اوباما بعد الفوز... مسيرة الصراع الأمريكي!

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: انتهت الحرب الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية كما توقعها الكثير، فقد فاز بارك اوباما بولاية رئاسية ثانية بعد صراع انتخابي شرس ضد منافسة الجمهوري رومني، ويرى بعض المراقبين ان فوز اوباما بولاية جديدة سيتيح له الحرية في استكمال خططه السابقة فيما يخص ملفات الاقتصاد والسياسة الداخلية للبلاد هذا مع التزامه بتنفيذ وعوده الانتخابية الجديدة التي قطعها على نفسه والتي سيكون بعضها صعب التنفيذ، اما السياسة الخارجية فاعتبروها إحدى أهم التحديات التي ستواجه اوباما خصوصا مع وجود هذا الكم الهائل من المتغيرات الكبيرة وتنامي الصراع بين بعض الأطراف والقوى الإقليمية، وهو ما قد يدفع اوباما الى أعداد خطط جديدة وعاجلة تجاه بعض القضايا المهمة التي تحدد علاقة الولايات المتحدة الأمريكية ببعض الدول خصوصا دول الربيع العربي وباقي الدول العظمى التي تحاول سحب البساط من تحت أقدام أمريكا يضاف الى ذلك ما قد يستجد في ملفات الأمن والتحالفات العسكرية.

ومنذ أربع سنوات وصل باراك أوباما الى البيت الأبيض بوصفه داعيا للتغيير.. وفاز أول رئيس أسود للولايات المتحدة بفترة جديدة تتيح له فرصة مواصلة الإبحار بالسفينة في نفس مسارها. قد لا يكون أوباما الشخصية التي يلتف حولها الجميع كما وعد في انتخابات عام 2008 لكن ستكون أمامه أربعة أعوام أخرى يحاول فيها إجراء تغييرات كاسحة يمكن أن تؤثر على الولايات المتحدة لعقود. وهذه المهمة لن تكون سهلة. فأوباما يواجه صعوبات في الكونجرس منذ انتخابات عام 2010 حين حصل الجمهوريون على الأغلبية في مجلس النواب.

وسيكون تجاوز هذه العقبة بنفس القدر من الصعوبة. وتظهر اجندة أوباما المتواضعة لولايته الثانية نفوذه المحدود حتى الآن في واشنطن. فقد احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على مجلس النواب كما أن لهم وجودا في مجلس الشيوخ يكفي لعرقلة عمله. ويواجه الرئيس الأمريكي أزمة محتملة تعرف باسم "الهاوية المالية" وتتمثل في زيادة الضرائب وتخفيضات تلقائية في الإنفاق تهدد بانزلاق البلاد الى ركود جديد. وفي حين أنهى أوباما الحرب في العراق ويتجه الى إنهائها في أفغانستان سيكون عليه كبح الطموحات النووية لإيران وإقناع اسرائيل بألا تهاجم طهران بصورة فردية. وما من شك في أن الرئيس سيطبق في ولايته الثانية الدروس الصعبة التي تعلمها خلال ولايته الأولى.

وقال جوليان زيليزر المؤرخ المتخصص في شؤون الرئاسة بجامعة برينستون "كان شخصية وعدت بتغيير الطريقة التي تدار بها السياسة... لا أظن أن الناس مازالوا يؤمنون بهذا. المسألة ليست انخفاض الثقة فيه وحسب وإنما انخفاض الثقة فيما يستطيع النظام السياسي أن يقدمه." واذا لم يكن بوسع أوباما أن يغير واشنطن بالطريقة التي يتمناها كثيرون فإنه يستطيع استغلال الكثير من النجاحات البارزة.

لقد نجح في توسعة نطاق برنامج الرعاية الصحية في خطوة لم يتمكن منها رؤساء ديمقراطيون منذ الأربعينيات. وعلى الرغم من أن الناخبين راضون عن الكثير من عناصره فإنهم أقل رضا عن البرنامج في مجمله. والآن ستسنح له الفرصة مجددا ليثبت جدواه. ويمكن أن يقال الشيء نفسه على الإصلاحات المالية الواردة في التشريع المسمى تشريع (دود وفرانك) والتي تهدف الى كبح جماح بعض أسوأ التجاوزات في وول ستريت.

