فرنسا والسلفيين... المال مقابل التطرف

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: باتت السلطات الفرنسية تستشعر الخطر مع اتساع نفوذ الجماعات المتطرفة على اراضيها بشكل متزايد مؤخرا، سيما بعد ان اتاحت للموارد المالية الخليجية التدفق بشكل سلس ويسر غير معهود منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر، طمعا في ان تسهم تلك الموارد في التخفيف من الازمة الاقتصادية التي ترهق باريس واوروبا على حد سواء.

الا ان التقارير الاستخباراتية الفرنسية اثبتت ان خيار التحالف مع انظمة استبدادية في الخليج كقطر والسعودية لا يقل ضررا بالمجتمع الفرنسي عن تداعيات ازمة الاقتصاد، بل تزيد لتشكل خطرا بالغ الضرر على المستوى القريب والمتوسط.

فتنامي جماعات العنف والتكفير على اراضي الدولة الفرنسية اخذ بالازدياد مع الدعم المالي وما يصاحبه من توظيف سياسي يضع تلك الدولة ومجتمعها على شفى الهاوية، خصوصا مع انعدام نقاط مشتركة بين مواطني فرنسا وساكنيها على صعيد الثقافة والاجتماع مع ثقافة السلفيين الظلامية غير مأمونة الجانب، مما يؤكد على صحة القلق المتزايد ازاء ذلك.

وتشير التقارير المسربة الى ان قطر والسعودية ضخت اموالا هائلة في اوساط الجاليات الاسلامية مؤخرا لاستقطاب اكبر عدد ممكن من الشباب المسلم الى جماعات السلف، عبر اغراءات مادية دينية موهومة بالتزامن مع ارتفاع عدد البطالة وتقلص فرص العمل المتاحة، وهو ما يرى فيه اغلب المراقبين مشاريع القنابل الموقوتة كما اسموها، باعتبار ذلك اشبه بخلايا نائمة قد تجتاح امن فرنسا مع اي بادرة تطرأ!

وهو ما دفع بالسلطات الفرنسية مؤخرا الى شن هجمات واسعة على تلك الخلايا واعتقال العشرات من صفوفها، فيما الزمت المشاريع الخليجية الاقتصادية في الداخل باشراف وتنفيذ حكومي كما اعلن، فهل تكون فرنسا قادر على درء خطر ما يحف بها؟

قطر والسعودية

فقد اتهم رئيس الاستخبارات الفرنسية السابق ايف بونيه قطر والسعودية بتمويل شبكات اسلامية متطرفة في فرنسا، مؤكدا ان هاتين الدولتين هما، الى جانب تجارة المخدرات، مصدر التمويل لهذه الشبكات.

وقال الرئيس السابق ل"مديرية مراقبة التراب الوطني" (دي اس تي) في مقابلة نشرتها صحيفة "لا ديبيش دو ميدي" ان هذه الشبكات الاسلامية المتطرفة تتمول عن طريق تجارة المخدرات، ولكن "هناك ايضا مشكلة المال الذي تقدمه دول سلفية". وتابع "لا نجرؤ على الحديث عن السعودية وقطر، ولكن ربما يجدر ايضا (بهؤلاء الاطراف) ان يكفوا عن امداد عدد من الانشطة المقلقة باموالهم".

وقال ايضا "سيترتب في يوم ما فتح ملف قطر لان هنا تكمن مشكلة حقيقية. وانا لا ابالي بالنتائج التي يحرزها باريس سان جرمان" نادي كرة القدم الباريسي الذي اشترته الصيف الماضي شركة قطر للاستثمار.

وسارعت الجبهة الوطنية، الحزب اليميني المتطرف، الى تلقف تصريحات المسؤول الاستخباراتي السابق، مؤكدة ان هذه التصريحات تعطي "مصداقية لمخاوفها" من المستثمرين القطريين. بحسب فرانس برس.

وقالت زعيمة الجبهة مارين لوبن في بيان "يبدو ان وحدهم المتآمرين معه من الحزب الاشتراكي وحزب الاتحاد من اجل حركة شعبية يصدقون ان امارة قطر نواياها حسنة عندما تستثمر 50 مليار يورو في الضواحي الفرنسية". واضافت لوبن ان "المداهمات التي جرت نهاية مؤخرا في اطار تحقيق حول الاعتداء في سارسيل يجب ان تجعلنا اكثر يقظة ازاء التمدد الواضح للايديولوجية الراديكالية التي تسمم الضواحي الفرنسية (...) هذه العملية والحقائق التي كشفتها يجب ان تقنع (وزير تصحيح الانتاجية) آرنو مونتوبور و(وزير الخارجية) لوران فابيوس -الذي رحب بالامس بالاستثمارات القطرية- بوجوب رفض هذه الاستثمارات".

