الصين... باردة من الخارج وملتهبة من الداخل

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تحديات وضغوط كبيرة ومتزايدة تواجهها الصين احدى أهم الأقطاب السياسية والاقتصادية في العالم، فبالإضافة الى التحديات الخارجية الكبيرة والضغوط الدولية المتزايدة عليها فيما يخص بعض القضايا والمشاكل والصراعات الإقليمية، فأنها أيضا تواجه جملة من التحديات الداخلية بسبب سياسة قادتها المنشغلين بقضاياهم وفضائحهم المتواصلة التي ألهتهم عن هموم ومشاكل الشعب، تلك الإحداث وبحسب بعض المراقبين أسهمت بخلق فجوه كبيرة بين الطرفين الأمر الذي قد يتسبب بخلق ثورة شعبية عارمة قد تؤدي الى تقسيم البلاد وهو ما تسعى إليه بعض الأطراف العالمية الأخرى في سبيل إبعاد الصين عن مركز القرار، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة الإسراع بتغير تلك السياسة وتقريب المسافات ما بين الحاكم والشعب، وفي هذا الشأن فقد قال الأكاديمي الأمريكي فرانسيس فوكوياما ان النظام الصيني سينهار بسبب فقدان قنوات الاتصال بين قمة الهرم السياسي والقاعدة الجماهيرية. وأضاف أنه بسبب غياب حرية الإعلام وعدم إجراء انتخابات محلية فإن من هم في قمة الهرم السياسي لا يعرفون شيئا عما يدور في أوساط الشعب. ويضيف مؤلف كتاب "نهاية التاريخ والرجل الأخير" أن القيادة الصينية تستقي معلوماتها من الاستطلاعات ووسائط التواصل الاجتماعي والمدونات.

ويستطرد قائلا أن هذه الوسائط نفسها تغذي الوعي الوطني الذي لم يكن موجودا في زمن السيطرة على وسائل الإعلام وهذا أحد الأسباب التي يعتقد فوكوياما أنها ستؤدي الى انهيار النظام يوما ما. واشار الأكاديمي الأمريكي الذي يعمل في جامعة ستانفورد إلى صدام لقطارات بالغة السرعة، تعتبر مؤشرا للتطور الاقتصادي الصيني، أدى الى مقتل 40 شخصا وسبب صدمة في البلاد، واعتبر الحادث مؤشرا يدعم تنبؤاته.

وقد حاول بعض المسؤولين إخفاء حطام القطار الذي تحطم من أجل عرقلة التحقيق إلا أن كما هائلا من الصور والمعلومات على موقع "سينا ويبو" وهو المقابل الصيني لتويتر، حال دون ذلك. وقال ان دولة مركزية قوية تاريخيا استطاعت أن تقود نموا اقتصاديا مستمرا ، ويعود لها الفضل بأداء رائع في السنوات الثلاثين الماضية، لكن غياب آليات المحاسبة تجعل البلاد معرضة لما أسماه "مشكلة الإمبراطور السيئ". بحسب فرانس برس.

وأضاف "حتى الآن رأينا في القيادة أشخاصا عاصروا الثورة الثقافية ولا يريدون تكرارها، لكن ليس هناك ضمان لعدم ظهور ماو آخر بعد رحيلهم". وقال إن إبعاد زعيم الحزب الشيوعي بو شي لاي عن السلطة مؤخرا بتهم فساد يرجع الى خوف زعماء آخرين من تنامي شعبيته.

غياب نائب الرئيس

فقد اثار التواري غير المبرر عن الحياة العامة لنائب الرئيس الصيني شي جين بينغ المدعو لان يكون الرئيس المقبل في غضون اسابيع، تكهنات كثيرة في الصين، وقد اعتبر الخبراء ان فرضية تعرضه لمشكلة صحية هي الاكثر احتمالا. وترفض وزارة الخارجية الصينية باصرار تبرير سبب الغاء شي جين بينغ اربعة لقاءات ، منها لقاء مع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون وآخر مع رئيسة الوزراء الدنماركية.

