إسرائيل ومتشددو مصر... مشكلة لا تسعها السياسة

 

شبكة النبأ: عندما غادر أحمد وجيه وبهاء زقزوق قريتهما التي تقع شمالي القاهرة يوم 27 اغسطس اب أبلغا أسرتيهما بأنهما ذاهبان لقضاء عطلة. وبعد بضعة أسابيع قُتل الشابان اللذان تربطهما صلة قرابة خلال مشاركتهما في هجوم عبر الحدود على اسرائيل، وكان بهاء (26 عاما) يتحدث لسنوات عن رغبته في ان يموت "شهيدا". لكن أحمد كان يحب الحياة كما ذكر والده وجيه ابراهيم الذي لا يزال يحاول أن يفهم كيف ترك الشاب دمث الخلق البالغ من العمر 28 عاما طفلتيه الرضيعتين وزوجته للقيام بمهمة انتحارية، وقال الوالد في حديث مع رويترز في منزل العائلة في قرية ميت خاقان الصغيرة في دلتا النيل "لا أفهم هذا التحول الجذري السريع." واضاف "من الذي غير هذا الشاب وقاده الى ذلك؟"، ويبين الدور الذي قام به الشابان في هجوم يوم 21 سبتمبر ايلول ان الجماعات المتشددة التي اتسعت أنشطتها في سيناء بعد الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك تجتذب مجندين من أماكن بعيدة عن شبه جزيرة سيناء فيما يشير إلى أن أفكارها تروق لفئات أوسع رغم أنها ما زالت محدودة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الدولة التي يقودها الإسلاميون حاليا للقضاء على الجماعات المسلحة في سيناء يشير الحادث الى التحدي الايديولوجي الاوسع الذي تواجهه في التصدي للتشدد في مصر حيث توجد مثل هذه الافكار منذ فترة طويلة لكنها تتدفق الآن بحرية أكبر مما كان عليه الوضع أثناء حكم مبارك الذي كبح جماح الإسلاميين من جميع المشارب، وقال خليل العناني الخبير في شؤون الحركات الاسلامية بجامعة درم في انجلترا "هذا النوع من السوق الدينية يزدهر الآن." واشار الى مدارس تتراوح في تنوعها بين متشددين في سيناء يستلهمون افكار القاعدة والاخوان المسلمين وهي الجماعة التي دفعت الرئيس محمد مرسي الى سدة الحكم، وقال العناني "اذا لم يتم تعزيز التيار المعتدل فانني أخشى أن يزيد المتطرفون. هذا سيكون تحديا كبيرا للغاية للاخوان المسلمين"، والتضاريس الجبلية الصحراوية في سيناء عالم يتناقض مع الاراضي الخصبة الزراعية التي تحيط بقرية ميت خاقان الهادئة التي نشأ فيها أحمد وبهاء. ولا تزال كيفية انتهاء المطاف بالشابين في سيناء أمرا غامضا بالنسبة لمن كانوا يعرفونهما، وكانت علامات على الاتجاه الأصولي قد بدت أكثر على بهاء. ويتذكر الجيران كيف كان وهو طفل يفضل الصلاة على اللعب رغم انهم يقولون انه لم يحاول قط فرض أفكاره على أحد. وكان يعيش حياة مريحة بفضل ميراث تركه له والده الذي توفى عندما كان طفلا، وقبل أن يغادر القرية حلق لحيته، وقال أحد جيرانه ويدعى رامي علي "سألته عن السبب. فضحك وقال .. ادع الله ان يتقبل مني.. كانت هذه آخر مرة أراه فيها"، ولم يمض أحمد قط ليلة خارج منزله حتى اليوم الذي غادر فيه القرية وحرص على ألا يتصل به أحد حيث لم يأخذ معه هاتفه المحمول، وقال والده إبراهيم بينما كان أحد ابنيه الآخرين يعرض صورا لأحمد وهو يبتسم وحليق اللحية على جهاز الكمبيوتر المحمول "أحمد لم يكن يتحدث أبدا في السياسة. لم يتحدث أبدا عن القضية الفلسطينية. اشترى عودا وكان يتلقى دروسا في الموسيقى رغم ان الأصوليين يقولون ان الموسيقى حرام"، وكان أحمد يحصل على دخل جيد من خلال إصلاح الاجهزة المنزلية في ورشة أسفل منزله. وحقق شهرة من خلال أداء الأناشيد الدينية حيث رباه والده على فهم معتدل للاسلام. بحسب رويترز.

