القاعدة في اليمن من المواجهة الى الاستنزاف

جاسم محمد

 

شبكة النبأ: برزت على سطح الاحداث قضية الطرود البريدية المفخخة في الاسبوع الاول من شهر اكتوبر 2010، لتعيد الى السطح حمى الحرب على الارهاب. فقد كشف قائد شرطة دبي في 05.11.2010 معلومات تكشف اسرار الطرود المفخخة والتي كانت على متن الخطوط الجوية القطرية طائرة شحن المغادرة من مطار صنعاء الدولي الى مطار دبي. حيث عثر على طردي بريد ناسفين على شكل طابعة تستهدف معابد يهودية في شيكاغو.

وتشير تفاصيل حركة الطردين أن أولهما وصل إلى مكتب شركة (يو بي إس) الكائن في حي ـ حدةـ في العاصمة اليمنية صنعاء وفيه قنبلة داخل خرطوشة طابعة في طرد موجَّه إلى كنيس يهودي في شيكاغو/ الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه وصل الطرد الثاني داخله قنبلة محلية الصنع إلى مكتب شركة (فيديكس)، والذي كان موجهاً إلى ذات عنوان الطرد الأول، وخلال أيام مرّ الطردان عبر أربع دول على متن أربع طائرات مختلفة، بينهما طائرتا ركاب، قبل اكتشاف الطردين في بريطانيا ودبي بعد تحذير من الاستخبارات السعودية!

وكانت حمى الطرود المفخخة قد انتقلت إلى العاصمة اليونانية أثينا، إذ أحبطت الشرطة محاولات لتنفيذ اعتداءات بواسطة طرود مفخخة موجهة الى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وثلاث سفارات في أثينا.

وبدأت القضية مع انفجار أول طرد مفخخ موجه إلى السفارة المكسيكية وضعه مجهول في شركة للبريد السريع وسط أثينا وكذلك سارع خبراء نزع الألغام إلى تعطيل طرد مفخخ ثان موجه إلى سفارة هولندا.

نتائج التحقيقات

وتشير التحقيقات الأولية في قضية الطرود اليمنية إلى أن شاباً سعودياً معروفاً بأنه صانع قنابل لدى تنظيم القاعدة هو مشتبه به رئيسي، حيث أشارت صحيفة (واشنطن بوست) إلى أن المحققين يعتقدون أن هذا الشخص هو خبير المتفجرات السعودي إبراهيم حسن العسيري (28 عاماً)، وهو مقيم في اليمن ومدرج على قائمة المطلوبين في السعودية، وهو الذي صنع القنبلة التي نقلها النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب وفشل في تفجيرها على متن رحلة متوجهة إلى ديترويت في ديسمبر 2009.
نقلت البيانات عن الخبراء القول إن المواد المكتشفة هي " بي تي ان " و"إيزايد الرصاص" وهي مواد شديدة الانفجار تستخدم في صواعق التفجير، مشيرة إلى أن شرطة دبي أحبطت عملية إرهابية كانت محتملة الحدوث في الجهة التي من المفترض أن تصل الطرود إليها في داخل اميركا.

تبني القاعدة للعملية

تبنى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في بيان له سلسلة عمليات فاشلة لارسال طرود ملغومة للولايات المتحدة و أوروبا، وأعلن مسؤوليته عن تحطم طائرة شحن تابعة لشركة يونايتد بارسيل سيرفس (يو.اس.بي) في دبي في سبتمبر أيلول 2010.

وممكن اعتباره هجوماً غير مسبوق يستهدف نظام الشحن الجوي، وهو أحد أركان الاقتصاد العالمي، وليست عملية نقل الركاب وتعهد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بتعميم فكرة الطرود المفخخة على النت لتوسيع دائرة تطبيقها لتشمل الطائرات المدنية في الغرب إضافة إلى طائرات الشحن.

أما شرطة دبي، فقد رفضت الربط بين الطرود المفخخة و سقوط طائرة UPS للشحن في سبتمبر/ أيلول 2010 في دبي.

إن الطريقة المعقدة التي تمت بها صناعة هاتين القنبلتين تدل على أنها من تنفيذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأن عددا من الأشخاص شاركوا في هذه العملية و أن المتفجرات التي استخدمت في الطرد كانت من نوع لا تستطيع أجهزة الأشعة أو الكلاب البوليسية اكتشافه، وأنه اكتشف بعد أن تلقت أجهزة الأمن معلومات استخباراتية بشأنه، و كانت الطرود معدة للتفجير بواسطة الموصل الحراري.

