التمرد في مالي وحرب النفس الطويل

 

شبكة النبأ: لاتزال التحركات الإفريقية والدولية تجاه مالي دون المستوى المطلوب في سبيل إنقاذ البلاد من سيطرة بعض الجماعات المتمردة التي تمكنت من السيطرة على بعض المناطق والمدن المهمة بسب الفوضى التي خلفها الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس امادو توماني توري، ويرى بعض المراقبين ان تدهور الأوضاع الأمنية في هذه البلاد سيسهم بزعزعة الأمن في المنطقة خصوصا وأنها منطقة ملتهبة تعاني الكثير من المشاكل الأمنية وهو ما قد يسهم بتأسيس دولة إسلامية متطرفة بقيادة مجاميع تنظيم القاعدة، التي بدأت بجمع أنصارها بهدف تعزيز قوتها وسيطرتها والاستعداد للحرب الطويلة القادمة التي قد تنفذ من اجل تحرير مالي، التي لاتزال تعج بالكثير من المتغيرات السياسية بسبب عدم وجود هدف مشترك يجمع قادتها وهو ما قد يسهم بتفاقم الأزمة، وفي هذا الشأن لا تزال هناك حالة من الغموض بشأن من يدير شئون الدولة الواقعة في غرب إفريقيا والمنقسمة إلى شطرين بسبب استيلاء المعارضين الإسلاميين على المنطقة الشمالية التي تغلب عليها الأراضي الصحراوية. وقال دبلوماسي يقيم في باماكو طلب عدم ذكر اسمه "لا يوجد أحد على رأس الدولة" مشيرا إلى وجود صراع داخل الحكومة المدنية المؤقتة وخلافات علنية بينها وبين معسكر سانوجو حول سياسات رئيسية.

ويصيب المأزق السياسي في باماكو المؤيدين الدوليين لمالي بخيبة الأمل في الوقت الذي تسعى فيه المستعمرة الفرنسية السابقة حثيثا لتجاوز أشد أزماتها منذ الاستقلال والتي تتمثل في تعثر مسار الديمقراطية والتمرد في الشمال الذي أتاح لمسلحين على صلة بتنظيم القاعدة السيطرة على ثلثي أراضي البلاد.

وأصبحت القوى الغربية والإقليمية الآن على اقتناع بضرورة إجراء انتخابات في مالي لتغيير قادتها المنقسمين قبل دعم أي تحرك عسكري دولي يعتبرونه حتميا لاستعادة الشمال. غير أن إجراء انتخابات قد يؤجل أي تدخل إلى العام المقبل ويفسح المجال للمتمردين الإسلاميين لترسيخ أقدامهم وزيادة عددهم بخليط من المجندين المحليين والأجانب. وقال مسؤولون أمريكيون إنه يجب إجراء الانتخابات في مالي قبل شن أي حرب لاستعادة الشمال. وقال رئيس بوركينا فاسو والوسيط في أزمة مالي بليز كومباوري في مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الفرنسية مؤخرا إنه ليس هناك اي قيادة في باماكو.

وقال دبلوماسي بارز آخر في باماكو "كان كومباوري يعبر عن بواعث القلق لدى المجتمع الدولي. "النظام السياسي يحتاج إلى التعزيز وإجراء انتخابات لاستعادة الشرعية. لن يستطيع استعادة الشمال سوى حكومة شرعية." وقال متحدث باسم قائد الانقلاب السابق سانوجو إن المعارضة الغربية لأي تحرك من أجل إعادة السيطرة على الشمال قبل إجراء الانتخابات "ليست موضع ترحيب" مشيرا إلى أن المتمردين يشكلون تهديدا عالميا.

ويواجه رئيس مالي المؤقت ديوكوندا تراوري اتهامات من معارضيه بالضعف والعجز عن العمل مع رئيس الوزراء شيخ موديبو ديارا - الذي يتطلع إلى بناء قاعدة سياسية له - ويقولون إن ذلك يطيل أمد الأزمة السياسية في باماكو. وتطغي شخصية سانوجو على شخصيتي هذين المسؤولين المدنيين حيث لا يزال يتمتع بنفوذ وشعبية في باماكو ويشتبه الكثيرون في انه لا يريد التنازل عن السلطة بالكامل.

