انتخابات أمريكا... رهانات وآمال متباينة

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تطورات جديدة تشهدها الحرب الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ازدادت حدتها واتسعت ضراوتها مع اقتراب الموعد المحدد لاختيار الرئيس، ويرى العديد من المراقبين ان الفترة الحالية والتي يلتقي فيها المتنافسان وجهاً الى وجه في مناظرات تلفزيونية مباشرة هي المقياس الأساسي التي يمكن من خلالها تحديد من هو الأجدر بمنصب الرئيس وهي فتره حرجة جدا ربما تغير الكثير من التوقعات السابقة التي أظهرتها بعض نتائج الاستطلاعات التي أجريت خلال الفترة السابقة، وهو ما تحقق فعلا بعد المناظرة الثانية التي استطاع فيها الرئيس الحالي بارك اوباما من قلب الموازين والنتائج السابقة وسحب البساط من تحت اقدام منافسة الذي تميز في المناظرة الأولى وحقق نتائج جيدة، وفي هذا الشأن فقد تواجه باراك اوباما وميت رومني في مناظرتهما التلفزيونية الثانية التي تميزت عن المناظرة الاولى بمزيد من الحدة في النقاش بين المرشحين للبيت الابيض وبموقف اكثر هجومية من جانب الرئيس الديموقراطي المنتهية ولايته. وسعى كل من المرشحين لدفع حججه بقوة بدون ان يتردد في مقاطعة خصمه في بعض الاحيان واحتدم النقاش حول جميع المواضيع سواء الميزانية والضرائب، او الطاقة او الهجرة او ليبيا وصولا الى الموقف حيال الصين.

واظهر استطلاعان فوريان للراي صدرت نتائجهما في غضون ساعة من انتهاء المناظرة تقدما طفيفا لاوباما اذ اعتبر 46% من مجموعة استطلعتها شبكة سي ان ان التلفزيونية ان الرئيس خرج منتصرا من المناظرة مقابل 39% اعتبروا ان رومني انتصر. وفي تحقيق اخر اجرته شبكة سي بي اس تفوق اوباما ايضا على رومني ب37% مقابل 30%. واقبل اوباما على المناظرة مصمما على الفوز لاستعادة التفوق على خصمه الجمهوري قبل الانتخابات الرئاسية في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر وقد نجح في تسجيل عدة نقاط. ولعل النقطة المحورية في المناظرة كانت الجدل حول الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الاميركية في بنغازي بليبيا واسفر عن مقتل اربعة اميركيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز في 11 ايلول/سبتمبر.

واغتنم رومني طرح هذا الموضوع ليحاول تقديم الرئيس على انه ضعيف في السياسة الخارجية مؤكدا ان استراتيجية اوباما في الشرق الأوسط "تتادعى تحت انظارنا". ونظر اوباما مباشرة الى رومني لينقض اتهامات الجمهوريين للبيت الابيض في هذه القضية مؤكدا "لا يمكن تحويل الامن القومي الى مسائل سياسية". وقال بصرامة "ان التلميح الى ان ايا من اعضاء فريقي، سواء وزيرة الخارجية او السفيرة لدى الامم المتحدة، ايا كان من اعضاء فريقي يمكن ان يتعمد التسييس او التضليل في وقت خسرنا فيه اربعة من مواطنينا، امر مهين حضرة الحاكم". وتابع الرئيس في اللحظة الاكثر حزما بالتأكيد في ادائه خلال المناظرة "ليس هذا ما نقوم به. ليس هذا ما اقوم به كرئيس، ولا كقائد اعلى".

وسعى رومني عندها لاستعادة المبادرة فاتهم الرئيس بانه تأخر كثيرا قبل ان يصف هجوم بنغازي بانه "هجوم ارهابي" لكن اوباما رد وهو يحدق في عيني خصمه مذكرا بانه وصفه فعلا بانه "عمل ارهابي" داعيا رومني للعودة الى نص تصريحاته. وحين نفى رومني الامر تدخلت الصحافية كاندي كرولي التي كانت تدير المناظرة لتؤكد على ان الرئيس وصفه فعلا كذلك غداة حصوله في تصريح ادلى به في حديقة الورود بالبيت الأبيض.

