ألازمة السورية وعودة القاعدة للعراق

جاسم محمد

 

شبكة النبأ: مع رحيل القوات الامريكية ديسمبر 2011، زالت معها قدرة مخابراتها وكذلك العراق، على جمع المعلومات، مما منح المجموعات المسلحة ومقاتلي القاعدة، الحصول على حيزا أكبر للعمل في معاقلهم السابقة وخاصة في المناطق الغربية مع تصاعد الاحتراب السياسي في بغداد.

فالمقاتلون يتسللون إلى العراق عبر الحدود العراقية –السورية، بالاضافة الى المعابر الحدودية الاخرى.

ففي بداية حزيران 2011، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال ريتشارد مايرز، إن الاستخدام المحتمل للقوة في سوريا سيكون أكثر تعقيدا بكثير مما كان عليه في ليبيا. واضاف: " إن الشبكة الضخمة من الصلات التي تربط سوريا بجماعات في لبنان ومنذ الغزو الأميركي للعراق في 2003، تعني أنك لكي تصل لفهم حقيقي للأحداث في سوريا، فإن لزاما عليك أن تتطلع لما وراء حدودها".

ومع تسلل مسلحين مابين العراق و سوريا، استطاعت القاعدة بجمع اموالا وضم مقاتلين جددا في العراق واستعادة نشاطها، وبالفعل أكدت بغداد إن مقاتلي القاعدة من اصحاب الخبرة يعبرون الحدود التي تمتد لمسافة 680 كيلومترا للتواصل وشن هجمات ضد العراق. ويقول خبراء ان هذا يمنح جماعة "دولة العراق الاسلامية " شرعية جديدة، وفي تموز 2012، اصدر أبو بكر البغدادي بيانا يعلن فيه "الجهاد" مجددا لاستعادة السيطرة على مناطق خسرتها القاعدة في معارك مع قوات امريكية سابقا.

ويعترف مسؤولون عراقيون بان القاعدة - التي اضحت اضعف وقلت قدرتها على الاحتفاظ باراض عما كانت عليه قبل اعوام - تسللت من جديد لمعاقل قديمة ساعدها على ذلك عدم تحرك الحكومة بسبب الفساد والاقتتال السياسي. وتعتبر الموصل المدينة - التي اطلق عليها الجنود الامريكيين اسم العاصمة غير الرسمية لجماعة " دولة العراق ألاسلامية" ويقول مسؤولون انهم يجمعون ملايين الدولارات شهريا من خلال عمليات الابتزاز والاتاوات.

يؤكد مسؤولون عراقيون وأميركيون أن القاعدة أقامت مراكز في غرب العراق لتدريب مسلّحين من عناصر جـندهم هذا التنظيم لاستغلال الأوضاع غير المستقرة في ظلّ إخفاقاتٍ لوقف الإرهاب واستعادة السيطرة الحكومية على أمن البلاد. وينقل أحدث تقرير إعلامي عن هؤلاء المسؤولين أن القاعدة تمكّـنت من مضاعفة عدد أعضائها ليبلغ 2,500 مسلّح ارتفاعاً من نحو ألف فقط قبل عام واحد.

من جهة اخرى، صرح قائد القوات البرية العراقية لأسوشييتد برس بأن القوات الأمنية اكتشفت خلال غاراتٍ شنّتها هذا العام، شهر سبتمبر 2012، بان بقايا معسكرات تدريب مسلّحين أُقيمت في منطقة الجزيرة المحاذية للحدود مع سوريا بغرب البلاد والتي تضم ثلاث محافظات عراقية، وأشار إلى اكتشاف أدلة تظهر أن تلك المعسكرات استُخدمت لتدريب المسلّحين على الرماية.

الهجمات الأخيرة نفذت بعد دعوة الجناح المحلي لتنظيم القاعدة والذي يعرف باسم "دولة العراق الإسلامية" خلال شهر سبتمبر 2012 "شباب المسلمين" للتوجه إلى العراق بالتزامن مع بدء عودة هذه الجماعة إلى مناطق سبق أن غادرتها، معلنةً خطةً تستهدف إطلاق سراح معتقلين أُطلِقت عليها تسمية "هدم الأسوار ".