وتثير مشاريع الاستثمارات القطرية في فرنسا علامات استفهام كثيرة في اوساط الطبقة السياسية. وبعدما استثمرت في نادي باريس سان جرمان واشترت حقوق بث تلفزيوني ومن ثم استثمرت في سوق الفن، تعتزم قطر تخصيص صندوق استثماري بقيمة تتراوح بين 50 و100 مليون (اكرر مليون) يورو للضواحي الفرنسية.

تأثير الاعلام

في السياق ذاته دانت فرنسا النفوذ السلبي للاعلام العربي-الاسلامي على الاسلاميين الفرنسيين المأخوذين بالجهاد، الذين يستخدمون الانترنت ليتشبعوا بدعوات الى الحقد والكراهية، وليطلعوا على كتيبات لانتاج القنابل والتدرب على استخدام الاسلحة.

ويشدد الخبراء على اهمية دور الانترنت حتى ولو كانت اللغة تعتبر احيانا حاجزا امام التواصل. وانتقد وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس الاثنين بشدة وسائل اعلام "من العالم العربي الاسلامي تؤثر على العقول الضعيفة".

وكان الوزير يرد على سؤال حول خلية اسلامية متشددة تم تفكيكها قبل ايام في فرنسا ويشتبه في ارتكاب عناصرها اعتداء والتخطيط لتنفيذ اعتداءات اخرى معادية للسامية. ودان الوزير "معاداة السامية وظاهرة +معاداة اليهود+ التي يروج لها عبر الانترنت وبعض وسائل الاعلام في العالم العربي-الاسلامي والتي (تؤثر) على العقول الضعيفة وتجند وتجمع بين الاسلام المتشدد وتهريب الاسلحة والمخدرات". ولم يكشف الوزير وسائل الاعلام التي يقصدها ولا الدول التي تصدر منها.

وبين الاغراض التي ضبطت خلال المداهمات التي نفذت في نهاية الاسبوع، نسخة من مجلة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي متوفرة على الانترنت لتشجيع المسلمين الناطقين بالانكليزية على الالتحاق بالحركة الجهادية الدولية.

ويقول دومينيك توما الاخصائي في الشبكات الاسلامية في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية ان شبكة الانترنت تقدم "ثلاثة خيارات" للجهاديين المتدربين. الاول هو خيار "التعليم الديني حتى ولو ان الكثيرين يعتبرون ان اللغة تبقى عائقا اساسيا" في هذا المجال.

والخيار الثاني يسمح لهم بالعثور على معلومات وتحليلات حول القضية الفلسطينية والملف الافغاني على المنتديات والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، تختلف تماما عما هو متوافر على وسائل الاعلام الكلاسيكية التي يتهمونها بالكذب. وقال الخبير ان هذه الملفات تساهم في "دفعهم الى التطرف". واضاف الباحث ان الخيار الثالث هو المعلومات "العملانية لاستخدام الاسلحة او صناعة متفجرات" التي يجدونها على الانترنت. وهذه المعطيات ليست متوفرة فقط على المواقع الاسلامية بل ايضا على مواقع شبه عسكرية.

وكشف جان شارل بريزار المحقق الخاص لاسر ضحايا اعمال ارهابية والاخصائي في الارهاب الاسلامي انه "بعد ساعات على اعتداء سارسيل" مؤخرا في الضاحية الباريسية عندما القيت قنبلة على سوبر ماركت يملكه يهودي، "نشرت رسائل على مواقع اسلامية تدعو الى قتل يهود وفرنسيين". واوضح "كان هناك ايضا فتوى على موقع سعودي تحرض على قتل فرنسيين بعد ساعات على نشر مجلة شارلي ايبدو لرسوم كاريكاتورية للنبي" محمد.

وقال لوي كابريولي المسؤول السابق لمكافحة الارهاب في اجهزة الاستخبارات الداخلية ان "الانترنت تتمم تجنيد الجهاديين الشباب الذي يبدأ في بعض المساجد، وتكشف لهم عن صور لاعمال عنف يتعرض لها مسلمون في العالم". واضاف "خلال حرب البوسنة كانت المعلومات تنقل عبر اشرطة فيديو، اما اليوم فان الانترنت اصبحت المحرك الاساسي للجهاديين المتدربين لدفعهم نحو التطرف والتشدد".