ويغذي تقاعس الجهات المعنية عن طرح سبب رسمي لالغاء تلك اللقاءات، الشائعات على شبكة الانترنت وفي وسائل الاعلام الاجنبية. ويعرب الخبراء عن اعتقادهم ان التفسير الاكثر احتمالا هو تعرض شي جين بينغ (59 عاما) الذي سيخلف هو جينتاو في رئاسة الحزب الشيوعي لمشكلة صحية. واعتبر سكوت كينيدي مدير مركز البحوث حول الصين في جامعة انديانا والذي يتخذ من بكين مقرا، ان "القضية مزعجة اكثر من كونها دراماتيكية، لكنها تعرضت للتضخيم لانعدام الشفافية". واضاف هذا الخبير انه لو ادى حدث اكثر خطورة الى طرح مسألة الخلافة السياسية على بساط البحث، لكان المسؤولون الاخرون عمدوا ايضا الى التغيب عن المناسبات العامة، لكن ما حصل لا ينطبق عليه هذا التوصيف. ولا يزال غياب شي جين بينغ غامضا. ونفى مسؤولون صينيون ودنماركيون انه كان سيعقد لقاء مع رئيسة الحكومة الدنماركية، لكن اللقاء كان مدرجا في جدول المواعيد الرسمية.

وفي تصريح خاص، قالت رئيسة الوزراء هيليه ثورنينغ-شميت "اعتقد ان ما حصل هو سوء تفاهم. لم يكن اللقاء مدرجا في جدول اعمالي". وتسعى السلطات الى منع تفشي التأويلات حول غياب شي جين بينغ. فقد قطع بث شبكة بي.بي.سي لفترة قصيرة لدى الاشارة الى هذا الموضوع، واوقفت عمليات البحث المتعلقة ب "شي جين بينغ" و"آلام في الظهر" على خدمة "ويبو" للمدونات الصينية.

وعمد مستخدمو الانترنت الصينيون الى التلطي وراء خدع لدى الحديث عن نائب الرئيس، وباتوا يستخدمون كلمة "ولي العهد" او اسم "شي" الانكليزي الذي يشبه لفظه اسم "شي" باللغة الصينية.

وقال ويلي لام استاذ العلوم السياسية في الجامعة الصينية بهونغ كونغ ان شي جين بينغ تعرض على الارجح لدى ممارسته الرياضة الى اصابة استدعت نقله الى المستشفى. واضاف "انه يمضي فترة نقاهة، لكنهم يفضلون الا يعرضوه للجمهور".

وذكر ويلي لام بأن الوضع الصحي للمسؤولين لا يزال يعتبر في الصين "سرا محاطا بالكتمان الشديد". ويشاطره هذا الرأي سكوت كينيدي الذي قال "قد يتعلق الامر بمشكلة صحية. لكني اعتقد ان المسؤولين الاخرين لن يتقاعسوا عن القيام بمهماتهم المألوفة اذا لم تكن المسألة مسألة حياة او موت". وكشف لام ايضا "لم يحصل ابدا، منذ الثورة الثقافية (1966-1976) على الاقل، ان توارى مسؤول رفيع المستوى عن الانظار قبل شهر من مؤتمر الحزب". بحسب فرانس برس.

وفي اي حال، يكشف تواري شي جين بينغ عن الانظار ان الحزب يناقض وعوده باعتماد الشفافية، كما قال هذا الخبير. ويعتبر كينيدي ان من المرجح ان يظهر شي جين بينغ من جديد قريبا في المناسبات العامة من دون اي تفسير، كما لو ان شيئا لم يحصل. وقال "سنرى عما قريب صورة لشي جين بينغ يستقبل شخصية ما، او يزور مصنعا او مستشفى، او شيئا من هذا القبيل. واعتقد ان هذا ما سيقومون به، بدلا من قول اي شيء آخر".

القضاء الصيني

على صعيد متصل حكم القضاء الصيني على غو كايلاي، زوجة المسؤول الصيني السابق بو تشيلاي، بالاعدام مع وقف التنفيذ لمدة عامين لقتلها مواطنا بريطانيا، وهو حكم سيخفف على الارجح الى السجن المؤبد ليطوى بذلك فصل جديد في فضيحة هزت اعلى هرم الدولة. واصدرت محكمة مدينة هيفي (شرق) حكم الادانة بحق غو كايلي (53 عاما) التي كانت تعمل محامية دولية وزوجة بو تشيلاي، المسؤول الكبير السابق الذي تقلد اعلى المناصب في الدولة.