وليس هناك قضية تبرز تعقيد هذه الأزمة أفضل من الجدل المحتدم بشأن مدى الدعم الذي يجب أن تقدمه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) للعملية العسكرية المتوقعة لمواجهة المتمردين في الشمال. لقد استغرق الأمر شهورا كي يقنع رؤساء دول المنطقة قادة مالي بالتقدم بطلب رسمي بالمساعدة العسكرية التي تضمن إرسال قوات وأموال وأسلحة وإمدادات لوجستية إلى جانب المساعدة المخابراتية.

ولكن حتى بعد التقدم بالطلب اعترض جيش مالي على عناصر خطة التدخل العسكري قبل جولة من المحادثات أعادت الأمور الى نصابها على الأقل جزئيا. وقال تيبيلي درامي وهو قيادي سياسي مناهض للانقلاب في باماكو "ليس مقبولا أن يقول الرئيس شيئا ويقول الجنود شيئا آخر... هذا يظهر أن الانقلاب لم ينته بعد وأن الجنود ليسوا مستعدين لقبول السلطة المدنية حتى الآن."

ويصر الجيش المالي على أن أي حل للأزمة يجب أن يكون من الداخل ولن يسمح بدخول قوات قتالية إلى باماكو. وأشار المعسكر المناوئ للتدخل أيضا الى المهمتين العسكريتين السابقتين في غرب إفريقيا في ليبيريا وسيراليون حيث تواجه القوات الإقليمية اتهامات بارتكاب انتهاكات.

وقال ضابط بالجيش المالي إن العديد من أفراد الجيش تساورهم بعض الشكوك التي تزداد يوما بعد يوم. ويشير مؤيدو التدخل السريع في الشمال إلى أن الانتخابات قد تكون صعبة من الناحية السياسية ومن ناحية الإمداد والتموين في ظل سيطرة المتمردين على ثلثي أراضي مالي.

وقال أسواماني مايجا أحد سكان مدينة تمبكتو التاريخية التي تخضع حاليا لسيطرة المقاتلين المتمردين المرتبطين بالقاعدة "إجراء أي انتخابات بدون الشمال سيكون بمثابة طريقة أخرى لقبول انقسام البلاد." ورغم ذلك يقول دبلوماسيون إن العديد من سكان المنطقة الشمالية في مالي البالغ عددهم 400 ألف نسمة والذين نزحوا من ديارهم سيستطيعون التصويت سواء في مخيمات اللاجئين بالدول المجاورة أو في الجنوب. ويقيم الكثيرون مع أقاربهم وأصدقائهم.

ولعل الجهود الغربية الرامية إلى تأجيل التدخل إلى ما بعد الانتخابات لا تحظى بشعبية بين مواطني مالي الذين يتوقون بشدة الى إعادة توحيد بلادهم وستتعارض مع النداءات العاجلة لاتخاذ إجراء بالجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وكان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قال إن الحكومة المؤقتة في مالي تريد من الأمم المتحدة الموافقة على منح تفويض "مباشر" لقوة دولية لاستعادة الشمال مشيرا إلى "الأزمة الأمنية غير المسبوقة" التي تشهدها البلاد. ورغم ذلك فإن تصاعد التطرف الإسلامي في منطقة الصحراء دفع بمالي إلى قمة الملف الأمني. وقال مسؤول فرنسي إن هذه القضية باتت أكثر أهمية في باريس من القضية السورية ووصف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بأنه يشكل "تهديدا مباشرا."

أما ما يبعث على القلق الآن فهو أن يؤدي تأجيل التعامل مع الإسلاميين إلى السماح لهم بترسيخ أقدامهم في مالي وتعزيز صفوفهم وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة في ظل وجود عشرات الآلاف من اللاجئين وانعدام للأمن الغذائي على نطاق واسع. وفي الأشهر الست التي أعقبت الانقلاب لم يبد جيش مالي رغبة تذكر في التعامل مع المتمردين بمفرده.

ونتيجة لذلك يبدو أن سكان الشمال يزدادون تقبلا لحياتهم في ظل الحكام الجدد الذين يطبقون الشريعة. وقال موسى مايجا أحد سكان مدينة جاو في شمال شرق مالي "تغيرت حياتنا وتقاليدنا معهم... نعيش الآن وفقا لنهج المحتلين... ليس لدينا أي خيار آخر."

