اوباما ورومني... صراع ملتهب في نهايته

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تشتد شراسة الحرب الانتخابية وتتسع نبرة التسقيط الإعلامي مع بداية العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شهدت هذه الحملة الطويلة تصعيدا غير مسبوق بين اوباما و رومني في سبيل كسب المزيد من الأصوات التي قد تعزز فرص الفوز في هذا السباق، ويرى بعض المراقبين ان احتدام الصراع واتساع لهجة التسقيط والاتهامات المتبادلة بين رومني واوباما يثبت وبدليل القاطع صعوبة الموقف خصوصا مع عدم وجود نتيجة ثابتة لاستطلاعات الرأي المتذبذبة والتي انعكست سلبا في بعض الأحيان على حلتهما النفسية، وفيما يخص منافسة الساعات الأخير في هذا السباق التاريخي فلا يزال الرئيس الاميركي باراك اوباما ومنافسه الجمهوري يقاومان التعب ويجوبان أنحاء مختلفة في أميركا قبل نهاية الحملة المحتدمة في السباق الى البيت الأبيض وظهرت علامات الإرهاق على اوباما ورومني اللذين يقومان بجولات انتخابية من ولاية متأرجحة الى أخرى في محاولة لإثارة حماسة المؤيدين وكسب تأييد ناخبين مترددين في اخر لحظة قبل انتخابات.

ويبدو ان اوباما أدرك في وقت متأخر انه بعد إنفاق ملايين الدولارات والمشاركة في عدد لا يحصى من التجمعات الانتخابية والسفر لأشهر، فان مصيره لم يعد بين يديه. وقال اوباما أمام حشد ضم حوالي 24 ألف شخص في بريستو فرجينيا، "انا مجرد ركيزة للحملة"، مضيفا ان "السلطة لم تعد بين ايدينا والتخطيط، وكل شيء نقوم به، لم يعد يهم". وأضاف "الأمر كله بين أيديكم ولدى المتطوعين ... انتم لديكم السلطة. هكذا يجب ان تكون الديمقراطية".

من جهته قال كلينتون أمام الحشد ان اوباما قدم أفضل ما لديه ويستحق اعادة انتخابه. واضاف كلينتون "لقد وضعت صوتي في خدمة الرئيس" وذلك خلال تجمع انتخابي في ولاية فرجينيا الحاسمة. وكلينتون الذي يشكل دعامة أساسية بين مؤيدي اوباما، سيشارك في اربع تجمعات لمناصري اوباما في بنسلفانيا للتصدي لمحاولة رومني الأخيرة كسب اصوات في هذه الولاية.

ويقول فريق حملة اوباما ان حملة رومني في هذا الاتجاه تدل على يأس واعتراف بانه لم يعد بإمكانه جمع اصوات كبار الناخبين ال270 المطلوبة للفوز الانتخابات في الولايات الحاسمة. ويشدد الفريق على انه ليس هناك اي خطر في خسارة المعركة في تلك الولاية.

لكن استطلاعات الرأي على المستوى الوطني للتصويت الشعبي تظهر تعادلهما تقريبا الا ان اوباما يبدو في موقع اقوى في المعارك الحاسمة، واذا صحت توقعات هذه الاستطلاعات يبدو انه سيفوز بولاية ثانية. وفي احدث نبأ سار للرئيس، اظهر استطلاع للرأي اجرته صحيفة دي موين ريجستر ان الرئيس يتقدم على رومني في ايوا بفارق خمس نقاط كما بدا في موقع قوي ايضا في نيفادا واوهايو وهي الولايات الثلاث التي تشهد اشد منافسة في هذه الانتخابات.

لكن اخر استطلاع لشبكة "اي بي سي نيوز" وصحيفة واشنطن بوست اظهر ان اوباما ورومني متعادلان وحصل كل منهما على 48 بالمائة من نوايا التصويت.

وعمد رومني ومرشحه لمنصب نائب الرئيس بول راين الى التشديد على ايصال رسالة "وضع البلاد اولا" للناخبين فيما قاما بحملات في نيوهامبشر وايوا وكولورادو. وفي ميلواكي ساهمت نجمة البوب كايتي بيري في اثارة حماسة الحاضرين خلال التجمع الانتخابي المؤيد لاوباما وبلغ عددهم حوالي عشرين ألف شخص. وهاجم الرئيس الاميركي ما وصفه بخطة رومني لإعادة وول ستريت الى الايام السابقة حين كانت "حرة للقيام بما يحلو لها" معتبرا ان ذلك هو ما ادى الى المصاعب الاقتصادية "التي لا نزال نعمل للخروج منها". وكانت ويسكونسن تعتبر موالية للديموقراطيين بشكل مؤكد لكن عدة عوامل بينها تصاعد قوة الحزب الجمهوري وتراجع نسبة الحماسة لاوباما وكون راين يمثلها، ادى الى جعلها من المناطق التي تشهد منافسة شديدة. بحسب فرنس برس.