ويؤكد نص التصريح على ان اوباما استخدم حقا هذا التعبير بالرغم من تاكيد الجمهوريين على انه نسب الهجوم الى رد فعل على فيلم مسيء للإسلام نشر على موقع يوتيوب. ووردت ردود فعل على الموضوع قبل انتهاء المناظرة حتى، فاغتنم الديموقراطيون هذا الموقف المربك لرومني للتشكيك فيما اذا كان مؤهلا لتولي قيادة البلاد في حين انتقد المحافظون كاندي كرولي على مداخلتها "غير المنصفة" بنظرهم.

وفي مؤشر الى استعادة الرئيس موقفا هجوميا استشهد هذه المرة بتصريحات رومني المثيرة للجدل بشان "47% من الاميركيين يعتقدون انهم ضحايا ولا يدفعون الضرائب"، بحسب ما جاء في تسجيل فيديو تم تسريبه عن حفل لجمع التبرعات لحملته الانتخابية. واتهم اوباما حاكم ماساتشوستس السابق منذ بدء المناظرة بانه يريد دعم الاكثر ثراء واوضح "يقول الحاكم رومني ان لديه برنامجا بخمس نقاط، ليس لديه برنامج بخمس نقاط، برنامجه يقتصر على نقطة واحدة: التثبت من ان الاكثر ثراء يمكنهم خوض اللعبة بقوانين مختلفة" معتبرا ان "المسألة غير واضحة" بالنسبة للطبقة الوسطى.

وتصاعد التوتر اكثر حين تطرق الخصمان الى سياسة الطاقة فاتهم اوباما خصمه بانه يريد السماح لشركات النفط ب"تحديد سياسة الطاقة" في الولايات المتحدة. وكان الموقف الاقوى لرومني حين انتقد الاقتصاد في عهد اوباما متهما الرئيس بانه اخفق في خلق وظائف بالسرعة المطلوبة وفي الحد من العجز في الميزانية.

وقال ان "السياسات التي طبقها (الرئيس) لم تسمح لهذا الاقتصاد بالنهوض كما ينبغي" كما اتهم اوباما في مسالة الديون. وقال "انتقلنا من دين وطني قدره 10 الاف مليارات دولار الى دين وطني قدره 16 الف مليار دولار، واذا اعيد انتخاب الرئيس سوف يصل الدين الوطني الى حوالى 20 الف مليار دولار" مضيفا "هذا ما يضعنا على طريق شبيهة بطريق اليونان".

كما احتدم النقاش بشأن الصين حيث اعلن رومني انه سيتصدى للصين في مسالتي التجارة وتخفيض قيمة عملتها فاتهم اوباما خصمه الجمهوري بالاستثمار في شركات في الصين كانت سباقة الى نقل وظائف الى خارج الولايات المتحدة وقال له "ايها الحاكم، انت اخر من سيعتمد موقفا متشددا حيال الصين". وحين سعى رومني لشن هجوم مضاد سائلا اوباما ان لم يكن صندوقه التقاعدي يتضمن استثمارات في اقتصادات مثل الصين سخر منه الرئيس قائلا "انني لا ادقق في صندوق تقاعدي، ليس بحجم صندوق تقاعدك. انني لا اراجعه باستمرار".

وتواجه اوباما ورومني لاكثر من تسعين دقيقة بقليل في جامعة هوفسترا في هامستيد بولاية نيويورك (شرق) امام مجموعة ضمت 82 ناخبا لم يحسموا خيارهم بعد فردا على اسئلة عدد منهم. وقال هارولد بونيلا (73 عاما) وهو من انصار اوباما وقد تابع المناظرة على شاشة كبيرة في مسرح ابولو بنيويورك انه راض على اداء الرئيس وقال "كان اكثر هجومية منه في المناظرة الاولى لكن من موقع رئاسي وبدون غرور" مضيفا "لقد صد رومني". بحسب فرنس برس.