وهدد إسلاميون في مالي على صلة بتنظيم القاعدة "بفتح أبواب الجحيم" على مواطنين فرنسيين إذا استمرت باريس في السعى نحو تدخل مسلح لاستعادة السيطرة على شمال مالي الخاضع لسيطرة المتمردين. وقال عمر ولد حماها المتحدث باسم جماعة حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا "إذا واصل سكب الزيت على النار فسنرسل له صور رهائن فرنسيين مقتولين في الأيام المقبلة" في إشارة على ما يبدو إلى أربعة مواطنين فرنسيين خطفوا في شمال النيجر المجاورة عام 2010 . وقال حماها "لن يستطيع إحصاء جثث المغتربين الفرنسيين في أنحاء منطقة غرب أفريقيا وغيرها."

ورفض أولوند تهديد حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا قائلا إنه لا يغير موقف فرنسا من مالي. وقال لمؤتمر صحفي في كينشاسا "قلنا دائما إننا سنفعل دائما كل شيء لضمان الإفراج عن مواطنينا الرهائن." وتابع قائلا "هل يجب أن نخفف حدة رسالتنا بخصوص سلامة أراضي مالي والحرب على الإرهاب بسبب هذه التهديدات؟ أظن أننا سنفعل العكس تماما." وأضاف "بإظهار تصميمنا على الالتزام بموقفنا لمحاربة الإرهاب نستطيع إقناع الخاطفين بأن الوقت حان لإطلاق سراح مواطنينا الرهائن." بحسب فرنس برس.

وهدد جناح تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا مرارا بقتل رهائن فرنسيين إذا حاولت باريس التدخل العسكري في مالي. واختطف سبعة من عمال شركة أريفا الفرنسية في شمال النيجر عام 2010 وأطلق سراح ثلاثة منهم. وقال حماها إن الفدى التي تدفعها فرنسا ودول غربية أخرى تشكل مصدر التمويل الرئيسي للإسلاميين في الصحراء الأفريقية. وأضاف "أكثر الدول تمويلا للجهاديين هي فرنسا" مشيرا إلى أن حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا قد تحاول خطف أولوند نفسه. وتابع "أتساءل ماذا سيقول المجتمع الدولي إذا أخذنا الرئيس الفرنسي رهينة."

ضرب الإسلاميين

في السياق ذاته قالت وزارة الخارجية الاميركية ان الولايات المتحدة لا تستبعد شن ضربة احادية ضد المسلحين الاسلاميين في شمال مالي، الا انها تدعم المساعي التي تقودها افريقيا للقضاء على هؤلاء المسلحين. وصرحت المتحدثة باسم الوزارة فكتوريا نولاند ردا على سؤال حول احتمال قيام واشنطن بشن ضربة احادية ضد المسلحين الاسلاميين في مالي "لا استبعد أو اؤكد اي شيء، ولكن تركيزنا في مالي هو على جهود" المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

واعادت تاكيد قلق واشنطن بشان نشر المسلحين الارهاب في المنطقة، واضافت ان واشنطن تتشاور كذلك مع حكومة مالي حول كيفية احتواء تهديد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. واضافت "لدينا مخاوف متزايدة .. حول القاعدة في المغرب الاسلامي واستغلالهم للمنطقة التي يغيب عنها القانون او المناطق التي سيطر عليها المتطرفون مثلما حدث في شمال مالي، وقدرتهم على استخدام مثل هذه المنصات للقيام بمزيد من الاعمال السيئة التي يمكن ان يكون هدفها زعزعة الاستقرار في بعض الديموقراطيات الهشة". بحسب فرنس برس.

واكدت نولاند للصحافيين ان واشنطن تتعاون مع المجموعة الافريقية من كثب "لوضع خطة حفظ سلام قوية بالتعاون مع الحكومة الانتقالية الجديدة في مالي لضمان امن العاصمة وللتوجه شمالا". وقالت انه اضافة الى ذلك "نعمل في انحاء المنطقة مع شركائنا في جهود مكافحة الارهاب، بما في ذلك تقاسم المعلومات الاستخباراتية والجهود المحلية لملاحقة" المسلحين.

