حرب في الخليج ... والبقاء للأقوى

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: إن تصاعد التهديدات المتبادلة بين إيران وكل من الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الخليج، تضفي بواعث خطر الانزلاق الى حرب كارثية، نظرا لشراسة المواجهة الدائرة بين أطراف الخصام في المنطقة، مما يدعو الى دق اجراس الانذار بقوة في ساحة الحرب الوشيكة، إذ مازالت الاستعدادات والسجال الحاد بين ايران ودول الخليج يغذي الحرب الباردة والحرب المخابراتية الساخنة على ساحل الخليج، وقد تكشف المدة القادمة عن تزايد الاضطرابات على نطاق أوسع في تلك المنطقة، فما حدث في قضية النزاع حول مضيق هرمز وقضية الجزر الاماراتية الثلاث، فضلا عن قضية البحرين، كلها مؤشرات تمثل الشرارة التي قد تتسبب في مواجهة حتمية في الشرق الأوسط، وبالتالي تؤدي الى قرع متصاعد لطبول الحرب، حيث تسعى الولايات المتحدة التي تعمل الآن مع حلفائها العرب على بناء نظام دفاع صاروخي إقليمي في الخليج العربي من أجل حمايتها، وتزايد التحشيد العسكري من خلال الطلب على الدفاع الصاروخي في الشرق الأوسط وبيع الأسلحة وصنعها بين الاطراف المتخاصمة، مما ينذر بكارثة لا تحمد عقباها فيما لو اندلعت شرارة حرب هناك، في حين يرى العديد من المحللين الاستراتيجيين في الشؤون العسكرية والسياسية أن الدفع الذي تقوم به دول الخليج العربية بالتوازي مع إسرائيل لشن حرب غربية على إيران لن تأتي بنتائج ملموسة في الوقت الحالي، وذلك لان الحرب اذا جرت في هذه الاونة، سيكون لها عواقب لا يمكن حصرها في بلد واحد فحسب، بل ستكتسح المنطقة بشكل عام وربما العالم على أسوأ تقدير، وهذا هو سبب توجس زعماء الخصام، ولكنهم في الوقت نفسه عاجزون عن ايقاف عجلة الاحداث من الدوران نحو قدر الحرب المحتوم، على الرغم من أنها مازالت مبهمة المعالم حتى اللحظة الراهنة.

مضيق هرمز

في سياق متصل نقل تلفزيون برس تي.في الايراني الذي تديره الدولة عن وزير الدفاع البريجادير جنرال أحمد وحيدي قوله ان بلاده ليس لديها خطة لاغلاق ممرات الملاحة الحيوية في مضيق هرمز، وهدد مسؤولون ايرانيون مرارا باغلاق المضيق الذي يمر به نحو 40 في المئة من صادرات النفط العالمية المحمولة بحرا ردا على تشديد العقوبات على صادرات الخام الايرانية خلال العام المنصرم.

وقالت وسائل الاعلام الايرانية التي تديرها الدولة في يوليو تموز ان برلمانيين صاغوا مشروع قانون لمحاولة منع ناقلات النفط من الابحار في مضيق هرمز ردا على حظر الاتحاد الاوروبي لواردات الخام الايرانية الذي بدأ سريانه في اول يوليو، لكن تلفزيون برس تي.في. قال ان طهران ليس لديها خطة لاغلاق الممر المائي، ونقل التلفزيون عن وزير الدفاع قوله "هاتان القضيتان (اغلاق مضيق هرمز والعقوبات) ليستا مرتبطتين وهما مستقلتان تماما عن بعضهما البعض." وأضاف "العقوبات القائمة ظالمة لكنها اعطتنا دفعة الى الامام وعززت قدراتنا. نحن أقوياء بدرجة كافية بحيث يمكننا ان نترك بكل قوة هذه العقوبات وراءنا، وقال وزير النفط الايراني ان بلاده لديها استراتيجية طواريء للبقاء بدون ايرادات النفط وانها ستوقف كل صادراتها النفطية اذا اشتدت الضغوط من العقوبات الغربية. بحسب رويترز.