وبعد ستة اشهر على مقتل محمد مراح في جنوب غرب فرنسا (الذي اقدم على قتل سبعة اشخاص بينهم اربعة يهود) تبنت الحكومة الفرنسية للتو مشروع قانون يسمح بملاحقة فرنسيين يرتكبون اعمالا ارهابية في الخارج او يتوجهون الى الخارج للتدرب على الجهاد.

ولا ينص هذا المشروع الذي سيدرس في البرلمان قبل نهاية السنة، على اعتبار الاطلاع على مواقع الكترونية جريمة كما كانت تطالب الحكومة السابقة.

الخطورة البالغة

وكان مدعي عام باريس اعلن ان الخلية الاسلامية التي تم تفكيكها مؤخرا في فرنسا بعد هجوم على متجر يهودي قرب باريس خزنت معدات تسمح بصنع عبوات ناسفة، مشيرا الى "الخطورة البالغة" لهذه المجموعة.

وقال المدعي العام فرنسوا مولان في تصريح للصحافيين ان توقيف عناصر الخلية ال12 منذ القبض عليهم سيمدد بشكل استثنائي بسبب "الخطورة البالغة" التي تمثلها هذه المجموعة، وبموجب الاجراء الجزائي في ملفات الارهاب.

وذكر انه تم العثور على "عناصر تستخدم لصنع عبوات ناسفة" خلال عمليات الدهم التي جرت في تورسي بالضاحية الشرقية لباريس، في خزنة يستخدمها احد عناصر الخلية.

ومن بين العناصر التي ضبطت بندقية ومسدس "واكياس من نيترات البوتاسيوم وكمية من الكبريت وملح البارود وآنية من نوع طناجر الضغط واضواء كاشفة، وكلها مواد او ادوات تستخدم في صنع ما يعرف بالعبوات الناسفة اليدوية". وقد سبق وتم العثور على قائمة مكتوبة باليد لمؤسسات يهودية في منزل الرجل الذي يستخدم الخزنة.

وقال مولان ايضا ان منفذي الهجوم بالقنبلة الذي استهدف في 19 ايلول/سبتمبر متجرا يهوديا للمنتجات الحلال في سارسيل (شمال غرب باريس) مما اسفر عن اصابة شخص بجروح طفيفة ربما لا يزالون فارين. واضاف "في المرحلة الراهنة من التحقيقات، اذا كان تم على ما يبدو اعتقال اثنين من منظمي الوقائع التي جرت في سارسيل في 19 ايلول/سبتمبر الماضي، الا انه لم يثبت انه تم اعتقال الشخصين اللذين نفذا الهجوم بالقاء القنبلة اليدوية".

وقتل الزعيم المفترض لتلك المجموعة جيريمي لوي-سيدني (33 عاما) الذي اعتنق الاسلام، بعدما اطلق الرصاص من مسدس ماغنوم 357 عيار 8 ملم على عناصر الشرطة الذين دهموا شقته في ستراسبورغ (شرق) لاعتقاله.

وقد عثر على بصمة حمضه الريبي النووي على حلقة القنبلة اليدوية المستخدمة في الهجوم على محل البقالة. واثنان من الاشخاص الذين تم اعتقالهم في مدن عدة في فرنسا، اوقفا في حي ميل في تورسي الذي يضم مباني صغيرة من اربعة طوابق محاطة بالخضار.

وثلاثة اخرون اوقفوا في كان (جنوب شرق) بينهم تونسي. وكان مصدر مقرب من الملف اكد في البداية ان جميع الاشخاص المعتقلين يحملون الجنسية الفرنسية.

وقال مصدر قريب من الملف ان المشبوهين "لم يكونوا متعاونين قطعا" لدى استجوابهم من شرطة مكافحة الارهاب. وقال مصدر آخر قريب من الملف انه "خلال الاسابيع الثلاثة التي سبقت اعتقال عناصر هذه المجموعة، اظهرت عمليات المراقبة الجسدية والهاتفية انهم يتمتعون في مجملهم بمرونة بالغة في الحركة واقصى درجات الحيطة والنشاط".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/تشرين الأول/2012 - 28/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م