تونس اليوم... بين هشاشة الدولة وهيمنة السلفية

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تتجدد المخاوف وتزداد لدى العديد من أبناء تونس الذين يخشون من دخول بلادهم في دوامة العنف و الاقتتال الأهلي بسب مواقف وتصرفات بعض الأطراف الإسلامية السلفية المتشددة التي تسعى الى خلق الأزمات والمشاكل المتكررة بهدف فرض أرائها وأفكارها والتي تواجه رفضا متزايدا من قبل اغلب فئات الشعب، ويخشى بعض المراقبين استفحال وهيمنة المد السلفي المتشدد الذي يسعى الى ضرب الأحزاب العلمانية وتغير البلاد من خلال أتباع أساليب العنف وإثارة المشاكل التي اتسعت في الفترة الأخير لتشمل رجال الأمن أيضا وهو ما ينذر بحدوث مواجهات مسلحة قد تدخل البلاد في أزمة يصعب معالجتها او السيطرة عليها. وفي هذا الشأن تظاهر ألاف العلمانيين في العاصمة التونسية احتجاجا على تنامي العنف الديني والسياسي متهمين الحكام الإسلاميين للبلاد بأنهم يهددون الانتقال الديمقراطي في تونس. ووقعت اشتباكات عنيفة بين اسلاميين مقربين من حركة النهضة وعلمانيين تابعين لحزب نداء تونس في مدينة تطاوين في جنوب البلاد. وقتل في الاشتباكات شخص واحد على الاقل قالت المعارضة انه مات بعد اعتداء اسلاميين عليه.

ووصفت المعارضة الحادث بانه "اول عملية اغتيال سياسي" في تونس بعد الثورة. واتهم الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء السابق وزعيم حركة نداء تونس العلمانية حركة النهضة بالمسؤولية عن الحادث. وجاب حوالي خمسة الاف محتج شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة تونس رافعين اعلام تونس الحمراء والبيضاء ولافتات كتب عليها "لا للعنف السياسي لا للعنف الديني" و"لا للدكتاتورية الدينية الناشئة" و"تونس حرة حرة والارهاب على بره" و"لا خوف ولا رعب السلطة ملك الشعب".

وتوقف المتظاهرون امام مقر وزارة الداخلية مطالبين برحيل الحكومة ورددوا شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" الذي رفعه المحتجون في انتفاضة العام الماضي. ولم تشهد المظاهرة اي مواجهات مع قوات الامن التي انتشرت بكثافة امام مقر الوزارة. وشارك في المظاهرة التي دعت اليها احزاب الجمهوري والمسار ونداء تونس العلمانية العديد من الشخصيات السياسية ومن بينها محافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي. وقال زعيم حزب المسار احمد ابراهيم "العنف انتشر والدولة لم تتحرك انه امر خطير يهدد الانتقال الديمقراطي في تونس." بحسب رويترز.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان ان تونس تقاعست عن التصدي بإجراءات صارمة للعنف الذي يمارسه إسلاميون ضد دعاة العلمانية ومن بينهم صحفيون وفنانون الأمر الذي قد يزيد المخاطر ويشجع على المزيد من الهجمات. وتتعرض حركة النهضة الاسلامية لضغوط متزايدة من السلفيين الذين يطالبون باقامة دولة اسلامية والعلمانيين الذين يقولون ان قيم الحداثة في المجتمع التونسي أصبحت مهددة في ظل انتشار العنف الديني والسياسي.

حالة الطوارئ

في السياق ذاته أعلنت الرئاسة التونسية تمديد العمل بحالة الطوارئ لثلاثة اشهر حتى نهاية كانون الثاني/يناير 2013، بدل شهر واحد كما هو معتاد، حسبما أوردت وكالة الانباء الرسمية. وأفادت الوكالة ان "رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي قرر تمديد حالة الطوارئ لثلاثة اشهر بداية من الاول من تشرين الثاني/نوفمبر 2012".

واضافت الوكالة ان القرار اتخذ "باقتراح من القيادات الامنية والعسكرية وبعد التشاور مع رئيس الحكومة المؤقتة ورئيس المجلس الوطني التاسيسي". ويسري العمل بحالة الطوارئ في تونس منذ كانون الثاني/يناير 2011 بعد فرار الرئيس زين العابدين بن علي الى السعودية. ومنذ تموز/يوليو كان تمديد العمل بحالة الطوارئ يقتصر على ثلاثين يوما وكانت السلطات تؤكد ان ذلك دليل على تحسن الوضع الأمني.

لكن ومنذ عدة اسابيع ازدادت حوادث العنف في تونس. وتورطت مجموعات من التيار السلفي في اكثر تلك الحوادث خطورة. و قتل ناشط مفترض في التيار السلفي واصيب اثنان من عناصر قوات الامن بجروح خلال مواجهات اندلعت اثر تعرض مركزين للحرس الوطني التونسي لهجوم في ضاحية العاصمة. بحسب فرنس برس.