ولاحقا توقف الرئيس في ايوا، الولاية الريفية وشارك في تجمع ضم حوالى خمسة الاف شخص. وقال "بدأت حملتي نحو الرئاسة هنا في هذه الولاية، بعد سنتين من الحملات وبعد اربع سنوات كرئيس" مضيفا "انتم تعرفونني الآن". وفي كولورادو سبرينغز قال رومني "سيكون المحطة التي ننظر فيها الى المستقبل، وتصور ما يمكننا القيام به لوضع هذه السنوات الأربع ورائنا". وأضاف "نحن قريبون جدا من ذلك الان" وقال "الباب نحو مستقبل مشرق اكثر مفتوح".

محور الصراع

على صعيد متصل تصدر الاقتصاد حملة المرشح الجمهوري الذي وعد بإنعاش المحرك الاقتصادي للبلاد. وقبل توجه الاميركيين الى صناديق الاقتراع حاول رومني التقليل من شعار "التغيير" الذي اعتمده اوباما، مصورا خصمه على انه قائد مسكين عاجز عن انهاء تباطؤ النمو الذي طبع اقتصاد البلاد. وقال رومني لحشد في ايمز في ولاية ايوا ان "حملة الرئيس مقصرة جدا امام اهمية هذه المرحلة. كما ان رئاسة السنوات الاربع الاخيرة قصرت جدا حيال وعود حملته الأخيرة".

واذ انتقد رومني حملة اوباما 2008 صور المليادرير البالغ من العمر 65 عاما نفسه كمرشح الامل والتغيير، فيما اعتبر خصمه الديموقراطي ممثلا "للوضع القائم". وقال رومني ان "الرئيس اوباما وعد بتقريبنا من بعضنا البعض، لكنه مع كل منعطف سعى الى التفرقة والتشويه. وعد بتقليص العجز الى النصف لكنه ضاعفه مرتين". و كان اوباما قد سعى الى اجتذاب اصوات العمال والى صد تقدم رومني الذي بدا في الاستطلاعات على مستوى البلاد لكنه ما زال متأخرا في الولايات الحاسمة.

ونشرت الحكومة بيانات تظهر تحسن الاقتصاد في الفصل الثالث ليبلغ وتيرة سنوية بنسبة 2,0%. لكن بالرغم من ان الرقم افضل مما كان متوقعا اعتبر رومني هذه المعلومات "مثبطة للعزيمة"، مؤكدا ان النمو بلغ اقل من نصف توقعات البيت الابيض عندما اقر قانون التحفيز الاقتصادي عام 2009. وقال ان "النمو الاقتصادي البطيء يعني بطء نمو الوظائف وتراجع الرواتب الصافية. هذا اما انتجته اربع سنوات من رئاسة اوباما". وأضاف ان "الأميركيين مستعدون للتغيير - للنمو، للوظائف، لرواتب صافية افضل، وهذا ما سنقدم لهم". واكد رومني امام 2500 شخص في ايوا انه قادر على تحسين الاقتصاد بنسبة نمو تفوق 4%. وقال "نحن على منعطف حاسم اليوم. فديننا الوطني ومستحقاتنا المالية تهدد بسحق مستقبلنا فيما يرزح اقتصادنا تحت ثقل الحكومة ويعجز عن توليد النمو والوظائف الضرورية". بحسب فرنس برس.

وسرعان ما هاجم فريق اوباما رومني على تطعيم خطابه "بهجمات غير شريفة ووعود فارغة بالتغيير لكن من دون سياسة جديدة". وصرحت المتحدثة باسم حملة اوباما ليس سميث "هذا لأن كل ما لدى ميت رومني هو خطة اقتصادية بنقطة واحدة يتحدث عنها منذ عامين، حيث تطبق قواعد مختلفة تماما على الاثرياء بالنسبة الى الآخرين جميعا". وتابعت "بدأ رومني بإطلاق الوعود بالتغيير الكبير لكن التغيير الوحيد الذي يقدمه هو اعادتنا الى السياسات الفاشلة اياها التي ادت الى انهيار اقتصادنا في البدء".