الازمة السورية تغذي الارهاب في العراق

أن علاقة سوريا بالإرهاب علاقة مركبة و معقدة، حيث هنالك قاعدة ترتبط بالنظام السوري وبالتحديد جند الشام والتي كانت معنية بتدريب وتنفيذ هجمات في العراق من الاراضي السورية، وجائت هذه الحقائق في اعترافات مقاتلي القاعدة الذين تدربوا باشراف النظام السوري في معسكرات الاذقية وغيرها.

وقاعدة اخرى: ألنصرة و"جهاديون " يقاتلون النظام مع الجيش السوري الحر.

وتعود بداية تورط نظام بشار الى بداية حكم والده، حافظ الاسد، قبل أربعين عام. لقد استخدمت سوريا الارهاب في سياستها الخارجية ايضا ودعمها لأذرعها، في العراق وفلسطين واحتلالها الى لبنان الذي يعد سابقة في تاريخ العلاقات العربية ـ العربية. وتمتلك سوريا شبكة معقدة من الحلفاء وبمجموعات ارهابية، تطورت بعد عام 2003 في اعقاب الغزو الاميركي لبغداد.

وضعت الخارجية الأميركية سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ تدشين القائمة عام 1979 بسبب استمرار دعمها وتوفيرها الملاذ الآمن للمنظمات الإرهابية. ويمكن تقسيم دعمها المثير للجدل بين دعم مقدم إلى الجماعات التقليدية، التي تسعى إلى السيطرة أو التأثير على الدولة مثل حزب الله، ودعم مقدم إلى جماعات متطرفة أخطر مثل تنظيم القاعدة وجند الإسلام وجبهة النصرة.

معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو موقع آخر أصبح لسوريا تأثير فيه. وقد وردت تقارير إعلامية من فلسطينيين من معسكر عين الحلوة يكتبون وصاياهم ويتجهون صوب سوريا.

وأصبحت الحالة مرتبكة في سوريا، بسبب الغموض والتشابك بحيث يصعب إدراك الموجود من غير الموجود او التميز بين الفصائل المسلحة او الجهادية بشكل عام، خاصة انها شهدت هجرة عكسية ايضا من اوروبا الى المنطقة وسوريا.

فالقاعدة موجودة في سورية قبل الثورة وكان النظام يدعمها وأطلقها بقوة في العراق، وكان يوفر مراكز التدريب والتسلح على الحدود، واطلق العديد من السجناء والقياديين في القاعدة من سجونه بعد الثورة السورية 2011 بهدف اثارة الفوضى.

عاش النظام السوري طيلة فترة حكمه على خلق المشاكل في الدول المجاورة، وكان يعمل على اثارة الاضطرابات حوله، لانه لا يريد الاستقرار للدول المجاورة سواء الأردن أو العراق أو لبنان بطبيعة الحال، كل هذه الدول أرادها فوضوية متقاتلة متآكلة، فصمد الأردن في وجه خططه، وبقي لبنان والعراق تحت سطوة التخريب السورية التي يقوم بها النظام.

جند الشام

برز اسم جند الشام، التنظيم الذى ظهر بقوة فى لبنان بعد اشتباكات مخيم عين الحلوة فى 24 أكتوبر 2005، وتعود تسمية جند الشام إلى المجموعة الأولى التى تزعمها الزرقاوى فى أفغانستان عام 1999، حيث أطلق الاسم على مخيم للتدريب كان يضم متطوعين من بلاد الشام، أى لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، وتولى شأنه التنظيمى عماد ياسين، وقام الملقب أبو يوسف شرقية بإعلان تشكيل جند الشام، وتولى ـ إمارته ـ فى مايو 2000 بالإضافة الى الداعية السورى أبو القعقاع محمود أغاس ـ الذى كان أبرز الداعين للدخول للعراق، والذي تم اغتياله فيما بعد في 28 سبتمبر 2007 على يد عناصر عراقية. وتقدر بعض المصادر بان عدد عناصر القاعدة الان في سوريا ب 6000 بضمنهم عناصر من الخارج واجانب. أما عناصر القاعدة التي تقاتل الى جانب النظام فهي ضعيفة وفقا لتصريحات المراقبين.

