تونس... ربيع قد تصادره المؤامرات!

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: لايزال الكثير من أبناء تونس متخوف من سيطرة بعض الأطراف الإسلامية المتشددة على مقدرات البلاد من خلال خلق وافتعال الأزمات والمشاكل في سبيل والحصول على بعض الامتيازات والمكاسب الخاصة، ويرى بعض المراقبين ان هنالك مساعي جادة ومتواصلة من قبل الجماعات السلفية الهدف منه إقامة إمارة إسلامية في تونس التي تعتبر ابرز البلاد العلمانية في الوطن العربي وهذا ما أثبتته الوقائع والتحركات الأخيرة لتلك الجماعات وقياداتها والتي تعتبر نفسها اليوم في حرب غير معلنة مع العلمانيين الذين يرون ان بلادهم أصبحت تحت رحمة فتوى المتشددين التي تسعى الى مصادرة انجازات الثورة التونسية وهو ما قد يدخل البلاد في دوامة العنف و التناحر، تلك المخاوف تجددت بعد ان قال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس في شريط فيديو نادر، إن المؤسستين العسكرية والامنية في تونس "غير مضمونتين" محذرا السلفيين في بلاده من أن المكاسب التي تحققت لهم منذ وصول النهضة إلى الحكم "قابلة للتراجع" مثلما حصل مع اسلاميي الجزائر خلال تسعينات القرن الماضي.

ويتضمن شريط الفيديو تسجيلا، بهاتف محمول على ما يبدو، للقاء جمع بمقر حركة النمهضة قيادات سلفية بالغنوشي. ويرجح أن الغنوشي الحريص على الظهور أنيقا في وسائل الاعلام، لم يكن على علم بالتسجيل إذ ظهر فيه جزء من قصبة ساقه اليمنى مكشوفا. وقال الغنوشي في الشريط "صحيح ان الفئات العلمانية في هذه البلاد لم تحصل على الاغلبية" في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أجريت في 23 تشرين الاول/أكتوبر 2011 وفازت فيها حركة النهضة، لكن "الاعلام والاقتصاد والادارة التونسية بيدهم بيدهم الجيش، الجيش ليس مضمونا، والشرطة ليست مضمونة اركان الدولة مازالت بيدهم".

وهذه أول مرة يقول فيها راشد الغنوشي الذي سبق له الاشادة بحيادية المؤسسة العسكرية التونسية، ان جيش بلاده "غير مضمون". في المقابل قال الغنوشي "الآن، ليس لنا جامع (فقط) بل لدينا وزارة الشؤون الدينية،عندنا الدولة انا اقول للشباب السلفي المساجد بايدينا درسوا (فيها) متى شئتم استدعوا الدعاة من كل مكان المفروض أن نملا البلاد بالجمعيات (الدينية) وننشئ المدارس (القرآنية) في كل مكان (لأن) الناس (في تونس) لاتزال جاهلة بالاسلام"، على حد قوله في الفيديو.

وأضاف "نحن اكتسبنا يا اخواننا في سنة واحدة شيئا عظيما وهذا الشيء العظيم ليس مكسبا نهائيا وثابتا" مذكرا بتجربة الاسلاميين الجزائريين خلال تسعينات القرن الماضي. وتساءل مخاطبا السلفيين "هل تظنون ان ما تحقق لكم غير قابل للتراجع فيه؟ هكذا كنا نظن عندما كنا في الجزائر سنة 1991 وظهورنا محمية بالجزائر، كنا نظن ان الجزائر أقلعت ووصلت إلى نقطة اللاعودة، لكن تبين أن ذلك كان تقديرا خاطئا، (فقد) عدنا الى الوراء واصبحت المساجد تحت سيطرة العلمانيين من جديد والاسلاميون مطاردين. ألا يمكن ان يحصل هذا في بلادنا؟" فاجابه الحاضرون بنعم.

وذكر بان الاسلاميين في الجزائر انتخبوا في التسعينات بنسبة "80 بالمائة وتم التراجع عن ذلك". وقال ان "النخبة العلمانية في تونس أقوى منها في الجزائر، والاسلام الجزائري اقوى من الاسلام التونسي ومع ذلك تم التراجع (في الجزائر)". ومضى يقول "انظروا المؤامرات التي حولنا، كلهم (العلمانيون) يتجمعون ضد الاسلام، ضدنا".

