محمد عمارة وخطوطه العريضة

د. أحمد راسم النفيس

ها هو الماركسي التائب محمد عمارة (وهو ليس بأزهري) يتصدى للمهمة التي نعتقد أن أغلب علماء الأزهر بما عرف عنهم من انفتاح على الرؤى المتنوعة داخل المنهج الإسلامي قد تنصلوا منها رغم الضغوط الرامية لتوريطهم في صراع البيت الواحد بغض النظر عن قناعاتهم ومواقفهم التي نعتقد أنهم أحرار في تبنيها.

أعاد الرجل استخراج نفايات التاريخ أو ذلك الكتاب المسمى بالخطوط العريضة (لتكفير الشيعة) في نفس الوقت الذي يُطلب فيه من الشيعة أن يصححوا بعض ما ورد في كتبهم وهو أمر لا نرى ضرورته لأنهم كما أكد الشيخ علي جمعة في حواره مع العربية عام 2009 (إن الشيعة طائفة متطورة، باعتبارهم الواقع جزءا لا يتجزأ من فقههم، "ولكن هناك من ينقِّب في الكتب الشيعية القديمة، ويخرج علينا بالخلافات، وهذا خطأ جسيم").

لهذا السبب فالذين ينقبون في الكتب القديمة يرتكبون جناية كبرى في حق أمتهم وفي حق أنفسهم، فما بالك إن كان هذا التنقيب يؤدي لاقتطاع نصوص مجتزئة عن سياقها وتقديمها للناس في صورة إدانات مسبقة على طريقة (لا تقربوا الصلاة).

من هو (المجاهد) محب الدين الخطيب؟!

شكرا للأخ محمد عمارة داعية الصراع الطبقي الذي تحول إلى داعية للصراع المذهبي على بعض ما أورده من سطور في تعريفه (للمجاهد) محب الدين الخطيب الذي (شرف) بالعمل بالقنصلية البريطانية في اليمن (ص4) وهذا يؤكد اعتقادنا بعمالته هو وأستاذه (الناموس الجاسوس) محمد رشيد رضا مؤسس الإخوان المسلمين للاستخبارات البريطانية ومن خلال الوثائق التي كتبها بخط يده والتي نشرها الدكتور محمد عبد الرحمن برج في كتابه عن هذا الجاسوس (ط الهيئة المصرية للكتاب 1990).

المهمة التي كلف بها الخطيب ومعلمه في الجاسوسية رشيد رضا تمثلت في حث الزعماء العرب على الانضمام لبريطانيا في حربها ضد العثمانيين، الذين أصبحوا الآن أصدقاء الدكتور عمارة وإخوانه المسلمين وكما يقول الكتاب: لقد أرسل محمد رشيد رضا مكلفا من الإنجليز صبيه محب الدين الخطيب إلى قادة العرب برسائل تطلب منهم الوقوف إلى جانب بريطانيا وكما يقول المسئول البريطاني بالقاهرة (شيتام) في رسالته لخارجية بلاده: لقد أرسلوا مندوبين يعتمد عليهم واختاروهم بأنفسهم إلى الجزيرة العربية وفلسطين كي يبلغوا الرسالة شفهيا إلى الزعماء العرب في تلك الأقطار ووضعت تحت تصرف قادة الحركة مبالغ ضخمة وزيادة على ذلك بعث المشهورون من عرب مصر رسائل إلى أصدقائهم أصحاب النفوذ في الأقطار المذكورة يحثونهم فيها على بذل أقصى الجهد لإقناعهم بالتخلي عن الأتراك وأن هؤلاء الزعماء في القاهرة لا يتوقعون من بريطانيا أكثر من موقف كريم للحكم الذاتي وتأكيدات للعون الأدبي عندما يحين الوقت لتنفيذ خططهم. وإلحاقا ببرقيته السابقة بعث شيتام بعد ذلك بيومين (28 أكتوبر 1914) يقول فيها أن زعماء القومية العربية بعثوا بمندوبيهم للجهات منهم محب الدين الخطيب وعبد العزيز العتيقي فيجب إخطار حكومة الهند بذلك رجاء تسهيل مهمتهم في بومباي والكويت، يتصلان بالمقيم البريطاني ويعملان سويا معه. 104-105 الكتاب المذكور.