وسجل اوباما تراجعا في استطلاعات الراي منذ مناظرة دنفر (كولورادو، غرب) في الثالث من تشرين الاول/اكتوبر، بعدما كان متقدما على رومني منذ مطلع ايلول/سبتمبر. وكان التحقيق اليومي الذي يصدره معهد غالوب ويغطي فترة سبعة ايام يمنح رومني تقدما باربع نقاط على اوباما بين الناخبين المترددين، ما جعل متوسط استطلاعات الراي الوطنية الذي يصدره موقع ريل كلير بوليتيكس يميل بشكل طفيف لصالح المرشح الجمهوري. وما زال اوباما متقدما في عدد من الولايات الاساسية التي ستحسم نتيجة الانتخابات ولكن فشله في مناظرة هامستيد شكل نكسة يصعب تخطيها. ويتواجه المرشحان في مناظرة ثالثة واخيرة في فلوريدا (جنوب شرق).

رومني يتلعثم

الى جانب ذلك وفي وقت كانت استطلاعات الرأي تشير فيه إلى أن الأمريكيات يحولن تأييدهن إلى المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني بعث الرئيس الديمقراطي باراك أوباما لهن برسالة قوية جعلت منافسه يتلعثم للحظات. وفي مناظرتهما الثانية قبل الانتخابات الرئاسية في السادس من نوفمبر تشرين الثاني طرق أوباما بيد من حديد على قضايا مثل المساواة بين الجنسين في الأجور وحق المرأة في منع الحمل وفي الإجهاض وهي موضوعات لم يرد ذكرها في المناظرة الأولى التي جرت في الثالث من أكتوبر تشرين الأول وتفوق فيها رومني على أوباما.

وتمكن رومني من تقليص الفارق بينه وبين أوباما في استطلاعات الرأي منذ مناظرتهما الأولى بل وتقدم عليه في العديد من القضايا المطروحة في الاستطلاعات. وأظهر استطلاع تراجع التأييد للرئيس الديمقراطي بين النساء خاصة المتزوجات منهن. وأظهر الاستطلاع أن 59 في المئة من النساء البيض المتزوجات يؤيدن رومني مقابل 30.4 في المئة فقط يؤيدن أوباما. وأعطى هذا لرومني مكسبا بواقع ثماني نقاط مقارنة بما كان عليه الوضع قبل المناظرة الأولى. وإدراكا لأهمية كسب تأييد النساء كرس أوباما معظم المناظرة الثانية لقضايا تهمهن.

ذكر أوباما منظمة (بلاند بارنتهود) المعنية بصحة المرأة خمس مرات وركز على وعد رومني بوقف تمويل المنظمة التي توفر وسائل منع الحمل وعمليات الإجهاض إلى جانب الخدمات الأساسية مثل الكشف عن الأورام بالأشعة. ورد عليه رومني قائلا إنه سيساعد النساء وكل الأمريكيين من خلال النهوض بالاقتصاد. غير أن المرشح الجمهوري كان أقل تحديدا من أوباما فيما يتعلق بقضايا المرأة بل أنه بدا متلعثما في بعض الأحيان.

وقالت جنيفر لوليس مديرة معهد المرأة والسياسة بالجامعة الأمريكية "فقد ميت رومني الليلة أي أرض كسبها." وأضافت "كان باراك أوباما قويا بدرجة لا تصدق في التودد للنساء وألقى بظلال من الشك حول تصريحات ميت رومني." وسئل رومني خلال المناظرة كيف سيضمن المساواة بين الجنسين في الأجور فما كان منه إلا أن استعاد كيف أنه شعر بالقلق حين وجد أثناء توليه منصب حاكم ماساتشوستس أن كل المتقدمين لشغل مناصب في إدارته رجال. وقال "رجعت إلى عدد من جماعات المرأة وقلت: هل بالإمكان مساعدتنا في العثور على أناس. فما كان منها إلا أن أحضرت لنا مجلدات مليئة بأسماء نساء."

وقال الديمقراطيون إن رد رومني يكشف فيما يبدو كم أن عدد النساء قليل في دائرته المقربة وأشاروا إلى أن المرشح الجمهوري لم يرد بشكل مباشر على مسألة المساواة في الأجور. وتحدث رومني أيضا عن إتاحته ساعات عمل تتسم بالمرونة حتى يتسنى لمديرة مكتبه أن تبقى مع أبنائها لدى عودتهم من المدرسة. وقالت كريستين وليامز وهي ممرضة تعمل في أوهايو إن تعليقات رومني بدت وكأنها قيلت "من 50 عاما". وعلى النقيض من هذا قالت "عندما يتحدث أوباما عن الأمر يجعل روحي تغني."