وظهرت التهديدات الايرانية باغلاق ممرات الملاحة في اوائل عام 2012 عندما اشتدت العقوبات الامريكية والاوروبية التي استهدفت حرمان طهران من الاموال لبرنامجها النووي، وينظر الى الوجود البحري الغربي الكثيف في المنطقة على انه عقبة كبيرة أمام إغلاق المسار الملاحي الذي يعد طريق الصادرات الوحيد للغاز الطبيعي المسال القطري.

في سياق متصل قالت مجلة دير شبيجل الاسبوعية الألمانية في تقرير لم تذكر مصدرا له إن قائد الحرس الثوري الإيراني صاغ خطة لإحداث كارثة بيئية في مضيق هرمز لقطع الطريق البحري أمام صادرات النفط بهدف رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، ولم يرد على الفور تأكيد للخبر، وأضافت المجلة الألمانية أن خطة محمد علي جعفري تتضمن توجيه ناقلة نفط بحيث تصطدم بالصخور في مضيق هرمز أهم ممر ملاحي لشحنات النفط في العالم، وقالت "الهدف هو توقف الشحن مؤقتا بسبب التلوث لمعاقبة الدول العربية المجاورة المعادية لإيران وإجبار الغرب على المشاركة في عمليات تنظيف المياه على نطاق كبير وربما تعليق العقوبات على طهران"، وتابعت "لن تتسنى إزالة التلوث إلا بمساعدة فنية من السلطات الإيرانية ولهذا سيتعين رفع الحظر ولو مؤقتا"، وأضافت دير شبيجل "بل إن الشركات الإيرانية وبعضها مملوك للحرس الثوري يمكن أن تجني ربحا من وراء عمليات الإنقاذ. بحسب رويترز.

ولم تذكر المجلة مصدرا لهذا التقرير لكنها قالت إن أجهزة مخابرات غربية تدرس هذه الخطة التي قالت إنها لا تتطلب سوى موافقة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي للشروع في تنفيذها، ويعاني الاقتصاد الإيراني من العقوبات الغربية التي تهدف إلى إجبار البلاد على تعليق برنامجها النووي والتفاوض بشكل جدي لتبديد المخاوف من أن تسعى لصنع قنابل نووية وهو ما تنفيه إيران، ويمر نحو 40 في المئة من صادرات النفط المنقولة بحرا في العالم عبر مضيق هرمز، وهددت إيران قبل ذلك بتعطيل شحن النفط في الخليج في حالة شن اسرائيل أو الولايات المتحدة أي هجمات على منشآتها النووية.

خطة دفاع صاروخي

على الصعيد نفسه قال مسؤولون امريكيون ان الولايات المتحدة وشركاءها في الخليج يسعون لتعميق التعاون في مجال الدفاع الصاروخي مع تصاعد التوتر مع ايران وهو اعلان من شأنه ان يقود قريبا إلى صفقات سلاح جديدة، والتقت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مع مسؤولين من مجلس التعاون الخليجي في نيويورك في وقت تسعى فيه واشنطن إلى دعم الدفاعات الاقليمية ضد التهديدات الايرانية المحتملة، وقال مسؤول امريكي رفيع مستعرضا الاجتماع امام الصحفيين "هدفنا مساعدة شركائنا في الخليج في احتياجاتهم الدفاعية... هناك تهديد صاروخي يواجهونه ونريد مساعدتهم في مواجهة هذا التهديد بأفضل ما يمكنهم، وقال المسؤول "تلقينا اعرابا عن الاهتمام من شركائنا في الخليج بشأن قدرات دفاع صاروخية اضافية. نأمل ان تكون لدينا اعلانات قريبا فيما يتعلق بهذا الاعراب عن الاهتمام. بحسب رويترز.