الأحكام الإسلامية

على صعيد متصل يقول أهالي شمال مالي الذين فروا من ديارهم ان الاسلاميين الذين يسيطرون على هذه المنطقة الصحراوية يزدادون وحشية في طريقة فرضهم للشريعة رغم انهم ينتهكون هم نفسهم الأحكام الإسلامية الصارمة. وقال طالب يدعى عمر لدى وصوله في حافلة الى العاصمة باماكو قادما من غاو بشمال شرق مالي "تصرفاتهم تزداد توحشا. يقتلون ويغتصبون ولا احد يفعل شيئا لوقفهم". وأضاف "اجبروا شقيقتي على الزواج وبعد شهر طلقها زوجها. هؤلاء المتوحشون يتزوجون لمجرد التمتع بوقتهم وعندما ينتهوا يرمون المرأة". وتساءل "كيف يمكن لرجل مؤمن ان يكون له ست زوجات؟" اي اكثر باثنين مما يسمح به القرآن. وبحسب عمر فان النساء اللاتي هربن من زيجات قصيرة مع اسلاميين مقاتلين قلن ان الرجال لا يستخدمون الواقي الذكري معربا عن قلقه من احتمال نشرهم الايدز في المنطقة.

ومالي التي كانت في فترة ما من اكثر الدول استقرارا في افريقيا، اصبحت غارقة في الفوضى منذ الانقلاب العسكري الذي اطاح في 22 آذار/مارس الماضي الرئيس امادو توماني توري. واستغل عدد من المجموعات الاسلامية من بينها تنظيم القاعدة في شمال افريقيا فراغ السلطة للسيطرة على الشمال الصحراوي الشاسع الذي يشكل ثلثي مساحة البلاد ويتجاوز مساحة فرنسا.

ومنذ اكثر من ستة اشهر يفرض الاسلاميون احكام الشريعة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم حيث اعتقلوا نساء غير محجبات ورجموا رجلا وامرأة غير متزوجين حتى الموت وجلدوا علنا مدخنين وبتروا اطراف لصوص مشتبه بهم، بحسب ما يؤكد سكان المنطقة وجمعيات حقوقية.

وقالت عائلة من ثمانية اشخاص وصلوا على نفس الحافلة التي اقلت عمر، انهم قرروا مغادرة المنطقة التي اصبحت بحسب الوالد "سجنا" لمن هم غير قادرين على الفرار. واضاف "ما يحصل امر خطير... الاسلاميون يقولون انهم مع الشريعة لكنهم هم انفسهم يدخنون ويشربون الكحول حتى ان بعضهم يتعاطى المخدرات. كيف يمكن وصفهم بالمؤمنين".

وقال مواطن اخر من الشمال يدعى ثييرنو من تمبكتو انه تمكن من الوصول الى مدينة موبتي (وسط مالي) بسيارة خاصة ثم استقل الحافلة الى العاصمة. واوقفت الحافلات خدمتها الى تمبكتو، المدينة الاثرية المعروفة بانها مركز للتعليم الاسلامي، بعد ان قام الاسلاميون بتدمير اضرحة الاولياء ووصفوا تلك المواقع المصنفة على لائحة التراث العالمي لليونسكو بالبدع. بحسب فرنس برس.

وقال ثييرنو "الاسلاميون لا يحترمون احدا في تمبكتو ... يزعمون انهم مع الشريعة". واضاف ان الاسلاميين قاموا "باعتقال اكثر من 20 شخصا اتهموا بالسرقة او التدخين سيقومون بجلدهم علنا، لكن في الحقيقة يفعل الاسلاميون ذلك لاخافة الناس. الامر مخطط له". وقال ثييرنو ان الاسلاميين يستغلون السلطة الحديثة بيدهم لعقد صفقات تجارية لكنه اضاف انه لا يعتقد ان طردهم مسألة صعبة. واوضح "انهم مسلحون، صحيح انهم يخيفون الناس لكن سترون انه مع اول طلقات نارية سيفرون من المدينة".

وقال مسؤول كبير في الامم المتحدة إن الإسلاميين المتشددين الذين يسيطرون على جزء من مالي يجمعون أموالا طائلة من الفدية وتجارة المخدرات بينما يفرضون ما يقولون إنها الشريعة الإسلامية. وقال إيفان سايمونفيتش، مبعوث الأمم المتحدة بعد زيارة لتقصي الحقائق إلى مالي، إن هؤلاء الإسلاميين "يشترون أيضا الجنود الأطفال ويدفعون لأسرهم 600 دولار عن كل طفل".

هدم الأضرحة

من جانب اخر هدم الاسلاميون المسلحون الذين يحتلون شمال مالي اضرحة اضافية تعود الى اولياء صالحين الخميس في تمبكتو، عشية اجتماع دولي في باماكو حول تدخل عسكري في البلاد، الامر الذي عارضه مئات المتظاهرين صباحا. وقال شهود في تمبكتو (شمال غرب) ان الاسلاميين بدأوا "بتدمير الاضرحة في كبارة"، الحي الواقع في جنوب المدينة التاريخية في شمال مالي حيث سبق ان دمروا أضرحة مماثلة في تموز/يوليو.

