التملق لا ينتمي لقيم التقدم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك منظومة قيم تحكم المسار التقدمي للمجتمع، وتمنحه القدرة على خلق واقع أفضل يمهّد لمستقبل لائق، ومن دون قيم التقدم وحضورها والاستناد إليها، لا يمكن أن يخطو المجتمع خطوة واحدة الى أمام، لهذا بدأت المجتمعات المتطورة سعيها نحو التطور بالحفاظ على هذه القيم وتنميتها وتكريسها في انشطة المجتمع بالمجالات كافة، فضمنت إنتقالات نوعية نحو التقدم، وأمستْ تعيش حياة أكثر رفاهية واستقرارا من سواها.

في المجتمع الكسول تغيب قيم التقدم، فيصبح فراغ غيابها مساحة سهلة ومتاحة لقيم التخلف والانحراف، حيث تنمو سلوكيات وافكار منحرفة، تدمّر كل مقومات التطور والاستقرار للمجتمع، إذن فالخطر الذي يخلفه ضعف او تراجع قيم التقدم، لا ينحصر فقط بالثبات على واقع الحال الذي يعيشه المجتمع المتخلف، بل سوف تتسيد مكونات المجتمع انحرافات كبيرة وغريبة، تمهد للانحلال والتفسخ وانتشار اللهو المعطِّل للطاقات البشرية كافة، مع ترويج أدوات ووسائل ومواد الخمول والكسل كالمخدرات وسواها.

من بين قيم الفساد التي تحتل مساحة قيم التقدم، التملق، وهي صفة تلتصق بضعاف النفوس والارادات ايضا، أولئك الذين يسلكون اقصر الطرق الى اهدافهم التي تنحصر بالمادة والمنفعة اللامشروعة،  ولا نعني بالتملق هنا حسن الذوق والكلام والكياسة في السلوك والمجاملات الصادقة، وليس الكاذبة التي تنتمي الى حالة التملق المرضية، وتحوّل الانسان من كونه ذات عاقلة متوازنة محترمة، الى شخصية زائفة منفعية تلهث وراء منافعها المادية باسلوب لا ينتمي للصدق، وليس له علاقة بصدق الاواصر والقيم الانسانية التي تربط بين افراد او جماعات المجتمع الواحد.

ثمة خطر كبير يكمن في انتشار التملق بدوائر الدولة ومؤسساتها، بين الرئيس والمرؤوس، حيث يحاول المتملقون كسب ود رئيسهم على حساب درجة اتقان الانتاج، او لمحاصرة الكفاءات وطردها خارج حيز الفعل والانتاج بسبب مواهبها وقدراتها وتفوقها على المتملقين، الذين يكونون في الغالب بلا موهبة، ولا ابداع في التفكير او العمل، والمشكلة الاكبر والاشد خطرا، حين يكون المسؤول الاعلى ضعيفا ام صفة او ظاهرة التملق، فيقبل بها ويشجع اصحابها على التمادي والاستمرار بهذا الاسلوب الاخلاقي العملي المنحرف، رغبة منه في اشباع ذاته المريضة ايضا، فالمسؤول الذي يتقبل التملق ويشجعه، ويرضى على حامليه، فهو في حقيقة الامر مريض ايضا مثل المتملق.

لهذا سيُبتلى المجتمع بالمريض المتملق، والمريض المسؤول، وكلاهما يشكلان عبءا كبيرا على مكونات المجتمع كافة، بل يشكلان حجر عثرة في طريق تقدم الدولة الى امام، وبدلا من ان تتقدم الدولة نحو بناء المؤسسات الدستورية السليمة، سنرى التراجع والتلكؤ يعتري كل المؤسسات المهمة، ويجعلها قاصرة وعاجزة عن اداء وظائفها المطلوبة لخدمة المجتمع.

وهكذا سيشكل حضور الظواهر السيئة، وغياب قيم التقدم، شرخا كبيرا في بناء الوعي المجتمعي، نظرا لانتشار الرذيلة في كل مكان، والاخطر في هذا المجال تحوّل الظواهر المنحرفة مثل التملق، الاختلاس، (الرشوة) وما شابه، الى حالات متداوَلة ومقبولة، لا يعترض عليها المجتمع، بل يحسبها بعضهم نوعا من الشطارة لضمان الحاضر والمستقبل، في ظل تراجع خطير لقيم التقدم، بل للقيم الانسانية جمعاء.

لذا مطلوب في هذه المرحلة الحساسة التي يعبرها العراقيون، حكومة وشعبا ومكونات، تعزيز قيم التقدم، ومحاربة قيم الانحراف بكل الوسائل المتاحة، على ان لا ينحصر هذا الجهد الاخلاقي القيَمي الكبير في المسعى الحكومي والقضائي فقط، بل ينبغي ان يشترك الجميع دون استثناء، حتى العائلة والمدرسة والدائرة والدين والثقافة والفكر، يشترك الجميع في تقديم ما يكفي من الجهود، لاعادة قيم التقدم الى الصدارة في قيادة المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/تشرين الثاني/2012 - 29/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م