وفي 14 ايلول/سبتمبر هاجم مئات الناشطين من التيار السلفي سفارة الولايات المتحدة مما اوقع اربعة قتلى بين صفوف المهاجمين. وتعد السلطات التونسية دوريا بالتصدي لاعمال العنف التي ينفذها جهاديون وتشدد خطابها فيما الحكومة التونسية التي يهيمن عليها حزب النهضة متهمة من قبل المعارضة بالتراخي مع السلفيين الجهاديين.

الائتلاف الحاكم

على صعيد متصل دعت أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم (الترويكا) في تونس المعارضة الى "التهدئة والحوار بعد مضي عام كامل على إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) في 23 تشرين الأول/اكتوبر 2011، وسط حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي المتزايد واتهامات للترويكا ب"الفشل" السياسي والاقتصادي. ويضم الائتلاف الحاكم أحزاب "حركة النهضة" الاسلامية و"المؤتمر" و"التكتل" العلمانيين.

وألقى ممثلون عن الائتلاف خطبا في المجلس التأسيسي قاطعها نواب من المعارضة احتجاجا على ما اعتبروه "فشل الترويكا في تحقيق أهداف الثورة". ودعا مصطفى بن جعفر أمين عام حزب "التكتل" ورئيس المجلس الوطني التأسيسي (اعلى سلطة في تونس) "القوى المدافعة عن الثورة" إلى عدم الانسياق وراء "العنف السياسي".

وتأتي الدعوة بعد مقتل ناشط بحزب علماني معارض في مظاهرة في تطاوين (جنوب) نظمتها "الرابطة الوطنية لحماية الثورة" المحسوبة على حركة النهضة الاسلامية. وقال بن جعفر "المرحلة تستدعي من كافة القوى المدافعة عن الثورة ان لا تنساق في طريق العنف السياسي، علينا جميعا ازالة حالة الاحتقان والتجاذب وتغليب لغة العقل والحوار والتهدئة". وتابع "الاحداث الاخيرة التي شهدتها بلادنا وتصاعد مظاهر التوتر والخطابات المتشنجة التي تفتح الباب أمام العنف بمظاهره اللفظية والمادية، خط احمر يجب الوقوف عنده".

من ناحيته قال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي مؤسس حزب "المؤتمر" ان "مصلحة الوطن تقتضي في هذا الظرف الدقيق وقف اطلاق النار الاعلامية بين الاطراف السياسية" محذرا من ان "التخوين والشيطنة لاي طرف كان والتحريض والقدح في الاشخاص، (أصبحت) أكبر عوامل الاحتقان في بلادنا اليوم".

ويقول مراقبون ان تونس تعيش هذه الايام "حربا اعلامية" بين الاسلاميين بقيادة حركة النهضة الاسلامية الحاكمة وخصومها من العلمانيين الذين تمثلهم أحزاب وسطية ويسارية. وأضاف "كلنا أبناء هذا الشعب، يجب أن يكون واضحا للجميع انه لا يمكن أن نبني شيئا على الحقد والضغينة والتشكيك المتواصل، الوحدة الوطنية هي مكسبنا الرئيسي الذي يجب أن نحافظ عليه بكل قوانا، وان نتخاصم ان تطلب الامر لكن داخل منظومة الوحدة الوطنية".

ودعا حمادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة "الاحزاب السياسية والاطراف الاجتماعية والاعلامية وكل مكونات المجتمع المدني" في تونس الى "تحمل مسؤولياتها التاريخية" وتجنب "دفع الاوضاع للتأزم والتناحر حتى العنف وذلك بتغليب الاجندات الحزبية والشخصية والفئوية الضيقة وتهييج النعرات".

ودعا إلى "التسريع في مواعيد الاستحقاقات السياسية القادمة والمصادقة على الدستور (الجديد) مطلع السنة المقبلة واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تراعي المعايير الدولية في مطلع الصيف القادم" قائلا "هو في رأينا أمر مقدور عليه". واشار الى ان "تأخير موعد الانتخابات لاي سبب من الاسباب لأكثر من التاريخ المقترح (مطلع صيف 2013) سيعرض في رأينا بلادنا لمخاطر ومنزلقات لا يمكن تحملها" دون توضيحها.

وكانت احزاب الائتلاف الحاكم اقترحت اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في 23 حزيران/يونيو 2013 والجولة الثانية من الرئاسية يوم 7 تموز/يوليو من العام نفسه لكن أحزاب المعارضة رفضت هذا المقترح لان شهر يونيو/حزيران يتزامن مع إجراء الامتحانات الوطنية وأبرزها امتحان الباكالوريا (الثانوية العامة).

وتجمع امام مقر المجلس الوطني التاسيسي بباردو غرب العاصمة متظاهرين في تجمعين منفصلين احدهما يدعم الحكومة ويشيد بمنجزات الائتلاف الحكومي بقيادة الاسلاميين والثاني معارض للسلطة ومندد بادائها. في الاثناء دعا زعيم تنظيم جهادي سلفي مقرب من تنظيم القاعدة، التونسيين إلى "مجابهة" التيارات العلمانية "المرتبطة بأجندات غربية"، وطالب بالافراج عن سلفيين اعتقلوا أثناء هجوم استهدف السفارة الاميركية في تونس يوم 14 أيلول/سبتمبر الماضي.