واكد هذه المعلومة شاهد آخر، مشيرا الى ان الاسلاميين "وصلوا الى الحي على متن ثلاث سيارات وكان بعضهم مسلحا". واشار الشاهد الاول الى ان الحي يضم ثلاثة أضرحة. وقال "انهم يدمرون بواسطة المعاول وادوات اخرى الضريح الاول، ويقولون انهم سيدمرون ايضا جميع الاضرحة". وفي تموز/يوليو قام اسلاميو حركة انصار الدين الذين يسيطرون على تمبكتو منذ اذار/مارس بهدم سبعة اضرحة لاولياء من اصل 16 في تمبكتو وحطموا "الباب المقدس" لجامع ثم هدموا ضريحين في الجامع الكبير في هذه المدينة المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، ما اثار استنكارا في مالي وفي الخارج.

ويسيطر انصار الدين والقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا على شمال مالي منذ اكثر من ستة اشهر ساعين لفرض الشريعة. وأتت اعمال التدمير هذه عشية اجتماع دولي رفيع المستوى في باماكو يخصص لوضع اللمسات الاخيرة على استراتيجية اعادة السيطرة العسكرية على شمال مالي، التي تم الاتفاق عليها مبدئيا.

وفي 12 تشرين الاول/اكتوبر اقر مجلس الامن الدولي قرارا يمهد لنشر قوة عسكرية دولية قوامها حوالى 3000 عنصر في مالي ويمنح المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا 45 يوما لتوضح خططها. ويفترض ان تبدأ دول المجموعة المخولة وحدها ارسال قوات الى مالي بتقديم "خطوطها الاستراتيجية العريضة" استعدادا للتدخل الذي دعمته الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي ودعمته لوجستيا دول على غرار فرنسا والولايات المتحدة بحسب مصادر دبلوماسية غربية.

ومن المشاركين في الاجتماع الرئيسة الجديدة لمفوضية الاتحاد الافريقي نكوسازانا دلاميني-زوما والمبعوث الخاص للأمم المتحدة الى الساحل رومانو برودي والرئيس النيجيري غودلاك جوناثان اضافة الى الرئيس المالي بالوكالة ديونكوندا تراوري. وتأمل فرنسا في ان يتيح اللقاء "التقدم في التخطيط لتدخل افريقي في مالي" على ما اكدت خارجيتها الخميس.

ولبى نحو الفي شخص دعوة ائتلاف مؤيد لمنفذي الانقلاب العسكري في 22 اذار/مارس في مالي، ونفذوا مسيرة في باماكو تعبيرا عن دعم الجيش المالي واحتجاجا على ارسال قوة اجنبية الى مالي. وهتف المتظاهرون "لا لمصادرة سيادتنا الوطنية" و"يعيش الجيش المالي" علما ان اغلبيتهم من انصار رجل الدين المالي المسلم محمدو ولد شيخ حمالله حيدرة. ودعا نواب متحدرون من شمال مالي يزورون باريس الى تدخل عسكري "عاجل" الامر الذي طالب به نحو عشرة الاف متظاهر في باماكو قبل اسبوع.

ودعا رئيس جمعية نواب شمال مالي الحاج بابا حيدرة الى تدخل عسكري دولي "عاجل" ضد المجموعات الاسلامية المتشددة التي تسيطر على المنطقة "قبل ان يفوت الاوان"، مؤكدا ان الاسلاميين المتشددين سينجحون اذا ما تأخر هذا التدخل في جعل المجتمع في هذه المنطقة على شاكلتهم سواء "بالترهيب او بالاقناع او بالقوة او بالمال". وقال "لا بد من تدخل عاجل لقوات غربية. نحن نأمل ذلك ونتمناه ونريده"، محذرا من تأخر المجتمع الدولي في تلبية هذا النداء لان "الناس ينضمون الى صفوف الارهابيين".

