نووي إيران... سجال طويل الامد

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: لايزال الخلاف القائم بشأن الملف النووي الإيراني محط اهتمام وترقب من لدى الكثير الدول العالم باعتباره احد أهم واخطر الملفات التي تثير مخاوف أمريكا وإسرائيل وباقي الدول الغربية، وهو ما قد يؤثر بشكل سلبي على امن واستقرار المنطقة والعالم إذا ما تم اللجوء الى استخدام الخيار العسكري لإرغام إيران على ترك هذا البرنامج، وعلى الرغم من المساعي المتزايدة لإيجاد حلول تهدف الى إبعاد شبح الحرب لايزال التشكيك والاتهامات المتبادلة بين أطراف النزاع يثير حالة من القلق، وفي هذا الشأن يقول خبراء ودبلوماسيون إن إيران تحقق تقدما على ما يبدو في بناء مفاعل للأبحاث قد ينتج مادة من المحتمل أن تستخدم في صنع أسلحة نووية الامر الذي يزيد بواعث قلق الغرب بشأن أهداف أنشطة طهران الذرية. وتتركز المخاوف الغربية بشأن إيران إلى حد بعيد على محطتين تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو لكنها أيضا تمضي قدما في بناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل بالقرب من بلدة آراك يقول محللون إنه من الممكن أن ينتج البلوتونيوم إذا عولج الوقود المستنفد المستعمل فيه. وتفيد أحدث بيانات للأمم المتحدة بأن إيران تعتزم الآن بدء تشغيل مفاعل آراك في الربع الثالث من عام 2013 بدلا من عام 2014 حسب الجدول الزمني الأصلي برغم وجود شكوك في مدى قدرتها على الوفاء بالموعد المستهدف.

وتنفي إيران المزاعم الغربية بأنها تسعى لاكتساب قدرات في مجال التسلح النووي وتقول إن برنامجها النووي سلمي تماما وإن المفاعل سينتج نظائر مشعة للأغراض الطبية والزراعية. وقال مارك هيبز المحلل في معهد كارنيجي للأبحاث "ليس هناك ما يستدعي أي شكوك جدية في تصميم إيران على استكمال هذا المشروع في الموعد المحدد وبدء تشغيل المفاعل." وتابع إن معظم ما تحتاجه إيران "معدات مزدوجة الاستخدام متاحة دون قيود تستطيع أن تشتريها من أي مكان في العالم من خلال شبكة المشتريات التي أنشأتها" لخدمة برنامجها النووي.

وأشار تقرير للأمم المتحدة بشأن برنامج ايران النووي ونال اهتماما اعلاميا لأنه كشف عن مضاعفة إيران لقدرتها على تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو إلى أن طهران تنفذ أيضا أعمالا جديدة في آراك. وقال التقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه كان يجري تركيب شبكة أنابيب التبريد أثناء زيارة المفتشين لمنشأة آراك.

وقال دبلوماسي مقيم في فيينا "إنهم يواصلون بالتأكيد تحقيق تقدم في بناء المفاعل... وما دمنا لا نثق في نوايا إيران النووية فحتى لو أزيلت قدرتها على التخصيب فلن يزيل ذلك الخطر بشكل كامل." وقال الاتحاد الأوروبي إنه يشعر "بقلق بالغ" لأن إيران لم توقف النشاط النووي في منشأة آراك التي تخضع مثل المواقع النووية الأخرى لمراقبة مفتشي الأمم المتحدة لضمان عدم تحويل مواد نووية الى استخدامات اخرى. وقال مدعون ألمان إن الشرطة اعتقلت أربعة رجال يشتبه في أنهم أرسلوا صمامات لمفاعل الماء الثقيل في انتهاك لحظر تصدير مثل هذه المعدات لإيران. بحسب رويترز.

وقال معهد العلوم والأمن الدولي وهو مركز أبحاث في الولايات المتحدة إنه إذا عملت المنشأة التي تعمل بالماء الثقيل على النحو الأمثل فستنتج نحو تسعة كيلوجرامات من البلوتونيوم سنويا أو ما يكفي لإنتاج قنبلتين نوويتين سنويا. وأضاف في موقعه الإلكتروني "سيتعين على إيران حتى تستطيع استخدام البلوتونيوم في صنع سلاح نووي أن تستخلص البلوتونيوم من الوقود المستنفد."