اعترافات تنظيم القاعدة

في مراجعة اصدار القاعدة /الملاحم ذي العدد السادس عشر، للسنة 2012 التابع لتنظيم اليمن والجزيرة العربية، ذكر اصدار الملاحم في صفحته 17 بقلم يحيى ابراهيم تحت موضوع " عبوات الاستنزاف " قائلا ان عملية الطرود البريدية التي احدثت ضجة في المطارات العالمية واثارت الذعر عند الغرب لم تكلف تنظيم القاعدة غير مبلغ 4300 دولار اميركي، بضمنها شراء هاتفان ب 150 دولار للواحد وطابعتان كمبيوتر بسعر 300 دولار للواحدة اضافة الى نفقات المواصلات والشحن لتصل الى مبلغ 4200 دولار اميركي. ولم تستغرق العملية اكثر من ثلاثة اشهر للاعداد اليها.امافريق العمل الذي كان وراء عملية الطرود البريدية المفخخة فكان يتكون من ستة اشخاص فقط.

اكدت بيانات التنظيم، بان القنبلتين تم صنعهما من "بي تي ان " و"إيزايد الرصاص" وهي مواد شديدة الانفجار تستخدم في صواعق التفجير. وتم الاستغناء عن استخدام المعادن لتجنب كشفها بواسة الاشعة واعتماد طريقة جديدة في صعق المواد المتفجرة كلها بدون استخدام المعادن. كذلك اعتمد فريق العمل على عملية التغليف الجيد وحبس ذرات المواد المتفجرة في حيز مغلق ويمنع تطايرها، ثم اعتماد الغسل المتكرر للعبوات من الخارج بالمذيبات العضوية ليمنع انتشار المواد من الانتشار على جدار العبوة لتجنب اكتشافها من قبل الكلاب البوليسية بواسطة حاسة الشم. كما تم افراغ الحبر من الطابعة وابداله في مادة ال (بي اي تي ان) مع صاعق من ازيد الرصاص لتكون عبوة ناسفة بواسطة هاتف محمول.

اعترفت القاعدة في اصدارها بان الهدف من العملية كان اقتصاديا واضافة حالة الصدمة والرعب داخل المطارات. وان القاعدة في الجزيرة العربية واليمن اختارت طائرات الشحن اكثر من طائرات المسافرين التي كانت اخرها محاولة المواطن النايجيري فاروق عبد المطلب على متن طائرة اميركية متجهة من مطار امستردام في هولندا الى الولايات المتحدة الاميركية عشية اعياد الميلاد عام 2009. واعتبر تنظيم القاعدة طائرات الشحن كهدف لا يجلب الانتباه والاهتمام من قبل الوكالات الاستخبارية واجهزة الامن والحماية.

وكان التنظيم يهدف من هذه العملية الى استنزاف اميركا والغرب اقتصاديا بالاضافة الى حالة الرعب لما يكلفهما من اموال طائلة واستنزاف في متابعة امن وحماية الشحن الجوي مستقبلا اكثر من ايقاع الخسائر البشرية الذي بات معروفا في عمليات القاعدة الانتحارية. واضاف التنظيم في اصداره قائلا:" اننا نعلم ان طائرات الشحن الجوي ليس فيها الا قبطان ومساعد، لذا فان هدفنا من هذه العملية ليس تحقيق اكبر عدد من القتلى وانما تحقيق اكبر حجم من الخسارة للاقتصاد الاميركي."

وكما كان متقوقعا فان العبوات فتشت في مكتب الفيدكس في عمان ومرت العبوتان من اجهزة الكشف في مطار صنعاء ولم تكتشف، فحسب ادعاء القاعدة في بيانها فان العبوة الاولى نجحت بالمرور من مطار صنعاء وفجرة الطائرة  UPSللشحن في سبتمبر/ أيلول الماضي المنطلقة من دبي (بواسطة الهاتف) رغم رفض سلطات دبي ربط هذه العملية بعملية الطرود المفخخة. أما الطرد الثاني فقد وصل الى بريطانيا ولولا المعلومات الاستخبارية لتفجيره العبوة الثانية.

ردود فعل الادارة الاميركية

كانت تصريحات الادارة الاميركية حول الطرود المفخخة وكيفية الكشف عنها يلفها الكثير من الغموض، حتى انها لم تشير الى الدولة او المطار التي تعرضت له القاعدة في عمليتها، واعطت شبكة السي ان ان الكثير من الاهمية في لقاءاتها المباشرة على الهواء مع مستشاري الامن القومي ومع رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس ومع عملاء ال س اي اية، لتخرج النتائج لاحقا بان عميلا للسعودية يعمل داخل تنظيم الجزيرة واليمن، كان مكلفا بتنفيذ العملية وقام الاخير باللجوء الى السعودية.

