إلغاء البطاقة التموينية وحيتان الاحتكار

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في قرار حساس وربما متسرع وغير مدروس، أقدمت الحكومة العراقية، على إلغاء السلة الغذائية للمواطن العراقي، والتي بدأت مع الحصار الامريكي الاممي على الشعب العراقي قبل اكثر من عشرين عاما، وعلى الرغم من زوال حكم النظام السابق ومجيء الثوار من المنافي، وتسنمهم للسلطة في العراق، إلا ان الفقر لا يزال حاضرا، والفقراء في حالة ازدياد دائم، مع تصاعد وتيرة انتاج النفط بصورة لافتة، وبلوغ ميزانية الدولة ارقاما خيالية، تصل الى اكثر من مئة مليار في السنة.

المفارقة التي يعرفها الفقراء والتي تزيدهم ألما ومرارة، أن وطأة الفقر تتضاعف عليهم كلما تصاعد انتاج النفط حيث اصبح العراق يحتل ثاني دولة مصدرة للنفط بعد السعودية، وكلما غصت بنوك الدولة بمليارات الدولارات، زادت اعداد المفسدين والفاسدين، وهم في الغالب من مسؤولين كبار في الدولة ايضا.

عشر سنوات مضت ومافيات الفساد والإفساد لا تزال تمتص دماء الفقراء وتسرق قوتهم في وضح النهار، إذ لا خوف من عقاب او قانون، لأن المسؤولين هم أنفسهم يديرون عمليات الفساد ويحمون انفسهم، في ظل قانون بلغ من الضعف أنه لا يستطيع ان يحمي حتى نفسه.

في ظل هذا الوضع المرير الذي يثقل كاهل الطبقة الفقيرة تغامر الحكومة بالغاء سلتهم التي تسد جانبا من رمقهم، وتخصص مبلغا هزيلا، لا يكفي لشراء (لفافة طعام واحدة) في اليوم لكل مواطن، وقد برع المسؤولون كالعادة في تقديم التبريرات التي دفعت عقولهم واراداتهم الجبارة لاتخاذ هذا القرار، ومن التبريرات القضاء على الفساد الاداري والمالي في وزارة التجارة وعدم التلاعب بالاموال المخصصة للبطاقة التموينية.. هنا تتضح لنا الصورة السقيمة لهذه التبريرات، لأن الفساد المالي لا يتعلق بوزارة التجارة وحدها بل يعم وزارات ومؤسسات ودوائر كبيرة وكثيرة، منها وزارة الدفاع والكهرباء والداخلية وغيرها، علما أن الاموال المخصصة للبطاقة التموينية قليلة جدا، قياسا لعشرات المليارات التي تكون بحوزة الوزارات الاخرى التي تعيث فسادا بالمال العام.

لقد اكد مسؤولون حكوميون كبار، أنهم سيضمنون للمواطن سلة غذاء باسعار معتدلة، ولكن من يضمن جدية مكافحة حيتان الاحتكار عندما توقف الدولة توزيع السلة الغذائية، ومن يضمن عدم سحق الطبقة الفقيرة كاملة تحت اقدام مافيات التجارة والسوق؟ خاصة اذا عرفنا ان التجار هم انفسهم يديرون البلد، وان هناك الكثير من المسؤولين - إن لم يكن جميعهم - هم الذين يشتغلون بالتجارة ويستثمرون اموالهم في هذا المجال او ذاك خاصة المواد الغذائية، لكي تتضاعف ثرواتهم وارصدتهم داخل العراق وخارحه، آلاف المرات في زمن قياسي، ثم اين هي قوة القانون التي تكافح الحيتان وتضمن قوت المواطن من المساس؟ لاسيما اذا عرفنا أن الحكومة التي تعجز عن مكافحة الفساد في وزاراتها ودوائرها، ستعجز ايضا عن مكافحة الاحتكار والمحتكرين الذين يتلاعبون بقوت الفقراء، في ظل موجة انعدام ضمير لم يشهد لها العراق مثيلا عبر تأريخه كله، قديما ومنظورا وحاضرا.

لذا فإن قرار الغاء البطاقة التموينية بحجة القضاء على الفساد ليس صحيحا ولا موفقا ولا سليما، فمن يريد القضاء على الفساد عليه أن يبدأ بنفسه اولا، وبالوزرات الاكثر أهمية وخطورة وحساسية، نعم نحن نتفق جميعا على أن العصا السحرية التي تقضي على الفساد غير موجودة، ولن نحصل عليها في الزمن القريب، ولكن أن تترك الفساد والفاسدين والمفسدين يعيثون في كل ارجاء البلاد، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وتأتي وتستهدف سلة الفقراء الغذائية بحجة الفساد !!، هذا ما لا يرضاه عقل ولا ضمير ولا دين ولا اخلاق ولا عاطفة.

لذا المطلوب من الحكومة العراقية التراجع عن قرارها بالغاء البطاقة التموينية، والشروع الفوري بتشكيل لجان متخصصة ليس من الحكومة فقط، بل من ذوي التخصص، من المنظمات المدنية، ومن ذوي الخبرات، وممن تمس حياتهم هذه القضية الجوهرية، من اجل أن يتم الاتفاق على الطريقة السليمة التي تخول الحكومة باصدار قرار الغاء، أو إبقاء، وفي حالة الالغاء يجب دراسة حاجة الفقير الفعلية الى الغذاء يوميا وتعويضه بالمبلغ الذي يضمن كرامته، ووضع السبل الكفيلة لدرء خطير حيتان الاحتكار من التحكم بقوت الناس لاسيما الايتام والارامل وعموم الطبقة الفقيرة، بمعنى اوضح، يجب على الحكومة والجهات المختصة في حالة الغاء البطاقة، أن تعوض المواطن بمبلغ يحفظ قوته وكرامته اولا، ويجب أن تضع التشريعات والروادع الفورية الحازمة، كي تقتص من كل تاجر محتكر يهدف الى الثراء السريع على حساب تجويع الشعب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/تشرين الثاني/2012 - 26/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م