وأعلنت جماعة أنصار بيت المقدس ومقرها سيناء المسؤولية عن الهجوم الذي قتل فيه جندي اسرائيلي. وقتل شخص ثالث شارك في الهجوم لكن لم ترد أي معلومات بشأن اسمه. وقال الجيش الاسرائيلي ان الثلاثة كانوا مدججين بالأسلحة ويحملون أحزمة ناسفة، وعلم أهل القرية بمصيرهم عندما بثت قناة تلفزيونية مصرية صور جثث المهاجمين التي لم يكن قد تم التعرف على أصحابها حتى ذلك الوقت. وتسلمت عائلتيهما الجثتين من مشرحة في الاسماعيلية يوم 30 سبتمبر ايلول بعد تحقيقات أجرتها النيابة العسكرية ودفنا في نفس اليوم في ميت خاقان، ويتحدث أهل القرية عنهما الآن باعتبارهما "شهيدين" وهو ما يعكس الكراهية الشعبية لاسرائيل بعد أكثر من ثلاثة عقود من توقيعها اتفاقية سلام مع مصر، وأكدت حكومة الرئيس محمد مرسي التزامها بمعاهدة السلام مع إسرائيل التي وقعها عام 1979 الرئيس الراحل أنور السادات الذي اغتاله بعد ذلك مسلحون اسلاميون. لكن مرسي احتفظ بمسافة بينه وبين الحكومة الاسرائيلية ويتجنب الاشارة الى اسرائيل بالاسم في أحاديثه العامة، وتم تكثيف الجهود لكبح جماح التشدد في سيناء منذ هجوم شنه متشددون في الخامس من اغسطس اب وقتلوا فيه 16 جنديا مصريا من حرس الحدود واستولوا على عربة مدرعة واستخدموها في اختراق الحدود في هجوم آخر على اسرائيل. ولم يتم حتى الآن تحديد أسماء من شنوا الهجوم، وقال العناني خبير الحركات الاسلامية بحامعة درم الانجليزية "غالبية الجماعات الجهادية السلفية تركز الآن على اسرائيل"، وأضاف "يمكن ان تجد بينهم أشخاصا من كل مكان في مصر بل وحتى من خارجها .. سعوديون وليبيون"، وأبلغ سكان بلدة الشيخ زويد القريبة من الحدود مع اسرائيل عن رؤية العديد من الأشخاص من خارج البلدة قبل هجوم الخامس من اغسطس اب، ويرسل حزب النور السلفي وهو جزء من النسيج السياسي وعاظا الى سيناء في إطار جهود لمحاربة المفاهيم المتشددة مثل "التكفير"وقال يسري حماد المتحدث باسم حزب النور ان مثل هذه الافكار محدودة ووجودها مرفوض خارج سيناء، وقال انه ربما يوجد أفراد لا يعملون في العلن لانهم لا يمكنهم مواجهة المجتمع، ويعتقد الباحث الإسلامي ناجح ابراهيم ان الافكار المتشددة انتشرت على نطاق واسع منذ الاطاحة بمبارك، وحذر من هجمات في القاهرة نفسها بمجرد أن تتمكن الحكومة من احكام قبضتها على سيناء وتوقف مرور المتشددين الساعين لمهاجمة اسرائيل، وكان ابراهيم من مؤسسي الجماعة الاسلامية التي كانت مُسلحة ولكنها نبذت العنف منذ أكثر من عقد من الزمن. ويدعو لتكثيف الجهود لمحاربة الايديولوجيا المتشددة، وقال في حديث عبر الهاتف إن هذه الافكار موجودة في أنحاء مصر وإنه يواجه هذه الافكار لانه يعتقد انها تتعارض مع مصالح الأمة والحضارة الإسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/تشرين الأول/2012 - 1/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م