طرق تفادي الانحراف الاجتماعي من وجهة نظر الإسلام

عبدالكريم العامري

 

شبكة النبأ: أصبحت الأمة الإسلامية ترزح تحت نيران انتشار ألوان الفساد المختلفة، بداية من الظلم والقهر، ونهاية بتفشي الجرائم المختلفة والمتنوعة فيها، على كافة الصعد الفردية، الأسرية والاجتماعية.

من هنا سعى الفكر الإسلامي عبر آلياته المتعددة، لإيجاد الحلول المناسبة لقلع هذا الكم الهائل من الفساد المستشري في الوسط الاجتماعي، ودراسة مسبباته ووضع الحلول المناسبة له. ربما يعزى نجاح النظرية الإسلامية القرآنية في تحليلها ومعالجتها لظاهرة الانحراف الاجتماعي، الى أربعة أسباب رئيسية، هذه الأسباب هي:

1ـ العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي جاء بها الإسلام، حاول تطبيقها على أفراد المجتمع واحدا بعد الآخر، بدون تمييز أو عنصرية لأحد منهم.

2ـ نظام العقوبات الصارمة ضد المنحرفين في المجتمع الإسلامي، إذ اتخذ من عقوبة القصاص، الدية، التعزير اساليب في تربية المجتمع، وتحصينه من الانحرافات وانتشار المنحرفين في وسطه. عدم اتخاذها بطرقها الشرعية سبب من الأسباب الرئيسية في انتشار الفساد في الأرض، لذلك صنف الإسلام العقوبات الى قسمين، هما:

أولاـ الحدود: هي العقوبات المقدرة في الكتاب والسنة، بمعنى أن الشارع لم يسمح للقاضي الشرعي التصرف في أمر تقديرها، كالقصاص في جرائم القتل والقطع والجرح، كما اشار سبحانه وتعالى بقوله: ( ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون) سورة البقرة/ الآية 179.

منها عقوبات الزنى، اللواط، السحاق، القيادة، القذف، السرقة، السكر، الارتداد، قطع الطريق...

ثانياـ التعزيرات: هي العقوبات التي فرض أمر تقديرها وتحديدها لنظر الحاكم الشرعي، فيعاقب عليها بما يراه مناسبا، وفق حكم الله سبحانه وتعالى، والضوابط الشرعية التي تعتمد على الأدلة، كعقوبة التزوير، الغيبة، الكذب، إشاعة الفحشاء، نشر المنكر وغيرها...

3ـ العقوبات المادية: هي الديات، أي المال الواجب دفعه بسبب الجناية على النفس أو ما دونها لقوله تعالى: ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما)سورة النساء/ آية 92.

وتشمل جانبين هما:

أـ الديات المقدرة على لسان الشارع، كدية النفس، الأعضاء.

ب ـ الديات التي فوض أمر تقديرها الى الحكومة الشرعية، أو الخبراء الموثوق بهم من قبل الحاكم الشرعي، هذه الأحكام الشرعية تعتمد على تصنيف الشارع لنوع الجريمة، إذ أن الشارع صنف الجرائم والانحرافات الى أنواع متعددة، لكل حكمه الشرعي.

4ـ وضع نظام المساواة التامة في تطبيق هذه التشريعات بين جميع أفراد المجتمع بمختلف طبقاته وألوانه وميزاته العلمية.فهو يلغي ما يصطلح عليه اليوم بـ(الحصانة الدبلوماسية، أو الدينية، أو الاجتماعية). فالسارق مع توفر الشروط الشرعية يقطع حتى لو كان يشغل أعلى وظيفة سياسية في الدولة، هذا مستفاد من قوله تعالى عندما أطلق الحكم الشرعي في الآية الكريمة: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) سورة المائدة/ الآية 38، وعدم تخصيصها بفئة معينة من السراق. كذلك الزاني مع توفر الشروط يقام عليه الحد الشرعي كائنا من كان رجلا أم امرأة، يقول تعالى: (الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) سورة النور/ الآية 2.

5ـ المشاركة الجماعية في دفع ثمن الجريمة والانحرافات الأخلاقية التي ترتكب في الوسط الاجتماعي، كإلزام عائلة المنحرف دفع دية القتيل عن طريق الخطأ، ودفع دية القتيل الذي لا يعرف قاتله من بيت مال المسلمين.

ودعا الإسلام الى تكوين لجان اجتماعية تسعى لإقامة مؤسسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في سبيل دفع المفاسد الأخلاقية التي يحدثها المنحرف في الوسط الاجتماعي.

كما شجع الإسلام تفادي وقوع الجريمة على مسرح الحياة الاجتماعية بطرق شتى، منها:

أولاـ جعل ولي الأمر مسؤولا شرعا عن دفع الدية إذا ارتكب من يتولاه انحرافا يستوجب دفع تلك الغرامة.

ثانياـ إن العلاقات الأسرية التي أكد عليها الإسلام تساهم من خلال عوامل التآزر والتعاون على اصلاح الفرد المنحرف، وتشخيص حالات الانحراف فيه، من ثم القضاء عليها من جذورها.

ثالثاـ العائلة، وهم كل من قرابة الأب كالأخوة والأعمام وأولادهم، التي تتحمل دية القتيل الخطأ، ودية الجناية على الأطراف ونحوها، ضمن شروط معينة، والمدار في كل ذلك أن الأفراد في المجتمع ملزمون أخلاقيا، بإرشاد وإصلاح ذويهم ودرء خطر الانحراف عنهم.

بهذه الأساليب وعبر دراستها وتوفر المناخ الملائم لممارستها على الصعيد الاجتماعي، تمكن الإسلام من توضيح المسببات التي تؤدي بالمجتمع الإسلامي لوجود عناصر منحرفة فيه، والمجتمع الإسلامي قد درس الجريمة من كافة ابعادها وتمكن من تشخيص مسبباتها، لأنه ادرك خطورة تواجد العناصر الفاسدة في وسطه. إذن، كان الإسلام يرى ان المسببات تكمن في عدم تواجد نظام العدالة والمساواة، وتفشي الظلم الاجتماعي بأنواعه الفردية والأسرية والاجتماعية، وعدم توفر فرص العيش النزيه، وممارسة الأعمال المثمرة، وعدم محاربة بوادر الفساد الأخلاقي منذ البداية، كلها كفيلة بتواجد المنحرفين في الوسط الاجتماعي، بالتالي يفقد المجتمع الإسلامي أمنه وأمنياته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/تشرين الأول/2012 - 22/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م