ليس للقتلى من يناصرهم... عن غوانتانامو وحقوق القاتل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يتذكر العراقيون كيف كان صدام حسين يقوم باعدام معارضيه السياسيين، وكيف كانت الفرق الحزبية تمنع اهالي القتلى من اقامة مراسم العزاء لهم، ووصلت الحالة بمطالبة الاهالي بدفع ثمن الاطلاقات التي قتلت ابنهم، وكان ثمنها يبلغ في ذلك الوقت خمسة وسبعون فلسا باسعار الثمانينات من القرن المنصرم. رغم هذا كان صدام حسين بطلا عربيا وصانع امجاد الامة بامتياز.

ويتذكر العراقيون كيف كانت نهاية ابو مصعب الزرقاوي، وكيف ان الاردنيين قد اقاموا له مجالس العزاء ونعتوه هم والفلسطينيون بشهيد الامة مثلما فعلوا مع صدام حسين.

كان ابو مصعب الزرقاوي العقل المدبر للكثير من اعمال القتل ضد العراقيين... يتذكر العرب والمسلمون كيف تم قتل اسامة بن لادن وكيف استهجن كثير من العرب والمسلمين عملية قتله رغم جميع ماقام به من اعمال ضد الاخرين عبر التحريض والدعم، ليس ضد الامريكيين ومصالحهم وحدهم بل ضد دول هي عربية واسلامية.

غير هذه الاسماء هناك الكثير منها لو اردنا البحث والتنقيب، وحتى بالعودة الى مراحل تاريخية سابقة نجد ان من كتب التاريخ العربي والاسلامي قد احتفى بالقتلة على حساب المقتولين تبعا لقاعدة من اصاب فله اجران ومن اخطأ فله اجر واحد... القاتل يذهب بواحد من الاجرين، بماذا يذهب القتيل؟ لاشيء غير دموع الاحبة.

بعد العام 2001 والحرب الامريكية على الارهاب تم افتتاح سجن غوانتانامو لايواء المتهمين من المنتمين الى القاعدة او المناصرين والداعمين لها. اكتسب السجن سمعة سيئة في الاعلام العالمي وتبعه كذلك في الاعلام العربي، وقد اختلفت اسباب المواقف تبعا لاختلاف المرجعيات الثقافية بين المعترضين.

كثير من الامريكيين، وخاصة من المحسوبين على اليسار الامريكي، وهم كثيرا ما يرفضون سياسات حكوماتهم، استندوا الى حقوق السجين التي يوفرها القانون الامريكي حتى لو كان سفاحا او قاتلا متسلسلا، وهي حقوق استغرقت عدة قرون لتبلورها بالشكل الذي وصلت اليه. وهذا لا يتقاطع في الكثير من وجوهه مع حق الضحايا لهؤلاء المجرمين.

العرب والمسلمون كان موقفهم ينطلق من الموقف السياسي الرافض لجميع السياسات الامريكية طالما هي لا تنسجم مع المعايير الثقافية العربية حتى لو كانت متخلفة عن مثيلتها العالمية بقرون طويلة.

فالقاتل يستطيع ان يتملص من جريمته تبعا لقربه من مصادر القرار او لما يملكه من ثروات او لما يستند اليه من عشيرة كبيرة، وليس هناك من اعتذار يمكن ان يطمح اهل الضحية بسماعه من القاتل، او ليس هناك من مادة قانونية تعوض على اهل القتيل.

بالعودة الى سجن غوانتانامو شبه الدكتور مفلح القحطاني رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية ما يحدث للمعتقلين السعوديين في العراق بمعتقل جوانتانامو، موضحا أن أحكام الاعدام التي تصدر بحق السعوديين هناك لم تأت بعد محاكمات عادلة ولا تهم ثابتة، كما لم يوفر للمدانين محامون. وقال "ثبت لدينا أنه تم إكراههم على التوقيع على التهم الموجهة لهم، كما تم ممارسة التعذيب معهم لانتزاع الاعترافات. لقد تأكدنا من ذلك".

وعن أنواع التهم الموجهة أكد القحطاني أن التهم غير واضحة وأن الأحكام قاسية، إلا أن دوافع السجناء لدخول العراق لم تخرج عن الدخول غير الشرعي للحدود العراقية، كما أن تواجد معظمهم هناك عائد لترابط أسري أو وجود أقارب. وعن عدد الموجودين حالياً في السجون العراقية قال: "لا نملك إحصائيات دقيقة لكن المعتقد أن عددهم يتراوح بين 50-60 سجيناً".

هل ورد شيء في كلام المسؤول السعودي يلامس هموم اهالي القتلى الذين فجر اجسادهم السعوديون القادمون عبر الحدود طلبا للغداء مع الرسول؟ وهل خرج كلام هذا المسؤول عن كونه دفاعا عن قتلة استباحوا الدم العراقي، لكنه دم رخيص لحاجة لتقديم اعتذار له.