وغالبا ما تتحول الاحكام بالإعدام مع وقف التنفيذ في الصين الى حكم بالسجن مدى الحياة، ما يعني عمليا السجن لفترة 25 عاما، يطلق بعدها سراح المحكوم اذا لم يرتكب جريمة اخرى في السجن. وقال المحامي هي جينشينغ، وكيل الضحية البريطاني نيل هيوود الذي كان مقربا لوقت طويل من عائلة بو قبل ان تتدهور العلاقات بين الطرفين، "نحترم القرار". واعترفت المتهمة خلال محاكمتها بانها دست لرجل الاعمال البريطاني سما قاتلا في مشروب قدمته له ذات مساء في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 في فندق فخم في مدينة شونغكينغ الكبيرة وفور صدور الحكم اعربت لندن عن "ترحيبها" بانتهاء المحاكمة ومحاكمة المتهمين بالجريمة.

وقالت السفارة البريطانية في بكين في بيان "نرحب بقيام السلطات الصينية بتحقيق حول مقتل نيل هيوود، وبمحاكمتها اولئك الذين وجدتهم مسؤولين عن (الجريمة)". واضاف البيان "لطالما عبرنا بوضوح للسطات الصينية عن رغبتنا بان تطبق المعايير الدولية لحقوق الانسان في المحاكمات المتعلقة بهذه القضية وكذلك ايضا عن رغبتنا بالا تنفذ عقوبة الاعدام".

وفي القضية نفسها حكمت المحكمة على جانغ شياوجون الموظف لدى عائلة بو والمتهم بمساعدة المتهمة الرئيسية في هذه القضية على تنفيذ مخططها الاجرامي، بالسجن لتسع سنوات.

كما حكم على اربعة مسؤولين في الشرطة الصينية بعقوبات سجن تراوحت بين 5 و11 عاما وذلك بتهمة تضليل التحقيق في هذه القضية. وقال ناطق باسم محكمة هيفي ان المسؤولين الاربعة تعمدوا اخفاء التحقيقات والتزوير لتغليب فرضية موت الضحية عرضا على مقتله عمدا.

في السياق ذاته حكمت محكمة في شنغدو (جنوب غرب) على وانغ ليجون المساعد السابق للزعيم المخلوع بو شيلاي والقائد السابق لشرطة اقليم شونغكينغ بالسجن 15 عاما بتهمة الفساد واستغلال السلطة. ووانغ الذي كان يدير مكتب الامن العام في شونغكينغ، وتولى ايضا منصب مساعد رئيس بلدية هذا الاقليم الذي كان يديره بو شيلاي، ادين خصوصا بتهم الانشقاق واستغلال السلطة والفساد كما اعلنت المحكمة في قرارها. بحسب فرنس برس.

واستمرت تلاوة الحكم 33 دقيقة و"عبر وانغ ليجون عن نيته عدم استئناف" الحكم كما اوضحت المحكمة. وكان وانغ قاد حملة ضد الفساد في هذا الاقليم تخللتها اتهامات خطيرة بانتهاك حقوق الانسان. وفي شباط/فبراير حاول وانغ اللجوء الى القنصلية الاميركية في شينغدو. وفي القنصلية الاميركية كشف وانغ بعض الامور الخطيرة التي حدثت في شونغكينغ منها قتل غو كيلاي زوجة بو شيلاي لمواطن بريطاني.

سجن كبير

من جانب اخر اتهم رئيس البرلمان التيبتي في المنفى الصين بانها حولت التيبت الى سجن كبير، وذلك في خطاب افتتاح اكبر اجتماع لممثلي التيبتيين في المنفى منذ اربع سنوات. وقال بنبا تسيرينغ لدى افتتاح الاجتماع في مدينة دارمسالا شمال الهند حيث تتخذ الحكومة التيبتية في المنفى مقرا لها، "ان حالة من القانون العرفي غير معترف بها لا تزال سارية في التيبت"، مضيفا ان الصين "حولت التيبت الى ارض اشبه بسجن".

ويجتمع حوالى 400 ممثل للتيبتيين في المنفى في العالم اجمع للمرة الاولى منذ 2008 لإعادة تحديد استراتيجيتهم لمواجهة القيادة الصينية بعد تزايد عمليات الانتحار حرقا بين التيبتيين وفي اطار التغيرات السياسية في بكين. وبحسب الحكومة التيبتية في المنفى فقد اقدم 51 شخصا على احراق انفسهم في السنوات الثلاث الاخيرة وقضى 41 منهم متأثرين بحروقهم. وقال تسيرينغ "ان المسألة تكمن في معرفة كيف وباي طريقة نستطيع، نحن الشعب التيبتي الذي يعيش في المنفى، الرد على الوضع المأسوي في التيبت اليوم".