ورفض المسؤول تقديم معلومات محددة بشأن الخطط مع مجلس التعاون الخليجي الذي يضم كلا من السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعمان، لكن شركة مارتين لوكهيد اكبر الشركات الموردة للسلاح لوزارة الدفاع الامريكية تلقت تعاقدا مبدئيا بقيمة 1.96 مليار دولار في ديسمبر كانون الاول لشراء اثنين من انظمة الدفاع الصاروخي عالي الارتفاع للامارات العربية المتحدة وهي اول مرة يباع فيها هذا النظام الدفاعي خارج الولايات المتحدة، وقال لوكهيد ان دولا اخرى في مجلس التعاون الخليجي من بينها السعودية اعربت عن رغبتها في الشراء. ومن بين الشركات البارزة في مجال تصنيع نظم الدفاع الصاروخي شركات بوينج ورايثون ونورثروب جرومان، وتعكس محادثات تصاعد وتيرة المحاولات الامريكية لفرض ضغوط على ايران التي تقول الولايات المتحدة وحلفاؤها انها تسعى سرا لامتلاك قدرات نووية عسكرية تحت غطاء برنامجها النووي السلمي. وتنفي ايران هذه الاتهامات لكنها تعرضت لسلسلة من العقوبات الدولية بسبب نشاطها النووي.

حجم القوة الأمريكية بالمنطقة

من جهة أخرى قال قائد القوات البحرية الإيرانية، الأميرال حبيب الله سياري، إن بلاده لديها معلومات دقيقة عن حجم القوات الأمريكية المتواجدة بالمنطقة، ولفت في الوقت ذاته، إلى أن البحرية الإيرانية تخطط لتوسيع نطاق تواجدها العسكري حتى القطب الجنوبي، ونقلت وكالة أنباء "فارس" شبه الرسمية عن سياري تصريحه، بمناسبة أسبوع "الدفاع المقدس": " لدى إيران معلومات دقيقة عن الطائرات والغواصات وكاسحات الألغام الأمريكية في المنطقة، وكان المسؤول العسكري الإيراني قد صرح في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري إن بلاده تراقب عن "كثب" السفن الأمريكية في مياه الخليج، وأن تحركاتها في الخليج "تحت السيطرة والمراقبة الكاملة. بحسب السي ان ان.

وجاءت التصريحات وسط تقارير متناقلة بأن الجمهورية الإسلامية قد  ترد على أي ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة لمنشآتها النووية بضرب القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، ويذكر أن إيران كانت قد أعلنت في مطلع العام الحالي إن الوجود الأمريكي في الخليج يثير التوتر، وقال حينها وزير الدفاع، العميد أحمد وحيدي إنه "يجب أن لا يتواجد الأمريكيون في ممر الخليج الفارسي"، واصفا تواجد القوات الأجنبية في الخليج بأنه "ضار ولا ينتج سوى إثارة التوتر في المنطقة، وبالعودة إلى تصريحات قائد القوات البحرية الإيرانية، قال سياري، ووفق ما نقلت وسائل إعلام إيرانية مختلفة، إن لقواته الإمكانيات "اللازمة على رفع العلم الإيراني في مناطق مختلفة من القطب الشمالي والجنوبي ونحن نخطط لذلك بالفعل، وأضاف المسؤول العسكري الإيراني: "بناء على الاتفاق الذي عقد مع مؤسسة دراسات المحيطات فاننا نخطط لتواجد قواتنا بالقرب من القطب الجنوبي"، وعلى صعيد مواز، أعلن قائد القوات البرية الإيرانية، العميد احمد رضا بوردستان، عن مناورات مدرعة مشتركة بين الجيش والحرس الثوري في جنوب شرق البلاد.