وفي الوثائق الموجودة لدى الجاسوس محب الدين الخطيب وجدت بطاقة اعتماد من الجمعية (فرع المخابرات البرطانية) مكتوب فيها: حامل هذه الرقعة الأخ محب الدين الخطيب معتمد من جمعية الجامعة العربية في العراق وشرقي الجزيرة العربية للدعوة إلى مقاصدها وإبلاغ دعوتها لأهلها والمستعدين لها والتوقيع الإسم الرمزي لرشيد رضا (الناموس).

هذا هو (العلامة المجاهد محب الدين الخطيب) حسب وصف (العلامة المجاهد محمد عمارة)، بعد أن أصبح الجهاد في سبيل بريطانيا وأمريكا وإسرائيل، وإشعال الفتن بين العرب والأتراك وبين الشيعة والسنة فرض عين على كل من يدين بالإسلام الأمريكي!!.

فرية تحريف القرآن

قلنا أن (أمر عمليات) تشويه الشيعة وتسقيطهم يعتمد على اقتطاع بعض النصوص عن سياقها والأخطر من هذا عن سياق العقيدة الإسلامية الراسخة لدى كافة المسلمين وهم الذين يتعبدون إلى الله في صلواتهم بالقرآن الكريم المتداول بين مليار ونصف مسلم في شتى بقاع العالم شيعة كانوا أم سنة!!.

أن يقوم الشيخ النوري الطبرسي بجمع روايات من هنا وهناك فهم منها البعض أن ثمة حذفا أو تغييرا في بعض الآيات القرآنية فهو كلام لا قيمة عملية أو دينية له إذ أن إجماع المسلمين سنة وشيعة على أن القرآن المتداول بين أيدينا هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولأننا نصر على أن يبقى القرآن الكريم بمنأى عن هذه المهاترات التي يثيرها مجاهدو الإسلام الأمريكي والتي يكملونها بالادعاء بوجود مصحف آخر هو (مصحف فاطمة) فإننا نكتفي بالنفي ونحيل السامع إلى عقله إذ لو كان هناك مصحف آخر لعثرت عليه القيادة المركزية البريطانية أو الأمريكية ولقامت بتوزيعه على (مجاهديها) خاصة وقد تناوب على احتلال إيران والعراق الإنجليز ثم الأمريكان ولم يعثروا على هذا المصحف ولم يقوموا بتسليمه لعملائهم.

لو كان مجرد سرد رواية توحي بهذا المعنى كافيا لاتهام مئات الملايين من المسلمين بإنكار القرآن والزعم بتحريفه لكان من حقنا أن نوجه الاتهام لبقية المسلمين ودونكم هذه الرواية التي أوردها ابن كثير في مقدمة تفسير سورة الأحزاب:

قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بَهْدَلَة، عن زِرِّ قال: قال لي أُبي بن كعب: كَأين تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كَأين تعدها؟ قال: قلت: ثلاثا وسبعين آية: فقال: قَط! لقد رأيتها وإنها لتعادل "سورة البقرة"، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، نكالا من الله ، والله عليم حكيم". ورواه النسائي من وجه آخر، عن عاصم - وهو ابن أبي النجود ، وهو ابن بَهْدَلَة - به. وهذا إسناد حسن ، وهو يقتضي أنه كان فيها قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه أيضا ، والله أعلم.

الجدل والاتهامات المتبادلة (بتحريف القرآن) كارثة يراد إشغال الناس بها وجرهم للتقاتل وإشعال نيران الكراهية والبغضاء بين المسلمين وهو ما يتعين على علماء الدين التنزه عنها:

يقول العلامة الطبرسي في مقدمة تفسيره (التبيان): وأما الكلام في زيادة القرآن ونقصانه فمما لا يليق، لان الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى (ره)، وهو الظاهر في الروايات غير أنه رويت روايات، من هنا وهناك، بنقصان آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، والأولى الاعراض عنها، وترك التشاغل بها، لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين، فان ذلك معلوم صحته، لا يعترضه احد من الأمة ولا يدفعه ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ، ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله رواية لا يدفعها أحد، أنه قال: (إني مخلف فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهذا يدل على انه موجود في كل عصر، لأنه لا يجوز أن يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به. كما أن أهل البيت، ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت. وإذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته، فينبغي ان نتشاغل بتفسيره، وبيان معانيه ونترك ما سواه.

كفى إشعالا للفتن وشقا لصفوف المسلمين المحتاجين دوما إلى وحدتهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

www.elnafis.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/تشرين الأول/2012 - 15/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م