وقال المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية وهو مركز أبحاث آخر في تقرير العام الماضي إن إيران أعلنت أنها ليس لديها أي خطط لمعالجة الوقود المستنفد. لكن مارك فيتزباتريك مدير برنامج منع الانتشار والحد من التسلح في المعهد قال إن "مفاعلات مماثلة في الحجم بنيت كما قيل للأبحاث" استخدمتها الهند وإسرائيل وكوريا الشمالية وباكستان في صنع البلوتونيوم لاستخدامه في إنتاج أسلحة. وأضاف أنه نظرا لأن إيران لديها "سجل من التأخير في منشآت نووية رئيسية أخرى وللعقوبات والقيود على الصادرات التي عوقت حصولها على مكونات من الخارج فمن المشكوك فيه بشدة أن يتم الوفاء بموعد عام 2013."

60 في المئة

على صعيد متصل قال نائب إيراني بارز ان ايران ستخصب اليورانيوم حتى مستوى نقاء 60 في المئة اذا فشلت المفاوضات مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي وهو تصريح من شأنه أن يزيد قلق الغرب بشأن نوايا طهران. وقال منصور حقيقتبور نائب رئيس لجنة السياسة الخارجية والامن القومي في البرلمان الايراني ان هدف تخصيب اليورانيوم الى مستوى 60 في المئة سيكون توفير الوقود للغواصات النووية التي عادة ما تحتاج الى يورانيوم مخصب الى درجات عالية.

لكن التخصيب الى هذا المستوى من شأنه أيضا ان يقترب بإيران خطوة أخرى مهمة من الوصول الى مستوى التخصيب 90 في المئة اللازم للقنابل الذرية وهو ما يشتبه الغرب في ان ايران تسعى اليه كهدف نهائي. وتخصب ايران اليورانيوم الان الى مستوى 3.5 في المئة المناسب لتشغيل محطات الطاقة النووية والى مستوى 30 في المئة الذي تقول انه لازم لتشغيل مفاعل للبحوث خاص بالإغراض الطبية.

وبرغم ان الزعيم الأعلى علي خامنئي هو صاحب القرار فيما يخص الملف النووي وليس البرلمان تمثل تصريحات حقيقتبور علامة على تحدي ايران لمطلب الغرب الحد من الأنشطة النووية الحساسة. كما تمثل التصريحات التي بثتها قناة (برس تي في) الايرانية الناطقة بالانجليزية محاولة فيما يبدو لابلاغ القوى الكبرى الست التي تتفاوض مع ايران فيما يخص الملف النووي بأن طهران ليس لديها اي نية للتراجع في الخلاف النووي.

وتريد القوى الست وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا من ايران وقف التخصيب الى مستوى 20 في المئة وإغلاق المنشأة التي تخصب الى هذا المستوى والمقامة تحت الارض ونقل مخزونها من اليورانيوم المخصب الى هذا المستوى الى خارج البلاد. وتريد ايران من هذه القوى الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم وتخفيف العقوبات المفروضة عليها. بحسب رويترز.

وقال حقيقتبور "اذا فشلت محادثاتنا مع (القوى الست) في الوصول الى نتيجة فسيتقن الشباب الايراني (تقنية) التخصيب حتى مستوى 60 في المئة لتوفير الوقود لغواصات وسفن عابرة للمحيطات." واضاف أنه ينبغي للقوى الكبرى ان تعرف أنه "اذا استمرت المحادثات الى العام القادم فلا تضمن ايران ان يظل التخصيب عند مستوى 20 في المئة. فمن المرجح ان يزيد مستوى هذا التخصيب الى 40 أو 50 في المئة."

إيران والوكالة

من جانب اخر قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو إن مزاعم ايران بأن مُخربين ربما اخترقوا الوكالة لا أساس لها من الصحة وعبر عن قلقه بشأن "الأنشطة المكثفة" في قاعدة بارشين العسكرية التي يطلب مفتشوه زيارتها. ولم تفلح سنوات من الدبلوماسية والعقوبات في حل أزمة بين الغرب وايران بسبب انشطتها النووية مما يثير المخاوف من لجوء اسرائيل إلى توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية كملاذ أخير ونشوب حرب جديدة في الشرق الاوسط من شأنها ان تهز استقرار الاقتصاد العالمي.

