أنت مجرد حكاية

هادي جلو مرعي

تكافح روما في سبيل تخفيف الأعباء المالية التي تثقل كاهل الإقتصاد الإيطالي، ومع إرتفاع حجم الديون صار حتماً على صانع القرار أن يطلب الحماية من دول الإتحاد الأوربي، وقد إرتفع عدد الفقراء في هذا البلد الى حدود قياسية، وليس فقط من العاطلين عن العمل الذين لهم من يواسيهم على مساحة أوربا العاجة بهم والخائفة منهم.

 أطاح الطليان بزعيم المافيا الرياضية والإعلامية ومطارد النساء سيلفيو برلسكوني الذي ما أن يغيب لفترة حتى يظهر ثانية بصورة المنقذ وذلك كله بفضل إمتلاكه لثروة طائلة يندر أن ينالها سياسيو روما. كانت الإطاحة ضرورية في مرحلة إنهيار إقتصادي غير مسبوق وكانت البلاد بحاجة الى حكماء لا الى أباطرة.

المدرج الروماني الشهير ما يزال ماثلا كشاهد على عظمة الإمبراطورية المنهارة التي صارت مجرد حكاية تلوكها الألسن أو ترويها الكتب للأجيال. إيطاليا الآن حكاية أيضاً فالناس الذين يتوجهون اليها يبحثون عن الفرجة والمتعة والتذكارات والصور التي تسجل وقوفهم على الأطلال في ضواحي روما التي تحكي عظمة ذلك النفوذ الموشح بالقسوة والتجبر والمآسي منذ أن كان الإمبراطور وثنياً حتى صار حامياً للمسيحية، بينما نافذة البابا المضيئة على الدوام ترحب بالسياح الذين قد لا يجدون الوقت أو الرغبة لإنتظار طلعته كما حصل معي وزميلين عراقيين لم نرغب في الوقوف تحت المطر في ذلك الصباح الروماني البارد.

حين كان يجلس الإمبراطور رفقة زوجته المصون في المنصة الرئيسية كان الآلاف من رجال السياسة والحكم وقادة الجيش والأثرياء والضيوف الكبار يهتفون لمجده الخالد، بينما على المسرح يتصارع العبيد مع الوحوش المفترسة التي سرعان ما تنهش لحومهم. ويسقط من بقي منهم في أماكن سحيقة يوضع فيها ماء حار. ويتقاتل الرجال فيما بينهم ولابد لأحدهم أن يموت ليبقى الآخر في انتظار مبارزة مميتة قادمة.

وفي النهار التالي يقرر الإمبراطور ما إذا كان سيرسل المزيد من الجنود الى شمال أفريقيا لتدمير قرطاج بالكامل وحرقها وقتل جميع من فيها، أو لتعزيز حملته في البلاد المجاورة لإمبراطوريته لإخضاعها؟ بينما القادة ينفذون تلك الأوامر ولا يعصون منها أمراً فليس من أحد يجرؤ على مخالفة سلطة الامبراطور العظيمة التي يرضخ لها الجميع دون استثناء.

قد يتيح لك الله الوقت ويمنحك السلطة والجاه والعبيد والجنود لينظر ما تفعل. ثم يجعلك حكاية. هكذا سمعت الحكاية بعيني في (لاكويلا) الشهيرة، وهكذا عبرت منها الى الجبال البعيدة والى البحر ورأيت روما الحديثة الضاجة بالحياة بينما روما القديمة مجرد حكاية من ضمن آلاف الحكايات التي يطلقها التاريخ من حين لآخر. وكل الماضي هو حكاية وكل الحاضر هو أيضا حكاية ولا حصانة للمستقبل الذي سيمر ويكون مجرد حكاية. نحن أيضا حكايات مليئة بالمعاناة والهموم والأمل. وما أصعب أن تعيش، وتناضل في الحياة وترتكب الأخطاء، وتستمتع باشياء كثيرة وحوادث وقد تصنع منها أنت أيضا، ثم سرعان ما تتحول ذاتك الى حكاية.

أنت مجرد حكاية..

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/تشرين الأول/2012 - 6/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م