وفي سياق متصل أعلن عامر العريض رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة في بيان خاص ان "جهات مجهولة" سربت شريط الفيديو الذي قال إنه "تضمن فقرات متقطعة ومركبة من كلام رئيس الحركة" داعيا إلى "تجنب اعتماد أساليب الجوسسة والتركيب الموروثة عن النظام السابق".

وأضاف "يتعلق هذا الشريط بمداخلة للشيخ راشد أمام مجموعة من الشباب السلفي في شهر شباط/فبراير 2012 خلال المناقشات الدائرة حول الفصل الاول من الدستور" التونسي الجديد الذي يعكف المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) على صياغته.

ولاحظ "لقد تم اخراج جمل وفقرات عن سياقها وتركيبها مما حرف معانيها وهذا سلوك وعودة الى الاساليب البالية للتشويه". ولفت إلى ان قول الغنوشي بأن "الشرطة غير مضمونة، جاء في سياق الحديث عن احتواء كل المؤسسات على اقليات فاسدة مرتبطة بالنظام السابق وهي التي تعرقل بناء الامن الجمهوري وهذا ما يقوله الامنيون أنفسهم". وأضاف "تؤكد حركة النهضة ثقتها في مؤسسات الدولة العسكرية والامنية وتدعو الى مزيد تطويرها وتوفير الامكانيات للارتقاء بأدائها". بحسب فرنس برس.

ويقول مراقبون إن الجيش هو المؤسسة الوحيدة في البلاد التي لم "تخترقها" حركة النهضة حتى الان. ويتولى قياديون في حركة النهضة ثلاث وزارت سيادية في البلاد هي الداخلية والعدل والخارجية اضافة إلى رئاسة الحكومة التي يتولاها حمادي الجبالي أمين عام حركة النضهة.

وبعد وقت قصير من بثه اثار الفيديو جدلا واسعا. وانتقد نشطاء ومدنون على الانترنت ما قالوا انه ازدواجية في خطاب الغنوشي ودعوته للسيطرة على المساجد. ولكن مؤيدي النهضة قالوا ان الخطاب دليل على سعي النهضة لتخفيف الاحتقان في البلاد. ويثير ظهور السلفية الجهادية في تونس ضمن ما يعرف بجماعة "انصار الشريعة" القريبة من القاعدة مخاوف العلمانيين في البلاد خصوصا بعد اشتكاء فنانين ومثقفين ومعارضين علمانيين من تعرضهم للعنف على يد جماعات سلفية. وهاجم متشددون اسلاميون قنصلية الولايات المتحدة في مدينة بنغازي الليبية الشهر الماضي احتجاجا على عرض فيلم يسيء للاسلام. وقتل اربعة اشخاص في الاحتجاج العنيف بينهم السفير الأمريكي.

التامر على الدولة

في السياق ذاته طالب 75 من نواب المعارضة بالمجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) بحل "حركة النهضة" الإسلامية الحاكمة بسبب ما أسموه "تآمرها عى مدنية الدولة" في تونس، في حين أقام محام تونسي دعوى قضائية ضد رئيس الحركة راشد الغنوشي بتهمة "التآمر على أمن الدولة الداخلي". ووقع 75 من جملة 217 من نواب المجلس التأسيسي على عريضة دعوا فيها الى "حل" حركة النهضة "قانونيا" بسبب "تآمرها على مدنية الدولة" وذلك غداة تسريب شريط فيديو نادر قال عنه المعارضون إنه "فضح" المشروع "السلفي" لحركة النهضة.

وطالب نواب من المعارضة، رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر بعقد جلسة عامة استثنائية بالمجلس لبحث الكلام "الخطير" الذي ورد على لسان راشد الغنوشي في شريط الفيديو المسرب. كما أعلن المحامي التونسي حاتم فرحات أنه أقام دعوى قضائية في المحكمة الابتدائية بولاية المهدية (وسط شرق) ضد راشد الغنوشي بتهمة "التآمر على امن الدولة الداخلي".وقال المحامي في نص الدعوى القضائية ان كلام الغنوشي في شريط الفيديو "يهدد الإنتقال الديمقراطي في البلاد، ومدنية الدولة، والسلم والأمن الاجتماعيين".