وفي نيامي اتفق رئيس النيجر محمد يوسف ونظيره النيجيري غودلاك جوناثان على "ضرورة مساعدة مالي على استعادة وحدة اراضيها" ورحبا بقرار مجلس الامن الدولي الذي صدر في 12 تشرين الاول/اكتوبر واعتبرا انه "مرحلة مهمة من اجل تشكيل قوة عسكرية دولية قبل مساعدة مالي على استعادة المناطق المحتلة في شمال البلاد". بحسب فرنس برس.

وفي كوناكري اكد وزير غينيا المكلف شؤون الدفاع عبد الكابيليه كامارا ان غينيا مستعدة لان تعيد الى السلطات المالية اسلحة اشترتها من نظام الرئيس امادو توماني توري قبل الاطاحة به في 22 اذار/مارس لا تزال محجوزة في غينيا. وتدارك "لكننا ما زلنا ننتظر الضوء الاخضر من المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا".

احتجاج نسائي

الى جانب ذلك قال شهود ان اكثر من 100 امرأة خرجن في مسيرة ضد فرض احكام الشريعة الاسلامية في مدينة تمبكتو بشمال مالي لكن مسلحين على صلة بتنظيم القاعدة اطلقوا النار في الهواء لتفريقهن. وتجمع نساء في الساحة الرئيسية بالمدينة وكان من المقرر ان يخرجن في مسيرة بأنحاء المدينة لكن اطلاق الرصاص أجبرهن على التفرق.

وقالت سيسي توري وهي واحدة من المتظاهرات "اصبحت الحياة اكثر صعوبة مع هؤلاء الناس.

"نحن متعبون. فرضوا علينا الحجاب وهم الان يترصدوننا كقطاع الطرق اذا لم نلبسه." ويترواح عدد المشاركات في الاحتجاج بما بين 100 و300 امرأة. وأكد ساندا ولد بوناما المتحدث باسم الاسلاميين وقوع الاحتجاج لكنه لم يقدم اي تفاصيل اضافية. بحسب رويترز.

وجماعة انصار الدين الاسلامية هي المسؤولة رسميا في البلدة وهي جماعة ذات صلة بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي منذ طرد متمردون علمانيون واسلاميون قوات حكومة مالي وسيطروا على شمال البلاد قبل ستة اشهر. وتغلب الاسلاميون بعد ذلك على الطوارق من غير الاسلاميين واصبحوا القوة الوحيدة المسيطرة على الشمال. وادى فرض الاسلاميين للشريعة الاسلامية إلى خروج احتجاجات صغيرة لمواطنين اعتادوا لقرون على فهم اكثر تسامحا للاسلام.

وصول مئات الجهاديين

من جانب أخر وصل "مئات" الجهاديين من السودان والصحراء الغربية في نهاية الى شمال مالي الذي يحتله اسلاميون مسلحون للقتال الى جانبهم في حال ارسلت قوة مسلحة اجنبية الى المنطقة، كما افاد شهود عيان. واكد مصدر امني مالي ان "مئات الجهاديين، وخصوصا من الجنسية السودانية ومن اصول صحراوية، وصلوا كتعزيزات الى منطقة تمبكتو (شمال غرب) وغاو (شمال شرق) لمواجهة هجوم للقوات المالية وحلفائها".

واكد احد سكان تمبكتو ان "اكثر من 150 اسلاميا سودانيا وصلوا في غضون 48 ساعة" الى المدينة. واضاف "انهم مسلحون واوضحوا انهم اتوا لمساعدة اشقائهم المسلمين ضد الكفرة". واكد مصدر اخر قريب من منظمة غير حكومية وصول سودانيين الى تمبكتو ومنطقتها، كما وصل اسلاميون "من جنسيات اخرى". وتسيطر جماعة انصار الدين الاسلامية المسلحة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي على تمبكتو. بحسب فرنس برس.

وفي غاو، اعلن شاهد اخر ان "هناك اسلاميين جددا يأتون ويتوجهون الى الشرطة الاسلامية" في حركة التوحيد والجهاد. واكد الشاهد انه شاهد عشر سيارات بيك-اب مكتظة بمسلحين يتوجهون الى الشرطة الاسلامية. واكد حبيب ولد يوسف احد قادة حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا في غاو، وهو متحدر من النيجر، وصول هؤلاء الاسلاميين الاجانب. وقال "يريدون الحرب؟ سنخوض الحرب. ولهذا السبب ياتي اشقاؤنا من كل مكان. يأتون من مخيمات تندوف في الجزائر ومن السنغال ومن ساحل العاج، من كل مكان".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/تشرين الأول/2012 - 8/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م