وقال سيف الله بن حسين زعيم تنظيم "ملتقى أنصار الشريعة" في تسجيل فيديو نشرته صفحات اسلامية على شبكات التواصل الاجتماعي "التيارات العلمانية المرتبطة بأجندات غربية تريد لك المذلة وربطك بالكفر يجب عليك أيها الشعب أن تقصي هؤلاء الذين يحاربونك في قوتك وفي دينك (..) ان تقف يدا واحدة مع اخوانك في (تنظيم) انصار الشريعة لمجابهتهم ولدحرهم لأن لا يعودوا ابدا الى الحكم ولو على جثثنا". بحسب فرنس برس.

وفي سياق آخر حذرت منظمة العفو الدولية من ان التقدم الذي سجل في مجال حقوق الانسان منذ اسقاط الرئيس زين العابدين بن علي في تونس يتراجع على يد الحكومة الاسلامية الحالية، مشككة في التزام هذه الحكومة بالاصلاح. وقالت المنظمة في بيان أصدرته بمناسبة مرور عام على انتخابات المجلس الوطني التأسيسي "التقدم في مضمار حقوق الانسان الذي اعقب اسقاط زين العابدين بن علي يشهد اليوم عودة الى الوراء على يد الحكومة الحالية". واضافت ان ذلك "يثير الشكوك حول مدى التزامها بالإصلاح".

إجراءات حكومية

من جانب أخر عينت الحكومة التونسية التي تقودها حركة النهضة الاسلامية، مديرا عاما جديدا لجهاز الامن الوطني التابع لوزارة الداخلية. وقالت وزارة الداخلية التونسية في بيان ان حمادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة "قرر تعيين عبد الحميد البوزيدي مديرا عاما للأمن الوطني خلفا لمحمد نبيل عبيد الذي سيدعى للقيام بمهام أخرى". بحسب فرنس برس.

وطالب معارضون باقالة وزير الداخلية علي العريض القيادي البارز في حركة النهضة، بعد مقتل لطفي نقض. وراى مراقبون ان علي العريض "ضحى" بمحمد نبيل عبيد الذي كان من أكبر معاونيه، من أجل البقاء في منصب وزير الداخلية. وحمل حزب "حركة نداء تونس" المعارض الذي يترأسه الوزير الاول السابق الباجي قايد السبسي، وزارة الداخلية، وحركة النهضة الاسلامية الحاكمة و"أتباعها" مسؤولية ما أسماه "اغتيال" أحد قيادييه في ولاية تطاوين (جنوب).

في السياق ذاته استدعت الخارجية التونسية السفير الفرنسي في تونس فرانسوا غويات وابلغته ان "التدخل" في شؤون البلاد "خط احمر"، وذلك بعد نشر وسائل اعلام تونسية انباء اشارت الى دعم السفير لاضراب الصحافيين التونسيين. وقال وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام في تصريح لإذاعة "موزاييك إف إم" التونسية الخاصة "تم استقبال السفير الفرنسي في وزارة الخارجية، وقد لفتت انتباهه لما أشيع في بعض وسائل الاعلام حول دعمه للإضراب العام الذي تقوم به نقابة الصحافيين".

وأضاف "تونس الجديدة منفتحة على الجميع و(نحن) حريصون على علاقات تواصل مع جميع الدول، ولكن هناك خط أحمر لا نقبله وهو التدخل في شؤوننا الداخلية". وتابع "بينا للسفير أن الحكومة (التونسية) حريصة على ضمان حرية الاعلام والصحافة، وأنه في قضايانا الداخلية (نحن) حريصون على معالجة كل المشكلات في اطار الحوار الوطني بعيدا عن كل التدخلات الأجنبية".

وقال الوزير "ذكر السفير (الفرنسي) أن مقابلته مع نقابة الصحافيين كانت مبرمجة مسبقا في اطار زيارات المجاملة التي يقوم بها لجهات رسمية وغير رسمية، شملت بعض المسؤولين الرسميين وكذلك فعاليات المجتمع المدني والأحزاب السياسية" في تونس. وتابع أن السفير الفرنسي "قال إن بعض وسائل الاعلام التونسية وخاصة الصحافة الالكترونية حرفت أقواله ونسبت له اقوالا غير دقيقة، وأكد انه ليس من مهامه الدبولماسية التدخل في الشؤون الداخلية لدولة الاعتماد" الدبلوماسي. بحسب فرنس برس.

وذكرت مواقع الكترونية تونسية أن السفير الفرنسي أعلن دعمه للإضراب العام للصحافيين خلال زيارة أداها إلى مقر النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. ولم تصدر السفارة الفرسية بتونس أي رد فعل على استدعاء وزارة الخارجية التونسية للسفير الفرنسي، لكنها قالت على موقعها الرسمي على الانترنت أن السفير زار مقر نقابة الصحافيين التونسيين "لاظهار تعلق فرنسا بحرية الصحافة والصحافيين التي تعد من بين القيم الكونية التي تتأسس عليها الآن العلاقات بين تونس وفرنسا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/تشرين الثاني/2012 - 19/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م