الخلاصة

 ارهاب مزمن في العراق: لقد صعدت القاعدة من عملياتها داخل بغداد خاصة ضد الاهداف النوعية التي تستهدف مراكز الدولة والمؤسسات الامنية، رغم استهدافها اهداف رخوة مثل الزوار والمناطق المدنية بهدف اثارة الرعب والفوضى. فالتنظيم معروف بانتهازيته، لذا هنالك اجماع بين الخبراء المعنيين بشان القاعدة والامن، بان شبكة القاعدة توجد وتتكاثر وتنشطر في مناطق فراغ السلطة وغياب الحكومة.

وتصاعدت وتيرة تهديد "دولة العراق الاسلامية" لتصل الى الاعلان عن خططه مسبقا بهدم الاسوار اي فك سجنائه من السجون العراقية وتهديد القضاة والمحققين في تموز 2012 وهذا ما فعلته في عملية سجن محافظة صلاح الدين في 28 سبتمبر 2012. فالعراق يعاني فعلا من ارهاب القاعدة المزمن.

القاعدة لا تتردد عن اعلان مسؤولياتها عن عمليات الخطف والقتل والتهديد لتمويل تنظيمها وكسب اعداد جديدة من المقاتلين مستغلة العنف السياسي ودوامة الازمات السياسية بين الفرقاء العراقيين.

ان التنظيمات المحلية للقاعدة ومنها " دولة العراق الاسلامية " هي اشد تطرفا وارهابا من التنظيم المركزي: لانها تعتمد الخطاب المناطقي والطائفي اكثر من عولمة الاهداف وكذلك، اتباع قياداتها لغة الوعيد والتهديد في تحصيل الاتاوات والثار والانتقام وابتعادها عن مركزية قيادة التنظيم الام.

وقد بدات القاعدة تستخدم التسميات المحلية، سياسة جديدة منها لكسب المقاتلين وتعاطف العشائر العراقية بعد ان خسرت القاعدة معاقلها في العراق عام 2006 بمقتل الزرقاوي.

ولا نستبعد من استخدام القاعدة او " دولة العراق الاسلامية " تسمية "جيش العراق الحر: لكسب مقاتلين جدد بدل عن تسمية القاعدة والتي ظهرت في الاشهر الاخيرة خاصة في محافظة ديالى والموصل وسط وشمال العراق.

لم يستفد العراق، من تقنية الولايات المتحدة في مواجهة الارهاب وضيع فرصة الاستفادة من العمل بالاتفاقية الامنية مع اميركا وعدم تجديدها عام 2011، تلك الخطوة فسرها بعض المراقبون بانها نتيجة ضغوطات اطراف وكتل سياسية موالية الى ايران داخل البرلمان العراقي.

تشير تقديرات، الخبراء الامنيون بانها تنصح العراق للعودة بالعمل بالاتفاقية الامنية مؤكدة ان العراق ليس له خيار غير التعاون الامني والعسكري مع اميركا او التوجه الى ايران، بسبب ما شهدته المؤسسات العسكرية والامنية من تداعيات بل انهيار خطير في الاداء، ومراقبون اخرون يقولون ان العراق واميركا ضيعا ثمرة جهود سنوات طويلة من العمل المشترك للخروج بالعراق من دوامة العنف والارهاب والارهاب السياسي.

فلا توجد مقارنة ما بين التعاون العراقي الاميركي مع نظيره في الباكستان او اليمن، هناك استطاعت الولايات المتحدة اتباع التزاوج الاستخباري وفرق (الكوماندوز) اكثر من العمليات العسكرية في تعقب واصطياد قيادات القاعدة بواسطة عمليات دقيقة واستخدام طائرات بدون طيار (درون).