استخباريا: ان من يملك ارقام تسلسلات الطرود البريدية المفخخة التي خرجت من مطار صنعاء والتي اعلنت عنها شرطة دبي هو من يدير العملية، رغم اتهام الولايات المتحدة الاميركية المواطن السعودي الذي التحق بتنظيم اليمن والجزيرة العربية ابراهيم العسيري حيث أشارت صحيفة (واشنطن بوست) إلى أن المحققين يعتقدون أن هذا الشخص هو خبير المتفجرات السعودي إبراهيم حسن العسيري (28 عاماً)، وهو مقيم في اليمن ومدرج على قائمة المطلوبين في السعودية، وهو الذي صنع القنبلة التي نقلها النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب وفشل في تفجيرها على متن رحلة متوجهة إلى ديترويت في ديسمبر 2010. وممكن ان حصلت الولايات المتحدة المعلومات حول العسيري بعد قضية فاروق عبد المطلب /المواطن النايجيري والذي خضع لاستجواب القضاء والاستخبارات الاميركية داخل الولايات المتحدة نهاية عام 2009.
وقد رجح نائب مستشار الأمن القومي الأميركي أن يكون المواطن السعودي إبراهيم حسن العسيري، المتخصص في صنع القنابل في تنظيم القاعدة، هو الذي صنع القنبلتين بالإضافة إلى قنبلتين استخدمتا في محاولتين اخريين وقال: "إن الشخص الذي يصنع هذه القنابل، ومنها القنبلة التي استخدمها عمر فاروق عبد المطلب، والقنبلة التي استخدمها الشخص الذي حاول اغتيال الأمير محمد بن نايف في السعودية، والقنبلتين اللتين وجدتا في هذين الطردين، شخص خطير جدا، ومن الواضح أنه تلقى تدريبا جيدا ولديه خبرة كبيرة."

الاستخبارات السعودية

اي ان العملية تم الترتيب اليها من داخل الاراضي اليمنية وبادارة الاستخبارات السعودية وبدون علم او تنسيق الحكومة اليمنية و استخباراتها انذاك، حيث تم شحن الطرود واستلام بوليصة التسليم مع الأرقام التسلسلية لهذين الطردين باستخدام بطاقة هوية ورقم هاتف لامرأة ضحية بعد ذلك، قامت السعودية بابلاغ الأمريكيين بتلك المعلومات الاستخبارية لتؤكد السعودية امساكها بالوضع الامني في اليمن وفي نفس الوقت تعطي اشارة حسن النوايا للاستخبارات الاميركية في تعاونها المشترك الذي بات ضروريا من وجهة نظر السعودية لمحاربة الارهاب في المنطقة.

ان تنظيم اليمن والجزيرة العربية يضم الكثير من المقاتليين السعوديين المطلوبيين للحكومة السعودية والتي تسربت اعداد منهم الى داخل اليمن بعد تشديد الامن السعودي قبضته في متابعة التنظيم والمجموعات الجهادية داخل المملكة. ويستخدم اليمن ساحة بديلة " للجهاد ".اما السعودية فتتعامل استخباريا مع اليمن بانه الحديقة الخلفية ولا تفرط به.

المصالح الاميركية

أن استهداف تنظيم اليمن والجزيرة الولايات المتحدة يجعل الولايات المتحدة تنظر اليه بانه التنظيم الاكثر خطورة وتهديدا للولايات المتحدة والغرب اكثر من معاقله في افغانستان كون اهدافه لم تعد محدودة داخل اليمن والجزيرة بقدر ما يهدد مصالح الولايات المتحدة ويعطي مبرر للولايات المتحدة وبريطانيا والغرب بالتدخل في شؤون اليمن. الولايات المتحدة الاميركية لا تخفي قلقها ازاء وجود تنظيم القاعدة في اليمن الذي بات يهدد مستقبل التجارة الدولية عبر مضيق باب المندب والذي لايبعد كثيرا عن القرصنة في القرن الافريقي وسواحل الصومال.

تحتاج اليمن خلال فترتها الانتقالية هذه، الى دعم دولي اكبر لمواجهة الارهاب والنهوض بمقومات الدولة اليمنية عكس ماجاء في مؤتمر الرياض الاخير في سبتمبر2012 للدول المانحة لليمن والذي اعده المراقبون بخيبة الامل. اليمن، ممكن ان يمثل جغرافية امتداد للتنظيمات الجهادية والقاعدة في القرن الافريقي وسواحل الصومال بسبب ما موجود من تداخل جغرافي وديموغرافي للمنطقة ولكنه في نفس الوقت ان يكون الحزام الامني العازل، يحمي المنطقة ان تم اعداده بشكل جيد وهي تشبه معالجة الحرائق بالحرائق. ارى ان اليمن يمثل بعدا امنيا لدول المنطقة، وتهديد امن اليمن سيفتح الفوضى على كل الاحتمالات في المنطقة وسوف لا تكون اليمن هي الخاسر الوحيد بل الولايات المتحدة ودول المنطقة بالكامل.

اما عدن ومدن الجنوب فهي المدن الاكثر تضررا من تنظيم القاعدة وانصار الشريعة وهي مازالت تعاني الكثير من الدمار ومن سيطرة امراء الحرب والجهاد اللذين لايترددون من التلويح بمسك مضيق باب المندب وتهديد الملاحة العالمية تحتاج الى النهوض بالبنى التحتية ومعالجة البطالة.

كاتب في قضايا الارهاب والاستخبار

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/تشرين الأول/2012 - 22/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م