وأشار رومني مرارا إلى أن ملايين النساء فقدن عملهن خلال سنوات أوباما الأربع في الرئاسة. وقال "عدد من يعانين الفقر اليوم يزيد 3.5 مليون عما كان عليه حين تولى الرئيس منصبه." وأضاف "ما يمكننا فعله لمساعدة الشابات والنساء من كل الأعمار هو تحقيق اقتصاد قوي.. قوي بدرجة تجعل أصحاب العمل يتطلعون لتشغيل موظفين أكفاء وضمهم لقوة العمل ووضع جدول مرن يعطي النساء فرصا لم تكن لتسنح لهن دون ذلك."

وشدد أوباما على تأييده لقانون ليلي ليدبتر للمساواة في الأجور وهو أول قانون يوقعه بصفته رئيسا والذي يضمن المساواة في الأجور بين الجنسين. وأحجم رومني عن ذكر ما إن كان يؤيد هذا القانون. ورجح محللون أن يلعب أداء أوباما في المناظرة دورا كبيرا في وقف فقده تأييد الناخبات. وقالت سوزان كارول الباحثة بمركز المرأة الأمريكية والسياسة بجامعة راتجرز "سنشهد على الأرجح بعد الليلة تحركا نسائيا في اتجاه أكثر تأييدا لأوباما... أعتقد أن بعض النساء رأين أوباما الذي كن يأملن في رؤيته وخيب أملهن حين لم يظهر في المناظرة الأولى." بحسب رويترز.

وفي استطلاع فوري أجرته مؤسسة ديموكراتيك ليك ريسيرتش بارتنرز اعتبرت النساء أوباما هو الفائز في المناظرة الثانية بنسبة 56 إلى 34 في المئة. واعتبر الرجال أيضا أن أوباما هو الفائز وإن كان بفارق أقل هو 49 إلى 43 في المئة. وأحرز أوباما نقاطا بتحدثه عن أمه العاملة وجدته وابنتيه. وقال "لدي ابنتان وأود أن أؤكد أنهما تتمتعان بنفس الفرص المتاحة لأي بنين في أسرة ما."

170 مليون دولار فقط

على صعيد متصل قالت حملة ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الامريكية ان رومني وحلفاءه جمعوا تبرعات بلغت قيمتها 170.5 مليون دولار في سبتمبر ايلول بانخفاض طفيف عن الرقم القياسي لعام 2012 الذي سجله منافسه الديمقراطي الرئيس باراك اوباما. وبدأ الجمهوريون شهر أكتوبر تشرين الاول بأموال سائلة متاحة لهم بلغت 191.2 مليون دولار وهي مبالغ جاهزة للإنفاق على الاعلانات وجهود حث المواطنين على التصويت وعلى العاملين في الحملة والمكاتب والتجمعات. وأعلن أوباما واللجنة القومية للحزب الديمقراطي جمع 181 مليون دولار في سبتمبر ايلول وهو اعلى رقم حتى الان في أكثر حملات الرئاسة الامريكية تكلفة في التاريخ الامريكي. ولم يفصحا عن حجم المبالغ النقدية المتبقية لديهم. بحسب رويترز.

وكان سبتمبر الشهر الثاني على التوالي الذي يتفوق فيه الديمقراطيون في جمع التبرعات على فريق رومني بعد ثلاثة أشهر من تفوق الجمهوريين في جمع الاموال. وكان سبتمبر أيضا من أصعب الشهور لرومني فقد تأثر موقفه في الاستطلاعات أولا نتيجة لتحول التركيز الى المؤتمر العام للحزب الديمقراطي وثانيا بسبب تسجيل فيديو التقط سرا ظهر فيه المرشح الجمهوري وهو يصف 47 في المئة من الشعب الامريكي الذين يحصلون على اعانات من الحكومة بأنهم "ضحايا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تشرين الأول/2012 - 7/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م