وراى دورجي تستن الذي يمثل حركة الطلاب من اجل تيبت حرة، انه من الملح الرد على معاناة التيبتيين. وقال "هناك ضرورة ملحة لان الوضع يتفاقم. نريد ايجاد وسائل جديدة جيدة لكن لا اتوقع تغييرا سياسيا كبيرا". واعتبر نوربو دارغاي العضو السابق في البرلمان في المنفى الذي يعيش في بوسطن بالولايات المتحدة ان مبدأ اللاعنف الذي ينادي به الدالاي لاما يجب الحفاظ عليه لكن على الناشطين من اجل القضية التيبتية ان يكونوا اكثر اندفاعا في نضالهم. وتابع "علينا ان نستخدم شبكتنا المتينة واتصالاتنا في العالم اجمع لممارسة ضغوط (على الصين)". وقد اصيب العديد من التيبتيين بصدمة كبيرة من جراء قيام اشخاص بحرق انفسهم، ما يتناقض مع التعاليم البوذية التي تعتبر الحياة مقدسة، ويواجه القادة التيبتيون ضغوطات متزايدة من اجل ايجاد حل حتى وان كانت حركتهم من اجل تيبت حرة لا تتقدم. ودعا رئيس الوزراء والدالاي لاما، الزعيم الروحي للتيبتيين، الى عدم احراق النفس مؤكدين ان هذه الاعمال اليائسة هي نتيجة تشدد القمع الصيني، الامر الذي تنفيه بكين.

والتغيير السياسي المتوقع في الصين يبعث على القليل من الامل لدى التيبتيين. وقال رئيس الوزراء لوبسانغ سانغاي "لسنا متفائلين لان الحكومة الصينية تستمر في انتهاج سياسة متشددة في التيبت لكن بصفتنا بشرا علينا ان نبقى واثقين وربما سيكون لدى الحكم الجديد وجهات نظر جديدة بشأن التيبت". وتؤكد الصين انها "حررت سلميا" التيبت في 1951 وقامت بتحسين مصير شعبها من خلال تمويل التنمية الاقتصادية في هذه المنطقة الفقيرة والمعزولة. لكن لم يعد العديد من التيبتيين يتحملون ما يعتبرونه هيمنة متنامية للهان، الاتنية لتي تشكل غالبية كبيرة في الصين، وقمع ديانتهم وثقافتهم. بحسب فرانس برس.

وشهدت التيبت وخصوصا عاصمتها في 2008 اعمال عنف دامية مناهضة للصين. وبدأت هذه التظاهرات في العاشر من آذار/مارس، في ذكرى التمرد على وصاية بكين في 1959 قبل ان تتسع الى مناطق اخرى في الصين حيث تقيم اقليات تيبتية. واعلن الدالاي لاما في اواخر نيسان/ابريل الماضي انه لا ينوي التخلي عن مطلبه اللاعنفي منح التيبت حكما ذاتيا اوسع في الوقت الذي تتهمه بكين بانه وراء الاضطرابات في المناطق التيبتية.

غسيل المخ

الى ذلك طوق الاف المحتجين مقر حكومة هونج كونج بسبب خطة لإدخال منهج دراسي مؤيد للصين يصفونه بمحاولة لغسل مخ الطلاب. وندد نحو ثمانية الاف شخص هتفوا "لا لتعليم غسيل المخ. اعيدوا التعليم الوطني" بكتيب تموله حكومة هونج كونج اسمه "النموذج الصيني" ويقولون انه يمجد الحزب الشيوعي الوحيد في الصين في حين يتغاضى عن اوجه اكثر وحشية لحكمه والجدل السياسي الذي يحيط به. بحسب رويترز.

وتمثل الاحتجاجات تحديا لحاكم هونج كونج الجديد الموالي لبكين ليونج تشون ينغ الذي تولى السلطة في يوليو تموز ويتعرض لضغوط بسبب سياسات تبرز التوتر في الوقت الذي اصبحت فيه هونج كونج مرتبطة على نحو متزايد سياسيا واجتماعيا بالصين. وتشير استطلاعات الرأي الى ان شكوك مواطني هونج كونج تجاه الصين عند مستوى قياسي مرتفع بعد نحو 15 عاما من عودة المستعمرة البريطانية السابقة للحكم الصيني عام 1997 مع خشية كثيرين من تعدي الصين بصورة متزايدة على الحريات في الجزيرة وشؤونها السياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/تشرين الأول/2012 - 6/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م