المفروض بالعراق ان يدرك التراجع الذي حصل له في ادارة الملف الامني على وجه الخصوص ليستعين بالتعاون الامني والاستخباري والعسكري التقني مع اميركا مثلما موجود في اليمن والباكستان ودول اخرى.

ألازمة السورية

أن ألازمة السورية بالتاكيد صعدت من العنف في العراق وفي دول الجوار خاصة العراق ولبنان والاردن. فالذي حصل بين النظام والقاعدة والمجموعات الجهادية الاخرى هو اتفاق غير معلن وهو: ان يطلق النظام، الحرية بالعمل واطلاق سجنائها لها مقابل اثارة الفوضى والقتل. وذكرت بعض التقارير تورط النظام السوري بتجنيد مقاتلين من مخيمات فلسطينية في لبنان للتوجه الى سوريا، وقد تناولها موقع رؤية الاخباري في 21.10.2012 وهي سياسة اتبعها النظام اكثر لتخفيف الخناق عليه.

القاعدة، فزاعة يستخدمها النظام كما استخدمتها انظمة اخرى ابرزها القذافي، بان سقوط النظام يعني سيطرة القاعدة والمجموعات الجهادية على المنطقة والتي من شانها تثير مخاوف الولايات المتحدة والغرب. فالقاعدة في سوريا هي جزء من النظام وذراعها، ولا تستطيع القاعدة ان تنفي علاقتها بنظام بشار الاسد، فكانت الصفقة بين النظام السوري والقاعدة قبل الثورة السورية، أن تدرّب القاعدة المقاتلين وأن يعطي النظام المال. هكذا تمددت القاعدة ما بين سوريا والعراق. لذا تهديدات بشار باشعال المنطقة لم تاتي من فراغ بل تعود لوجود خلايا القاعدة / جند الشام في المنطقة.

فتصعيد "دولة العراق الاسلامية "عملياتها جاء مع الثورة السورية، حيث يقول الخبراء بان القاعدة في العراق حصلت على دعم من القاعدة في سوريا وهنا اقصد، القاعدة المرتبطة بالنظام السوري، والتي دعمت العراق بالخبرات واعداد المقاتلين الذين سبق لهم ان قاتلوا في العراق تحت اشراف النظام السوري وهم يعرفون بالتاكيد المسالك الحدودية ومناطق العراق وجغرافية المنطقة.

وهذا يدعم سياسة النظام السوري بايجاد متنفس للازمة التي يعيشها. وما كشفت عنه المملكة الاردنية من خلايا ارهابية خلال هذا الشهر، أكتوبر 2012، وهي تحاول دخول الاردن عبر الحدود السورية ومنها تحت غطاء لاجئين يدعم حقيقة محاولة النظام بتصدير ازمته للخارج. ويبدو ان قضية الوزير اللبناني ميشيل سماحة الذي كان متورطا بتنفيذ عمليات ارهابية داخل لبنان في 12 اب 2012 واغتيال وسام الحسن، مدير المعلومات في الامن العام اللبناني في 19 اكتوبر 2012، وغيرها من الاثبات الامنية والقضائية، تؤكد تورط بشار في سياسة محاولة زعزعة الامن في المنطقة، عندما توعد "بزلزلة " الامن في المنطقة في حال تعرضه الى اي هجوم من قبل اميركا.

الولايات المتحدة تتعامل مع الملف السوري بحذر ولديها حسابات كثيرة، هذه الحسابات لم تكن بعيدة عن حليفات سوريا في المنطقة وهي ايران، فيلق القدس وبعض الكتل السياسية والمليشيات في العراق وحزب الله في لبنان، بالاضافة الى الموقف الصيني والروسي واكثر من ذلك، و تحسب اوباما للانتخابات الاميركية القادمة وسياسة (ليون بانيتا) في الدفاع الاميركية التي تقوم على تقليل النفقات واستخدام السياسة الناعمة في التغيير، و الرهان على فرض العقوبات وتأكل الانظمة من الداخل، اكثر من العمليات العسكرية الواسعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/تشرين الأول/2012 - 15/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م