وأقر راشد الغنوشي في مقابلة مع التلفزيون الرسمي الاصلي أن الفيديو المسرب حقيقي لكنه قال إنه تم "اجتزاء بعض مقاطعه وتركيبها". وأضاف ان الكلام الذي قاله للسلفيين بخصوص الجيش والشرطة في تونس قصد منه دعوتهم إلى عدم "الاستهانة" بقوى الدولة التي "لها جيشها وشرطتها". وأضاف "أكرر مرة أخرى للشباب (السلفي) المندفع ألا يستهينوا بقوى الدولة (لأن) أجيالا قبلهم، يسارية وإسلامية، استهانوا بقوى الدولة فدفعوا الثمن غاليا". بحسب فرنس برس.

وأشار الغنوشي إلى انه لا يعادي "العلمانية" وأن العلمانية التي انتقدها في شريط الفيديو هي العلمانية "المتشددة والمتطرفة". وذكر بأن حركته شكلت تحالفا حاكما مع "العلمانية المعتدلة" في إشارة إلى حزبي "التكتل" و"المؤتمر" اليساريين الوسطيين. ويقول مراقبون إن الجيش هو المؤسسة الوحيدة في البلاد التي لم "تخترقها" حركة النهضة حتى الان.

الحياد التام

على صعيد متصل أعلنت وزارة الدفاع التونسية أن المؤسسة العسكرية في تونس "ستبقى ملتزمة بالحياد التام" تجاه كل الاحزاب السياسية، وذلك إثر توجيه اتهامات لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة بالسعي إلى "السيطرة" على الجيش من أجل إقامة دولة "اسلامية" في تونس. وقالت الوزارة في بيان نشرته على موقعها الرسمي في شبكة الانترنت "بالنظر إلى ما تتداوله مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي وبعض الأطراف بخصوص المؤسسة العسكرية، فإن وزارة الدفاع الوطني تؤكد للمرة الألف أن المؤسسة العسكرية التونسية باقية وستبقى ملتزمة بالحياد التام وتقف على نفس المسافة من كل الأحزاب ومكونات الطيف السياسي بالبلاد وبعيدة كل البعد عن التجاذبات والمزايدات السياسية". بحسب فرنس برس.

وأضافت الوزارة أنها "تترفع عن حملات اللغط واللغو والتشكيك وأن ذلك لن ينال من سمعتها ومعنويات أفرادها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها تونس". وتابعت "كما تجدد دعوتها لكافة العسكريين على مختلف أصنافهم إلى الالتزام التام بقوانين الدولة وتراتيب الجيش الوطني والعمل في كنف الانضباط ونكران الذات والتفاني في القيام بمهامهم خدمة للمصلحة العليا للوطن ودوام عزته ومناعته وإعلاء شأنه بين الأمم". وأظهرت استطلاع رأي نشرته صحيفة محلية أن حوالي 90 % من التونسيين يثقون في جيش بلادهم. ويقول مراقبون إن الجيش هو المؤسسة الوحيدة في تونس التي لم "تخترقها" حركة النهضة حتى الان.

مطالب ومظاهرات

الى جانب ذلك أثار تعيين الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية، واليا محسوبا على حزب "التجمع" الحاكم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، في سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية، "انتكاسة" في الولاية على ما أفادت "هيئة حماية ثورة 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد" غير الحكومية. وعينت الحكومة عمارة التليجاني واليا على سيدي بوزيد خلفا لمحمد نجيب المنصوري الذي قالت إنه "طلب إعفاءه من مهامه" وذلك اثر تفاقم الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة برحيله بسبب معالجته "الامنية" للمشاكل والاحتجاجات الاجتماعية في سيدي بوزيد.

وأوضحت "الهيئة" في بيان أن الوالي الجديد "تجمعي" (نسبة إلى حزب التجمع) وأنه "كان الذراع اليمنى للوالي المجرم فوزي بن عرب" الذي سبق أن شغل خطة وال لسيدي بوزيد في عهد الرئيس المخلوع بن علي. ويطلق سكان سيدي بوزيد على بن عرب لقب "المجرم" و"مدمر سيدي بوزيد" ويقولون إنه من أكثر الولاة فسادا ومحسوبية ورشوة في تاريخ ولايتهم. واعتبرت الهيئة تعيين التليجاني واليا على سيدي بوزيد "حلا مغشوشا مدسوسا بالسم يتعارض مع مبادئ الثورة ويمعن في تشويه الجهة ومناضليها". وطالبت بتعيين "وال مستقل يؤمن بمبادئ الثورة وقادر على تحقيق أهدافها"..

واطلقت الشرطة الجمعة الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات من المتظاهرين طالبوا برحيل والي سيدي بوزيد (وسط غرب) التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية.