البحرين

في المقابل قال وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، إن إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية فحسب، بل بدأت بتوجيه "التهديد والوعيد" لها، مضيفاً أن بلاده عانت خلال العام الماضي من "تحديات كبيرة لأمنها" ولكنها تعاملت معها بـ"شفافية"، وقال الوزير البحريني، في كلمة ألقاها أمام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "في الوقت الذي تمد دول مجلس التعاون يدها إلى جارتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنها وللأسف الشديد، قلما تجد تجاوباً يساعد على بناء الثقة وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار، بل وعلى العكس من ذلك، تواجه تدخلات مستمرة في شؤونها الداخلية، وتابع بالقول: "وها نحن في الفترة الأخيرة نسمع تهديدها ووعيدها لدول المجلس بما يخالف مبادئ حسن الجوار ويخلق حالة من التوتر وعدم الثقة في المنطقة"، وقال الشيخ خالد إن مملكة البحرين "كانت وما زالت منذ انضمامها للأمم المتحدة لم تألُ جهداً في دعم مبادئها ومقاصدها النبيلة، في حفظ السلم والأمن وتحقيق التعاون الدولي وإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس الإحترام المتبادل"، وأضاف الوزير البحريني أن بلاده "واجهت منذ العام الماضي تحديات كبيرة لأمنها واستقرارها، تعاملت معها بكل شفافية والتزام وأمانة، وذلك بإعادة الأمن والاستقرار، ومن ثم إنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق لتبيان الحقيقة وإعطاء كل ذي حق حقه"، ولفت أيضاً إلى قيام بلاده بإجراء "حوار شامل بين أطياف المجتمع، نتج عنه سلسلة من الإصلاحات الدستورية والتشريعية تغطي جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية،" وفق لنص الكلمة كما وردت عبر وكالة الأنباء البحرينية الرسمية. بحسب السي ان ان.

وتابع بالقول: "ترى مملكة البحرين أنه من الضروري العمل الجاد من أجل الوصول إلى حل عادل ودائم وشامل، وذلك بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية، وقرارات اللجنة الرباعية الدولية، كما حض على جعل الشرق الأوسط، "منطقة خالية من الأسلحة النووية،" معتبراً أن ذلك "لن يتأتى إلا بإلزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، والانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى أهمية إلتزام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتعهداتها في التعاون التام والشفاف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، يشار إلى أن البحرين شهدت مطلع عام 2011 مظاهرات قادتها المعارضة التي يغلب عليها الطابع الشيعي، وقد تصدت لها قوات الأمن في العديد من المناسبات، وتشهد المملكة حالياً توترات دورية مع تحركات تجري في الشارع، إلى جانب محاكمات لعدد من الناشطين والمعارضين بتهم مختلفة.

نزاع على جزر

على صعيد آخر ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن إيران حذرت الإمارات من أنها ستفكر في قطع العلاقات الدبلوماسية معها إن هي واصلت المطالبة بالسيادة على ثلاث جزر صغيرة في الخليج محل نزاع بين البلدين، وتقع جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى محل النزاع قرب ممرات ملاحية مهمة عند مصب مضيق هرمز الاستراتيجي وطالب شاه إيران الراحل بالسيادة عليها عام 1971 قبل أن تستقل الإمارات الخليجية السبع عن بريطانيا وتشكل دولة الإمارات، وقالت إيران إن سيادتها على الجزر الثلاث ليست محل تفاوض وذكر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست أن إيران ستفكر في خفض مستوى علاقاتها بالامارات أو حتى قطعها إن هي استمرت في المطالبة بالسيادة على الجزر، ونقلت وكالة الأنباء البرلمانية الإيرانية عن مهمان باراست قوله "إذا وصلت الادعاءات المناهضة لايران والتي لا أساس لها من الصحة إلى نقطة تحتم فيها المصالح الوطنية خفض العلاقات السياسية أو قطعها فستتخذ هذه الخطوة بعد التشاور واستنادا إلى تحليل الخبراء. بحسب رويترز.

وأضاف "الجمهورية الاسلامية الايرانية عازمة على الدفاع عن سلامة أراضيها"، وكان وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان قال إن "احتلال" إيران للجزر الثلاث يتعارض مع القانون الدولي، ونقلت وكالة أنباء الإمارات عن الوزير قوله أثناء وجوده في نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة إنه يتمنى أن تتعامل الحكومة الإيرانية مع هذه القضية بطريقة إيجابية وعادلة، وللنزاع أبعاد قومية وعرقية وقد تأجج في الشهور القليلة الماضية بعدما زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جزيرة أبو موسى في ابريل نيسان، وردا على ذلك استدعت الإمارات سفيرها في طهران للتشاور ووصفت الزيارة بأنها انتهاك صارخ لسيادتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/تشرين الثاني/2012 - 20/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م