الثقافة وجسامة المرحلة الراهنة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما نحاول أن نصف المرحلة الراهنة للعراق والشرق الاوسط، وربما العالم أجميع، لا يمكننا أن نتجاهل الارباك والفوضى والتعقيدات الكبرى التي يعيشها العراق حاضرا، مثلما لا يمكن ان نغض الطرف عن المخاطر الجمة التي تجتاح الشرق الاوسط برمته، ومن الطبيعي أنت تتضاعف مسؤوليات النخب في اللحظات المحورية للزمن، لدرجة أنها تفوق بأضعاف المرات، مسؤوليات العامة من الناس، ومنها المسؤولية الجسيمة للنخبة المثقفة التي يتضاعف عليها دور التصدي لمصاعب المرحلة الراهنة.

وذلك لأن النخبة المثقفة - كما يذكر التأريخ المنظور وسواه- لها قدرة كبيرة في تحريك الطاقات الكامنة للشعوب، من خلال حُزَم وموجات الوعي المتواصلة، التي تزجها في عقول الناس البسطاء وغيرهم، لذا يُنظر الى المثقف، على أنه مسؤول فكري مبدئي، يمهد السبل الصحيحة لشرائح الشعب الاخرى، لكي تواصل سيرها في المسارات الصحيحة، لذلك ثمة أولويات تتصدر غيرها فيما يتعلق بالمثقفين، ومنهم المثقف العراقي، فهو صاحب أولويات، أو ينبغي أن يكون كذلك، وهذه الأولويات ليست جديدة، لكنها قطعا تتغير من ظرف الى آخر.

وهنا يجدر بنا أن نتساءل عن هذه الأولويات، وماهيتها، أو طبيعتها، ومدى قربها من نبض الشعب، وقدرتها على تحقيق أهدافه، في التحرر  والعيش بطريقة تحفظ حقوقه وحرياته وكرامته ؟، ولو تخيلنا إجابات المثقف العراقي، في هذه المرحلة المحورية، التي ينتقل فيها المواطن البسيط، من التفكير السطحي، والقبول بما يسد الرمق، الى التفكير الجوهري، والسعي الى تحقيق النمط الحياتي التحرري، فإننا قد نصاب بخيبة كبيرة، لأننا سوف نطلع الى سقف من المطالب، لا يليق قطعا بدور المثقف، ومسؤولياته الكبيرة في هذه المرحلة.

إننا ندوّن هذا الرأي ليس وفقا للمزاج، أو استنادا الى عشوائية التصوّر والاستنتاج، بل ما أقوله هنا يستند الى وقائع، يمكن أن نبصرها، ونلمسها في الشارع العراقي، فالمثقف العراقي صاحب أدنى سقف للمطالب، بل غالبا ما ترتبط مطالبه، بمطالب الذات او الفردية المستمَدة من أنانية، لم نستطع كمثقفين أن نتخلص منها حتى اللحظة، وإذا كان الامر كذلك، فما بالك بالشرائح الأقل وعيا، وكيف يمكن أن يقوم المثقف - بوصفه نخبة فكرية قائدة- بدوره في رفع سقف المطالب، الى الدرجة التي تليق بأهمية الانسان، وأحقية مطالبه المشروعة، التي كان ولا يزال يفتقد لها، وهي لا تعدو كونها حياة تحقق له حفظ الكرامة في أدنى مستوياتها، ومن الملاحظ أن بعض مطالب المثقفين مثلا، تنحصر في تحقيق منافع فردية بحتة، لا تتجاوز الاطار المادي (سكن/ راتب/ رعاية صحية ...الخ) وهذا ما نسمعه، ونقرأه، ونراه في وسائل الاعلام، ويبدو أن وعي المثقف العراقي، لايزال متأثرا بحالة الغبن العامة التي تعرّض لها عموم الشعب، من الحكومات العراقية التي تعاقبت على تهميشه، وسلب حقوقه، وتحجيم تطلعاته.

علما لا يمكن أن يتساوى المثقف في الوعي، مع عامة الناس، واذا صح هذا فإنه من باب أولى، ينبغي أن لا يتساوى في مستوى سقف المطالب مع الآخرين، لذا فالحرية هي مطلب المثقف الأزلي، وهذا المطلب هو الذي كان سببا مباشرا بقتل، واعدام، ونفي، وتشريد مئات المثقفين على مر التأريخ، ولم تكن المطالب المادية الفردية، والامتيازات، والاغراءات، من شيم المثقثين الأصلاء، لأنها غالبا ما تكون سلاح الحكومات المستبدة وقادتها الطغاة، فحرية الشعب أولا، ثم يأتي الطعام، والسكن، واللباس، والخدمات المادية، التي ستأتي كتحصيل حاصل، لمطلب الحرية الذي لن يتنازل عنه المثقف الأصيل، أو يُفترَض به أن يكون هكذا، ولا يُقصَد هنا بالحرية معناها القولي المجرد، بل جوهرها الفعلي الشاخص والحاضر في ساحة الفعل، لهذا ربما يفتقد العراقيون في هذه المرحلة المحورية من تأريخهم، الى المثقفين الذين يعرفون خطورة دورهم، وحجم مسؤولياتهم، وقدرتهم على التفريق بين مطالب تحسِّن حياتهم المادية، وأخرى تنشئ مجتمعا متحررا من الخوف، والجهل، والعوز المادي، والضمور الفكري في آن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/تشرين الثاني/2012 - 21/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م