وقال يوكيا امانو - الذي يسعى ايضا إلى الخروج من الجمود الذي أصاب منذ فترة طويلة تحقيقا في أبحاث أسلحة نووية مشتبه بها في ايران - انه يأمل في عقد اجتماع جديد رفيع المستوى مع طهران لكن موعد الاجتماع لم يتحدد بعد. وتدهورت العلاقات بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الاشهر الاخيرة. وقال مسؤول الملف النووي الايراني في فيينا ان "ارهابيين ومخربين" ربما يكونوا قد اخترقوا وكالته.

ورفض دبلوماسيون غربيون المزاعم الايرانية ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووصفوها بالمناورة لتشتيت الانتباه عن وقف طهران للتحقيق الذي تقوم به. وعندما سُئل امانو في لندن عن مزاعم المخربين التي يبدو انها استندت الى تصورات ايرانية بأن مفتشي الوكالة سربوا ما توصلوا اليه من نتائج إلى وكالات مخابرات غربية قال "احيانا لا يكون من المفيد ان تولي اهتماما لهذه المزاعم بتقديم رد رسمي يشأنها."

لكن الدبلوماسي الياباني المخضرم قال "هذا امر لا اساس له لا شأن لنا بهذه الأنشطة." ومن شأن تصريحات امانو الخاصة ببارشين ان تزيد على الارجح الشكوك بين الدبلوماسيين الغربيين بأن ايران مازالت تحاول ازالة اي دليل على قيامها بأنشطة غير مشروعة ذات صلة بالتسلح النووي في القاعدة التي تقع إلى الجنوب الشرقي من العاصمة طهران.

وعندما سئل عما اذا كانت ايران تواصل تفكيك المنشأة التي لا يمكن للمفتشين مراقبتها في الوقت الحالي الا عبر صور الاقمار الصناعية قال "نعم". وقال امانو في وقت لاحق متحدثا امام مركز تشاتام للدراسات في لندن "انهم يقومون بأنشطة مكثفة جدا في بارشين... تعرفنا على 12 منطقة نحتاج بشأنها إلى توضيح."

وترفض ايران المزاعم بقيامها بتغطية على الموقع الذي تقول انه قاعدة عسكرية تقليدية. وتعتقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان ايران قامت - ربما قبل عشر سنوات - باجراء تجارب تفجير ذات صلة بالاسلحة النووية في غرفة من الفولاذ في بارشين. وفي فيينا قال دبلوماسي غربي ان أنشطة التطهير المشكوك في قيام ايران بها في بارشين "لم تتراجع". وقال امانو ان صور الاقمار الصناعية تشير إلى بنايات تهدم وتربة تزال من مكانها في بارشين.

وتحاول الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تتخذ من فيينا مقرا لها وتتولى منع انتشار الاسلحة النووية استئناف بحثها بشأن التسلح النووي الذي لم يحقق أي تقدم يذكر منذ اربع سنوات بسبب عدم تعاون ايران. وقال أمانو ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملتزمة بالحوار مع الجمهورية الاسلامية التي تقول ان برنامجها النووي سلمي تماما ولا يهدف الا لتوليد الكهرباء.

في السياق ذاته اتهم نائب برلماني ايراني كبير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسريب معلومات سرية عن الأنشطة النووية الإيرانية لإسرائيل. وفي أحدث مؤشر على توتر العلاقات مع الوكالة قال جواد جهانجير زاده عضو مجلس رئاسة البرلمان إن المدير العام للوكالة يوكيا أمانو سيكون الملوم اذا خفضت ايران من مستوى علاقاتها مع الوكالة التابعة للأمم المتحدة.

ونقل تلفزيون برس تي.في الناطق بالانجليزية عن جهانكير زاده قوله "تشير زيارات أمانو المتكررة لتل ابيب وطلبه آراء المسؤولين الإسرائيليين في الأنشطة النووية الإيرانية الى أن المعلومات النووية الإيرانية قد تم كشفها للنظام الصهيوني وأعداء آخرين للجمهورية الإسلامية."

وأضاف "اذا أدت تصرفات الوكالة الى وقف إيران التعاون مع الوكالة الدولية فإن كل المسؤولية ستكون على عاتق المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية." بحسب رويترز.