وتظاهر نحو الف شخص امام مقر الولاية للمطالبة برحيل الوالي ورئيس منطقة الحرس والنائب العام، وإطلاق سراح محتجين من منطقة العمران. وررد المتظاهرون الذين قدموا من مختلف معتمديات سيدي بوزيد شعارات مثل "ارحل" و"يا والي يا حقير... هذا عصر الجماهير" و"وزارة الداخلية وزارة ارهابية" و"الشوارع والصدام حتى يسقط النظام" وأخرى معادية لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة مثل "وكلاء الاستعمار.. نهضاوي رجعي سمسار". وحاول بعض المتظاهرين اقتحام مقر الولاية لطرد الوالي فأطلقت الشرطة الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيلة للدموع. وتتهم أحزاب سياسية وجمعيات أهلية والي سيدي بوزيد ورئيس منطقة الحرس والنائب العام ب"المعالجة الامنية" للمطالب الاجتماعية في الولاية.

وشهدت مدينة المكناسي اضرابا عاما دعا إليه المكتب المحلي للاتحاد العام التونسي للشغل احتجاجا على انعدام مشاريع التنمية في المنطقة. من ناحيته اعتبر عبد الرحمان قاسمي الكاتب العام للمكتب المحلي لحركة النهضة بالمكناسي أن الاضراب العام "غير قانوني". وقال ان "القائمين على الاضراب ارغموا اصحاب المحلات التجارية على اغلاقها". واتهم أحزابا يسارية ب"تعطيل التنمية في المنطقة، وبقطع طرق واحتجاز سيارات في منطقة العمران".

وتصاعدت في الاشهر الاخيرة في ولاية سيدي بوزيد التي يقطنها نحو 400 ألف نسمة، الاحتجاجات على بطء تنفيذ مشاريع تنمية وعدت بها الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية وعلى تأخر في صرف رواتب عمال المقاولات العامة وعلى غلاء المعيشة والبطالة وانقطاع الماء والكهرباء. بحسب فرنس برس.

وفي المقابل نظم انصار حزب النهضة الاسلامي الذي يقود الائتلاف الحكومي في تونس مسيرة دعم لوالي سيدي بوزيد. وسار نحو 250 شخصا في وسط مدينة سيدي بوزيد (وسط غربي) مهد الثورة التونسية هاتفين بشعارات مؤيدة لحزب النهضة والوالي. ولم تشهد المسيرة اي حوادث.

انتخابات عامة

من جهة أخرى اتفقت أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس، الذي تقوده حركة النهضة الاسلامية على أجراء انتخابات عامة في 23 حزيران/يونيو 2013 وعلى اختيار نظام سياسي مزدوج ينتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب. واعلنت حركة النهضة وحزبا المؤتمر والتكتل (يساريان وسطيان) في بيان مشترك الاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في 23 حزيران/يونيو 2013 على أن تكون الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في السابع من العام نفسه.

ومنذ اكثر من شهر يمارس معارضون ونشطاء على الانترنت ضغطا سياسيا وإعلاميا كبيرا لحمل "الترويكا" (الاحزاب الثلاثة) الحاكمة على وضع "خارطة طريق سياسية" تحدد فيها بالخصوص تاريخ انتهاء المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) من كتابة دستور تونس الجديد وموعد اجراء الانتخابات. وهدد بعض هؤلاء "بعصيان مدني" و"باسقاط النظام" ان لم تعلن الترويكا خارطة طريق سياسية قبل 23 تشرين الاول/اكتوبر فيما دعا آخرون الجيش إلى تسلم السلطة حتى تحديد موعد للانتخابات.

وقالت احزاب معارضة ان "شرعية" الحكومة والمجلس التأسيسي "تنتهي" يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر 2012 اي بعد سنة كاملة على اجراء الانتخابات التي انبثق عنها المجلس الوطني التأسيسي المكلف صياغة الدستور، والحكومة. وكان 11 حزبا سياسيا بينها "النهضة" و"التكتل" وقعت في 15 ايلول/سبتمبر 2011 التزاما تعهدت فيه الا تتجاوز مدة صياغة الدستور عاما من تاريخ انتخاب المجلس التأسيسي على ان تجرى بعد ذلك انتخابات عامة.