أما محاولات أوباما التشريعية لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري فقد وئدت في مجلس الشيوخ لكنه يستطيع مواصلة جهوده من خلال قواعد تنظيمية. كما يمكنه مواصلة مساعيه لتوفير الملايين من فرص العمل "صديقة البيئة" والتي لم تحقق أهدافها حتى الآن.

ولم يقترب أوباما من تحقيق هدفه بخفض العجز الهائل في الميزانية وسيعاود الانضمام الى هذه المعركة في وقت لاحق. لكن الاقتصاد الذي سقط في كساد عميق عام 2008 طغى على كل هذه القضايا في عيون الكثير من الناخبين. ويستطيع أوباما أن يشير الى نجاحه في هذا المجال ايضا فقد وفر برنامجه للتحفيز عام 2009 ملايين الوظائف وخفف من أثر أسوأ كساد شهدته البلاد منذ الثلاثينات. كما استردت صناعة السيارات الأمريكية التي كانت على شفا الانهيار عام 2009 عافيتها. وتفادت البلاد كارثة اقتصادية لكنها لم تحقق بعد نموا قويا. ومع فوز أوباما بولاية جديدة هناك 23 مليون أمريكي يعانون البطالة او البطالة المقنعة او يشعرون بإحباط شديد يحول دون بحثهم عن عمل.

ولم يسهم نهج أوباما الحذر تجاه أزمة المساكن بدرجة تذكر في حل قضية الحجز على المنازل المنتشر على نطاق واسع او مساعدة من غرقوا في الديون بسبب انخفاض قيمة العقارات. وتعثرت خطة تحفيز إضافية في الكونجرس فيما ركزت الإدارة على إصلاح قطاع الرعاية الصحية ووول ستريت. وعلى الرغم من أن أوباما كان أول عضو بالكونجرس يفوز بالرئاسة خلال عضويته منذ الرئيس جون إف. كنيدي عام 1960 فإن علاقته بالكونجرس لا يمكن وصفها بأقل من الوعرة. فأوباما لا يهوى الأضواء ويتجنب اللجوء للمجاملات والضغوط وهي أساليب متبعة لتنفيذ الأجندات في واشنطن. وشكا نواب ديمقراطيون في أحاديث خاصة من أنه لا يعبأ كثيرا بمخاوفهم السياسية.

وعارض الجمهوريون مبادراته بشكل لم يسبق له مثيل. وفي مجلس الشيوخ اتسمت الإجراءات بالبطء الشديد فيما وضع الجمهوريون عددا قياسيا من العقبات الإجرائية. وبلغت هذه الأزمة ذروتها خلال معركة سقف الدين عام 2011 والتي دفعت البلاد الى شفا التخلف عن سداد الديون. وانخفضت ثقة المستهلكين وخفضت وكالات التصنيف الائتماني توقعاتها لدين الولايات المتحدة الى مستوى تاريخي. وليس واضحا هل كان بإمكان أوباما فعل الكثير للخروج من المأزق بمفرده.

يقول نورم اورنستاين وتوماس مان الباحثان في شؤون الكونجرس واللذان درسا شؤون واشنطن لأربعين عاما في كتابهما (الوضع أسوأ مما يبدو عليه) إن الحزب الجمهوري بات متطرفا ايديولوجيا ومتمردا لا يهتم كثيرا بالتسويات اللازمة لإدارة دولة شاسعة متنوعة الأعراق. لكن توني فراتو مساعد الرئيس السابق جورج بوش يقول إن الجمهوريين كانوا على استعداد للعمل مع أوباما حين تولى منصبه لو أنه أظهر قدرا من الاستقلالية عن حزبه. وقال فراتو "أضاع هذه الفرصة. ظننت أن هذا الرئيس تحديدا وفي هذا التوقيت بالذات لديه فرصة حقيقية ومتفردة ليقلب الأوضاع رأسا على عقب في الكونجرس."