وهل يستطيع هذا المسؤول من باب الدفاع عن حقوق الانسان وقضاياه ذكر ما يحدث في القطيف وبقية المناطق الشيعية؟ ام ان لاوجود لحراك شيعي هناك يشابه ما يحدث في الكثير من البلدان العربية؟

ولا يقف الامر عند هذا الحد بل يتعدى ذلك الى ان سجناء غوانتانامو الذين اطلق سراحهم في فترات سابقة قد عادوا الى نفس اعمالهم العنيفة سواءا ضد امريكا او ضد مواطني بلدانهم او بلدان عربية اخرى.

فقد اشار بعض الخبراء عشرات سجناء غوانتانامو السابقين الذين تم إطلاق سراحهم لكونهم غير مذنبين أصبحوا يمقتون الولايات المتحدة إلى حد نهم انضموا فعلا إلى منظمات إرهابية. وهناك معلومات تقول إن حوالي 300 من مقاتلي القاعدة الذين زج بهم في حينه في غوانتاناموا  قد حاربوا في ليبيا. كما أن بعضهم يحاربون في اليمن.                    

وايضا ما ذكره مصدر أمني سعودي في العام 2010 من ان حوالي 25 معتقلا سابقا في سجن جوانتانامو عادوا مرة أخرى الى صفوف المتشددين بعد أن انضموا الي برنامج اعادة تأهيل لأعضاء القاعدة في السعودية.

ووضعت السعودية السجناء العائدين واخرين يشتبه في انتمائهم الى تنظيم القاعدة في برنامج لاعادة التأهيل يتضمن مراجعات دينية يقوم بها رجال دين ومساعدات مالية لبدء حياة جديدة.

وهذا البرنامج الذي حضره حوالي 300 متطرف هو جزء من جهود مكافحة الارهاب بعد أن صعدت القاعدة هجماتها داخل المملكة بين عامي 2003 و2006. وتوقفت تلك الهجمات بعد القبض على عشرات المشتبه بهم بمساعدة من خبراء أجانب.

وقال عبد الرحمن الهدلق مدير عام الادارة العامة للامن الفكري بوزارة الداخلية والتي تشرف على اعادة التأهيل ان حوالي 11 سعوديا من السجناء العائدين من جوانتانامو ذهبوا الى اليمن حيث تركز القاعدة عملها بينما اودع اخرون السجن مرة اخرى او قتلوا بعد مشاركتهم في البرنامج.

ولا ينقضي العجب عند هذا الكلام، ففي نفس العام كشفت صحيفة الجارديان البريطانية أن العاهل السعودي الملك عبد الله طرح خلال محادثات مع مسؤولين أمريكيين فكرة زرع رقائق الكترونية في اجساد معتقلي جوانتانامو لاقتفاء اثرهم بعد الافراج عنهم.

ونقلت الصحفية عن برقيات دبلوماسية أمريكية سرية ان الفكرة كانت واحدة من العديد من “المقترحات غير العادية” التي طرحتها دول الخليج في محادثات مع مسؤولين أمريكيين بشأن كيفية التعامل مع المعتقلين عقب الافراج عنهم، والجارديان واحدة من المطبوعات العالمية التي اطلعت مبكرا على نحو 250 الف برقية دبلوماسية أمريكية حصل عليها موقع ويكيليكس المتخصص في افشاء الاسرار، وأضافت الصحيفة انه خلال محادثات مع جون برينان مستشار البيت الابيض لمكافحة الارهاب بشأن كيفية التعامل مع السجناء قال الملك عبدالله “واتتني للتو فكرة”، وذكرت البرقيات أن الملك اقترح “زرع رقائق الكترونية في اجساد السجناء تتضمن معلومات عنهم وتتبع تحركاتهم عن طريق البلوتوث. هذا الاجراء مطبق مع الخيول والصقور”، واجاب برينان “الخيول ليس لها محامون جيدون”، وذكرت الصحيفة أن يرينان قال إن مثل هذا الاقتراح ستعترضه عقبات قانونية في الولايات لمتحدة ولكنه سيدرسه، وذكرت الصحيفة ان وزير داخلية الكويت الشيخ جابر خالد الصباح طرح اقتراحا اخر بشأن معتقلي جوانتانامو في اجتماع مع سفير أمريكي في فبراير شباط 2009 وهو ان يتم اخلاء سبيلهم في منطقة حرب، وعبر السفير عن قلقه من تسليم عدد اخر من السجناء في جوانتانامو للكويت واشار لحالة عبد الله العجمي الذي اعيد للكويت وذكر الجيش الامريكي انه فجر نفسه في هجوم انتحاري في الموصل بالعراق في عام 2008، ونقلت البرقية عن الشيخ جابر قوله “تعلمون اكثر مني انه لا يمكننا التعامل مع مثل هؤلاء الاشخاص. لا أستطيع احتجازهم … افضل شيء التخلص منهم. لقد امسكتم بهم في افغانستان وينبغي ان تلقوا بهم هناك. في قلب منطقة القتال”، وقبلت كل من اليمن والسعودية والكويت بعودة سجناء من جوانتانامو وعاد قلة منهم لممارسة العنف وانضم البعض لتنظم القاعدة في جزيرة العرب الذي مقره اليمن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/تشرين الأول/2012 - 24/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م