واضافت "الترويكا" في البيان انه تم "اختيار نظام سياسي مزدوج، ينتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، يضمن التوازن بين السلط (الثلاث) وداخل السلطة التنفيذية". وبذلك، تنازلت حركة النهضة عن النظام البرلماني الصرف، الذي كانت دافعت عنه بشدة رغم معارضة حليفيها في الحكم ورفض بقية الاحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي" (البرلمان) المكلف صياغة دستور جديد في تونس.

ويقول مراقبون ان ما اظهرته الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي امين عام حركة النهضة، من "تغول" خلال العام الماضي على حساب رئاسة الجمهورية أثار مخاوف من عودة "التسلط" في حال اعتماد نظام برلماني صرف يحظى فيه رئيس الحكومة بصلاحيات واسعة ويكون فيه منصب الرئيس شرفيا. ويستحضر هؤلاء حادثة تسليم الحكومة في حزيران/يونيو الماضي، رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي إلى ليبيا بدون علم او موافقة الرئيس منصف المرزوقي رغم أن القانون التونسي يعطي رئيس الجمهورية دون غيره صلاحية تسليم المطلوبين للعدالة خارج تونس.

وفي سياق متصل أعلنت احزاب الترويكا "اختيار هيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات، يتمتع أعضاؤها بالحياد والنزاهة والاستقلالية. وقد تم التوافق بين الاحزاب الثلاثة على "دعم مرشح لرئاستها"، بدون ذكر اسمه. وذكرت وسائل اعلام محلية ان الترويكا قررت الابقاء على الناشط الحقوقي كمال الجندوبي رئيسا لهيئة تنظيم الانتخابات. وكان الجندوبي ترأس "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" التي نظمت في 23 تشرين الأول/اكتوبر 2011 انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي اكد مراقبون دوليون انها اول اقتراع "حر ونزيه" في تاريخ تونس.

واتفقت الترويكا ايضا على "تفعيل المرسوم 116 لسنة 2011 المتعلق باحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي البصري تستمر الى غاية تأسيس هيئة الإعلام حسب ما سينص عليه الدستور الجديد". وينص المرسوم 116 على احداث هذه الهيئة التي تتولى تعيين مسؤولي المؤسسات السمعية والبصرية العمومية وتحمي استقلاليتها ازاء السلطات. وكانت حكومة حمادي الجبالي رفضت تفعيل المرسومين 115 (ينظم "حرية الصحافة والطباعة والنشر") و116 اللذين كانت الحكومة السابقة برئاسة الباجي قايد السبسي صادقت عليهما في تشرين الثاني/نوفمبر 2011.

وقررت نقابة الصحافيين التونسيين (مستقلة) في سابقة في تونس، تنظيم اضراب عام في قطاع الاعلام في 17 تشرين الاول/اكتوبر احتجاجا على رفض الحكومة الاستجابة لمطالب عدة بينها تفعيل المرسومين. واتهم معارضون واعلاميون الحكومة برفض تفعيل المرسومين عمدا لتواصل "هيمنتها" على وسائل الاعلام العمومية "خدمة لاجندات سياسية وانتخابية".

ومع عدم تفعيل المرسومين، عينت الحكومة في الاشهر الاخيرة مديرين جددا اغلبهم مؤيدون لحركة النهضة على رأس وسائل الاعلام العمومية ما أثار انتقادات منظمات غير حكومية تونسية ودولية. ولفتت الترويكا الى انها توصلت الى مجمل هذه التوافقات خلال اجتماع عقدته السبت "الهيئة التنسيقية العليا لاحزاب الائتلاف الحاكم" برئاسة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ومحمد عبو الامين العام لحزب المؤتمر ومصطفى بن جعفر الامين العام لحزب "التكتل" ورئيس المجلس الوطني التأسيسي.

الى جانب ذلك اعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان ان مشروع "قانون العزل السياسي" المعروض على المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) في تونس يمثل "خرقا للمعايير الدولية" لانه سوف "يحرم" آلاف الاشخاص "من احد حقوقهم الاساسية". وسيقصي القانون، في حال المصادقة عليه، المسؤولين الحكوميين والمسؤولين في حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (1987-2011) من الانضمام إلى أحزاب أخرى ومن المشاركة في الحياة السياسية طيلة 5 سنوات.

وقالت هيومن رايتس ووتش ان القانون "سوف يوفر ارضية لإقصاء سياسي شبه كامل في حق آلاف الأشخاص اعتمادا على انتمائهم الحزبي سابقا (..) ويحرمهم من أحد حقوقهم الأساسية". وتابعت "بصفتها دولة طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يتعين على تونس السماح لجميع المواطنين بأن يشاركوا في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، دون تمييز ودون فرض قيود غير منطقية".