وكانت علاقة أوباما بمجتمع الأعمال مضطربة ايضا. واشتكى رؤساء شركات من أن اجتماعاتهم مع البيت الابيض بدت وكأنها جلسات لالتقاط الصور اكثر من كونها جلسات لمناقشة السياسات. وانقلبت وول ستريت ضد إدارة أوباما في أعقاب الإصلاحات المالية عام 2010 حتى أن شخصيات ديمقراطية بارزة مثل جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لجيه. بي. مورجان تشيس اتهمه بتشويه صورة القطاع المالي. وستظل "الصفقة الكبرى" التي من شأنها أن تضع المؤسسات المالية الامريكية على طريق ثابت اكثر صعوبة من اي وقت مضى اذ لايزال المستثمرون يتهافتون على شراء سندات الدين الأمريكية بأسعار فائدة بخسة في حين لا يواجه المشرعون ضغوطا تذكر من دوائرهم لتقديم التنازلات المؤلمة اللازمة للتوصل الى اتفاق.

وربما يرى الجمهوريون أن من مصلحتهم التعاون في إصلاح قوانين الهجرة لكنهم سيرغبون في التفاوض بشروطهم. ومن الممكن أن يعطي الاقتصاد لأوباما دفعة يحتاج اليها بشدة في ولايته الثانية فيما تشير البطالة وثقة المستهلكين وعدد من القضايا الاخرى الى أن التعافي ربما يصمد أخيرا. ومن الممكن أن يحل تحسن الاقتصاد بعضا من مشاكل أوباما من خلال تقليص العجز في الموازنة وإعادة المزيد من الامريكيين الى وظائفهم وتبرير الكثير من القرارات التي اتخذها في العام الأول من حكمه. بحسب رويترز.

وبالنسبة لرئيس استولى تباطؤ الاقتصاد على معظم ولايته الأولى فإن هذا سيكون تطورا مثيرا في الأحداث. وقال وليام جالستون الباحث في معهد بروكينجز والمستشار السياسي للرئيس الأسبق بيل كلينتون "انتخابات الرئاسة عام 2008 رفعت التوقعات الى مستوى كان من الصعب جدا بلوغه حتى في أفضل الظروف. والظروف لم تكن الأفضل."

خصوم آخرون

في السياق ذاته تضمن إعادة انتخاب الرئيس الديمقراطي استمرار السياسة الخارجية الأمريكية لكنها تترك تساؤلات مفتوحة مثل ما إذا كان يمكن للدبلوماسية احتواء البرنامج النووي الإيراني و ما إذا كانت اسرائيل أو الولايات المتحدة قد تلجأ إلى الغارات الجوية. كما لم يتضح بعد ما إذا كان أوباما سيتمكن من الاستمرار في امتناعه حتى الآن عن محاولة ترجيح كفة معينة في الصراع الدائر بسوريا من خلال السماح بتدفق السلاح الأمريكي إلى مقاتلي المعارضة الذين يسعون إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

ويقول محللون في مجال السياسة الخارجية الأمريكية إنه إذا كانت الظروف سانحة فإن أوباما سيواصل علاقته "المحورية" بآسيا سعيا منه لإعادة توجيه السياسة الأمريكية لاستغلال ميزة النمو المتوقع في دول مثل الصين والهند والانسحاب تدريجيا من الشرق الأوسط. لكن كلا من إيران التي تعتقد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنها تسعى لصنع أسلحة نووية وسوريا تتطلبان اهتماما.

وقال مارتن انديك نائب رئيس دراسات السياسة الخارجية في معهد بروكينجز للأبحاث إن عام 2013 يمكن أن يكون عاما حاسما في الشأن الإيراني ولمح إلى أن التزام أوباما الأوسع نطاقا بحظر الانتشار النووي يمكن ان يسفر عن سياسة "مركزة وقوية." وأضاف انديك أن القضية الإيرانية "سوف تشغل مكانا متقدما في جدول الأعمال. منع إيران من الحصول على أسلحة نووية مطلب حيوي لتعزيز نظام حظر الانتشار النووي."