بورصة وول ستريت

من جانب أخر يسود التوتر بورصة وول ستريت مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الاميركية اذ ان الوسطاء يتمنون بدون امل كبير فوز المرشح الجمهوري الى البيت الابيض ميت رومني. واختصر كريستوفر لو من مؤسسة "اف تي ان فايننشل" للاستشارات الاستثمارية انه بعد اربعة اعوام من ولاية رئاسية "شديدة الصعوبة بالنسبة الى عالم المال، خسر اوباما وول ستريت".

وعزا ذلك الى مجموعة من الاسباب منها ترسانة تنظيمية وانضباطية مثقلة جدا وفريق سياسي "عدائي" حيال الشركات وخطاب الرئيس نفسه الذي "يوجه انتقادات كثيرة". وعلى العكس ينظر الى ميت رومني مؤسس صندوق "باين كابيتال" للاستثمارات ورجل الاعمال قبل ان يصبح رجلا سياسيا، في البورصة النيويوركية على انه "رجل لديه وجهات نظر سياسية مؤيدة" للشركات والاسواق، كما اقرت كيتي ليان من مؤسسة "بي كي اسيت مانجمنت".

اما بيتر موريسي استاذ الاقتصاد في جامعة ميريلاند، فرأى ان لدى الولايات المتحدة "الخيار بين الفشل والمجهول"، مشيرا الى ان "الاقتصاد العالمي على شفير الانهيار وهذه الانتخابات قد تكون حاسمة جدا اذا ارادت الولايات المتحدة ان تتجنب مجددا تدهورا كبيرا على حد رايه.

وقالت ستيفان فانتيلاتو من "بنكا آي ام آي سيكيوريتيز" ان "اوباما كان رئيسا جيدا، لقد انفق 1400 مليار دولار" لإنقاذ الاقتصاد الاميركي، "وقام الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الاميركي) بكل ما في وسعه" لتحفيز النمو. واضافت "لكن بات يتعين الان انتخاب رئيس يعرف كيف يتأهب للعمل، رئيس عملاني اكثر براغامتية لإعطاء المزيد من الحيوية للبيت الابيض في لحظة يتطلب فيها الوضع التحرك بسرعة كبيرة".

وتزيد الافاق الاقتصادية الداكنة للشركات الاميركية الكبيرة من حجم الضائقة في الاسواق وسط نهوض اقتصادي هش. الى ذلك، لا يبدو ان بالإمكان تجنب التهديد الذي تمثله "الهاوية المالية" المصحوبة بانتهاء مفعول اجراءات النهوض ودخول مبدأ التطبيق التلقائي لتخفيض النفقات العامة حيز التطبيق في غياب اتفاق بين الديموقراطيين والجمهوريين في الكونغرس في نهاية العام. كما ان عواقب فوز المرشح الديموقراطي او الجمهوري على اداء السوق ليست واضحة بعد.

فقد لاحظ ايفاريست لوفيفر من مؤسسة ناتيكسيس انه "على الرغم من ان الجمهوريين يقدمون انفسهم على انهم اكثر ولاء للإعمال من معارضيهم" اذا نظرنا بدقة الى تطور مؤشر "ستاندارد اند بورز 500" خلال الولايتين الرئاسيتين الاخيرتين (الجمهوريتين)، نرى انه "خسر 31,6 بالمئة في ظل ادارة جورج بوش لكنه تحسن بنسبة 59,1 بالمئة في ظل ادارة اوباما".

وتوقع ميس بليكسيلفر من مؤسسة "ماربلهيد اسيت مانجمنت" ان يؤدي فوز باراك اوباما "بالتأكيد الى تدهور السوق على المدى القصير قبل ان يعود الى التحسن لاحقا بينما سيقفز على الفور اثر انتخاب رومني قبل ان يعود لمواجهة الضغوط". ذلك ان عددا من الخبراء في وول ستريت وبعيدا عن شخصيتي المرشحين وبرامجهما في مجال الضريبة، يرون ان انتخابات السادس من تشرين الثاني/نوفمبر ستكون حاسمة بالنسبة الى السياسة النقدية للولايات المتحدة. بحسب فرنس برس.