وقدم حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" (يساري وسطي) ، وهو أحد أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس، مشروع قانون العزل السياسي إلى المجلس التأسيسي لاعتماده. ويحظى مشروع القانون بدعم من حزبي حركة النهضة الاسلامية و"التكتل" (يساري وسط) شريكي "المؤتمر" في الائتلاف الثلاثي الحاكم. وتقول هذه الاحزاب ان الغاية من قانون العزل السياسي هي حماية الديموقراطية الوليدة في تونس من رجال النظام "الدكتاتوري" القديم، فيما يؤكد معارضون ان الغاية الحقيقية منه هي "إفراغ" الساحة السياسية في تونس من خصوم النهضة وحليفيها في الحكم.

وقالت هيومن رايتس ووتش "هذه المخاوف مشروعة ولكن الإجراءات التي سوف تتخذ مجحفة لأنها سوف تقصي آلاف المواطنين من جميع مناحي الحياة السياسية، وتحرمهم من أحد حقوقهم الأساسية، علاوة على انها تخرق المعايير الدولية". ودعت إلى "إعادة صياغة مشروع القانون للتقليص من القيود المفروضة على الحقوق السياسية عوض منع الأشخاص من الانتماء إلى أحزاب سياسية". وقالت "يجب ألا تكون القيود قمعية، بل يجب ان تعتمد على معايير واضحة ومتناسبة ويحددها القانون، وان تشمل فقط عددا محددا من الأشخاص لفترة زمنية معينة وليس منعا شاملا لأي نشاط سياسي". بحسب فرنس برس.

واعلن رئيس الوزراء التونسي السابق الباجي قائد السبسي (86 عاما)، رئيس حزب "حركة نداء تونس" ان قانون العزل السياسي يستهدفه شخصيا. واظهرت استطلاعات رأي اجريت مؤخرا ان السبسي الذي سبق له العمل بداية التسعينات مع نظام بن علي، اصبح يحظى مع حزبه بشعبية كبيرة في تونس. ويتوقع مراقبون انحصار المنافسة خلال الانتخابات العامة المقررة في 2013 بين "النهضة" و"نداء تونس".

13 مليار دولار

على صعيد متصل قدر وزير تونسي قيمة ما صادرته الدولة حتى الان من ممتلكات تابعة للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته بحوالى 13 مليار دولار أميركي. ونقلت وكالة الانباء التونسية عن سليم بن حميدان وزير أملاك الدولة والشوون العقارية قوله "رغم الصعوبات والتعقيدات القانونية والعقارية، فإن التقديرات الاولية لهذه الممتلكات والمنقولات (المصادرة) تقارب 13 مليار دولار" وأن السلطات "ما زالت تكتشف العديد من الاملاك والشركات التابعة لبن علي وأصهاره والمقربين منه". وأشار إلى أنه تم في هذا السياق مصادرة "مخدرات وحزام ناسف وأختام ديوانة (جمركية) وبعض الجوازات الاجنبية" وأن "ما تم الكشف عنه من حقائق يثبت وجود عصابة مافيا لها أذرعها الدولية".

كما أعلن نجيب هنان رئيس "لجنة المصادرة" (حكومية) المكلفة بمصادرة ممتلكات الرئيس المخلوع وعائلته ومقربين منه ، ان اللجنة أحصت حتى الآن 398 مؤسسة اقتصادية وحوالى 400 عقار "وقيمة كبيرة من المنقولات" من املاك بن علي وعائلته والمقربين منه. وقال إن هناك أموالا "كبيرة مأتاها الفساد" (على ملك بن علي وعائلته) موجودة خارج تونس وأن لأصحاب هذه الاموال "علاقات مالية بشبكات دولية موجودة في دول أوروبية" دون تحديد قيمة هذه الاموال أو الكشف عن الدول الاوروبية التي توجد فيها. بحسب فرنس برس.

ودعت الحكومة التونسية في وقت سابق الدول التي توجد فيها أرصدة مالية لبن علي وعائلته إلى التعاون لاسترجاعها. ولم تحدد الحكومة حتى الان قيمة الارصدة المالية التي هربها بن علي وعائلته إلى الخارج. وتقدر منظمة الشفافية المالية التونسية (غير حكومية) قيمة هذه الأرصدة بحوالى 23 مليار دولار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/تشرين الأول/2012 - 29/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م