وتشير السجلات الى ان أمانو قام بزيارة واحدة فقط لاسرائيل وهو في منصبه الحالي وذلك في أغسطس آب عام 2010 وزار طهران في مايو آيار من العام الجاري. وتلقي ايران باللوم على اسرائيل وحلفائها الغربيين في اغتيال عالم نووي في ايران بما في ذلك محاولة فاشلة لاغتيال عباسي دواني في نوفمبر تشرين الثاني 2010. كما تلقي باللوم على تلك الدول ايضا في فيروسات للكمبيوتر مصممة فيما يبدو لمهاجمة اجهزة نووية. ووبخ مجلس محافظي الوكالة المكون من 35 دولة ايران في وقت سابق هذا الشهر لتحديها المطالب الدولية بكبح أنشطة تخصيب اليورانيوم ومعالجة دواعي القلق المتزايد بشأن الشكوك في أبحاثها لإنتاج قنابل نووية.

اجهزة تجسس متفجرات

على صعيد متصل ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن وزارة الأمن في البلاد عرضت على الملأ، ما وصفته بمجموعة من "الأجهزة التجسسية الأجنبية،" التي عثرت عليها قرب منشآتها النووية. وقالت وكالة مهر الإيرانية شبه الرسمية إن وزارة الأمن عرضت "مجموعة من الأجهزة التخريبية والتجسسية ضد منشآت إيران النووية التي صنعت في أمريكا والغرب.. عثرت عليها الوزارة خلال الأشهر القليلة الماضية."

وأشارت الوكالة إلى أن الوزارة افتتحت "المعرض بحضور الصحفيين المحليين يتضمن أجهزة تخريبية وتجسسية معقدة جدا ومعدات ملوثة صنعت في الولايات المتحدة وأرسلت إلى إيران لتخريب المنشآت النووية والتجسس على المراكز الحساسة في إيران." وهذا المعرض هو الأول من نوعه تعرضه وزارة الأمن خلال العقود الثلاثة الماضية، ويكشف عن "الإجراءات التخريبية والجاسوسية التي يستخدمها الكيان الصهيوني ضد إيران،" وفقا للوكالة.

ونقلت "مهر" عن مصدر في وزارة الأمن قوله إن "ثمة شركات أمريكية وهمية قامت بإنتاج معدات ملوثة تستخدم في المنشآت النووية ومن ثمة بيعها إلى إيران عبر وسطاء في دول آسيوية ولكن وزارة الأمن عثرت عليها ومنعت إدخالها إلى المنشآت النووية." بحسب CNN.

وأضاف المصدر أن "الولايات المتحدة وفرنسا والكيان الصهيوني وألمانيا ضالعين في إنتاج المعدات الملوثة والأجهزة التجسسية التي أرسلت على شكل آليات حاسوبية بغية إدخالها إلى المراكز النووية والعسكرية الحساسة." في السياق ذاته نفت شركة سيمنس الألمانية مزاعم نائب إيراني قال إنها زرعت متفجرات في أجهزة بيعت لإيران لتستخدمها في برنامجها النووي. وقال متحدث باسم الشركة متعددة الجنسيات ومقرها ميونيخ "سيمنس ليست لها علاقات تجارية بالبرنامج النووي الايراني ولا تورد له اي معدات فنية."

وقال علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني إن معلومات مخابرات ومسؤولين أمنيين رصدوا مواد متفجرة داخل أجهزة تم توريدها لأنشطة ايران النووية. ونقلت وكالة الأنباء البرلمانية الإيرانية عن بروجردي قوله "كان من المخطط أن تنفجر هذه الأجهزة متى تستخدم وتلحق أضرارا بكل أنظمتنا لكن في النهاية ومن خلال معرفة خبرائنا تم إحباط مؤامرة العدو." بحسب رويترز.

وأضاف "يجب محاسبة الشركة على أفعالها." وكانت ايران اتهمت اسرائيل وحكومات غربية فيما سبق بمحاولة تخريب برنامجها النووي من خلال اغتيال علمائها النوويين وزرع فيروسات كمبيوتر. وتقول طهران إنها تطور الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وتنفي اتهامات غربية بأنها عقدت العزم على امتلاك قنابل نووية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/تشرين الثاني/2012 - 26/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م