موور، الباحث في مركز معلومات وأبحاث الشرق الأوسط عن اندهاشه من القدرة التي اظهرها الملك عبدالله في الهروب من مصير الزعماء الاخرين في دول الربيع العربي لكنه أكد على وجود بعض الاختلافات، وقال "كل الاسباب التي ادت إلى انتفاض الدول المحيطة موجودة أيضا في الأردن "بيد أن الولايات المتحدة ترغب في" بقاء الوضع على ماهو عليه "في الدولة التي تعد أقرب حليف لها في منطقة الشرق الاوسط" على حد قوله، وقال الشريف أن الحل الوحيد للمعضلة الحالية في البلاد هي التوصل إلى تسوية سلمية بين الطرفين، واضاف "عندما نرى ما يجري حولنا في سوريا وغيرها لا اعتقد ان اي اردني يريد ان يرى بلاده تسقط في الهاوي.

اسلاميو الاردن

من جهة أخرى دعا حزب جبهة العمل الاسلامي الذراع السياسية للاخوان المسلمين وابرز احزاب المعارضة في الاردن العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني الى سحب السفير الاردني في اسرائيل وذلك على خلفية الغارات على غزة، وقال الحزب في بيان نشر على موقعه الالكتروني "نطالب الملك عبد الله الثاني بقرارات هامة تتناسب مع مسؤولية الاردن ازاء الشعب الفلسطيني الشقيق التوأم للشعب الاردني"، واضاف ان "اقل ما يتوقع من حكومة المملكة الاردنية الهاشمية ادانة هذا الاعتداء الغادر وسحب السفير الاردني من تل ابيب وطرد السفير الصهيوني من عمان، على طريق قطع العلاقات مع العدو واعلان بطلان معاهدة وادي عربة"، والاردن ومصر هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان وقعا معاهدة سلام مع اسرائيل، واكد العاهل الاردني ضرورة وقف التصعيد الاسرائيلي العسكري في غزة "بشكل فوري"، معربا عن "قلقه الشديد من تداعيات خطيرة للعدوان الاسرائيلي على القطاع واثره على امن واستقرار المنطقة". بحسب فرانس برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/تشرين الثاني/2012 - 4/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م