موسكو ثانية

هادي جلو مرعي

هل هي لعبة الضغط القديمة الجديدة يمارسها المالكي ثانية في ذهابه الى العاصمة الروسية موسكو لتحقيق مكاسب سياسية ودعم إقتصادي وعسكري ضروري ومطلوب؟ أم هي الحاجة لتنويع مصادر تسليح القوات العراقية؟ ولعلها العقيدة السياسية الرائجة في العراق بالتوجه شرقا كلما كان الغرب أكثر تحفظا وريبة وأقل حماسة للتعاون؟ وربما كانت الأسباب عديدة في عالم متحول ومتشابك وتتغير تحالفاته تعبا لمعطيات وظروف متسارعة.

رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي أثارته في الفترة الأخيرة سلوكيات أمريكية خاصة في ما تعلق منها بالشأن العسكري وتسليح القوات الوطنية وتدريب القوات والطيارين ونوع الأسلحة التي رغبت بغداد بتوريدها من الشركات الأمريكية، وقد ألح العراق في محاولاته للحصول على السلاح الأمريكي والطائرات الحربية المتطورة وهو المطلب الذي لقي عنتا أمريكيا وتشددا من أطراف محلية ضغطت على واشنطن لجهة منع توريد تلك المتطلبات، وكانت بعثة الطيارين الموفدين الى أمريكا للدراسة أثارت هي الأخرى الحنق عند المالكي الذي سارع الى التوجه نحو دول المنظومة الشرقية ومن بينها روسيا بالتحديد التي رحبت بزيارته ووجهت له دعوة من الرئيس بوتين شخصيا للبحث في تطوير التعاون السياسي والإقتصادي والعسكري، ومع عودة روسيا للبحث مجددا في الأفق الذي يمكن أن تمتد فيه لممارسة دور أكثر حيوية في مواجهة التغول الأمريكي وتحالفه مع دول في الشرق الأوسط وتهديد الوجود الروسي في البحر الأبيض من خلال العمل على إسقاط الحليف المعتق ( سوريا)، وليس أفضل من العراق في هذه المرحلة ليخفف من وقع الخسارة الروسية وهو ماتشترك فيه مع طهران حليفتها المتشددة في مواقفها تجاه واشنطن وحليفاتها العربيات وتركيا.

المالكي من جهته وجد إن الأطراف المحلية المتشددة معه كالسنة والكورد والذين يمتلكون أدوات ضغط عديدة يمكن إستخدامها في أوقات الحاجة، وجد إن هذه الأطراف أكثر فاعلية في الضغط على واشنطن ولديها من المبررات الكثير لتقنع البيت الأبيض لوقف عجلته الدوارة نحو المالكي كما أن لهذه الأطراف تأثير على المنظومة العربية المتحالفة مع واشنطن والتي تساعدها الآن لترتيب الشرق العربي بعد سلسلة فيضانات ضربت فيه منذ عامين من الآن وثورات شعبية أطاحت بحكام كان بعضهم حليفا للولايات المتحدة الأمريكية لعقود وأدى سقوطها لإعادة الحسابات ثانية والتنسيق مع أنظمة بعينها وهي في الغالب بالضد من التوجه الإيراني الروسي الصيني وبالضد من حراك الداخل العراقي الساعي لبناء منظومة سياسية لايمكن أن تستمر طويلا في تقبل سياسة سعودية تركية أمريكية خاصة وإن التحالف بين بغداد وواشنطن هو تحالف هش فرضته الإتفاقية الأمنية التي وقعها المالكي وبوش الإبن وهي شبيهة بما كان الإنجليز يفعلونه مع الحكومات التي نشأت في ظل وجودهم.

ما من شك في إن العقيدة السياسية العراقية التي توجه من خلالها عبد الكريم قاسم وصدام حسين شرقا ماتزال تجد صدى في الداخل العراقي حيث الريبة تطبع النظرة الأمريكية لما يجري في بغداد ولتحسسها العالي من نوع العلاقة العراقية الإيرانية وتصاعدها في مجالات عدة، ومن جهة أخرى فإن المالكي يجد إن القوات العراقية قادرة وبسرعة على التأقلم مع التكنلوجيا الروسية والصناعات الحربية الشرقية نتيجة الخبرة الطويلة في التعامل معها وعلى الأقل منذ أكثر من خمسين عاما كاملة كانت القوات العراقية بذهنية عسكرية مواتية لتقبل السلاح الروسي وإستخدامه مثلما إن العراقيين بعامتهم يتقبلون هذا السلاح لأنهم تعودوه حتى في حفلات الزواج ومراسيم الموت ومناسبات الصيد.

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/تشرين الأول/2012 - 23/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م