وقال بليكسيلفر "اذا انتخب رومني، فان (رئيس الاحتياطي الفدرالي) بن برنانكي سيتلقى امرا بالرحيل"، مرددا بذلك صدى عدد من الوسطاء الذين يتوقعون تغييرا على راس هرم البنك المركزي الاميركي في حال فوز المرشح الجمهوري. واقر بليكسيلفر قائلا "لنكن صريحين، فبفضل النفقات العامة والاستدانة" من الاحتياطي الفدرالي، شهدت السوق مثل هذه الاندفاعة منذ ثلاثة اعوام. ومنذ خريف العام 2008، اي قبل بضعة اشهر من وصول اوباما الى السلطة، ضخ الاحتياطي الفدرالي الاميركي 2340 مليار دولار في الدورة المالية. واعلن في ايلول/سبتمبر اطلاق موجة الشراء الثالثة للأصول.

6 مليار دولار

في السياق ذاته انفق المرشحون للانتخابات الاميركية حوالى ستة مليارات دولار في 2012 حسب تقديرات لخبراء في الجانب المالي للانتخابات اي بزيادة حوالى 13 بالمائة من اقتراع 2008. غير ان الانتخابات الرئاسية وحدها بين باراك اوباما وميت رومني ستكلف اقل من اقتراع 2008 عندما اضطر المرشح الديموقراطي لتمويل معركة الانتخابات التمهيدية ضد هيلاري كلينتون.

وستكلف هذه حوالى 2,6 مليار دولار مقابل 2,8 مليار في 2008 كما قال مركز "ريسبونسيف بوليتيكس" الذي يحلل وينشر كل النفقات الانتخابية في الولايات المتحدة على موقع "اوبنسيكريتس.اورغ". ويشمل هذا المبلغ نفقات المرشحين ولجان دعمهم والأحزاب.

ونجمت الزيادة العامة للدورة الانتخابية التي بلغت 700 مليون عما كانت قبل اربع سنوات عن ظهور لجان سياسية مستقلة للأحزاب قادرة على تلقي مساهمات غير محدودة من قبل شركات ونقابات وافراد اغنياء منذ قرار اتخذته المحكمة العليا في 2010. وتهيمن اللجان المحافظة التي تضم اللجان المعروفة ب"سوبر باك" وجمعيات غير ربحية وغير سياسية مبدئيا تعرف باسم "501 (سي) 4" الى حد كبير على اللجان التقدمية. ومع 970 مليون دولار اغرقت هذه المجموعات مساحات الاعلانات الدعائية السلبية، معظمها ضد باراك اوباما والمرشحين الديمقراطيين. بحسب فرنس برس.

والمجموعات المسماة "501 (سي) 4" غير ملزمة بكشف اسم مانحيها، بحيث لا يوجد اي شفافية. ومن اهمها "كروسرودز جي بي اس" التي اسسها كارل روف مساعد الرئيس السابق جورج بوش وقد انفقت الى اليوم 65 مليون دولار من هذه الأموال "السرية". واجمالي النفقات المخصصة للانتخابات التشريعية، اي مجلسي الشيوخ والنواب، يتوقع ان تصل الى 1,82 مليار دولار، ما يساوي المبلغ الذي انفق في 2008.

أوباما يتقدم

على صعيد متصل أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إبسوس أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتقدم على منافسه الجمهوري ميت رومني بواقع نقطة مئوية واحدة قبل الانتخابات الرئاسية فيما يتوقع معظم الامريكيين ان يتغلب اوباما على خصمه. وحصل أوباما على نسبة تأييد بلغت 47 بالمئة مقابل 46 لرومني وهو هامش تقول مؤسسة قياس الرأي إنه غير مهم من الناحية الاحصائية. ولم يحقق أي من المرشحين تقدما واضحا منذ اوائل اكتوبر تشرين الاول الماضي. الا ان 53 في المئة من جمهور الناخبين المسجلين توقعوا فوز اوباما في الانتخابات فيما قال 29 في المئة فقط انهم يتوقعون فوز رومني. وقالت أغلبية ايضا انها تتوقع فوز اوباما في الولاية التي ينتمون لها. بحسب رويترز.

ويعكس ذلك رأي كثير من المحللين وخبراء استطلاع الرأي ممن يقولون إن لدى اوباما ميزة تكتيكية في المعارك الانتخابية في كل ولاية على حدة في طريقه للفوز بالبيت الابيض. ويحظى اوباما ايضا بميزة اخرى بين 22 في المئة من الناخبين المسجلين ممن قالوا إنهم شاركوا في الاقتراع المبكر. وقال نحو 58 في المئة من هذه المجموعة إنهم أعطوا اصواتهم لاوباما وقال 40 في المئة منهم إنهم صوتوا لرومني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/تشرين الثاني/2012 - 21/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م