وتنفي إيران اتهامات أمريكية بأنها تسعى لصنع أسلحة نووية تحت ستار برنامج نووي مدني قائلة إن برنامجها للأغراض السلمية مثل توليد الكهرباء وإنتاج النظائر المشعة. ومن المتوقع استئناف محادثات بين القوى الكبرى وإيران للتوصل إلى حل دبلوماسي. وفي محاولة لدفع إيران نحو تقديم تنازلات عملت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي العام الماضي على استهداف طهران بعقوبات في المجال الذي يمثل نقطة ضعف بالنسبة لها وهو صادرات النفط. واستهدفت الولايات المتحدة البنوك الاجنبية التي تتعامل مع البنك المركزي الايراني ودار المقاصة في إيران في مجال المبيعات النفطية الايرانية وتوقف الاتحاد الاوروبي تماما عن استيراد الخام الإيراني. كما لمحت الولايات المتحدة واسرائيل التي تعتبر إيران في حالة تسلحها نوويا خطرا على وجودها إلى احتمال شن ضربات عسكرية على الجمهورية الاسلامية.

وفي كلمة ألقاها امام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر أيلول لمح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى امكانية اتخاذ قرار حول استخدام القوة بحلول الربيع القادم. وردت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة بقولها إن إيران لديها السبل اللازمة والحق في الرد بكامل قوتها على أي هجوم. ودمرت اسرائيل التي يعتقد أنها القوة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط مرتين مواقع كانت تخشى احتمال استخدامها في صنع أسلحة نووية وهما في العراق عام 1981 وفي سوريا عام 2007 .

ويقول أوباما إن الولايات المتحدة سوف "تتخذ ما يتعين عليها من إجراءات" لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية وقال مرارا إن كل الخيارات مطروحة وهو تعبير يعني احتمال استخدام القوة. وقال جيمس دوبينز مدير مركز راند للأمن الدولي والسياسة الدفاعية إنه يعتقد أن الاحداث قد تجبر أوباما على التدخل بدرجة ما في سوريا وربما يقدم السلاح لكن من غير المرجح أن يوجه ضربة لإيران. وأضاف دوبينز "لا أعتقد أن من السليم ان يقف المرء ساكنا إذا تدهور الوضع في سوريا وإذا لم يكن الإيرانيون لديهم قدر كبير من الحماقة لإعطائنا مبررا أفضل لشن هجوم .. لا أعتقد أن الإدارة سوف تقبل على ذلك."

وقال محللون إن التحدي الرئيسي بالنسبة لأوباما سيكون محاولة تهيئة البيئة الدولية في صالح الولايات المتحدة في وقت تعاني فيه البلاد من ديون كبيرة وصعود قوى أخرى ومواجهة أخطار خارجية مثل الإرهاب والهجمات الالكترونية وارتفاع حرارة الأرض. وقال انديك "قراءتي لأوباما هي أنه يريد بشكل أساسي الابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز على آسيا" مضيفا أن من غير المرجح أن يقوم أوباما بمحاولة جديدة في عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية كما ليس من المرجح أن يبذل جهدا كبيرا للتأثير على نتيجة الصراع في سوريا أو الانخراط بشكل كبير في التعامل مع حكومة إسلامية في كل من مصر وتونس. بحسب رويترز.

وتابع قوله "لا أرى أن مثل هذه الأمور تتصدر جدول أعماله مقابل بناء علاقة مع الصين وتشجيع صعود الهند في آسيا والسعي إلى فرص كامنة في تلك المنطقة من العالم." وعلى الرغم من الإشارة إلى الصين باعتبارها "خصما لكن في الوقت ذاته شريكا محتملا" في مناظرته الأخيرة مع رومني فإن تركيز أوباما الرئيسي سيكون على الارجح محاولة التوصل إلى سبل للتعاون مع بكين بدلا من مواجهتها. وقال جون الترمان وهو باحث كبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "سنفكر في أنفسنا بشكل متزايد باعتبارنا بلدا ينتمي إلى المحيط الهادي أكثر منه بلدا ينتمي للمحيط الأطلسي."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/تشرين الثاني/2012 - 28/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م